الانجيل لغاته ترجماته وبعض تواريخه. الجزء الاول العهد القديم



Holy_bible_1



مقدمة

الرب استخدم كثيرين من رجال الله المسوقين من الروح القدس ولم يفرق في العهد الجديد بين اليهود والامميين فمعلمنا لوقا كان اممي لان كنيسة العهد الجديد كنيسة واحدة

ايضا الرب استغل اسلوب بشر كثيرين لكتابة الوحي ولكن بدقة فنجد الكتاب المقدس به نسخ وشعر وتاريخ وقصص وحكم وادب وتعليم انذار وتوبيخ وادب وفلسفه . اساليب مختلفة ولكن كلها تؤدي للانسان الي الرب

رجال مختلفين ولكن كله كتاب الله . اساليب مختلفة ولكن فكر واحد . وهذا لان الله لا يقيده انسان فالرب لا يحتاج انسان معين في منطقة معينة بثقافة معين وغير ذلك لا يصلح ولكن الرب لا تحده حدود يقدر يستخدم اي انسان في اي زمان وباي ثقافة وباي اسلوب ليبلغ فكر الله

الروح القدس قاد هؤلاء الاربعين رجل علي مدار اكثر من 1500 سنه ( بل قد تصل الي 2000 سنة ) وقدموا فكر واحد وهو الخلاص

وكل هؤلاء كتبوا ولم يقدموا خطا واحد لاعلميا وتاريخيا ولا جغرافيا وزمنيا

ايضا هذا الكتاب الرائع كتب بلغات مختلفة وايضا فكر واحد

اللغة العبرية تعتبر واحده من اللغات السامية القديمة وتعتبر من ضمن الاساس بعد وقد يكون قبل بلبلة الالسن

اللغة الارامية التي هي ايضا احد اللغات القديمة الرائعة والمعبرة

العهد الجديد اتكتب باللغه اليونانية التي كانت منتشره والرب اعد لنفسه في ملئ الزمان ان ياتي تكون فيه لغة مثل اليونانية سائدة علي العالم لغة رائعة وثابته تكفي للتعبير عن الوحي الالهي

وهي لغة كوني يوناني وهي لغة تشبة اللغه العامية الدقيقة مفهومة لكل الفئات وبها مصطلحات للعبرانيين وبها اصطلاحات فلسفية يفهمها الفلاسفة وبها اصطلاحات علمية يفهمها العلماء ولكن في النهاية هي لغة عامية للكل

ولهذا انجيلنا يفهم للكل وليس حكرا علي فئة قليلة والعامة لا ومع هذا يجد فيه المتخصصين المدققين اشياء رائعه اروع من اي كتاب متخصص في علمهم

وهو لا يحتاج الي ان يقراؤه انسان مرجعية في اللغه ليفسره للاخري ودون ذلك لا يفهم بل علي اعكس الكل يقروه ويفهمه ويشبع منه

اسلوب الكتابة كما شرحت سابقا في الوحي الكتابي ان الرب لم يرسل ملاك ليحفظ كتبة الوحي بالحرف ولكنه استخدم كل رجال الله القديسين المسوقين بالروح القديم

يستخدم فكرهم وثقافتهم وامثالهم وبيئتهم فلسفتهم ليقولوا تعبيرات دقيقة جدا تعبر عن الامور اللاهوتية بدون خطأ واحد وهذا لانهم كانوا مسوقين بالروح القدس كلهم



نسخ الكتاب المقدس وترجمته

نسخ الكتاب المقدس من الاصل وبقيت النسخ ولم يبقي الاصل لا العهد القديم ولا العهد الجديد وهذا شيئ مهم لان الانسان يميل الي تقديس الماده وهذا ليس بخطأ ولكنه بعد تقديس المادة ممكن ان يتحول الي عبادتها في ذاتها وهذا خطأ سقط فيه الكثيرين في العهد القديم مثلما قال الكتاب عن الحية النحاسية

سفر العدد 21: 9

 

فَصَنَعَ مُوسَى حَيَّةً مِنْ نُحَاسٍ وَوَضَعَهَا عَلَى الرَّايَةِ، فَكَانَ مَتَى لَدَغَتْ حَيَّةٌ إِنْسَانًا وَنَظَرَ إِلَى حَيَّةِ النُّحَاسِ يَحْيَا.



ولكنهم بدؤا يعبدوها في ذاتها

سفر الملوك الثاني 18: 4

 

هُوَ أَزَالَ الْمُرْتَفَعَاتِ، وَكَسَّرَ التَّمَاثِيلَ، وَقَطَّعَ السَّوَارِيَ، وَسَحَقَ حَيَّةَ النُّحَاسِ الَّتِي عَمِلَهَا مُوسَى لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا إِلَى تِلْكَ الأَيَّامِ يُوقِدُونَ لَهَا وَدَعَوْهَا «نَحُشْتَانَ».



ايضا موسي الشخص نفسه الذي ياخذ من الله ويخبر الشعب وظهر لهم الرب كاد الشعب ان يتركوا الله ويعبدوا موسي لهذا اخفي الرب جسد موسي لكي لا يعبدة الشعب

وهذا بالفعل من الممكن حدوثه من كثرة تقديس اصول الكتاب فقد يصل بعضهم لعبادة هذه الاصول والرب يريد ان يحمي ابناؤه من العثرات



العهد القديم



نسخ العهد القديم امر دقيق جدا وهو زمنه يعود اولا الي مدرسة عزرا والكتبه

وجزء من هؤلاء الكتبه كانوا مسؤلين عن نسخ العهد القديم بمنتهي الدقة وبالطبع بعضهم كان مسؤلين عن مراعاة تطبيق الاحكام وهؤلاء الذين اخطؤا في التطبيق وكان يدينهم الرب يسوع ولكن النساخ كانوا امناء

استمر هذا الامر بدقة الي ميلاد رب المجد وبعده حتي اتي القرن السادس وتولي مسؤلية نسخ العهد القديم مجموعة يسموا المسوريين بجوار طبرية

والناسخ وهو ينسخ العبري وهو لا يعتمد علي الاملاء هذا مرفوض لديهم ولكن بالنقل وكان الناسخ يصنع سطور رقيقه جدا في الرق وعدد السطور التي يصنعها لابد ان يكون مساوي لعدد السطور للمخطوطة التي ينقل منها ويبدا بالنقل عليه من اول السطر وكل سطر يجب ان يبدا بنفس الكلمة للمخطوطة التي ينقل منها وينتهي بنفس الكلمة في المخطوطة التي ينقل منها ايضا

وهو ايضا ينسخ حرف حرف ويترك نفس المسافات بين الحروف الذي يسمي شعره وبعض الكلمات في نهاية الفقرات يترك اربع مسافات ويجب ان ينتهي العمود بنفس الكلمة التي في المخطوطة التي ينقل منها وايضا الصفحة

ثم ياتي شخص اخر ليراجع الذي تم نسخه بواسطة الناسخ الاول وهو يراجعها بالطول بعد السطور وبالعضر عدد الكلمات في كل سطر ثم يعد عدد الكلمات الكلي في المخطوطة وكل هذا يجب ان يطابق المخطوطة التي ينسخ منها وايضا عدد الكلمات الكلي يري الكلمة الوسطي ويفحصها ويتاكد انها نفس الكلمه بمعني ان لو المخطوطه بها مثلا 300 كلمة تكون الكلمة رقم 150 هي الوسطي ولا بد ان تتطابق في المخطوطتين . فهو بهذا يتاكد انه لايوجد خطا واحد في النسخة الجديدة لو وجد بها خطأ صالح للتصحيح فيصحح لو لايصلح ان يتم تصليحه كانت اما ان تستخدم في التعليم للاطفال في الكتوب ( ما يشبه الكتاب ) او كانت تحرق او تدفن

وهذا ما هو بين ايادينا حتي الان من ادق ما يكون في نسخ الكتابات القديمة

مخطوطات البحر الميت

التي بدأ اكتشافها في عام 1947م تعتبر مجموعة ضخمة من مادة غزيرة من الماضي البعيد تلقي ضوءاً ساطعاً على تاريخ نصوص العهد القديم، كما تم أيضاً اكتشاف مادة جديدة، اكتشف بعضها قبل مخطوطات البحر الميت، لكنها لم تدرس من قبل دراسة كافية. فقد قام إبراهيم فيركوفيتش (Virkovitch) في القرن التاسع عشر بجمع عدد ضخم من مخطوطات العهد في مكتبة ليننجراد، ولكن لم يعرف العالم الغربي سوى القليل عن نتائج دراستها، كما اكتشف في خزانة معبد اليهود بالقاهرة (Cairo Geniza) ما يقرب من مائتي ألف قصاصة وقطعة من المخطوطات العبرية والأرامية مختلفة الأشكال، نقلت إلى المتاحف و المكتبات الغربية، ولكن تأخرت دراستها دراسة شاملة.

كما أن هناك مصدراً آخر لمعلومات جديدة لم يكن متاحاً من قبل، وهو مخطوطة العهد القديم التي كانت محفوظة في مجمع السفارديم (الكتبة) في حلب. وكان العلماء - في أوائل القرن العشرين - يعتقدون أن هذه المخطوطة كتبها "هارون بن أشير" أحد علماء اليهود البارزين، ومن ثم فهي تعتبر أهم دليل على سلامة النص الماسوري، إلا أنه لم يكن من الميسور الحصول عليها لدراستها، لأن من كانت في حوزتهم لم يسمحوا لأحد بدراستها أو تصويرها. ولكن بعد احتراق مجمع حلب في مظاهرات 1948م، خُشي أن تكون هذه النسخة - التي لا يمكن أن تعوض - قد تعرضت للضياع أو ذهبت طعمة للنيران، ولكن ظهر فيما بعد أنه قد تم انقاذ ثلاثة أرباعها ونقلت الى أورشليم حيث تدرس الآن بعناية فائقة.

 

ثانياً: مسح موجز لتاريخ النص العبري:

( أ ) الفترة بين كتابة الأسفار المقدسة حتى خراب أورشليم في عام 70م: لم يكن هناك - قبل اكتشاف مخطوطات البحر الميت - مرجع أكيد مباشر سوى ما يمكن تجميعه من مقارنة النصوص بأسفار موسى الخمسة في النسخة السامرية، أو بمقارنتها بالترجمة السبعينية، وهو ما سيتم تناوله تحت عنوان "الترجمات". ويكفينا هنا أن نذكر أننا لا نعالج هنا تاريخاً لكتب عادية بل تاريخ كتب على أكبر قدر من الأهمية، فالمسيحيون يؤمنون أن هذه الكتب كتب مقدسة منذ كتابتها، فقد أوحى الله بها إلى كاتبها وحفظهم من الخطأ فيما كتبوه، وقد اختارهم أناساً ذوي خبرات وخلفيات خاصة وشخصيات قوية تؤهلهم لتدوين ما يريده هو. كما أرشدهم أيضاً إلى ما يكتبون وأعلن لهم الكثير من الحقائق و الأفكار الجديدة، ووجه نشاطهم وعملهم حتى لا يخطئوا في اختيار الكلمات الدقيقة للتعبير عن هذه الحقائق و التعاليم والأحكام. وهذه الكتب - حسب العقيدة المسيحية - قد سلَّمها كَّتابها لشعب اللـه باعتبارها كتباً إلهيه لا بد من المحافظة عليها جيداً ودراستها بعناية.

وهذا ما نجده مسطوراً في أسفار الناموس التي أمر موسى أن يحفظ نسخة منها في قدس الأقداس (تث 26:31)، كما أوجب أن تكون هناك نسخة منها أمام الملك على الدوام ليدرسها بعناية و يسلك بمقتضاها في كل أوجه نشاطه (تث 18:7 و19) .

ونظراً للمكانة السامية المقدسة لهذه الكتب، فلا بد أنها حفظت بعناية فائقة، ولكن ليس معنى ذلك أنه لم يتسرب إلى النصوص أي خطأ، فالكتاب المقدس ظل ينسخ باليد من نسَّاخ مختلفين مراراً بلا عدد على مدى قرون طويلة، ومن المستحيل أن يقوم إنسان بنسخ أي كتاب دون أن يقع منه أي خطأ، فمهما كانت الدقة والمراجعة، لابد أن تفلت بعض الأخطاء وتجد طريقها الى المخطوطات الرسمية التي تحتفظ بها قادة الأمة. ولكن مما لا شك فيه أن هذه النسخ الرسمية التي أُعدت وروجعت بعناية فائقة، تكاد تخلوا من الأخطاء . وعملية المراجعة المستمرة كانت تنقح هذه الاخطاء وتصححها مباشره وتبقي النص الاصلي بدون خطا واحد . ومع أنه لا يوجد ثمة دليل صريح معاصر، إلا أن اكتشافات خرائب قمران (فيما بين 1947-1956) بالقرب من البحر الميت - حيث وجدت غرفة لحفظ مخطوطات أسفار الكتاب المقدس، وحيث كانت تنسخ هذه المخطوطات باستمرار لأعضاء هذه الجماعة المتنسكة - تبين مدى انتشار الكتب المقدسة في القرون التي سبقت ولادة المسيح مباشرة، ولا بد أنها كانت قد انتشرت على هذا المنوال في القرون السابقة. وكانت هذه النسخ غالية الثمن جداً، فكان غالبية سكان الجهات النائية - بدلاً من السفر إلى أورشليم وتكبدهم للنفقات الباهظة للحصول على نسخة منقولة عن نسخة رسمية - يكتفون بشراء نسخة منقولة عن نسخة محلية، مما كان لا بد معه من تسرب الأخطاء بمرور الوقت، وهكذا نشأت مجموعات (مدارس) مختلفة من المخطوطات، كما حدث مع أسفار العهد الجديد.

لكن فبل اكتشاف مخطوطات وادي القمران، لم يكن هناك أي دليل عبري على حدوث مثل هذه التطورات، ولكن الاختلافات بين النصوص في الترجمة السبعينية والتوراة السامرية، أوضحت احتمال وجود مثل هذه المجموعات (المدارس) من النصوص في الأجزاء المختلفة من البلاد، ومما لاشك فيه أن الأخطاء في النص الرسمي الذي كان محفوظاً في أورشليم، كانت أقل ما يمكن.

(أ‌)   الفترة من خراب أورشليم حتى 900م :ظهرت في تلك الحقبة الأهمية القصوى للأسفار المقدسة، فقد كان من الممكن أن يفقد اليهود هويتهم تماماً بعد تدمير الهيكل وخراب أورشليم، لولا اهتمامهم الشديد بوحدتهم الدينية وبأسفار العهد القديم كأساس لهذه الوحدة. فاجتمعت فرق من الربيين (المعلمين اليهود) في مختلف مناطق فلسطين لدراسة المشاكل المتعلقة بالعهد القديم، وللوصول إلى نتائج يستطيعون الدفاع عنها في علاقاتهم باليهود الآخرين وغيرهم. وكان أحد أهدافهم الأساسية هو المحافظة على سلامة الأسفار المقدسة.

وفي خلال القرون السابقة وخلال شطر كبير من هذه الفترة ، كان يطلق على القائمين بهذا العمل اسم "السوفريم" أي "الكتبة" ثم أطلق عليهم أخيراً اسم "الماسوريين" (masoretes) أي "أساتذة التقليد" .

وقد أكد أكيبا (Akiba) - أحد قادة الربيين في بداية هذه الحقبة أهمية استخدام التقليد "كسور حول الشريعة" لحفظ سلامتها. ولكي يحققوا ذلك، أخذ الكتبة في إحصاء عدد الحروف وعدد الكلمات وعدد الآيات في كل جزء مع تحديد الحرف الأوسط و الكلمة الوسطى في كل جزء أيضاً، وتسجيل كل الملحوظات و الحقائق المرتبطة بهذا الغرض، ولا نعلم سوى القليل جداً عن جهودهم الشاقة في هذا السبيل رغم أن بعض مناقشاتهم مسجلة في التلمود، و الكثير من العلامات التي وضعها الكتبة في مواضع مختلفة من الأسفار وبعض الحواشي قد أدمجت في النسخ الماسورية المتأخرة، رغم أن معاني البعض منها و كذلك الهدف منها كانت قد نسيت في ذلك الوقت.

ولسنا نعلم متى بدأ استخدام لقب "ماسوري". ولكن في نحو 800م أطلق هذا اللقب - بدلاً من لقب "الكتبة" - الذين كرسوا أنفسهم للمحافظة على الأسفار المقدسة. وكانت أمامهم مسائل كثيرة تقتضي المعادلة، ومن أهمها الاهتمام بالنطق السليم للكلمات، وطريقة تلاوتها في أثناء الخدمة، وبخاصة إذا علمنا أنه لم تكن تكتب سوى الحروف الساكنة، ولقد بذلت مجهودات عظيمة في ذلك العمل فيما بين 800، 900م. وقد لقيت النتيجة التي توصلوا إليها قبولاً واسعاً، فحلت محل غالبية المخطوطات السابقة. ونظراً لأنهم (الماسوريين) قد قاموا بعملهم على أكمل وجه، لم يعد يطلق هذا اللقب على أحد فيما بعد ذلك، وأصبح هذا النص العبري يعرف باسم "النص الماسوري".

وأطلق فيما بعد على العلماء الذين اهتموا بدراسة أعمال الماسوريين و المحافظة على سلامة النصوص، لقب "النحويين" أو "المرقمين" (أي واضعي علامات الترقيم). وفي القرون التالية تم نسخ العديد من المخطوطات نقلاً عن النص الماسوري، وهي متناسقة إلى أبعد حد رغم كتابتها في مناطق متباعدة من العالم. ولقد وضع دارسوا العهد القديم والمخطوطات نظريات عديدة عن علاقة النص الماسوري بالنص الأصلي للأسفار، سنعرض لها فيما بعد.

 

ثالثاً: الكتابة بالحروف الساكنة وأهمية الحروف المتحركة:

إن الكتابة تقصر بعض الشيء عن نقل ألفاظ المتحدث ونبراته، فالتعبير الشفوي فيه عدة ملامح لا يمكن تسجيلها كتابة، وقد أدخلت في اللغات الحديثة علامات الترقيم لتعطي فكرة أدق للتعبير عن نبرات صوت المتحدث. وهذه العلامات لم تكن معروفة في اللغة العبرية القديمة، بالإضافة إلى أن للكتابة في اللغات السامية القديمة لم تكن تعبر عن كل الفكرة كما تعبر عنها اللغات الحديثة، نظراً لأنه في غالبية الأحوال لم تكن تكتب من الكلمة سوى الحروف الساكنة (فيما عدا الخط المسماري)، ولم يكن ثمة سوى القليل من الحروف المتحركة، أو لم يكن هناك شيء منها على الإطلاق. ولم يكن هذا عيباً كبيرًا فيها، كما هو الحال في معظم اللغات الحديثة، وذلك لأن جذور الكلمات في اللغة السامية كانت تتكون من حروف ساكنة، ولم تكن وظيفة الحروف المتحركة إلا تسهيل نطق الحروف الساكنة، ونقل فكرة عن صورة الحديث وزمنه وصيغته وأُسلوبه وكل ما يتعلق به، بل حتى اللغات الهندوأوربية لا تصعب قراءتها بدون حروف متحركة.

ولكن الكلمة المكتوبة بالحروف الساكنة فقط ـ بدون حروف متحركة يمكن النطق بها بطرق مختلفة، ولكن من سياق الكلام يمكن أن نتبين نطقها الصحيح.

وبعد السبي البابلي حلت اللغة الأرامية تدريجياً محل اللغة العبرية، حتى صار استعمال العبرية في النهاية قاصراً على الأغراض الدينية والأدبية فقط . واستمر استخدامها في خدمة المجمع، كما كان الناس يقرأون أسفار العهد القديم في بيوتهم بالعبرية. وقد سمع الأطفال ذلك النص مراراً وأصبح هناك ميل إلى الحفاظ على هذا التقليد شفوياً حيث كانت تنطق الحروف المتحركة في مواضع محددة . ومن الطبيعي جداً أن يتغير نطق الحروف الساكنة والمتحركة عبر القرون الطويلة، متأثرة في ذلك باللغة العامية المستخدمة في الحديث، سواء في الأرامية أو اليونانية أو العبرية. وأخيراً تبين لحراس الكتب المقدسة، ضرورة إيجاد طريقة أفضل لإحكام نطق الحروف المتحركة بدلاً من مجرد وجود هذه الحروف أو عدم وجودها ، فاهتدت مراكز العلم اليهودية في بابل، إلى نظام وضع النقط أو بعض العلامات الأخرى فوق حروف معينة لتدل على الحرف المتحرك التالي ونشأ في فلسطين نظام آخر شبيه إلى حد ما بالسابق. ثم نشأ نظام ثالث في طبرية في فلسطين، استبدلت فيه العلامات التي كانت توضع تحت الحروف الساكنة في النظام السابق، بعلامات توضع فوقها،وسرعان ما ساد هذا النظام، واستخدم فيما بعد ذلك في نسخ المخطوطات ثم في طباعة الكتب العبرية.

 

رابعاً: أنواع المخطوطات: هناك نموذجان للمخطوطات العبرية، أولهما كان للاستخدام في المجمع، والثاني للاستخدام الفردي. وكانت مخطوطات المجمع تشمل أحياناً على الأجزاء المختارة من العهد القديم للقراءة في العبادة المنتظمة في المجمع. أما أسفار موسى الخمسة فكانت في مخطوطة واحدة لأنها كانت تقرأ بانتظام كل يوم سبت. ومع القراءة الأسبوعية المنتظمة من أسفار الناموس، أصبح من المعتاد قراءة فقرات مناسبة من القسم الثاني من التوراة العبرية الذي يعرف باسم "هفتاروث" (Haphtaroth) ، سبق إختيارها منذ وقت مبكر. وكانت هذه المختارات تدون أحياناً في درج واحد. فمثلاً سفر أستير الذي يقرأ في عيد الفوريم و الكتب الأربعة الأخرى و التي تقرأ في أعياد معينة، جمعت في أدراج مستقلة عرفت باسم "مجلوت" أي "الأدراج".

ويذكر التلمود القواعد الدقيقة التي كانت تنسخ بموجبها مخطوطات المجمع، التي كانت تكتب على شكل أدراج أو لفائف وليس على شكل الكتب الحديثة، وكانت تستخدم لكتابتها رقوق من جلود حيوانات طاهرة، وكان لابد لكتابة النص بعناية فائقة، باستخدام الحبر الأسود الذي يمكن إزالته، وبدون كتابة حروف متحركة أو علامات التشكيل. ولم يكن الناسخ يكتب حرفاً واحداً دون الرجوع الى الأصل الذي ينقل عنه. أما الكلمات الغربية و النقط الشاذة و الحروف غير العادية في حجمها أو موضعها أو شكلها، فكان يلزم كتابتها بعناية بالغة، وكان يجب أن تراجع المخطوطة في غضون ثلاثين يوماً من كتابتها، وتعدم الصفحة إذا وجد بها أربع أخطاء.

والنسخ المتاحة الآن للدراسة من مخطوطات المجامع قليلة، فلخوفهم عليها من انتهاك قدسيتها، كانوا يعدمونها بالحرق إذا ما تهرأت من كثرة الاستعمال.

أما النسخ الخاصة بالأفراد سواء للدراسة أو القراءات العائلية، فكانت غالية الثمن لأنها منسوخة باليد. أما علية القوم فكانوا يستأجرون كتبة ممتازين ينسخوا لهم الأدراج ويراجعوها بدقة فائقة. وهناك نسخ تبدو العجلة في كتابتها. وعدد النسخ الخاصة أكبر بكثير من نسخ المجامع، لأن اليهودية كانت تفرض على كل يهودي أن تكون عنده نسخة واحدة - على الأقل - من الشريعة.

وكانت النسخ الخاصة تشتمل على كل العهد القديم أحياناً، ولكنها في أغلب الأحوال كانت تضم جزءاً منها أو سفراً واحداً. ورغم وجود هذه المخطوطات - في بعض الأحيان - على شكل لفائف، لكنها كانت عادة على شكل كتب من مختلف الأحجام. وكانت المخطوطة أحياناً من رقوق أو جلود، ولكنها كانت في الغالب من نسيج من القطن، كما كانت الكتابة عليها بالحبر الأسود وبالحروف المتحركة وعلامات التشكيل. كما كانت حواشيها العليا و السفلى و الجانبية تشتمل على تعليقات "ماسورية" وقراءات مختلفة. ونجد - أحياناً - بجوار النص شرحاً لأحد الربيين البارزين. كما كانت كثيراً ما تشتمل على ترجمة للنص إما بالآرامية (الترجوم) أو بالعربية أو بلغة أخرى. وكانت الحروف الساكنة تكتب أولاً - عادة - أما الحروف المتحركة وعلامات التشكيل فتضاف في مرحلة تالية بمعرفة شخص آخر غير الناسخ الأصلي - في أغلب الأحيان - وبقلم وحبر مختلفين أيضاً.

وكثيراً ما كانت تتداول المخطوطة الواحدة أياد كثيرة في أثناء إعدادها، فواحد يكتب الحروف الساكنة، وثاني يضيف الحروف المتحركة، ثم يأتي ثالث لمراجعتها، ورابع يضيف الحواشي، وخامس يعيد ما انطمس بفعل الزمن أو لكثرة الاستعمال. وكثيراً ما كانت تزخرف الكلمات أو الحروف الأساسية، بالإضافة إلى تزيين الهوامش بصور الأزهار أو الأشجار أو الحيوانات. وكثيراً ما كانت المخطوطة تشتمل في ختامها على حاشية بأسماء من قام بالعمل فيها مع بعض معلومات أخرى عن المخطوطة.

ويعسر كثيراً تحديد عمر المخطوطة العبرية وذلك لأن المخطوطات كانت تنسخ في أماكن عديدة، بالإضافة الى اختلاف شكل الكتابة باختلاف الأماكن، فليس من السهل تحديد عمر المخطوطة بدراسة طريقة الكتابة. ولكن كانت الحاشية الأخيرة - في بعض المخطوطات - تحدد زمن كتابة المخطوطة، ولكن كثيراً ما كانت تغفل كتابة ذلك، أو تكتب في صورة يصعب فهمها، فقد تكون السنة المذكورة منسوبة الى بدء الخليقة - على حسب زعمهم - أو إلى خراب الهيكل الثاني، أو حسب التقويم الهجري في بعض المخطوطات المكتوبة في البلاد العربية، أو بالنسبة لعصر السلوقيين، وهو ما كان يحدث كثيراً.

وكثيراً ما كانت تغفل كتابة رقم الالاف للسنين، بل وأحياناً رقم المئات أيضاً، كما يحدث أحياناً الآن. كما أن الحاشية الأخيرة قد تكون منقولة - كما هي - عن نسخة أقدم. ولحسن الحظ نجد بعضها يسجل تاريخين أو ثلاثة تواريخ أو أكثر مما يساعد كثيراً على تحديد التاريخ المقصود. فعلى سبيل المثال، نجد في حاشية مخطوطة ليننجراد >B19a< أنه قد تم إعداد هذه المخطوطة في: (1) سنة 4770من خلق العالم، (2) في سنة 1444من سبي يهوياكين، (3) في سنة 319من الإمبراطورية اليونانية،(4) في سنة 940من تدمير الهيكل الثاني، (5) في سنة 399من حكم القرن الصغير.

وطبقاً للتقدير اليهودي لتاريخ خلق العالم فإن أول هذه التواريخ يوافق عام 1010م، أما التاريخ الثالث - إذا اعتبرنا رقم الآلاف محذوفاً - فإنه يوافق 1008م (1319سنة بعد سنة 312ق.م.). أما التاريخ الرابع فيوافق سنة 1009م. أما الخامس و الخاص بتاريخ القرن الصغير، فيوافق - حسب التقويم الهجري لأنها كتبت في طبرية في أثناء حكم العرب - 1008م. أما التاريخ المحسوب من سبي الملك يهوياكين فلا يتفق مع التواريخ الأخرى، ولعل السبب في ذلك هو خطأ العبارة الواردة في الترجوم بأن العصر الفارسي (الذي امتد من 539ق.م. حتى 331ق.م) لم يدم سوى جيل واحد. واتفاق أربعة تواريخ يجعل الرأي المقبول لتاريخ هذه المخطوطة هو 1008م.

 

خامساً:أقسام الأسفار الإلهية :إن تقسيم الكتاب المقدس إلى أصحاحات وأعداد(آيات) لم يكن معروفاً حتى القرن السادس عشر الميلادي. فقد كتبت الأسفار المقدسة ـ أصلاً ـ بغير أقسام فرعية، بل وبلا عناوين عادة. وكان يطلق على السفر قديماً الكلمات الافتتاحية له .

وأول تقسيم للنص العبري كان تقسيمه إلى آيات غير مرقمة، ولعل ذلك قد تم في زمن مبكر جداً. وقد اكتشفت مؤخراً مخطوطة يرجع تاريخها إلى ما قبل ميلاد المسيح بقليل، مقسمة إلى آيات، تكاد تتفق مع ما في النسخ العبرية الحديثة للعهد القديم، دون أي إشارة إلى ترقيم، وبدون التقسيم إلى أصحاحات. وبينما نجد التقسيم إلى آيات محكماً على وجه العموم، إلا أن هذا لا يتوفر في كل الحالات، فقد نجد الآية الواحدة تضم جملتين مستقلتين، بينما لا تشتمل آية أخرى إلا على جزء صغير من جملة. ولعل أوضح مثال لذلك هو مز 19: 4 حيث تضم هذه الآية الكلمات القليلة الأخيرة من جملة (في الآية السابقة) والكلمات القليلة الأولى من الجملة التالية.

وكانت الخطوة التالية هي تقسيم كل أسفار العهد القديم (ما عدا سفر المزامير الذي كان مقسماً بطبيعته) إلى 452 قسماً تسمى"سداريم" أي "الترتيب" منها 154 قسماً للأسفار الخمسة الأولى. ويقال أن يهود فلسطين اعتادوا أن يقرأوا بالتتابع جزءاً منها كل أسبوع في خدمات المجمع إلى أن ينتهوا من أسفار موسى في ثلاث سنوات. وظلوا هكذا حتى نهاية القرن الخامس عشر عند طرد اليهود من أسبانيا، فتغيرت هذه العادة إلى قراءة كل الأسفار الخمسة في خلال عام واحد فقط.

ثم قسمت أسفار موسى الخمسة بعد ذلك إلى أربعة وخمسين جزءاً حتى يمكن قراءتها في أيام السبوت في خلال عام واحد تقريباً. وتتفق نهايات هذه الأقسام الكبيرة مع نهايات كل ثلاثة من الأقسام الصغيرة. وما زالت هذه الأقسام مستخدمة في التوراة العبرية.

أما التقسيم إلى أصحاحات فلم يتم إلا في القرن الثالث عشر الميلادي، ويرجح أن الذي قام به رئيس أساقفة إنجليزي، قام به أولاً في الكتاب المقدس في اللاتينية، ولم يلبث اليهود أن أدركوا قيمة هذه التقسيمات فعملوا بها في كتبهم بنفس التقسيم الذي قام به ذلك الأسقف مع بعض التعديلات القليلة.

ولقد كان سفر صموئيل الأول والثاني في الأصل سفرًا واحدًا ولكن تم تقسيمه إلى سفرين مستقلين عند طباعة الكتاب المقدس في القرن السادس عشر، وهو ما حدث أيضاً بالنسبة لسفري الملوك الأول و الثاني، وسفري أخبار الأيام الأول والثاني.

سادساً: عمل الكتبة: إن الرجال الذين كرسوا أنفسهم للمحافظة على الأسفار المقدسة ونقلها، منذ زمن عزرا الى زمن "الماسوريين"، يطلق عليهم في المخطوطات العبرية اسم "السوفريم" (Sopherim) أي "الكتبة". وقد يوحي هذا الاسم بأنهم لم يكونوا سوى "نسَّاخ" والكلمة العبرية التي تعني "يكتب" هي "كَتَبَ" (كما في العربية)، وترد أكثر من مائتي مرة في العهد القديم، أما كلمة "سافار" (التي جاء منها الاسم "السوفريم") فمعناها "يحصى". وقد جاء في التلمود بأن حافظي الكتب يدعون "سوفريم" لأنهم يحصون الحروف والكلمات في كل قسم من أقسام الكتاب المقدس. وفي الواقع لم يكن "السوفر" مجرد ناسخ بل كان يعد القوائم ويتابع التفاصيل ويشرف على مختلف أوجه العمل. وأصبح الاسم أخيراً يطلق على كل من يكرس نفسه لكل عمل شرعي أو أدبي.

وفي أثناء تلك الحقبة الطويلة التي سبقت زمن"الماسوريين" لم تسجل سوى معلومات قليلة عن أنشطة الكتبة فيما يتعلق بالأسفار المقدسة، ولكن يمكن استنتاج الكثير من المعلومات عن نشاطهم مما سجلوه على شكل علامات أو حواشٍ .

ومن الواضح أنهم في سعيهم للمحافظة على سلامة النص من التغيير أو الإضافة كانوا يحصون عدد الكلمات في كل قسم وعدد الآيات والفقرات.وكانوا يكتبون ـ أحياناً ـ ملحوظات في الهوامش أو يكتبون حروفاً معينة بطريقة غير مألوفة، أو يضعون نقطاً أو غيرها من العلامات في أماكن مختلفة. وكانت هذه الملحوظات الغريبة تنسخ في المخطوطات الجديدة، وهكذا احتفظت بها مخطوطات الماسوريين ولو أن القصد من البعض منها قد طواه النسيان.

سابعاً:أعمال الماسوريين:إن أصل كلمة "ماسوري" غير معروف على وجه الدقة، ولكن المعتقد بصفة عامة أنها مشتقة من الأصل العبري "مازار" والتي تعني "ُيسلِّم" ومنه اشتق الاسم "ماسورا" للدلالة على التقليد المُسلَّم من جيل الى آخر من أجل المحافظة على الناموس. ومن غير المعروف متى أطلق على حفظة الناموس اسم "الماسوريين"، ولكن بحلول عام 920م، اعتبروا أن "الماسوريين" قد أتموا عملهم ولم يعد هذا الاسم يستخدم بعد ذلك .

كانت هناك مجموعات نشطة من الماسوريين في بابل وفي فلسطين، ومع أنه كان للتلمود و الترجوم اللذين صدر في بابل، أفضلية عند كل اليهود عن نظيريهما اللذين صدر في فلسطين، إلا أن الوضع اختلف فيما يختص "بالماسوريين"، فعلى الرغم من أن "الماسوريين" البابليين أنجزوا الكثير، إلا أن ما قامت به جماعة الماسوريين في طبرية، حاز القبول عند كل اليهود وأصبح معتمداً لدى الجميع. وقد وصلت إلينا أسماء الكثيرين من الماسوريين في طبرية، وكان أبرزهم أفراد عائلتي "ابن أشير وابن نفتالي". ولقد استمر نشاط أسرة "ابن أشير" على مدى خمسة أجيال من 780م الى نحو 920م.

ويمكن وضع المهام التي أنجزها "الماسوريون" تحت أربعة عناوين رئيسية:

الأولى: وهي الأهم، هي مواصلة العمل الذي كرس الكتبة له أنفسهم، وهو العمل على الحفاظ على سلامة نصوص الأسفار المقدسة، ولأجل هذا أحصوا عدد الحروف و الكلمات و الآيات و الأقسام في كل سفر، وحددوا الكلمة التي تقع في منتصف كل منها. كما أشاروا إلى الصيغ الغريبة أو غير المألوفة، ومرات تكرارها. وما من سبيل لمعرفة كل ما أنجزوه وما أنجزه من سبقوهم من الكتبة. فالكثير من إشارات الترقيم و العلامات الخاصة التي وضعها الكتبة، قام الماسوريون بنقلها كما هي، حتى وإن كانوا لم يدركوا - أحياناً - الغرض منها.

ولقد قام الماسوريون بتجميع قدر هائل من المواد من هذا النوع، أصبحت تعرف باسم "الماسوراه"، والملاحظات التي وضعوها على الهوامش الجانبية تعرف باسم "الماسوراه الصغيرة"، أما الملاحظات المسجلة في أعلى الصفحة وأسفلها فتعرف باسم "الماسوراه الكبيرة"، ويطلق نفس الاسم - أحياناً - على الملاحظات المسجلة في نهاية كل سفر والتي كثيراً ما تسمى "بالماسوراه النهائية". والكثير من هذه المادة مكتوب بلغة موجزة، ونصفها تقريباً بالعبرية والباقي بالأرامية، وتعد كلتاهما من اللغات الميتة منذ القرن التاسع الميلادي.

أما المهمة الثانية للماسوريين فكانت توحيد نطق الكلمات العبرية في العهد القديم، فبمرور الزمن نشأ ميل لإغفال الحروف المتحركة التي يجب نطقها مع الحروف الساكنة المكتوبة، وبدأ نطق الكلمات يختلف بإختلاف طريقة الحديث في الأقاليم المختلفة، بل إن القواعد النحوية نفسها شابها بعض الخلط، نتيجة لما حدث في نطق الكلام، ولذلك تصدى الماسوريون لهذه المهمة الخطيرة و المعقدة، ووضعوا ثلاثة نظم للنطق، ولكن تفوَّق منها نظام طبرية، والدراسة المتأنية لقواعد النحو، والبحث عن تقاليد النطق السليم أديا في بعض النقاط إلى العودة الواعية إلى الصور والممارسات التي كانت في القرون السابقة، ولكنها كادت تختفي. ويقول "بول كال" (Paul Kahle) إن الماسوريين قد نقلوا عن السريانية بعض القواعد مثل الحروف المشددة النطق. ولما أتموا ذلك العمل الضخم في تقنين قواعد اللغة مع الحفاظ على التقليد المؤكد، وتحقيق طريقة النطق السليم لكل كلمة، وضعوا علامات على كل كلمة لنطق الحروف المتحركة في التوراة العبرية.

وتضمن الجزء الثالث من عمل الماسوريين تقديم الإرشادات للقارئ عن الحالات التي تفضل فيها التقاليد الأكيدة قراءة كلمة بطريقة تبدو غير مناسبة لنص الحروف الساكنة. ويبدو من الواضح أن الماسوريين أصروا على عدم إحداث أي تغيير في النص الذي تسلموه. ومع ذلك فهناك بعض الحالات التي اعتادوا فيها القراءة بطريقة مغايرة. فقد اعتادوا - على مدى قرون - إلا ينطقوا لفظ الجلالة "يهوه"، بل كانوا يستعيضون عنه بكلمة "الاسم". وقبل ميلاد المسيح أصبح من المعتاد استبدال لفظ الجلالة بكلمة "أدوناي" (السيد أو الرب) ما لم يكن هذا الاسم قد سبق وروده مرتبطاً بلفظ الجلالة، وفي هذه الحالة كانوا يستبدلونه بكلمة "إلوهيم" (اللـه). وفي مثل هذه الحالات كان الماسوريون يضعون الحروف المتحركة في كلمتي "أدوناي" و"إلوهيم" على الحروف الساكنة الموجودة بالمتن، وهكذا أصبحت هذه القراءة الدائمة.

أما العمل الرابع للماسوريين، فلعله كان أكثر المهام استنفاداً للوقت، ولكنه أقلها أهمية بالنسبة للدارسين، ألا وهو العلامات اللازمة للمنشدين. فقد استقر الأمر - على مدى قرون - أن ينشد جزء على الأقل مما يتلى من الأسفار الإلهية في المجمع. ولكي يضع الماسوريون معياراً دقيقاً، اخترعوا نظاماً معقداً من علامات التنغيم، وأهمها علامة الوقف.

إنه لأمر يسير أن نتبين أنه بإضافة علامات التشكيل و الحروف المتحركة، تزايدت الصعوبة في الحفاظ على النص، فمع أن كل المخطوطات الماسورية متفقة تماماً في الحروف الساكنة، إلا أنه من الطبيعي أن تنشأ أساليب عديدة للحفاظ على هذه الصور الجديدة.

وتتضمن "الماسوراه الكبيرة" إشارات الى عدد من المخطوطات التي لها اعتبارها الكبير ،ولكن للأسف ضاعت كل هذه المخطوطات التي سبقت المخطوطات الماسورية. وتعد "المخطوطات الهليلية" - التي تنسب إلى "هليل" أحد الربيين الذي عاش في نحو 600م - من أعظم هذه المخطوطات. وهناك مخطوطات أخرى عرفت بأسماء مواطنها مثل مخطوطات أريحا وأورشليم وسينا وبابل.

استطاع ماسوريو طبرية ـ بوضع النظام الجديد لحركات التشكيل والحروف المتحركة ـ أن يبتكروا نموذجاً من المخطوطات أصبح هو الصورة المعتمدة في كل العالم اليهودي. ومع ذلك لم يكن كل ماسوري طبرية على اتفاق تام في كل تفاصيل هذا العمل. ومع بداية القرن العاشر، تمثلت هذه الاختلافات في منهجين، أحدهما ينتسب إلى ابن أشير، والآخر إلى ابن نفتالي. ولذلك فالمخطوطات التي كتبت في القرنين التاليين، دونت في حواشيها إشارات متكررة إلى القراءات المختلفة في كل منهما. ولم يلبث الكتَّاب أن شرعوا في عمل قوائم بهذه الاختلافات، وللأسف اختفت معظم هذه القوائم، ولكن اكتشفت مؤخراً قصاصات من عدة نسخ من كتاب يعالج هذا الموضوع، أمكن بتجميعها الوصول إلى القائمة كاملة، والكتاب بقلم كاتب اسمه "ميخائيل بن عزيئيل" وعنوانه "كتاب الخلاف"، وفيه يسجل 875 اختلافاً بين المنهجين. وتتعلق كل هذه الاختلافات ـ من الناحية العملية ـ بأمور التشكيل والتنغيم، وتهتم تسعة أعشارها بعلامة "الوقف". أما فيما يختص بالحروف الساكنة فلا يوجد أي اختلاف له قيمته، بين المنهجين.

لقد عاش كلا هذين المنهجين جنباً إلى جنب لفترة من الزمن، لكن ـ تدريجياً ـ مال غالبية النحويين والدارسين إلى تفضيل قراءة ابن أشير، مع قبول بعض قراءات ابن نفتالي. ثم أعلن الفيلسوف اليهودي الشهير موسى ابن ميمون (1135-1204) - عرضاً في كتابته عن بعض الموضوعات الكتابية التي لا تتعلق بالاختلاف بين المنهجين - أنه يعتبر مخطوطة العهد القديم التي في مصر، و التي شكلها وراجعها وعلق عليها ابن أشير هي المخطوطة الصحيحة. ولما كان لهذا الفيلسوف مكانة عظيمة في العلم اليهودي، فان عبارته السابقة كانت سبباً في أفول نجم منهج ابن نفتالي.

أما تلك النسخة التي تحدث عنها ابن ميمون، ويبدوا أنها نقلت إلى حلب حيث حفظت في مجمع "السوفريم" (الكتبة) هناك.

 

ثامناً: المخطوطات الماسورية الهامة: فيما بين عصر النهضة وعام 1800م، تمكنت الجامعات و المكتبات المختلفة من جمع عدد لا بأس به من المخطوطات العبرية و إن كان الموجود منها الآن يزيد على ثلاثة أضعاف ما جمع حتى 1800م. وترجع هذه الزيادة - في جانب منها - إلى الأبحاث الجادة التي قام بها "ابراهام فيركوفتش" (Firkovitch) الذي تمكن من جمع ما يزيد على ألفي مخطوطة لأجزاء من العهد القديم ووضعها في مكتبة لننجراد، كما ترجع أيضاً إلى العدد الكبير من المخطوطات الكتابية التي تم اكتشافها في خزانة المعبد اليهودي بالقاهرة. ومن الصعب المقارنة بين العديد من المخطوطات في مختلف المتاحف و المكتبات، فبعض المخطوطات تضم كل أسفار العهد القديم بينما قد لا تحتوي إحدى المخطوطات إلا على بضع صفحات. وتستلزم دراسة هذه المخطوطات بذل الكثير من الجهد. وبفضل الجهود المضنية التي بذلها "كال" (Kahle) وآخرون في النصف الأول من هذا القرن، أمكن التوصل إلى نتائج هامة.

كانت أول مجموعة من المخطوطات التي جمعها بنيامين كينيكوت (Kennicott) - فيما بين 1776، 1780م، و التي نشرتها جامعة إكسفورد - تضم 615مخطوطة للعهد القديم. بعد ذلك نشر جيوفاني دي روسي (De Rosse- 1784-1788) قائمة تضم 731 مخطوطة أخرى - وأهم الاكتشافات التي تمت في العصور الحديثة هي مجموعة خزانة المعبد اليهودي بالقاهرة (ابتداء من 1890م)، وفي مخطوطات البحر الميت (ابتداء من 1947م). ففي الخزانة العليا من معبد القاهرة اكتشفت نحو 200.000 (مائتي ألف) مخطوطة وجذاذة، منه نحو 10.000(عشرة آلاف) مخطوطة لأجزاء من الكتاب المقدس كما يذكر ج.ت. ميليك (Milik) أنه قد اكتشفت نحو 600(ست مائة) مخطوطة وجذاذة في كهوف البحر الميت. ويقدر "جو تشتين" (Gottstein) عدد مخطوطات وجذاذات العهد القديم باللغة العبرية، التي اكتشفت حتى الآن بعشرات الآلاف من المخطوطات.

وأكبر مجموعة منها تتكون من 10.000 جذاذة من أسفار العهد القديم مما وجد في خزانة معبد القاهرة، وهي محفوظة الآن في مكتبة جامعة كمبردج، ويلي ذلك في العدد المجموعة الثانية "لفير كوفتش" (Firkovitch) المحفوظة في لننجراد، وتشمل على 1.582 جذاذة من أسفار العهد القديم و "الماسوراه" مكتوبة على رقوق، 725 مكتوبة على ورق، علاوة على 1.200 (ألف ومائتي) جذاذة من مخطوطات غير عبرية. ويحوي فهرس المتحف البريطاني 161 مخطوطة عبرية للعهد القديم، كما يحتوي فهرس مكتبة بودلين (Bodlian) على 146 مخطوطة من العهد القديم منها عدد كبير عبارة عن جذاذات. ويقدر "جو تشتين" عدد المخطوطات السامية الموجودة في الولايات المتحدة وحدها بعشرات الآلاف من المخطوطات الكالمة أو الجذاذات، 5% منها من أسفار الكتاب المقدس.

والمخطوطات التالية مرتبة حسب التواريخ المرجحة لكتابتها، وتعتبر أفضل المصادر لنصوص "ابن أشير":

(1)  مخطوطة القاهرة لأسفار الأنبياء:

ويشار إليها أحياناً بالحرف (C)، ويرجع تاريخها إلى 895م، وتحتوي على كل القسم الثاني من العهد القديم، وكاتبها هو موسى بن أشير، وهو آخر المشهورين من عائلة ابن أشير، وقد أهداها إلى جماعة "القرّائين" في أورشليم، ثم استولى عليها الصليبيون في عام 1099م، ثم عادت إلى اليهود ووصلت إلى جماعة "القرّائين" بالقاهرة. وهي مكتوبة على ثلاثة أعمدة بالتشكيل و الحروف المتحركة حسب الأسلوب الطبري.

 

(2)مخطوطة ليننجراد العبرية(B. 3)

و يشار إليها بالحرف “P” نسبة إلى مدينة "بتروجراد" (الاسم السابق لمدينة لينينجراد). ولا تضم هذه المخطوطة ـ التي يرجع تاريخها إلى 916 م ـ إلا أسفار الأنبياء المتأخرين وظلت تعتبر أقدم مخطوطة زمناً طويلاً إلى أن تم اكتشاف المخطوطات الأقدم ويستخدم فبها النظام البابلي من وضع علامات النطق فوق السطور، وفي نفس الوقت تتبع أسلوب مدرسة طبرية في علامات التشكيل والحواشي. وفي بعض الصفحات استبدلت بعض العلامات الطبرية بالعلامات البابلية.

 

(3) مخطوطة حلب ، والمشهورة باسم اليبو وتعرف أحياناً "باسم المخطوطة A " :

ويذكر في الملحوظة الختامية فيها أن هارون بن أشير (ابن موسى بن أشير) المتوفى في نحو 940م هو الذي أضاف إليها الحروف المتحركة والحواشي. وهذه المخطوطة مكتوبة على رقوق على ثلاثة أعمدة. وكانت هذه المخطوطة أصلاً في أورشليم ثم نقلت إلى القاهرة، وأخيراً استقرت في حلب. وتعتبر ـ بوجه عام ـ أنها المخطوطة التي ذكر موسى بن ميمون أنها أصح النسخ، وكانت أصلاً تضم كل العهد القديم ولكن التلف أصاب ما يقرب من ربعها (وسنتناولها بشيء من التفصيل في البند الحادي عشر).

 

(4) مخطوطة المتحف البريطاني أو المخطوطة رقم 4445 :

والأرجح أنها كتبت في منتصف القرن العاشر الميلادي، ولا تحتوي إلا على جزء من التوراة (من تك 39: 20 ـ تث 1: 33).ويتكرر ذكر اسم ابن أشير عدة مرات في حواشيها.

 

(5) مخطوطة لينينجراد "L" (B . 19A) .

وهي تشمل على كل العهد القديم وقد أحضرها "فير كوفتش" من "كريميا" (Crimea) وسبق الكلام عنها في "أنواع المخطوطات"، ومسجل بها أنها نسخت بعناية فائقة في عام 1008 عن مخطوطة أعدها هارون بن موسى بن أشير . وهي مكتوبة على ثلاثة أعمدة بأسلوب طبرية في تشكيل الكلمات. بالإضافة إلى ذلك، وجد "كال" (kahle) في خريف 1926 م في ليننجراد بين المخطوطات التي جمعها "فير كوفتش" في المجموعة الثانية، أربع عشرة مخطوطة عبرية يرجع تاريخها إلى ما بين 929 م ، 1121 م، وجميعها تطابق نص ابن أشير.

(6) مخطوطة اخري وهي اكتشفت حديثا ولهذا من القدم هي يجب ان توضع رقم واحد وهي مخطوطة برلين

هي تعتبر واحده من اهم الامخطوطات الان ولم ينتهي دراستها بعد وهي تعود الي سنة 680 م وهي اقرب مخطوطة زمنيا الي زمن الماسوريين . وهي معظمها موجود في برلين وجزء صغير موجود في نيويورك . وهي تتطابق مع صورة مخطوطة لننجراد



ورغم الدليل الجديد حول تفاصيل نص ابن نفتالي، فإنه لا يوجد دليل قاطع على اكتشاف أي مخطوطات خاصة لها في صورة نقية، فيذكرون بين هذه المخطوطات مخطوطة "روخلن" (Codex Reuchlinianus) المحفوظة في "كارلسروه" (Karlsruhe) في ألمانيا، وثلاث مخطوطات، كانت محفوظة سابقاً في ارفورت. ولو أن بعض العلماء يقولون أن "مخطوطة روخلن" تمثل نقطة الانتقال بين المخطوطات الماسورية البابلية و الطبرية.

وبعد عام 1100م تم نسخ عدد كبير من المخطوطات، ولم تلبث المخطوطات أن أصبحت مركبة، اعتمدت أساساً على نسخة ابن أشير مع وجود عدد من الاختلافات، التي نقل أكثرها عن ابن نفتالي. وخلال هذه القرون لم تعد "للماسوراه" أهميتها الكبيرة، وأصبحت معظم الحواشي مجرد صور للحواشي أو غيرها من الأشكال الخزفية.

وبمجرد اختراع الطباعة، بادر اليهود إلى إنتاج عدد من الكتب العبرية، فطبعت أجزاء من الكتاب المقدس بالعبرية قبل عام 1500م، وهاجر "دانيال بومبرج" (Daniel Bombreg) من "أنتورب" إلى "فينسيا"، وهناك أسس مطبعة وأصدر عدد من الكتب العبرية الهامة فيما بين عامي 1516، 1549م. وقد صدرت الطبعة الأولى من العهد القديم في 1516/1517م، وتولى مراجعتها فيلكس براتنسيس (Felix Pratensis) ، وكانت تشتمل على النص العبري مع الترجمة الأرامية وتعليقات هامة في أعمدة متوازية. ثم حلت محل هذه الطبعة، طبعة ثانية لبومبرج، قام بمراجعتها "يعقوب بن حاييم" من تونس، وفيها ضم "ابن حاييم" مختارات كثيرة من "الماسوراه". وظلت الطبعة مستخدمة في العالم الغربي حتى 1937م. أما الطبعات الأخرى للتلمود والطبعات الأولى للعهد القديم بأكمله أو أجزاء منها، فكانت تعتبر أقل أهمية.

وفي القرن الثامن عشر تحولت الأنظار إلى الاختلافات الموجودة في المخطوطات المتاحة، ويتعلق معظمها بالحروف المتحركة. وقام بنيامين كينيكوت (Kennicott) فيما بين 1776، 1780م بطبع العهد القديم في اكسفورد، وحصر فيها الاختلافات الموجودة فيما يزيد على ستمائة مخطوطة عبرية. أما ج.ب.دي روسي (De Rossi) فقد اصدر فيما بين 1784/1788م في مدينة "بارما" (Parma) الإيطالية قائمة اختلافات مطولة بمختارات لأهم القراءات في 1417 مخطوطة ومطبوعة. ولكن معظم المراجع التي استخدمها كل من كينيكوت ودي روسي كانت ترجع إلى عصور متأخرة نسبياً.

وفي عام 1869م أخذ "س.باير" (S.Baer) على عاتقه أن يطبع أجزاء من العهد القديم، على أمل أن يقدم نصاً علمياً دقيقاً، ولكن هذا العمل لم يكتمل، كما أن أسلوبه لاقى انتقادات شديدة. ثم في 1908-1926م أصدر كريستيان جينسبرج (Ginsburg) طبعة للعهد القديم بمقدمة قوية عن الاختلافات، ولكنه التزم أساساً بنص "يعقوب بن حاييم". وفي 1906م أصدر "رودلف كيتل" (Rudolph Kittel) التوراة العبرية (Biblia Hebraica) ، ثم أعاد طبعها في عام 1912م مستخدماً نص "ابن حاييم" مع العديد من الهوامش غير الدقيقة. وفي 1928م أعلن "س.س. توري" (Torrey) من جامعة ييل (Yale) "أن طريقة (كيتل) في التوراة العبرية تتضمن قراءات كثيرة زعم خطأ أنها روجعت على الترجمة اليونانية، إذ أنها جمعت عشوائياً من شروحات مختلفة ".

وعندما اقترح البعض إصدار طبعة ثالثة من "التوراة العبرية" رأى "بول كال" (Paul Kahle) أن يستخدم نص ابن أشير بدلاً من نص ابن حاييم، وبذلت محاولات كثيرة لتصوير المخطوطة الموجودة في مجمع "السوفريم" وفي حلب، ولكن حراسها لم يسمحوا لا بتصويرها ولا بدراستها، ولذلك اقترح "كال" طبع مخطوطة ليننجراد (B.19 A) فأعارتها سلطات ليننجراد لجامعة بون، فقام "كال" بتصويرها ومراجعة النص والماسوراه للتوراة العبرية(الطبعة الثالثة). وعندما تم طبعها في عام 1937 م، سرعان ما أصبحت النسخة المعتمدة عند علماء الغرب، ولكن ـ للأسف ـ احتفظت هذه الطبعة بحواشي الطبعة الثانية، وقد نقل عنها عدد من الترجمات الإنجليزية الحديثة. ولكن عدداً من العلماء البارزين انتقدوا هذه الحواشي لعدم دقتها ، ولأنها تضم مختارات من الترجمات القديمة التي لم يتم تحقيقها علمياً.

وفي عام 1958 م أصدرت جمعية التوراة البريطانية و الأجنبية توراة عبرية قام بإعدادها "نورمان . هـ .سنيث" .(Norman H. Snaith) الذي اعتمد إلى حد بعيد على الملحوظات النقدية على المخطوطة الأسبانية التي أصدرها الربي "سليمان نورزي" (Solomon Norzi) في عام 1626 م. كما أعلن "سنيث " أن النص الذي أعده يشبه تماماً ما وجده "كال" في مخطوطة لينينجراد.

 

تاسعاً: لفائف البحر الميت :

اهتز العالم المسيحي فرحاً عندما أعلن في عام 1948 م عن اكتشاف عدد من اللفائف في العام السابق ، ترجع إلى عصر المسيح وما قبله. وقد توقع كثيرون من العلماء أن تختلف هذه اللفائف اختلافاً جذرياً عن النص العبري الموجود في المخطوطات المكتوبة بعد ذلك بألف عام .

وكان أهم ما في هذه اللفائف بالنسبة لعلماء الكتاب , الدرج الذي يطلق عليه الآن الرمز “1QIS ” ، وهو عبارة عن نسخة من سفر إشعياء مكتوبه بخط جميل. وكان واضحاً - مما أصابه من بلى - أنه قد استخدم كثيراً، فقد كادت بعض الحروف تختفي تماماً واعيدت كتابتها. وظهر عند دراسته أنه يتفق بوجه عام مع النص الماسوري رغم وجود بعض الاختلافات. كما أن نسخه لم يتم بالعناية الكافية، فقد حدث خطأ في بعض الكلمات في بعض الأماكن، فمحيت أو شطبت ثم صوبت. كما توجد تغييرات في حروف أو كلمات كتبت بنفس الخط المدونة به المخطوطة ككل. بالاضافه إلى بعض التصويبات بخط مختلف. أما الحروف و الكلمات التي سقطت من الناسخ، فكثيراً ما كتبت فوق السطر كما نجد أحياناً، الإضافات قد كتبت على الهامش الأيسر.

ومما يدعو للدهشة أن مخطوطة سفر إشعياء (1Q ISa) تستخدم الحروف المتحركة أكثر مما تستخدمها المخطوطات الماسورية. ويبدو أن الناسخ نفسه، أو ناسخ المخطوطة المنقول عنها، قد أدرج هذه الحروف المتحركة ليعين القارئ على فهم النص، فنجد أحياناً أن طريقة النطق التي تتبعها تلك الرقوق، تختلف في النص الماسوري، فالنص الماسوري يذكر اسم "تارتان" (لقب أحد قواد أشور - إش 1:20)، بينما تضيف إليهم رقوق البحر الميت حرف "الواو" ليصبح "تورتان". وقد أظهر اكتشاف أحد السجلات الآشورية القديمة،أن الصيغة الآشورية للاسم هي "تورتانو" ( Tur tannu ). لقد تغير - عبر القرون - الحرف المتحرك الأول من هذه الكلمة الأجنبية غير المألوفة، لكن الحروف الساكنة ظلت كما هي.

وهناك درج آخر لسفر إشعياء يرمز له بالرمز “IQ Isbوجد في الكهف الأول أيضاً، كان من الصعب فضه. وعندما تم ذلك بسلام، ظهر أنه في حالة سيئة، فقد فقدت منه أجزاء كثيرة. وعندما تبين للعلماء انه قريب جداً من النص الماسوري، وجهوا معظم اهتمامهم إلى المخطوطة الأولى >IQ Iss<.

وفي عام 1952 تم اكتشاف عدد من المخطوطات في بعض كهوف " وادي المربعات" الواقع على بعد أحد عشر ميلاً إلى الجنوب من وادي قمران. والكثير من هذه المخطوطات عبارة عن خطابات أمكن تحديد أنها ترجع إلى القرن الثاني بعد الميلاد. كما وجدت أيضاً عدة نسخ لكثير من الأجزاء من العهد القديم تتفق تماماً مع النصوص الماسورية.

وفي منطقة قمران، وفي أكثر من عشرة كهوف من بين نحو ثلثمائة كهف تم كشفها، وجدت مخطوطات أو أجزاء من مخطوطات، وجد أكثرها في الكهوف 1،4،11 إلا أنه لم تظهر حتى الآن أي مخطوطة لها أهمية المخطوطة “IQ Isaسواء في الحجم أو اكتمال النص. وقد وجدت بعض المخطوطات الكبيرة نوعاً في الكهف الحادي عشر. كما وجدت في الكهف الرابع آلاف القصاصات من ماّت المخطوطات . وكان من الصعوبة في البداية معرفة ما تتضمنه هذه القصاصات, إذ كان يجب ترطيبها أولاً بعناية حتى لا تتفتت عند لمسها , ثم تبسط بعد ذلك وتدرس بدقة الكلمات القليلة المسجلة عليها لمعرفة ما إذا كانت جزءاً من الكتاب المقدس أم ليست منه , وإذا كانت منه فما هو هذا الجزء . وقد تم التعرف على ما يقرب من مائة مخطوطة من العهد القديم تمثل كل الأسفار ماعدا سفر أستير . ويرجح أن قصاصة من سفر صموئيل ترجع إلى القرن الرابع قبل الميلاد .

ورغم الاتفاق الكبير بين معظم المواد المكتشفة في كهوف قمران مع النص الماسوري, فإن القليل منها يتفق مع الترجمة السبعينية أو مع التوراة السامرية أكثر مما مع المخطوطات الماسورية وبخاصة سفر صموئيل الذي يبدو أنه كان أقل الأسفار عناية به في المخطوطات الماسورية . وقد ضمت إحدى المخطوطات ـ من الكهف الرابع ـ نصاً لسفر صموئيل قريباً جداً من الترجمة السبعينية . كما وجدت مخطوطة أخرى لعلها تفوق الماسورية والسبعينية أيضاً .

وتمثل مخطوطات وادي المربعات جماعة من اليهود الذين كان لهم نشاط ملموس في ثورة باركوكبا (فيما بين 132-135م)وهى تطابق تماماً النص الرسمي الذي أخذ عنه النص الماسوري , والجزء الأكبر من مخطوطات قمران منقول عن هذا النص , والقليل منه يختلف , وهو أمر طبيعي لاختلاف جماعات قمران الذين جاءوا من أماكن مختلفة من البلاد حاملين معهم مخطوطات نسخت في أوطانهم التي جاءوا منها , وهي كثيراً ما كانت تنسخ على عجل وبغير عناية كافية , فحدثت أخطاء في النسخ نتج عنها بعض التغييرات في النصوص , ومن ثم انتقلت هكذا إلى الكثير من المخطوطات التي نقلت عنها (الرجا الرجوع إلى مخطوطات البحر الميت في باب الباء من المجلد الثاني من دائرة المعارف الكتابية).

 



عاشراً: خزانة القاهرة : في ضوء العدد الكبير من مخطوطات العهد الجديد , ووجود الترجمة السبعينية منذ قرون طويلة , قد يبدوا غريباً أنه فيما قبل مخطوطات البحر الميت , لم تكن بين أيدينا مخطوطة عبرية للعهد القديم يرجع تاريخها إلى ما قبل 895م. فقد تعرض اليهود في العصور الوسطى كثيراً لاضطهادات عنيفة , وأجبروا على الرحيل من مكان لاّخر, بينما نعمت بعض الأديرة المسيحية في الشرق بالهدوء لما يقرب من ألف وخمسمائة عام , ومع هذا فمن الصعب تعليل عدم وجود مخطوطات عبرية للعهد القديم ترجع في تاريخها إلى ما قبل عصر الماسوريين, إلا أن يكون ذلك نتيجة للعادة اليهودية المتأصلة من حماية آية كتابات يذكر فيها أسم اللـه , من التدنيس , فإذا بليت أو وجد فيها خطأ, كانت تستبعد فوراً من التداول وكان في كل مجمع يهودي مخبأ سري أو خزانة, عبارة عن غرفة تحت قبو المجمع أو في علبته, يحفظ فيها المجمع المحفوظات والوثائق التي لم تعد تستخدم إلى أن يحين الوقت المناسب لدفنها في أرض مقدسة, وكانت المخطوطات البالية تدفن ـ عادةً ـ مع أحد العلماء عند دفنه .

وكان "ابراهام فيركوفتش"((Firkovitch خبيراً في التنقيب في مجامع اليهود ومخابئهم , وكان يتكتم تماماً مصدر مكتشفته من المخطوطات , إلا أن "بول كال" (Paul kahle) كان متيقنا ًللغاية من أن العديد منها وجده "فيركوفتش" في خزانة المجمع اليهودي بالقاهرة .

وتوجد هذه الخزانة في مجمع لليهود أنشئ في 882م في مبنى كان أصله كنيسة مسيحية , ثم أستعمل فيما بعد لما يزيد عن ألف عام مجمعاً لليهود . وعلى مدى قرون عديدة كانت الوثائق المهملة تودع في تلك الخزانة .ثم حدث أن دخل هذا المخبأ عالم النسيان , بل أقيم جدار سد الغرفة ذاتها فترة من الزمان , وعندما أعيد اكتشافها في القرن التاسع عشر , كانت بعض المخطوطات قد دفنت , ولكن لم يستمر الأمر هكذا طويلاً حيث أن تجار العاديات أبدوا استعدادهم لدفع مبالغ طائلة ثمناً لهذه الوثائق القديمة . وقد نقل الكثير من هذه المخطوطات و الجذاذات من هذه الخزانة إلى العديد من المتاحف والمكتبات في أوروبا و أمريكا. وفي عام 1896م أرسلت مكتبة جامعة كمبردج "السيد/سليمان سشتر" (Solomon Sehechter ) ومعه تفويض في الحصول على أكبر قدر من هذه المخطوطات, فتمكن من شحن الكثير من القصاصات . وبلغ عدد القصاصات التي نقلت من هذه الخزانة ما يربو على مائتي ألف قصاصة تشمل على وثائق من مختلف الأنواع , لأن عقود العمل العادية , متى كانت تحمل أسم اللـه في تحية أو تاريخ أو غير ذلك , كانت تحفظ في هذه الخزانة . ودراستنا لهذه الوثائق لابد أن تثري معرفتنا عن الحياة الثقافية بالقاهرة في تلك العصور الوسطى . ولقد أصبحت المئات من المخطوطات الكتابية ـ المأخوذة من خزانة القاهرة ـ متاحة الآن، وقد قام "بول كال" بدراسة العديد منها , ومن ثم خرج بنظرياته عن مجموعتين مختلفتين للما سوريين, إحداهما من بابل والأخرى من إسرائيل . ووضع عدة فروض عن تاريخ النص العبري. لقد حصلنا على الكثير من دراسة هذه المخطوطات , ولكن مازال هناك الكثير أيضاً مما يمكن تحصيله بمزيد من الدراسة لهذه الوثائق .

حادي عشر : مخطوطة حلب :لقد كان العلماء يعتقدون - كما ذكرنا سابقاً ـ أن مخطوطة حلب هي أقدم مخطوطة كاملة باقية للعهد القديم , وأن هارون أبن أشير ذاته هو الذي وضع تشكيلها وكيفية النطق بها "والماسوراه" فيها, ومن ثم خاب أمل "بول كال " عندما لم يتمكن من استخدام هذه المخطوطة أساساً "للتوراة العبرية" في طبعتها الثالثة. وفي عام 1948م، هاجم الرعاع مجمع "السوفريم" (الكتبة) في حلب وأحرقوه فخشى الناس ـ على مدى بضع سنوات ـ أن يكون الدمار قد أصاب المخطوطة، إلا أن الرئيس الإسرائيلي آنذاك ـ "اسحق بن زيفي" ـ لم يفقد الأمل في إمكانية العثور عليها وإنقاذها، وظل طويلاً يحاول معرفة مكانها، وتناقش مراراً مع قادة المجمع عن الطرق والوسائل التي يمكن بها اكتشاف هذه المخطوطة الثمينة ونقلها بسلام إلى أورشليم. وأخيراً تكللت جهوده بالنجاح، وأعلن في عام 1960م - على العالم كله - بأنه تم العثور عليها وأودعت في مكتبة الجامعة العبرية في أورشليم. لكن للأسف كان قد أصابها تلف كبير على أيدي الرعاع، فقد كانت قبل 1948م كاملة، أما الآن فقد فقد نحو ربعها بما في ذلك 90% من أسفار موسى.

ورغم أن سلطات "السوفريم" (الكتبة) في حلب لم تسمح مطلقاً للعلماء اليهود بتصوير أي جزء من المخطوطة، إلا أنها سمحت ذات مرة للعالم الإنجليزي "وليم ويكس" (Wickes ) بتصوير صفحة منها ( تشمل على تك 26: 17 ـ 27: 30)، فنشرها في 1887م في صدر كتابه عن حركات التشكيل العبرية. وفي عام 1966م أعلن "م. هـ . جوشن خوتشتين" ( M.H.Goshen Gottsteien ) من الجامعة العبرية أنه اكتشف أنه قد سمح في مرة أخرى لمسيحي آخر بتصوير بضع صفحات من مخطوطة حلب. وقد نشر القس "ج.سيجول"( J.Segall ـ أحد المرسلين، وقد قضي في دمشق عدة سنوات) في عام 1910م ـ كتاباً بعنوان "رحلات في شمالي سورية" ضمَّنه صورة لبضع صفحات من مخطوطة حلب (تشمل على تث 4: 38 ـ 6: 3). ولما كانت هذه الأجزاء قد تلفت ضمن ما تلف من المخطوطة، فإن وجود هذه الصور كان الصور كان مصدر فرح كثير، ولكن للأسف كانت الصور التي التقطها "سيجول" غير واضحة تماماً لدرجة تكفي لمعرفة كل تفاصيل الحروف المتحركة وعلامات الترقيم والماسوراه، ولو أنه أمكن قراءة الحروف الساكنة بوضوح. ولا يكاد يوجد أي شك في أصالة المخطوطة وعلاقتها المباشرة بهارون بن أشير. وسوف يلقى المزيد من الدراسة لهذه المخطوطة كثيراً من الضوء في المستقبل القريب على تفاصيل كثيرة لنصوص هذه المخطوطة الثمينة.

 

ثاني عشر : أنماط الخطأ : عند نسخ المخطوطات العبرية، كان من الطبيعي أن تتكرر أنماط الخطأ كما يحدث في كل أنواع المخطوطات. ويمكن تصنيف هذه الأخطاء إلى: (1) أخطاء البصر، (2) أخطاء السمع، (3) أخطاء الذاكرة .

فمن المعروف أن المخطوطات كثيراً ما كانت تنسخ عن طريق الإملاء، حيث يقوم رجل واحد بإملاء عدد من الكتبة في وقت واحد، كما كان يحدث كثيراً في المخطوطات اليونانية والرومانية . ولعل هذا ما حدث في مخطوطات وادي قمران وفي غيره من الأماكن وبخاصة عند النسخ الشعبية من الأسفار المقدسة. ولكن كان محظوراً تماماً أن تعمل النسخ الرسمية للأسفار المقدسة بهذا الأسلوب، إذ كان على الكاتب أن يمعن النظر مراراً فيما يقوم بنسخه، وبناء عليه، يجب ألا توجد أخطاء السمع في المخطوطات الرسمية. أما أخطاء الذاكرة فقليلة جداً، لكنها موجودة حيث لأن الكاتب كان معرضاً أن يختلط عليه الأمر في تذكرة كلمة فيكتب بطريق الخطأ غير ما رأى.

أما أخطاء البصر فمردها تشابه أشكال الحروف، فقد يخطئ الكاتب في قراءة حرف غير واضح في النسخة التي ينقل عنها، فيكتبه على غير حقيقته. وكثيراً ما نجد مثل هذه الأخطاء في المخطوطات الكتابية. وأكثر الأخطاء شيوعاً هو اللبس بين حرفي "الدال والراء" فهما قريبان جداً في رسمهما حتى ليصعب التمييز بينهما في كل حالة. والدليل الواضح على ذلك نراه في أسماء الأعلام وبخاصة في أسفار الملوك وأخبار الأيام حيث يكتب الاسم مرة "بالدال" ومرة أخرى "بالراء". كما أن هناك حالات نجد فيها كلمة في الترجمة السبعينية يبدو أن لا علاقة لها بنظيرتها في النص العبري، ولكن بافتراض أن النص الماسوري الذي نقلت عنه الترجمة السبعينية هو الاصل. قرأت فيه "الدال" عوضاً عن "الراء" اثناء الترجمة فإذا صوبت الكلمة على هذا الأساس، لاتفق المعنى في الحالتين وايضا لا يجب ان ننسي ان كانت الاسماء ممكن ان تنطق باكثر من طريقه في هذا الزمان.

وهناك أنواع أخرى شائعة من أخطاء البصر تنتج عما يعرف "بالهابلوجرافي" (haplography ـ أي كتابة حرف أو مجموعة حروف مرة واحدة بدلاً من وجوب كتابتها مرتين). وهناك أيضاً "الدتوجرافي"( dittography ـ أي تكرار الحرف أو مجموعة حروف عن غير قصد)، وأيضاً الحذف بسبب تشابه النهايات أو "الهوميوتليوتون" (homoeoteleuton ) حيث تقفز العين من كلمة إلى أخرى تماثلها مسقطة بذلك جملة أو أكثر. ويعلم كل كاتب كم يتكرر مثل هذا الخطأ عند النسخ وهي مشروحه في الاخطاء النسخية بالتفصيل.

 

ثالث عشر : الدليل من الترجمات : نظراً لأننا تناولنا موضوع ترجمات العهد القديم مثل الترجمة السبعينية والترجوم والسريانية (البشيطة) والفولجاتا في موضوعها (عند الكلام عن ترجمات الكتاب المقدس في المجلد الثاني من دائرة المعرف الكتابية)، لذلك سنقصر كلامنا هنا على بعض الأمور العامة، عن العلاقة بين هذه الترجمات ونصوص العهد القديم.

عند تحديد أهمية ترجمة من الترجمات، فمن الطبيعي أن يكون الاعتبار الأول هو عمر الترجمة. فترجمة العهد القديم إلى اللغة الهندية ـ مثلاً ـ هي ترجمة حديثة لا أهمية لها في تحقيق نصوص العهد القديم، ولكنها تعد دليلاً أو شهادة للنص الذي نقلت عنه الترجمة. فلكي تكون للترجمة أي قيمة، يجب أن يكون قد تمت في عصور قديمة .

أما الاعتبار الثاني فهو مدى أصالتها. فعند ترجمة نص ما من لغة إلى أخرى، لابد أن يفقد النص كثيراً من قوته ودقته، فالكلمات لا تتطابق تماماً بين لغتين مختلفتين، كما يحدث كثير من الالتباس بين الكلمات المختلفة المستعملة، كما تختلف أنماط التعبير وصيغ الأفعال وقواعد بناء الجمل اختلافاً جذرياً في اللغات المختلفة، ومن ثم فإن كل ما تستطيعه الترجمة هو أن تنقل صورة عامة للمعنى الأصلي. أما عند الترجمة عن نص مترجم عن لغة ثالثة، فلابد أن تتسع الفجوة بين الترجمة الأخيرة والنص الأصلي، وعلى هذا فإن أحد العوامل الهامة التي تضفي قيمة على الترجمة، هو موضوع نقلها مباشرة عن النص الأصلي. فالفوجتا ـ مثلاً ـ قام بترجمتها القديس جيروم عن اللغة العبرية مباشرة في 400م، لذلك كان لها أهمية كبير في تحديد النص العبري في ذلك التاريخ. ولكن الأمر يختلف في حالة الترجمة اللاتينية القديمة، فمع أنها أقدم من الفولجاتا ببضعة قرون، لكنها لم تترجم عن العبرية مباشرة بل عن الترجمة السبعينية، وتقتصر قيمتها على تحقيق نص الترجمة السبعينية في ذلك التاريخ، أما قيمتها في تحديد الأصل العبري فأقل بكثير من الفولجاتا.

وهناك أربع ترجمات قديمة مباشرة هي : الترجمة السبعينية التي بدأت في نحو 280ق.م. والترجمة السريانية (البشيطة) ولعلها تمت في القرن الخامس الميلادي رغم أن بعض أجزائها قد تكون أقدم من ذلك. والفولجاتا اللاتينية التي تمت في 400م، ثم الترجمات الآرامية (الترجوم) التي تمت في أزمنة مختلفة.

وهناك اعتبار آخر يجب ألا نغفله، وهو مدى الجهد الذي بذل في الحفاظ على نقاء وسلامة النص. وفي هذا الصدد نجد أن العناية التي بذلت في الحفاظ على النصوص الماسورية تفوق مثيلتها في أي كتاب آخر بما في ذلك مختلف ترجمات العهد القديم. ولقد تشعبت الاتجاهات في المخطوطات المختلفة للترجمة السبعينية، وقد قضى بعض العلماء ساعات بلا عدد في دراستها ومقارنة بعضها ببعض، ولكنهم لم يصلوا إلى نظام متكامل من حيث تقسيمها إلى مجموعات (أو مدارس) وعمل خرائط أنساب لها شبيهة بتلك التي عملت لمخطوطات العهد الجديد اليونانية . ولا يحتمل أن مشروعاً كهذا يمكن أن يتم بنجاح نظراً للكم الهائل الذي تلزم دراسته، وأيضاً لأن الأسفار المختلفة ترجمت أو نسخت في أزمنة مختلفة.

ومما هو جدير بالذكر أن مختلف الترجمات القديمة والمباشرة قد تأثرت كثيراً بالترجمة السبعينية، ومن ثم فإن تلك الترجمات ليست حجة قوية على النص العبري، بقدر ما لو كانت على خلاف ذلك. إن دراسة الترجمات لها قيمة بالغة لمعرفة التأويل الذي كان شائعاً لمختلف الأجزاء في الوقت الذي تمت فيه الترجمة، بل وأيضاً لتحديد النص البديل الممكن أن يكون ـ في أحوال معينة ـ هو النص الأصيل. والنص الماسوري ـ في معظم الحالات ـ هو النص الذي يعتمد عليه اكثر مما على أي ترجمة .

 

رابع عشر : الخلاصة: يجب ملاحظة أن المادة المتاحة لتحقيق نصوص العهد القديم، تفوق أضعافاً مضاعفة ما هو متاح لتحقيق نصوص أي وثيقة قديمة أخرى، فيما عدا العهد الجديد. والتطابق بين الحروف الساكنة في مختلف المخطوطات لمما يدعو إلى الدهشة. كما أن الكم الهائل من المخطوطات التي تم اكتشافها، والتي ترجع إلى ما قبل الميلاد، تطابق ـ إلى أبعد حدَّ ـ في حروفها الساكنة النص الماسوري. كما أن قصاصات قليلة يمكن أن تقدم الدليل على وجود وثائق مختلفة في بعض نواحي أرض إسرائيل في تلك الفترة المبكرة، ولعل بعضها هو النص الذي نقلت عنه التوراة السامرية أو النص الذي ترجمت عنه الترجمة السبعينية.

وإنه لعمل فريد في التاريخ، أن يتم نسخ وإعادة نسخ النصوص منذ عصر قمران حتى عصر ابن أشير دون وقوع سوى هذه الاختلافات الطفيفة. ولقد أدى الماسوريين خدمة جليلة بتسجيلهم نظام وضع الحروف المتحركة وتقنينه. كما أن قصاصات خزانة المعبد اليهودي بالقاهرة ستعيننا ـ إلى مدى أبعد مما سبق ـ على معرفة تطور هذا النظام، وأين يمثل وضع الحروف المتحركة أو علامات التشكيل، الحفاظ على النصوص القديمة، وأين يمثل ذلك ما وصل إليه الماسوريين .

كما أن مخطوطة حلب ستمكننا من معرفة ما أسفرت عنه جهود الماسوريين بصورة أدق من ذي قبل .

وهكذا نعلم أن النص قد حفظ بدقة ملحوظة، كما يكشف لنا ذلك عن القصد الإلهي في أن تكون لنا ثقة في الكتاب المقدس وأصالته، أعظم مما في أي كتاب آخر، مع احتمال أن يقع خطأ في نسخ آية بذاتها متى أخذت على حدة. وهذه حقيقة هامة جداً حتى لا نبني أي عقيدة على آية بمفردها، فآية بمفردها يمكن أن تشتمل على خطأ ما، وحيث لا يوجد أي خلاف بين آيتين، فمعنى ذلك عدم احتمال حدوث أي تغيير في النص. إن اللـه يحذرنا ويأمرنا أن نقارن الروحيات بالروحيات، أي أجزاء الكتاب المقدس ببعضها البعض .



والمجد لله دائما