«  الرجوع   طباعة  »

الرد على شبهة تحريف فخلق الانسان على صورته على صورة الله خلقه ذكرا وانثى خلقهم. تكوين 1: 27

 

Holy_bible_1

 

الشبهة 

 

التوراة السامرية تشهد على تحريف العهد القديم ففي الاصحاح الاول في سفر التكوين الاية السابعة والعشرين في العبرانية "فخلق الله الانسان على صورته, على صورة الله خلقه ذكر وانثى خلقهم" وفي السامرية "وخلق الله الانسان بقدرته, بصورة الملائكة خلقه, ذكرا وانثى خلقهما"

 

الرد 

 

بأختصار في البداية التوراة السامرية هو نص عدله السامريين لاسفار موسى الخمسة بعد رجوعهم من السبي وبعد خلافهم الشديد مع اليهود فعدل السامريين ما يناسبهم في نسختهم حسب افكارهم المرفوضة ولهذا النص السامري لمعرفة تاريخه فهو لا يعتد به كدليل على الاختلاف ولكن فقط يستخدم كدليل على اصالة الاعداد التي يتفق فيها مع النص العبري لانه يمثل نص معزول من زمن ما بعد عزرا وما ما قبل الميلاد.

وارجو الرجوع الى ملف 

تاريخ ومخطوطات التوراة السامرية

ولكن من قال أن هذا العدد فيه اختلاف؟

فالحقيقة الاختلاف الوحيد هو موجود في الترجمة العربي الشبه اسلامية التي لا اثق بها للنص السامري ولكن العبري الاصلي للنص السامري لا يوجد به اي اختلاف عن العبري التقليدي للعهد القديم

فالعربي فانديك يقول 

سفر التكوين 1

27 فخلق الله الانسان على صورته على صورة الله خلقه ذكرا و انثى خلقهم

والترجمة العربي للنص السامري (لابوا الحسن اسحق الصوري) ص 36

27 وخلق الله الانسان بقدرته بصورة الملائكة خلقه ذكرا وانثى خلقهما

وللاسف الترجمة العربي هذه للنص السامري هي التي يستشهد بها المشككين المسلمين في ادعاء التحريف المزعوم ولكن من يرجع للنص السامري المكتوب باللغة العبرية يجده يطابق النص العبري الماسوريتك التقليدي

فالنص التقليدي الماسوريتك العبري 

Gen 1:27 [Masoretic]
וַיִּבְרָא אֱלֹהִים אֶת־הָֽאָדָם בְּצַלְמֹו בְּצֶלֶם אֱלֹהִים בָּרָא אֹתֹו זָכָר וּנְקֵבָה בָּרָא אֹתָֽם׃

 الانجليزي وترجمته  
So Elohim created Man in His own image, in the image of Elohim created He him; male and female created He them.

فخلق الله الانسان على صورته على صورة الله خلقه ذكرا و انثى خلقهم

والنص السامري 

Gen 1:27 [Samaritan]
ויברא אלהים את האדם בצלמו בצלם אלהים ברא אתו זכר ונקבה ברא אתם׃
وترجمته الانجليزي 

So Elohim created Man in His own image, in the image of Elohim created He him; male and female created He them.

فخلق الله الانسان على صورته على صورة الله خلقه ذكرا و انثى خلقهم

فهم متطابقين 

ولهذا الشبهة ليس لها اصل. وهي كما قلت خطأ في الترجمة العربي للنص السامري الذي لا اثق فيه

بل ايضا الترجوم 

ترجوم اونكيلوس من تقريبا 120 م 

Gen 1:27 [Targum Onkelos]
וּבְרָא יְיָ יַת אָדָם בְּצַלְמֵיהּ בְּצֶלֶם אֱלֹהִים בְּרָא יָתֵיהּ דְּכַר וְנֻוקְבָּא בְּרָא יָתְהוֹן:
So YeYa created Adam in His image, in the image of Elohim He created him; male and female He created them.

وايضا الترجوم السامري

Gen 1:27 [Samaritan Targum]
וברא וכון אלה ית האדם בצורתה בצורת אלה כון יתה דכר ואנקבה כון יתון:
So Elah created Man in His image, in the image of Elah He created him; male and female He created them.

متطابقين ويطابقون النص التقليدي 

وايضا السبعينية 

وهي من القرن الثالث ق م 

Gen 1:27 [Septuagint]
καὶ ἐποίησεν  Θεὸς τὸν ἄνθρωπονκατ᾿ εἰκόνα Θεοῦ ἐποίησεν αὐτόνἄρσεν καὶ θῆλυ ἐποίησεν αὐτούς.
And God made man, according to the image of God He made him; male and female He made them.

وترجمة سيماخوس اليوناني

Gen 1:27 [Symmachus]
και εκτισεν ο Θεος τον ανθρωπον εν εικονι διαφορωορθιον ο Θεος εκτισεν αυτον· αρσεν και θηλυ εκτισεν συτους.

وايضا اليونانية القديمة 

من منتصف القرن الثاني

Gen 1:27 [Old Latin (Vetus Latina)]
Et fecit Deus hominem ; ad imaginem Dei fecit eum : masculum et feminam fecit eos.
So God made man; after the image of God He made him; male and female He made them.

والفلجاتا للقديس جيروم

من القرن الرابع الميلادي

Gen 1:27 [Vulgate]
Et creavit Deus hominem ad imaginem suam : ad imaginem Dei creavit illum, masculum et feminam creavit eos.
So God created man after His own image, after the image of God He created him; male and female He created them.

وترجمة البشيتا السرياني

Gen 1:27 [Peshitta]
ܘܒܪܼܐ ܐܠܗܐ ܠܐܕܡ ܒܨܠܡܗ܂ ܒܨܠܡ ܐܠܗܐ ܒܪܝܗܝ܂ ܕܟܪ ܘܢܩܒܐ ܒܪܐ ܐܢܘܢ܂
So Alaha created Adam in His own image, in the image of Alaha created He him; male and female created He them.

فكل الادلة الخارجية القديمة تؤكد انه لا خلاف لا بين العبري ولا السبعينية ولا حتى النص السامري فاكرر هو خطأ ترجمة عربي.

وحتى لو فحصنا الامر بالادلة الداخلية سنجد انه لو كان العدد الاصلي يقول على صورة الملائكة لا يوجد سبب لتغييره وجعله على صورة الله ولكن العدد الذي يقول على صورة الله هذا يغضب الذين لا يؤمنون ان الانسان على صورة الله فيدفعهم هذا الي تغييره مثل المسلمين

 

المعنى الروحي

معنى على صورة الله من تفسير ابونا انطونيوس فكري

1)     نعمل الإنسان:

 لم يقل الله كالعادة ليكن إنسان فكان إنسان. هذا التعبير المستخدم قد يشير للمشورة الثالوثية لخلقة الإنسان أو يشير لاهتمام الله العجيب بالإنسان الذي قال عنه "لذاتي مع بنى آدم" (أم 31:8) وقد يشير أن الإنسان خلق على شكل ثالوث فهو كائن عاقل حيّ. "يلذ للثالوث الأقدس أن يعمل معًا بسرور من أجل هذا الكائن المحبوب.

عمومًا فخلقة الإنسان هي عمل الثالوث القدوس. الآب يريد والابن يخلق والروح يعطى حياة. لذلك ففي الخلقة الجديدة بالمعمودية ظهر الثالوث القدوس (عيد الظهور الإلهي) فالابن في الماء والروح القدس على هيئة حمامة والآب يقول "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" إعلانًا عن فرحة الآب بعودة البشر إلى حضنه في ابنه الوحيد بتقديس الروح القدس.

2)     علي صورتنا كشبهنا: 

لاحظ أن الله لم يقل على صورنا فالله ثالوث في واحد. والله وضع صورته فينا علامة ملكه لنا كما يضع الملك صورته على العملات النقدية. والإنسان هو أقرب خليقة الله لصورة الله مع الاحتفاظ بالفارق الضخم بين الله والإنسان. ونحن صورة الله ليس بحسب الجسد لكن بحسب الروح، فالجسد مأخوذ من تراب الأرض، أما الروح فهي نسمة حياة نفخها الله في أنف الإنسان (تك2: 7). ولأننا كبشر لسنا مثل الله أضاف بقوله كشبهنا. ولكن لم تقال هذه الكلمة عن المسيح فهو صورة الله وهو بهاء مجده ورسم جوهره (عب 3:1). وهو الذي قال "من رآني فقد رأى الآب" لذلك لم يقال أن المسيح يشبه الله فهو الله نفسه. ونحن نشبه الله في الآتي:

1.     الإنسان له طبيعة ثالوثية مثل الله:- فالله كائن عاقل حيّ وهكذا الإنسان مع الفارق. فالله أزلي واجب الوجود هو الخالق، كائن بذاته، والإنسان مخلوق أعطاه الله حياة من محبته ولكن حياته معتمدة على الله (هذا من ناحية الذات). والله بعقله خلق كل شيء والإنسان بعقله بالكاد يفهم شيء مما خلقه الله (هذا من ناحية العقل) والله بروحه يعطى حياة والإنسان بروحه يحيا هو ولكن لا يعطى حياة بل روحه تنفصل عن جسده فيموت (هذا من ناحية الروح).

2.     الإنسان يشبه الله في صفاته.

‌أ.        الحرية والاختيار:

الله وضع أمامه شجرة معرفة الخير والشر وشجرة الحياة وخيره بينهما. ومعنى كشبهنا أن حرية الله مطلقة بينما حرية الإنسان محدودة.

‌ب.    القداسة:

راجع أف 24:4. وكشبهنا تعني أن الله قدوس قداسة مطلقة بينما الإنسان يسعى ليكون قديسًا.

‌ج.     الحكمة والمنطق:

وهذا لم يوجد في أي خليقة أخرى. وكشبهنا تعني أن حكمة الله لا نهائية بينما الإنسان حكمته محدودة.

‌د.       سلطان:

فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء.. تك 26:1 لكن سلطان الإنسان كان محدودًا (فليس له سلطان علي الكواكب مثلًا...) فهو ليس إلهًا. وهذا معنى كشبهنا.

‌ه.       المعرفة:

آدم أعطى أسماء للحيوانات (تك 19:2) بعد أن أفهمه الله صفاتها.

‌و.      المحبة:

محبة الله لا نهائية لكن محبة الإنسان مهما كانت فمحدودة. وهذا معنى كشبهنا.

‌ز.      الخلود:

راجع رو 12:5 فالله خلق الإنسان ليحيا للأبد ليس ليموت وأما الموت فدخل كعقوبة مؤقتة. ولكن الله أزلي والإنسان له بداية بمولده.

ح.   لا محدودية الله:

الله غير محدود، والإنسان محدود. لكن لأن الإنسان على صورة الله فلن يشبعه سوى الله غير المحدود، أما العالم المحدود فلن يشبع أحد، وهذا ما جربه سليمان الملك وقال أن العالم باطل وفسرها بأنه قبض الريح أي مهما امتلكت فأنت لم تمتلك شيئًا (راجع سفر الجامعة). وهذا ما جربه سليمان، فالمال زاد أيامه جدًا فهو اغتنى جدًا، لكنه رفع الضرائب على الشعب وأتعب شعبه، وأكثر من نسائه ولم يشبع من زيادة هذا أو ذاك. فالله وحده هو الذي يشبع الإنسان (يرجى مراجعة مقدمة الإصحاح السادس من إنجيل يوحنا لترى معنى الشبع الكامل). لن يشبع الإنسان سوى الله، وهذا ما نتذوق عربونه هنا ويكمل في السماء حيث نفهم تماما قول بولس الرسول "لكي تمتلئوا إلى كل ملء الله" (أف3 : 19). وهذه شبهوها بأن الدائرة لا يملأها أي شكل من الأشكال سوى دائرة مثلها. والدائرة ترمز للانهائية فهي بلا بداية وبلا نهاية.

‌ط.   الله أزلي:

فهل الإنسان أزلي هو الآخر؟! قطعا الإنسان ليس أزليًا ، ولكن لنسمع ما قيل في (يو13 : 1) " أما يسوع....إذ كان قد أحب خاصته الذين في العالم أحبهم إلى المنتهى " فقول الكتاب أن يسوع كان قد أحب خاصته يجعلنا نتساءل منذ متى بدأ هذا الحب؟ فلو قلنا أن الله بدأت محبته للبشر منذ أن خلقهم فنحن بهذا ننسب لله أنه متغير إذ كان لا يحب أحدا ، ثم بدأ يحب الإنسان بعد أن خلقه ....حاشا . إذًا.. كان.. هذه تشير لمحبة الله الأزلية للإنسان . لقد كنّا في عقل الله أزليًا ، ولما جاء ملء الزمان وبعد أن أَعَّد لنا الله الأرض لنمشى عليها، بل أعد لنا كل ما نحتاجه للحياة بفرح ، خلقنا. الله أحبنا لذلك خلقنا.

ولاحظ أنه لم يقل على صورتنا ومثالنا، فنحن نعم على صورة الله في الصفات التي ذكرناها ولكن نحن نشبهه. فصفات الله مطلقة، أما صفاتنا فنسبية فالله حر حرية مطلقة أما الإنسان فله حرية داخل دائرة معينة لا يتعداها كلاعب الكرة الذي إذا أتته الكرة هو حر أن يعطيها لأي لاعب آخر، ولكن ليس حرًا أن يضرب أي لاعب مثلًا. وفي القداسة، فقداسة الله مطلقة فهو المتسامي والمرتفع عن الأرضيات والخطايا، أما الإنسان فهو الساعي نحو القداسة. ومن ناحية السلطان فسلطان الله مطلق أما سلطان الإنسان فمحدود. وهذا معنى كشبهنا.

فالإنسان صار ممثل لله يحمل صورته وهو كشبهه فصار له سلطان على كل المخلوقات، هو يحكم ويسيطر باسم الله علي كل الخليقة. ولكن بعد الخطية فقد الإنسان هذه الصورة وهذا الشبه ففقد سلطانه علي الحيوانات... وغيرها ولكن نسمع أن قديسين كان لهم هذا السلطان علي الحيوانات لما عادت لهم هذه الصورة (الأنبا برسوم العريان).

الله خلق الإنسان علي صورته ليقبل خالقه صديقًا له، يتجاوب معه لا علي مستوي المذلة والضعف وإنما علي مستوي الحرية والحب والصداقة. وليكون وارثًا لله مع المسيح وشريكا معه في المجد الأبدي يجري وراءه ليضمه إليه لا ليحطمه. وجود الله لا يقوم علي إهدار حياة الإنسان وكرامته، وإنما نزل الله إلينا لكي يرفعنا إليه، صار إنسانًا ليرفع الإنسان إليه وليجعلنا شركاء الطبيعة الإلهية.

الذين هم علي صورة الله الآن لهم سلطان علي شهواتهم. راجع غل 19:4، 1يو 2:3. 

حواء لم تكن قد خلقت حتى الآن. ولاحظ أنه لم يقل خلقهما. وهذا باعتبار ما سيكون فحواء كانت في آدم والأولاد كانوا في آدم. وهكذا الكنيسة في المسيح. فكلمة خلقهم هنا تشير للجنس البشري كله. وتشير لبركة سر الزواج وللوحدة التي خلق الله العالم بها فالكل من واحد (آدم) وكان يجب أن تسود المحبة لكن الخطية دمَّرت صورة الوحدة. لهذا أتي المسيح ليعيد صورة الوحدة (يو 21:17). والكنيسة واحد مع المسيح فهي جسده.

واقوال الاباء من تفسير ابونا تادرس يعقوب

*     لاحظ كيف يوجد في خلق الإنسان أمر سام جدًا لا نجده في خلق آخر، فخلق الله الإنسان على صورته ومثاله، الأمر الذي لا نجده في خلق السماء أو الأرض أو الشمس أو القمر.

*     الذي صُنع علي صورة الله هو إنساننا الداخلي غير المنظور، غير الجسدي، غير المائت ولا فانٍ. بهذه السمات الحقيقية تتصف صورة الله وبها تُعرف[67].       

العلامة أوريجينوس

*     إني أقصد ما قاله الرب عندما رأي عملة قيصر: "أعطِ ما لقيصر لقيصر وما لله لله" (مت 22: 12)، كأنه يقول: كما يطلب قيصر منكم ختم صورته هكذا يطلب الله، فترد العملة لقيصر وتُرد النفس لله مستنيرة ومختومة بنور ملامحه[68].

*     لقد طبعت ملامحك علينا! لقد أوجدتنا علي صورتك ومثالك! لقد جعلتنا عملتك، لكن لا يليق بصورتك أن تبقي في الظلام. أرسل شعاع حكمتك لتبدد ظلمتنا فتشرق صورتك فينا[69].        

*     لا تبحث كيف ترد له المكافأة... ردّ له صورته، فهو لا يطلب شيئًا غير هذا. إنه يطلب عملته... لا تعطه مكافأة من عندك، فالله لا يطلب ما هو لك، فإنك إذ تعطيه ما لديك إنما تقدم الخطية[70].     

القديس أغسطينوس

ثانيًا: خلق الله النفس البشرية علي صورته ومثاله، أي علي مثال الثالوث القدوس فهي كائن ناطق حيّ، ومع أنها جوهر واحد في كيانها وطبيعتها لكن الكيان غير النطق غير الحياة. هكذا مع الفارق الآب هو الوجود الذاتي له، والنطق هو كلمة الله، والحياة هو الروح القدس. فالله واحد في جوهر، موجود بذاته، ناطق بالابن، حيّ بالروح القدس.

ثالثًا: في خلق الإنسان وحده دون سائر الخليقة يقول الله: "نعمل" بصيغة الجمع، إذ يلذ للثالوث القدوس أن يعمل معًا بسرور من أجل هذا الكائن المحبوب.

رابعًا: خلق الله الإنسان في النهاية حتى يتوجه كملك علي الخليقة، وكما نقول في القداس الأغريغوري أنه لم يجعلنا معوزين شيئًا من أعمال كرامته. خلق كل شيء من أجله وأعطاه سلطانًا، إذ قال: "إملأوا الأرض واخضعوها وتسلطوا علي سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض" [28]. لم يخلقه كائنًا خانعًا في مذلة إنما أراده صاحب سلطان علي نفسه كما علي بقية الخليقة.

 يقول العلامة أوريجينوس: [هذه تشير إلى ما ينبع عن النفس كما إلى أفكار القلب، أو ما ينتج عن شهوات جسدية وحركات الجسد. فالقديسون الذين هم أمناء في بركة ربنا يحملون سلطانًا علي هذه الأمور، فيسيطرون علي الإنسان بكليته حسب إرادة الروح، أما الخطاة فعلي العكس يسقطون تحت سلطان ما ينتج عن رذائل الجسد وشهواته[71]]. المسيحي الحقيقي كما يقول الأب مار إسحق السرياني ملك صاحب سلطان يقول لهذا الفكر اذهب فيذهب ولذاك أن يأتي فيأتي.

خامسًا: جاء خلق الإنسان في اليوم السادس أو الحقبة السادسة حتى إذ تكمل خلقته لا يري الله أن كل ما عمله حسن فقط بل "حسن جدًا" [21]، فيستريح في اليوم السابع، أي يفرح ويُسر بالإنسان موضع حبه. وكما خلق الإنسان في اليوم السادس، قدم السيد المسيح حياته فدية علي الصليب ليعيد خليقته أو يجددها روحيًا في اليوم السادس في وقت الساعة السادسة. ويري القديس أغسطينوس[72] أن السيد المسيح جاء إلى الإنسان في الحقبة السادسة ليجدد الإنسان ويرده إلى صورة الله، إذ يقسم تاريخ الخلاص إلى الحلقات التالية: الأولي من آدم إلى نوح، والثانية من نوح إلى إبراهيم، والثالثة من إبراهيم إلى داود، والرابعة من داود إلى سبي بابل، والخامسة من سبي بابل إلى كرازة يوحنا، والآن نحن في المرحلة السادسة أو في اليوم السادس حيث جاءنا السيد المسيح ليجدد خليقتنا حتى ينتهي العالم وندخل إلى راحته في يوم الرب أو اليوم السابع.

سادسًا: في حديثه العام عن الخلق تحدث هنا عن خلقه الإنسان في عبارة مختصرة ودقيقة للغاية، إذ يقول: "ذكرًا وأنثي خلقهم" [27]، مع أنه سيعود ويتحدث في شيء من التفصيل عن خلق آدم ثم حواء، لكنه من البداية أكد "ذكرًا وأنثي خلقهم" ليظهر أن لنا أبًا واحدًا وأمًا واحدة، فترتبط البشرية كلها برباط دم واحد... وليؤكد جانبًا آخر هو تقديس لسر الزواج بين الرجل والمرأة بكونه سرّ الوحدة بينهما. يقول العلامة أوريجينوس: [كل أعمال الرب تتم بعمل مجموعة متحدة معًا كالسماء والأرض، والشمس والقمر، وهكذا أراد الكتاب أن يظهر الإنسان كعمل الرب لا يتحقق بدون الملء والوحدة التي تناسبه[73]]. بمعني آخر الله خلق الإنسان ذكرًا وأنثي لكي تكون فيهما حركة حب كل نحو الآخر، لا بالمفهوم الشهواني الجسدي، إنما ما هو أعظم "الحب" كعلامة الحياة الداخلية التي تعطي ولا تنتظر مقابل. إن كان الثالوث القدوس هو ثالوث الحب الذي يتفاعل معًا أزليًا في حركة حب فإن الله يريد في البشرية أن تحمل حركة حب صادق من أجل طبيعة الحب الداخلية وليس انتظارًا لمكافأة. ولعل هذا هو الهدف الأول للحياة إنسانية بوجه عام، وهو أيضًا هدف الحياة الزوجية.

يقول الكتاب: "وباركهم الله وقال لهم: اثمروا واكثروا واملأوا الأرض واخضعوها وتسلطوا..." [٢٨]. وكما يقول القديس أغسطينوس: [الإكثار والنمو لملء الأرض هما هبة من بركة الله، إنهما عطية الزواج الذي أسسه الله من البداية قبل سقوط الإنسان عندما خلقهما ذكرًا وأنثي، بمعني أنه خلقهما جنسين متمايزين[74]]. ويقول العلامة أوريجينوس: [لا يستطيع الرجل أن يثمر ويكثر بدون المرأة، (فأعطاه المرأة) لكي لا يشك في إمكانية البركة[75]].

 لقد خلق الله الإنسان ذكرًا وأنثى لينجبا - حتى ولو لم يسقطا في العصيان - وليس كما ظن البعض أن الإنجاب جاء ثمر للخطية. لذلك يؤكد القديس أغسطينوس[76] إن الإنجاب يتحقق لا كثمرة للشهوة وإنما كجزء من مجد الزواج الذي أسسه الله نفسه، كما يرفض القول بأن الخطية التي ارتكبها الأبوان الأولان هي الشهوة الجسدية وقد عرّتهما من الطهارة، وإنما يقول إن الشهوة جاءت ثمرة من ثمار العصيان.

أخيرًا فإن العلامة أوريجينوس[77] تفسيرًا رمزيًا أيضًا فيري في الرجل رمزًا للعقل وفي المرأة رمزًا للروح، وكأنه يلتزم اتحاد العقل مع الروح في حياة مقدسة كعنصرين متفقين معًا ينجبان أبناء لهما سلطان علي الأرض، أي علي الجسد وكل طاقاته. بمعني آخر أنه لا حياة روحية بدون العقل ولا بدون الروح، إنما يتناغم الاثنان معًا وينسجمان تحت قيادة الروح القدس ليثمرا في الرب ما يفرح قلبه.

في العهد الجديد إذ يرفعنا الله إلى الحياة السماوية الملائكية يشتهي البعض الحياة البتولية ليس احتقارًا للزواج ولا نهيًا عنه، ولكن تفرغًا للعبادة أو الخدمة لحساب ملكوت الله، كقول الرسول بولس: "لأني أريد أن يكون جميع الناس كما أنا... أريد أن تكونوا بلا هم. غير المتزوج يهتم ما في للرب كيف يرضي الرب، وأما المتزوج فيهتم ما في للعالم كيف يرضي امرأته" (1 كو 7: 33). في هذا لا يحقر الرسول من الزواج إنما يرفع من شأن البتولية، كما يقول القديس جيروم: [بينما نحن نسمح بالزواج نفضل البتولية النابعة عنه... هل تعتبر إهانة للشجرة إن فُضل تفاحها عن جذورها وأوراقها؟![78]].

 

والمجد لله دائما