«  الرجوع   طباعة  »

سفر مزامير سليمان الابكريفي المنحول

 

Holy_bible_1

 

في البداية هو يختلف عن مزامير الشكر التي في مخطوطات قمران فهو ليس من مخطوطات قمران 

خلفية السفر 

مزامير سليمان هو احد الكتب الابكريفية مكتوب بطريقة شعرية تشبه المزامير ونسب لسليمان 

وهو مكون من ثمانية عشر مزموراً علي نمط سفر المزامير الكتابي، وتنسب هذه المزامير لسليمان الملك، وتوجد الآن في مخطوطات باليونانية والسريانية، وواضح أنها ترجمت عن أصل عبري مفقود تتضمّن مزامير سليمان الثمانية عشرة جواباً قدّمته مجموعةٌ من اليهود الأتقياء على سقوط أورشليم بيد الرومان في القرن الأول ق.م. فالمزامير 1، 2، 8، 17 تروي كيف أن موظّفَين من أهل البلد وضعا أيديهما على السلطة واستعملا امتيازاتهما استعمالاً سيّئاً. غير أن هذين المتسلّطين أزاحهما مجتاحٌ غريب، فقتل واحداً وسبى الآخر. ولكن احتلال الأمم لأورشليم كان شراً من المتسلّطين، فأدخل العبادات الغريبة وممارسات اجتماعيّة أفسدت عدداً من المواطنين. فلا خلاص يُنتظر، بسبب القدرة الواسعة التي ينعم بها المجتاح. والأتقياء الذين صلّوا هذه المزامير، انتظروا ملكاً شرعياً يظهر فيقودهم في ثورة على القوى المحتلّة، ويُبعد كلَّ تأثير غريب، ويثبّت الدولة اليهوديّة المستقلّة. وتضمن مز 17 نشيداً مسيانياً طويلاً يصوّر عهدَ هذا الملك، هذا «المسيح»، الذي هو إبن داود. أمّا سائر المزامير فتُشبه تلك التي نقرأها في الكتاب المقدّس، وفي كتابات قمران، ونحن نجد فيها كلاماً عن الشرّ والخير، عن الخطيئة والخلاص، عن التهديد والنجاة.

 

تاريخها 

تاريخ اكتشافها: يدل فهرس علي المخطوطة الاسكندرانية علي أن المخطوطة الأصلية كانت تشتمل على مزامير سليمان في نهاية المخطوطة، وهو جزء مفقود منها. ويظن البعض أن المخطوطة السينائية كانت تشتمل عليها أيضاً، وهو أمر لا يمكن إثباته حيث أن بداية المخطوطة ونهايتها مفقودتان . 

ولا يرد ذكر لهذه المزامير طوال العصور الوسطي، إلي أن اكتشف أحدهم مخطوطة لها في مكتبة "أوجزبرجفي أوائل القرن السابع عشر ثم اختفت هذه المخطوطة بعد ذلك، ولكن في 1626م نشر "سردا" (Cerda)  نصوصهافهو قدم للعلماء طبعة رئيسيّة تضمّ النصّ اليونانيّ وترجمة لاتينيّة وملحقات، وذلك في ليون (فرنسا). اكتفى لاساردا بطبع نسخة أوصلها إليه أحدُ مراسليه، عن مخطوط هوكودكس فندوبونانسيس. وبعد ذلك اكتشفت بعض المخطوطات الأخري لها يونانيّة (كاملة أو جزئيّةتتوزّع بين القرن 10 والقرن 16، بلغ عددها ست مخطوطات يونانية بعضها كامل وبعضها غير كامل سم اكتشف اخرين ووصل العدد الي عشر مخطوطات، في بداية القرن العشرين، كُشفت مخطوطات سريانيّة تتضمّن مز سل. نُشر مخطوط أول سنة 1909، ثمّ مخطوطٌ ثانٍ وجزء من مخطوط ثالث. وكانت طبعة نقديّة أولى في مانشستر (انكلترا)، وطبعة نقديّة ثانية في لايدن (هولندا) ولكن يبدو أن النصّ السريانيّ نُقل عن اليوناني، لا عن العبري. غير أن الاختلافات بين النصّ اليوناني والنص السرياني، تجعلنا نقول إنّ السرياني عرف العبريّ، أو أقلّه لجأ إلى نصّ يونانيّ غير النصوص التي نعرفها، ويمكن أن يكون هذا النصّ قد ضاع.

نُقلت مزامير سليمان إلى لغات عديدة، كالفرنسيّة والانكليزيّة والايطالية والاسبانيّة، وكانت موضوع دراسة بعض العلماء في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ثم هبط الاهتمام بها بعد ذلك

 

تاريخ الكتابة 

لان لها اشارة في المخطوطة الاسكندرية فهي قبل القرن الخامس الميلادي. ايضا لعلاقتها بسفر باروخ توضح انها قبل نهاية القرن الأول المسيحيّ. هذا على المستوى الخارجيّ. أما على المستوى الداخلي ودراسة النصّ في ذاته، فنجد أمرين: الأول، تلميح إلى صراعات محليّة بين اليهود. الثاني، إشارات إلى أحداث دوليّة. نُجّست أورشليم ولكنها لم تدمَّر. هذا يعني أن مزسل وصلت إلى شكلها الأخير قبل سنة 70 ب. م. وتسلسلُ الأحداث، التي يمكن أن تكون قريبة مع أحداث حصلت في منتصف القرن الأول ق. م. لا ترد في النصّ بحسب ورودها في الزمن. هذا يعني أن تجميع المزامير، الذي قد يكون صار كما هو الآن في الترجمة اليونانيّة، تمّ بيد ناشر اقتصر اهتمامُه على المستوى الأدبيّ، فلم يعرف ولم يتطلّع إلى توالي الأحداث التي تشير إليها هذه القصائد.

يكاد العلماء يجمعون علي أنها كتبت في القرن الأخير قبل الميلاد أو القرن السابق له، فالأحداث التاريخية المذكورة فيه تنتمي إلي تلك الحقبة، فالصراع بين فئة الأتقياء وفئة أهل العالم في اليهودية، يظهر جلياًكما تصور هذه المزامير وقوع أورشليم في يدي شخصية أجنبية قوية، وكذلك تخريب الهيكلوبينما يعتقد بعض الدارسين لهذه المزامير أن هذه الأحداث تشير الى زمن "أنطيوكس إبيفانسوالمكابيين، إلا أن غالبية الدارسين يرون أنها اكثر توافقاً مع أحداث زمن بومبي القائد الروماني في 64- 46ق.م فالمحتلّ شخص وثنيّ جاء من الغرب (17: 12)في البداية، استُقبل استقبالاً حسناً في أورشليم، أقلّه لدى بعض أهل الحكم والشعب (8: 16- 18). ولكنه لاقى في الداخل معارضة حين وصل إلى الهيكل، فأُجبِر على تقوية جيشه واستعمل آلات لشدّ الحصار (1: 2). وبعد أن سقطت المدينة، دخل هو وجيشه إلى الهيكل، ونزع عنه طابعه القدسيّ (2: 2). وبعد أن ترك أورشليم، مضى إلى مصر، حيث قُتل. ظلّ جسده دون أن يُدفن على الشاطئ (2: 26- 27). إذا قابلنا كل هذا مع خبر يوسيفوس، نراه يتوافق مع ما قيل عن حياة بومبيوس القائد الرومانيّ، الذي أخذ أورشليم سنة 63 ق.م.

أقدمُ تلميح مباشر في مزسل إلى حدث تاريخيّ خاص، هو اجتياح بومبيوس للمدينة سنة 63 ق م. وآخر تلميح يذكر موته سنة 48 ق م. وأوسع حدود تقع بين 125 ق م والقسم الأول من القرن الأول ب م. وإذا أردنا أن نحدّد أكثر قلنا، بين سنة 70 وسنة 45 ق م، مع العلم بأن المزامير التي لا يمكن أن نحدّد تاريخها، قد تعود إلى قبل هذه الحقبة أو بعدها. أمّا المجموعة ككلّ، فقد جاءت بعد ذلك الوقت.

فأفضل وقت هو حقبة الحشمونيّين في النصف الأول من القرن الأول ق.م.

 

لغة الكتابة 

لغتها في اليونانية، تدل علي أنها لم تكتب في اليونانية أصلاً ولكنها ترجمة حرفية لأصل عبري. 

حين نقرأ النصّ بتمعّن، نكتشف طرق تعبير عبريّة. بل هناك جمل لا تُفهم إلاّ إذا نقلناها إلى العبريّة. هذا ما جعلنا نقول إن هذه المزامير دُوّنت في العبريّة. أما النصّ اليوناني الذي بين أيدينا فهو ترجمة فهي ترجمت سريعاً إلى اليونانيّة، ثمّ بعد بعض الوقت إلى السريانيّة. هذا يفترض الحاجة إلى عودة متواصلة إلى ما يمكن أن يكون النصّ العبريّ. في هذا المجال، قام عددٌ من العلماء بتصحيح النصّ اليونانيّ. وقد حاول بعضهم أن يُعيدوا ترجمة النصّ من اليونانيّة إلى العبريّة.

ويبدو أن النسخة السريانيّة نقلٌ عن اليونانيّة، مع أن هناك بعض اليقين أنها نُقلت عن العبريّة. النقلُ السرياني قريب من المخطوط اليوناني 253 وأسرته، مع بعض التشابهات مع اليوناني 769 و336. أمّا ما يميّزه، فمحاولات تسهيل صعوبات القراءة. في عدد من المقاطع حيث النصّ صعب ومختلف بين مخطوط وآخر، يحاول السريانيّ أن يجعله مفهوماً فيقترب قدر الامكان من المخطوط 253 وأسرته.

إن نصّ يشوع بن سيراخ وسفر الحكمة في المخطوط 253، هو جزء من التقليد النصوصيّ في الهكسبلة (الكتاب المقدّس في ستة عواميد. ألّفه في اليونانيّة اوريجانس) السريانيّة. هذا ما يُثبت التشابهات بين هذه المجموعة والجماعة السريانيّة التي حفظت هذا السفر. 

 

كاتب السفر

هو غالبا ليس شخص واحد ولكن مجموعة ولكن لا يمكن الجزم بما إذا كانت هذه المجموعة من المزامير من تأليف شاعر واحد أو أكثر من شاعر، فحيث أنه لا توجد اختلافات واضحة في الأسلوب أو المحتوي في أي مزمور منها عن سائر مزامير المجموعة، فليس ثمة سند لأفتراض تعدد الكاتبينفالرباط بين 1: 1- 2: 18 و2: 9- 31؛ وبين 8: 1- 22 و8: 23- 34؛ وبين 17: 1- 15 و7: 21- 24 لا يبدو واضحاً. إن 18: 10- 12 يبدو كملحق. وعناوين بعض المزامير الفرديّة ترتبط قليلاً بسياقها، والملاحظاتُ الموسيقيّة أو الليتورجيّة ليست في محلّها. وهكذا نكون أمام عمل قام به الناشر. والمزامير الباقية لا تحمل معطيات تاريخيّة، ولا تساعدنا على اكتشاف الكاتب. فلا فائدة من الجدال إن كنّا أمام كاتب واحد أم كتّاب عديدين: فالتشابهات التي نجدها في النصوص تُقنع أولئك الذين يتحدّثون عن كاتب واحد، والاختلافات تقول بوجود أكثر من كاتب. فمن الأفضل أن نفهم هذه الأناشيد كنتاج جماعة. من الواضح أن الكاتب ينطلق من جماعة محدَّدة ويتكلّم من أجل جماعة يضربها الاضطهادُ فتتطلّع إلى المستقبل. فالمواضيع المعبَّر عنها ليست فرديّة، بل جماعيّة. وهكذا نكون أمام تقليد جماعيّ، يعيننا لكي نفهم التشابهات التي تجمع مزموراً إلى آخر، والاختلافات التي تفصل نشيداً عن آخر. وهكذا نتجنَّب التصلّب الدقيق الذي لا يرى سوى العناصر الجامدة. فإن كان من وحدة في السفر، فهي وحدة على مستوى التقليد.

وقد قرر "ولهازونومدرسته، أن الكاتب (أو الكاتبينكان من الفريسين، وذلك من الإشارة إلي الصدوقيين بأنهم "الأشرارالمتربعون علي كراسي السلطة بالعنف 1(7: 5- 8، 22)، ولم يهتمّوا بالطهارة الطقسيّة ولا بالممارسات المفروضة في الاحتفالات (1: 8؛ 2: 3، 5؛ 7: 2؛ 8: 12؛ 17: 45). وقد أخذوا طوعاً بعادات الغرباء (8: 22).

وهي نتيجة منطقية للصراع بين الحزبينوعلاوة علي ذلك، لإبرازها التعاليم الفريسية المشهورة عن الثيوقراطية، والمسيا، والجزاء الإلهي، وإرادة الإنسان الحرةولكن الدراسات التي تمت علي مخطوطات وادي قمران، قد فتحت باباً جديداً ، لأن ما بهذه المزامير من أفكار يثبت فقط أنها ليست من تأليف الصدوقيين، لأن هذه الأفكار لم تكن وقفاً علي الفريسيين، بل كان هناك فريق ثالث تمثله جماعة قمران خير تمثيل، والذين يمكن أن يُطلق عليهم اليهود "الأخرويين"، فالطابع الميساني الواضح أو الربّ هو الملك (2: 30، 32؛ 5: 18، 19؛ 17: 1، 34، 46) والشريعة مقدّسة، وقد أساء استعمالَها أعداؤها (4: 8). ولكنها كانت البرهان على اهتمام الله بشعبه (10: 4) وعنايته الإلهيّة (5: 3، 4). هذا ما يقوله يوسيفوس عن الفريسيّين والاسيانيّين، بحيث يميّز هاتين الفئتين عن الصادوقيّين. والتعليم عن المجازاة (2: 34، 35؛ 13: 6؛ 15: 12، 13؛ 17: 8) يميّز أيضاً الفريسيّين والاسيانيّين عن الصادوقيّين، والتلميح الخفيف إلي القيامة في هذه المزامير، إنما يشيران إلي أنها من كتابة هذا الفريق الثالث أكثر مما إلي الفريسيين ولكن ايضا عدم وجودها في مخطوطات قمران فيعود ويرجح الفريسيين.

وحيث انه من الواضح أن هذه المزامير لم يكتبها الملك سليمان، فلابد أن يتبادر إلي الذهن هذا السؤال: لماذا أطلق عليها اسم "مزامير سليمان"؟ وإذا افترضنا أنه لم يكتبها شخص آخر اسمه سليمان، فالأرجح إن الكاتب كان متأثراً جداً بالمزامير الكتابية (وهو مايبدو واضحاً في الأسلوب والمحتوي). وحيث أن الكثير من المزامير تنسب إلي داود، فلعَلَّ الكاتب (أو الكتابين) أراد أن ينسبها إلي شخصية بارزة، فنسبها إلي سليمان بن داود وخليفته، وبخاصة لطابعها الميساني الذي كان سليمان رمزاً له. 

ونسبةُ مجموعة هذه المزامير إلى سليمان، بدت طبيعيّة بالنسبة إلى الناشر. فالتشابه بين مزسل 17 (أهمّ مزمور) ومز 72 في الكتاب المقدّس، المعروف بمزمور سليمان، جعلت نسبة هذه المجموعة إلى من اعتُبر شاعراً، شأنه شأن داود (1 مل 4: 32). والشبه بين سليمان ووجه «المسيح» واضح: كل منهما دُعي ابن داود. كل منهما وسّع الحدود. وأعاد بناء أورشليم وجمّلها، ودافع عن عبادة يهوه. كلاهما نالا الجزية من الملوك الغرباء الذين جاءوا ليروا مجدهما، وتفوّقا على سائر الحكّام بالحكمة والعدل. غير أن سليمان خطئ حين جمع الفضّة والذهب، والخيل والمركبات والسفن، وكان مخطئاً حين تجبَّر وضايق شعبه. أمّا «المسيح» فلم يقترف هذه الفظاعات (17: 33).

 

مصدر السفر 

لا شكّ في أن أورشليم هي مصدر السفر. فهذه المدينة تتفوّق تفوّقاً على سائر المدن. هي موضع عددٍ من الأحداث، ويصوّرها الشاعر مع تفاصيل عديدة. هو يتحدّث إليها (11: 1 ي) ويكلّمها (1: 1 ي). هي مركز السنهدرين أو المجلس الأعلى (4: 1). أما الرذائل المذكورة فهي خاصّة بعالم المدينة.

 

محتوى السفر 

محتوياتها: تبدو هذه المجموعة من المزامير أمام النظرة العابرة شديدة الشبة بالمزامير الكتابية، فتظهر فيها نفس المشاعر والتعبيرات، بداية من التسبيح إلي الرثاء، ومن التضرع إلي الشكر. بل إن التشابه يمتد إلي الأساليب. وإن كانت أشد تعقيداً في هذه المزامير الزائفة. 

علاوة علي ذلك، فإنها تغلب عليها فكرة الدينونة، فالكاتب لا يلوم الله علي دينونته، بل بالحري يبرر الله تماماً (مز 2: 16، 8: 7). فالناس أشرار بصورة لا تصدق، بل هم "أشر من الوثنيين" (1: 8، 8: 12, 14).وتسهب في وصف سعادة الأبرار وعقاب الأشرار (13، 14، 15). وقد انساق الناس في هذا الشر وراء قادتهم الذين يظهرون بمظهر التقوي والاخلاص (4: 2)، ولكنهم في حقيقتهم "خطاة" قلباً وقالباً (4: 4- 6)، وتصفهم بأنهم مخربون للبيوت، إذ يستغلون مراكزهم الرفيعة لإشباع شهواتهم (4: 13). 

ولكن الله لم يترك شعبه (11: 2، 18: 1). والخطاة (لعله يشير إلي الحشمونيين) الذين أعطاهم الله الأرض (17: 6-8)، والذين حاولوا ان يجعلوها أرضاً وثنية، قد ذهبوا إلي السبي (لعلها إشارة إلي ارستوبولس- 8: 23, 24). وذلك الرجل العظيم (لعله بومبي) الذي خضعوا له (8: 18) قد هلك في مياة مصر (فقد طعن بومبي في ظهره وهو يقفز من قارب صغير). وهكذا يجازي الله كل من يتعظمون عليه، بينما هم- في الحقيقة- ليسوا إلا آلات لتنفيذ مقاصده (2: 32- 35). ومن الجانب الآخر فإن الرجل البار المتواضع الذي يتكل علي الله، لن يتركه الله أبداً (5: 20، 6: 8، 12: 6)، فالله له بقية أمينة لابد أن يكرمها ويحفظها (7: 9). 

وسيأتي ذلك اليوم الذي فيه سيحامي الله عن شعبه (11: 8)، وستري كل الأمم مجد إسرائيل، وتسارع إلي تقديم فروض الولاء والطاعة لإسرائيل والله، إله إسرائيل (17: 34, 35). وسيطلقون المنفيين إلي أوطانهم حيث سيملك "المسيا الرب" (17: 36)، نسل داود (17: 23)، ملك السلام والعدل (17: 25- 31). 

 

اهمية السفر

أ - الأهميّة التاريخيّة

تُقدّم المزامير نظرة إلى الصراع الداخليّ والاجتياح الخارجي اللذين عرفتهما أرضُ يهودا في منتصف القرن الأول ق.م. هي تُقدّم في لغة مكتومة وسرّية ما أحسّت به مجموعة من اليهود الأتقياء، العائشين في أورشليم: بلبلتهم أحداثٌ قريبةُ العهد، هي اجتياحُ المنطقة واحتلالُها، وفسادُ الحكام على المستوى السياسيّ والدينيّ. ونتج عن محاولتهم مصالحةُ اللاهوت مع الواقع. أمّا الجواب الواحد على هذه الأزمة، فالمسيحانيّة الجليانيّة. لم يكن أعضاءُ هذه الجماعة من المسالمين على المستوى السياسيّ. وإن هم هدأوا الآن، فلأن الفرصة لم تسمح لهم بالقيام بأي نشاط (12: 5). تفوّهوا بالشتائم على أعوانهم (4: 1- 5؛ 6: 14- 20)، وانتظروا الانتقام حين تعود إليهم قوّتُهم في حكم «المسيح» (12: 6؛ 17: 22- 25). غير أنهم ترجّوا رجاء لاواقعياً أن يستولوا على السلطة السياسيّة، فتقبّلوا الصعوبات الحاضرة على أنها عقاب من الله (14: 1؛ 16: 10). وقد وثقوا أن الأمور سوف تتبدّل، إن لم يكن في الدهر الحاضر، فبكل تأكيد في الدهر الآتي (2: 34- 35). دخلوا في عهد قمران، فقبلوا بوضعهم الحاضر، وتطلّعوا إلى هزيمة أعدائهم في النهاية.

نمتلك أكثر من سمة عن هذه المجموعة العائشة في المدينة. فبعض الاتّهامات الموجّهة ضدّ أعدائهم، تنطبق على عدد من الأزمنة والأوضاع (الجشع، الزنى). وهناك اتّهامات واضحة وخاصة، كالملكيّة اللاشرعيّة، ووضع اليد، بدون حقّ، على القرابين المقدّسة (1: 8؛ 2: 3؛ 8: 11- 12، 22). ويتشكّى الأتقياء من علمنة (غاب الدين) النظام الذي يمتلك السلطة، من جشع السلطة الدينيّة، وعدم الاهتمام بالشريعة الدينيّة والمدنيّة، وتمازج الأمّة اليهوديّة مع أمم العالم. لهذا السبب كان الاجتياح الذي قام به هذا الغريبُ الذي اسمه بومبيوس والرومان.

ونتيجة ذلك، احتفظت مزسل بانتظار مسيحانيّ دقيق في القرن السابق للمسيحيّة. فلقبُ «مسيح» الذي يعود بشكل عام إلى ملك أو كاهن عُيِّن بشكل شرعيّ، والذي صار في العالم اليهوديّ المتأخّر مناخاً مؤاتياً لجميع الذين لم تتحقّق رغباتُهم المثاليّة في الزمن الحاضر، سيطر على هذه المزامير التي صوّرت شخص المسيح، ورسمت طابعَ حكمه في الدهر الآتي. ففي مزسل نجد أفكاراً حول المسيح لا نجدها في أيّ كتاب يهوديّ آخر. يتماهى المسيحُ هنا مع ابن داود، الذي سيأتي ليقيم ملكوتَ الله الأبديّ. ومع أنه ليس فائقَ الطبيعة، فهو (مع الأتقياء الذين يملك عليهم) يكون بلا خطيئة، ويحكم بكل الصفات القديمة في أسمى ارتفاعها: الحكمة، العدل، الرحمة، القوّة. وسيُعيد تقسيمَ القبائل كما في الماضي، وطرقَ البرّ والأمانة بحسب الطرق القديمة كما في زمن البريّة، بحيث يُعيد شتاتَ اسرائيل إلى وطنٍ تطهّر من كلِّ نجاسة. وتأتي الأممُ فتقدّم خضوعَها لأورشليم ولملكها. وفي النهاية، ترتبط هذه المزاميرُ بما سيقوله انجيل لوقا عن يسوع الذي هو «المسيح الربّ» (21: 1)، وبما يتوسّع فيه العهد الجديد من أجل كلام عن الكرستولوجيا، عن شخص يسوع المسيح.

ب - الأهميّة اللاهوتيّة

السفر أدبٌ في قلب الأزمة. ولكنها أكثر من أزمة سبّبها جيشٌ غريب أتى واحتلّ الوطن. هي واقعٌ قاسٍ يجتاحُ اللاهوت التقليديّ. فحين دخل جيش بومبيوس إلى أورشليم، وجالوا في حرم الهيكل، حطّموا المواعيد القديمة، وداسوا العهد الذي لا يمكن أن يُنتهك. ومع أن حقبات تاريخيّة عديدة، ومع أن أدباً كثيراً أنتجته هذه الحقباتُ فكان «أدب أزمة»، فصاحبُ مزسل قد انصدم بسيل من الأحداث كادت تجرفه، فحرّكت ضيقاتُ الزمن فيه شكوكاً لاهوتيّة عميقة. أمسكته فجاءةُ الأحداث، فبحث عن معنى لهذا الوضع، يكونُ معقولاً ويُبعده عن نظرة يائسة. فكانت نظرته إلى الله موضوعاً عاد إليه أكثر من مرّة (2: 1، 15- 18؛ 3: 3- 5؛ 4: 8؛ 8: 3، 23- 26؛ 9: 2).

أ - نظرة السفر إلى الله

هنا نرى صاحب المزامير ينتقل من حلول «بيبليّة» عُرفت قبل المنفى، وحلول تأمَّلها في أيامه. فمن الواضح أنه لم يتخلّ عن فكرة تقول بعدالة الله في هذه الحياة، حيث الأبرار يَنجحون والأشرار يُعاقَبون. فالنجاح والعقاب علامتان منظورتان تدلاّن على رضى الله أو عدم رضاه. ولكن هذه الظرة «البيبليّة» إلى الله حرّكت برهاناً ذا حدّين: فالأحداث الأخيرة أثّرت على الأمّة وعلى الفرد، فرمت الشكّ في نظرة كانت واثقة ممّا تقول. فقد لاحظ الكاتبُ بسرعة، أن الأمّة عُوقبت بسبب خطاياها. فهذه الضربات تتوخّى أن تعرض الخطايا الخفيّة وتبيّن أن الله هو الديّان القدير والعادل، الذي لا يُفلت أحدٌ من حكمه (2: 8؛ 9: 1- 3؛ 17: 1 ي). غير أن المصلّي العارف بعدالة عمل الله، واجَه صعوبةً حقيقيّة: كيف سمح الله للأمم الوثنيّة بأن تدمِّر اسرائيل؟ تذكّر كم كرّر الله أن اسرائيل هو شعبه المحبوب الذي عقد معه عهداً دائماً (7: 8- 9؛ 9: 8- 11؛ 11: 7؛ 14: 5؛ 17: 4)، وطلب من الله أن لا يسمح للأمم بأن تنتصر على شعبه انتصاراً كاملاً (2: 22- 25؛ 7: 3- 5؛ 8: 27- 31).

وكانت محاولتُه الأخيرة، إيجادَ حلّ لصعوبات اسرائيل في الملك المسيحانيّ، في الأيام الأخيرة (7: 10؛ 11: 1 ي؛ 15: 12؛ 17: 1ي؛ 18: 6- 10). ولكن هذا الرجاء الطيّب ليس لمستقبل بعيد. بل إن ضيق اسرائيل الحاضر أقنع صاحبَ المزامير أنَّ يومَ ملكوت الله قريب، لأن الله لا يقدر أن يسمح لهذا التهديد الخطير أن يستمرّ ويدوم.

وحين واجه المصلّي مسألة ألم الأبرار الضروريّ، كان موضوعُ تبرير الله أكثر حدّة. فمع أنه يقبل بأن يندّد بخطايا الأمّة (2: 8- 9؛ 17: 10)، فهو يُعلن أنه يعتبر نفسه وجماعة الأتقياء، بدون ذنب. إذن، لماذا يتألّمون؟ إن فكرة الذنب لدى الجماعة، ليست منتشرة بحيث تُتيح له بأن يبرّر الله الذي سمح أن يتألّم الأبرارُ كما يتألّم الأشرار. وفي بعض الجمل، سيرى أن اضطهاد الابرار لا يأتي من العالم الوثنيّ، بل من إخوتهم اليهود (4: 1 ي). وهذا يتطلّب حلاً يختلف عن الحلول التي استعملها من قبل، ليشرح ألمَ الأمّة كلِّها.

وبحث المصلّي من جديد عبر الشروح العديدة. فكان جوابٌ أوّل يقول إن هذه العدالة تأخّرت، والميزان يميل إلى جهة القبر (2: 1 ي؛ 5: 1 ي). في ذلك الوقت لن يسمح الله أن يهلك البار هلاكاً أو أن يسقط تحت المحنة (2: 36؛ 16: 12- 15).

بعد ذلك، تأمّل الكاتب في فكرة تقول إن الله يمتحن البارّ بالضيق ليبرهن عن أمانته (16: 14). هذه الفكرة تظهر مرّة واحدة. من الواضح أن الكاتب ليس أيوب، لأنه يقدّم الألم على أنه لا يعوّض عن الشرّ. قد يكون البارُّ اقترف بعض الخطايا، ربّما بدون إرادة، فينبّه الله ذاك البارَّ إلى خطاياه عبر الضيق بحيث يُصلح المؤمنُ حياتَه وينجو من عقاب أقسى. فالله يعاقب البار بطريقة تختلف عن عقاب الشرّير. هو يؤدّبه كما يؤدّب أبٌ ابناً يحبّه (13: 8- 10؛ رج 18: 4 والكلام عن اسرائيل). وأحدُ البراهين عن برّ انسان من الناس، هو الطريقة التي بها يتجاوب مع تأديب الله. إنه عكس الخاطئ: لا تَثبط همّتُه ولا تأكله المرارةُ بسبب الضيق، بل يعترف بخطيئته ويُعلن أن الله عادل (3: 3- 10؛ 10: 1- 3).

والرجاء الاسكاتولوجيّ بالنسبة إلى الفرد، يلعب ذات الدور بالنسبة إلى الأمّة. فاليوم الأخير قد يأتي سريعاً ليُنهي الألم والاضطهاد. ولكن هذه النظرة المقبلة لا تخفّف حاجة المصلّي لكي يشرح لماذا يتألّم البار الآن. هو لا يستعمل مرّة ثانية موضوع الدهر الآتي فقط كتعزية عن الصعوبات الحاضرة، بل لكي يحذّر الأبرار أيضاً من الخطايا التي قد تقود إلى دمارهم، وتنقّيهم استعداداً للملكوت. لسنا قريبين هنا من «لاهوت الألم» الذي نجده في تفكير اليهود والمسيحيّين أمام مسألة الشرّ. فالكاتب يؤمن أن الألم يحمل التنقية والخلاص (10: 1- 3). وسيقول إن الأبرار اختِيروا من أجل تأديب خاص، ولكنه لا يعطي أبداً للألم مدلولاً إيجابياً، ولا يجعله علامة اختيار. فالألم في نظره يبقى ألماً بسبب الخطيئة.

إذا كان المصلّي غير ثابت في هذه النقطة، فهو في موضع آخر مفكّر عميق وواثق بنفسه. فتعليمُه عن العناية الالهيّة يحمل قوّة وعزماً: إن الله ناشط في كل ظرف من ظروف التاريخ والحياة الشخصيّة. وصفاتُ الله التي يُشدّد عليها أكثر ما يشدِّد، هي التي تتعلّق بمراقبته الحياة البشريّة مراقبة مستمرّة: فهو الملك والديّان في الأرض كلها (2: 32؛ 8: 24؛ 17: 3)، والمهتمّ بكل حياة (5: 1 ي). ومع أنه قاسٍ على الخطأة القساة، إلاّ أنه يرحم في كل حال ويغفر، وهو حنون بشكل خاص في حبّه لاسرائيل (5: 9- 11؛ 18: 1- 4؛ رج 7: 4- 5؛ 9: 6- 7). إنه ملجأ المساكين والضعفاء (5: 2؛ 10: 6؛ 15: 1؛ 18: 3). ومع أن البشر لا يقدرون أن يتساووا مع الله على مستوى الرأفة (5: 13- 14) والقوّة والأمانة (17: 1- 3)، فالله ليس بعيداً عن البشريّة، بل هو قريبٌ جداً منها. لهذا يتوجّه المصلّي إلى الله مباشرة، كما يتوجّه إلى ملك أرضيّ. فحسّه بمُلك الله لا يقف على مستوى التجرّد أو الرمز. فالله هو مَلك يتصرّف كما يتصرّف الملوك (2: 30، 32، 5: 19).

وبما أن الله قريب من الانسان، جاءت مكانةُ الكهنة في مزسل ضئيلة. وكذا نقول عن عالم الأرواح: فملاك الموت يُذكر في 7: 4، ولا يُذكر الملائكة بعد ذلك.

ب - نظرة السفر إلى الانسان

نظرة المصلّي إلى الانسان (الانتروبولوجيا) بسيطة وواضحة، وهي تقابل، أقلّه في جزء منها، تلك التي نسبها يوسيفوس إلى الفرّيسيين أو الاسيانيّين. الانسان حرّ في ما يريد (9: 4)، وإن دفعه الله بعضَ المرّات دفعاً إلى الخير. لكل انسان حظّ (أو قسمة) محفوظ له، ولكن هذا يرتبط بالخط الصالح لا بتعليم مغالط. ومن الواضح أيضاً أن مصير الانسان ليس محدّداً سلفاً بحيث لا يتبدّل، وأن الله يقدر أن يُصلح حياتنا على أساس أعمالنا.

تتركّز الحياةُ كلها، بعد الموت، على رجاء بقيامة الأجساد (2: 31؛ 3: 12). ونحن لا نجد أثراً عن الاعتقاد بخلود النفس. فحياةُ الأبرار «تسير إلى الأبد» (13: 11)، في الملكوت، بعد «يوم الرحمة» (14: 9). وهكذا يتحدّث المصلّي عن انسان في جسد. وإن هو تحدّث عن النفس، فالنفس تعني الشخص ككلّ. وهكذا لا نكون أما ثنائيّة النفس والجسد. فالكون له فرادته، وكذلك الطبع البشريّ.

والمصلّي صاحبُ علم أخلاقيّ دقيق. فبطهارة الحياة يستطيع الانسان أن يُرضي الله. وحتّى الخطيئة اللاطوعيّة يمكن أن يكفّر عنها (3: 7- 8؛ 13: 7) مع التوبة والاعتراف (9: 6- 7) والصوم وسائر الإماتات (3: 8) وقبول تأديب الله بتواضع (13: 10؛ 10: 1). تُذكر الشريعةُ بشكل خاص في موضعين (4: 8؛ 14: 1- 3). ولكن ساعة يستخرج المصلّي، بدون شكّ، نظرته إلى متطلّبات الله من الشريعة، لا نجد الكثير في تعليمه الخلقيّ ما يفترض تتمّة الشريعة كما يقول الفريسيّون. فاهتمامُه بالفرائض العباديّة يعبَّر عنه بشكل رئيسيّ، عبر اشمئزازه من بعض اليهود الذين شوّهوا الطقوس في الهيكل. والتمييز بين اسرائيل والأمم، حادٌّ قاطع. فالكاتب لا يعرف الشموليّة. فالأمم بلا شريعة، في طبعهم، وقد رذلهم الله (2: 2، 19- 25؛ 7: 1- 3؛ 8: 23؛ 17: 13- 15)، وإن اختارهم، في ظرف من الظروف، كأداة غضبه على اسرائيل الخاطئ (8: 1 ي). لا أمل في أن يهتدوا إلى الله. وإحدى بركات العهد المسيحانيّ ستكون طرْدَ الأمم من أرض اسرائيل (17: 1 ي). لقد اختار الربّ شعب اسرائيل فوق جميع الأمم، واختاره إلى الأبد (9: 8- 11) كموضوع حبّ خاصّ، واهتمام اسرائيل بالرسالة بين الأمم محدود جداً.

وإذ يعود المصلّي إلى العهد، فهو يتذكّر ابراهيم مرّتين (9: 9- 10؛ 18: 3)، ويتذكّر سيناء مرّة واحدة (10: 4). فمركزُ العهد في فكره هو العهد الداودي. هذا الاهتمام واضح في مزسل 17، وضمنيّ في غضب المصلّي على الحشمونيّين الذين استولوا على السلطة. وهناك تطلّعه إلى الدور السامي المعدّ لأورشليم، في الزمن الحاضر وفي الزمن الآتي. تصوّر المدينةُ على أنها مقدّسة. إنها أعظم مقام لله في اسرائيل (2: 19- 21؛ 8: 4)، ومركز تجمّع المؤمنين في الأيام الأخيرة.

ونهايةُ الزمن، في السفر، في متناول اليد. عاد الكاتب إلى تاريخ اسرائيل حتّى زمانه، فاستنتج أن الحلّ الوحيد يرتبط بتدخّل الله المباشر في التاريخ. هذا ما يُسمّى يوم افتقاد الله (15: 12) لشعبه (10: 4؛ 11: 6)، اليوم الذي فيه يُمسك اللهُ بمصير اسرائيل. في ذاك اليوم، يوم الدينونة، ينال الخطأة الدمار (2: 31، 34؛ 15: 12)، والأبرار يُكرَمون ويقومون (2: 31؛ 3: 12). فالخطأة لن يشاركوا في القيامة (3: 9- 12؛ 14: 9- 10).

وحين يظهر «المسيح»، فهو يظهر في وجه ملكيّ، ويَخرج من بيت داود. فيه يتجلّى مُلكُ الله على اسرائيل وعلى العالم، فيدوس المحتلَّ الوثنيّ، ويطرد الخطأةَ وجميعَ الغرباء، ويجمع أمّةً منقّاة يقودها في البرّ والعدالة والحكمة المقدّسة (17: 23- 25). ومشتّتو اسرائيل سيعودون إلى وطنهم (17: 31؛ رج 8: 28؛ 11: 1ي)، وتتوزّع الأرض حسب النهج القديم الذي عرفته القبائل (17: 28). وأورشليم تتقدّس من جديد، ومثلها الهيكل (17: 30- 31). وتخضع الأمم الوثنيّة لملك اسرائيل، وتمجَّد أورشليمُ وإلهُها عبر الكون كله.

ومع أن هذا «المسيح» ملك، وله سلطة سياسيّة، فليس برجل حربيّ في المعنى العاديّ للكلمة، لأن ينبوع سلطانه روحيّ كله (17: 33- 34). ليس انساناً يتفوّق على البشر، مع أنه بلا خطيئة (17: 36). حلّ عليه روحُ القداسة (17: 37)، فما عاد يُغلب إن قاومه أحدٌ، وصار حكمُه كاملاً إن هو حكم. هذا الوجه للملك المسيحانيّ (قدرته في أن يطهّر شعبه، ويمنحه الحكمة المقدّسة) يتساوى مع الخلاص الذي يحمله لبني اسرائيل، من المغتصب الوثنيّ. ومع أن بعض الشرّاح أبرزوا التعارض بين مزسل ومقاطع مسيحانيّة أخرى في الأدب اليهوديّ، لأن مزسل تتوقّف فقط عند تقديس اسرائيل، إلاّ أن هذه المزامير تربط ربطاً وثيقاً بين الازدهار الروحي والازدهار الماديّ. وإذا كان النشيد المسيحاني لا يذكر السعادة الماديّة في نهاية الزمن، فلأنّ فكر المصلّي يتطلّع إلى تجديد البرّ في اسرائيل.

إن المزامير تقدّم تداخلاً بين مواضيع معروفة في الأدب البيبليّ وفي الأدب البعد البيبليّ من أجل بناء جديد. ضُمّت الخلقيّاتُ إلى سفر الأمثال والانتظار الجليانيّ. وكفالةُ العهد الداودي تمّت في الانتظار المسيحانيّ. والنظرة إلى «الممسوح بالزيت» صارت ملموسة في انتظار سيتمّ في الزمن القريب. واللقبان المسيحيان، «ابن داود» و«الربّ المسيح» صارا نتيجة نظرات قديمة، بعد أن صار اللقبُ الثاني مستعملاً في الأدب اليهوديّ. فابنُ داود هو الآن أكثر من قائد مع نسب خاص، وإن يكن هذا حقاً هدف المصلّي. إنه الملكُ النهائيّ، الجليانيّ، الذي يمتلك مثالَ الفضائل الملكيّة في أرفع درجاتها، ويُتمّ كلَّ عمل لم يتمّه أبناء داود.

الربّ المسيح (لقب استعمله لوقا) هو أساس لاهوت العهد الجديد. إنه يضمّ مقولات عن كل العاملين الذين مسحهم الربّ بالزيت المقدّس (من الكاهن، إلى النبيّ، إلى الملك) مع ربوبيّة يُمارسها على الأرض من يقوم مقام الله. الله هو الذي يقود الكون، بواسطة «عامله» الربّ المسيح.

إن الدراسات الأخيرة حول طبيعة الحركة الجليانيّة بشكل خاص والأدب اليهوديّ بشكل عام، بيّنت أن «الجليانيّ» لا ينحصر في أجزاء أو مجموعات خاصّة، بل تتحكّم به ظروفُ توسّع تاريخيّ على المستوى الاجتماعيّ والسياسيّ. فحين تمنع الظروفُ التاريخيّة تتمّةَ الوعد الالهيّ، يتطلّع الأتقياء إلى تتمّة آمالهم خارج الظروف التاريخيّة. على المستوى الاجتماعيّ، تقف الجماعةُ الجليانيّة في موقف من لا قوّة له بحيث لا يستطيع أن يتحرّر من العبوديّة. فالأتقياء ينتظرون تدخّلاً مباشراً ودراماتيكياً يقوم به الله، فيتجاوز محدوديّةَ الوضع التاريخيّ ويجعل آمالَ الشعب تتمّ.

وتنضمّ الظروفُ التاريخيّة في العالم الجليانيّ إلى أزمة لاهوتيّة. فالقدرة التي عُرفت في اللاهوت الملكي القديم (الملكيّة لا تُقهر)، وفي اللاهوت الاشتراعيّ (أورشليم لا تُؤخذ)، صارت اليوم ظاهرةً في فساد الملك والكاهن، في فساد الحكم وشعائر العبادة. فحين يعجّل انهيارُ التاريخ الذي هو وسيلة للعهد والوعد، الأزمةَ في اللاهوت، وحين يزول الرجاءُ من انتظار سياسيّ لجماعة مضايَقة، فيَطلب المؤمنون من الله أن يُوقف التاريخ، تَبرز الاسكاتولوجيا الجليانية، فتتطلّع الجماعةُ المضطَهدة إلى تحقيق الآمال الحاضرة والقديمة، والنجاة من اللاهوت التقليديّ.

في الخاتمة، نلاحظ علاقة بين مزسل والمزامير كما نقرأها في العهد القديم. ونشير إلى اقتراب مزسل 17 من مز 72 (رج مز 28). وهناك تقارب مع سفر باروخ وإش 11.

الطابع المسيانىيتضمن المزمور السابع عشر (من هذه المجموعةإشارة عن الرجاء اليهودي في المسيا، من أوضح الإشارات في كل الكتابة اليهوديةوقد أضافت المخطوطات التي أكتشفت في كهوف قمران الكثير من المعلومات، ولكن الكثير منها جاء في صور خيالية شديدة التعقيد لدرجة مفزعة، بينما نجد نفس المفهوم هنا في لغة أوضحفالمسيا هو شخص وهو ابن داود، تحقيقاً لوعد الله، رغم انتهاء مملكة داود، ومع أنه لا توجد إشارات واضحة لألوهيته، إلا انه يسمي "المسيا الرب" (وإن كان البعض يزعمون أن العبارة أصلاً هي "مسيا الرب" ). وحيث أن كلمة "الربلا تستخدم في هذه المزامير إلا في الإشارة إلي "اللهوحده، فالمعني واضحوعلاوة علي ذلك فمن الواضح أيضاً أن المملكة التي سيقيمها المسيا لن تكون مملكة بشرية عادية، بل ستكون مملكة خارقة للطبيعة، ستزول منها كل الأخطاء والآثام، فسيطهر أورشليم، ويبيد الأمم الفاجرة، ويدين الخطاة، ويعطي الأرض لأسباط إسرائيل، بعد أن يخلصهم من الوثنيين الذين في وسطهمومع ذلك فسيتم كل ذلك بدون أدوات الحرب، فسيضرب الأرض بكلمته، ويطهر الامم ببره، وسيرعي شعبه كما يرعي الراعي قطيعهولا تختلف هذه الأقوال عما جاء في بعض الفصول الكتابية عن المسيا، ولكنها هنا شاملة وقويةومما يسترعي الانتباه أنها تحافظ علي ذلك الغموض بين المسيا الظافر المنتصر وبين المسيا الفادي، وهو ما حيَّر كثيرين في زمن يسوع.

 

نص سفر مزامير سليمان الابكريفي المنحول مترجم للعربي كما قدمه اخي الحبيب فادي

المزمور الأول

ساعة الحقيقة

(1) إلى الربّ صرختُ في ضيق الموت،

إلى الله، ساعةَ الخطأةُ هاجموني،

(2) فسمعتُ حالاً صياح الحرب أمامي.

الربّ يسمعُني، لأني امتلأت براً.

(3) حسبتُ في قلبي: برِّي امتلأ (وفاض)،

فأنا أغتنيتُ وكثُرَ ابنائي!

(4) وُهب غناهم للأرض كلها،

ومجدُهم إلى أقاصي الأرض.

(5) ارتفعوا إلى النجوم،

وقالوا إنهم لا يسقطون.

(6) نجحوا فتكبّروا،

ولكنهم لم يَعرفوا.

(7) كانت خطاياهم في السرّ،

وأنا ما عرفتُ.

(8) تجاوزتْ آثامُهم آثامَ الوثنيين قبلهم،

فنجّسوا هيكل الربّ تنجيسا

 

المزمور الثاني

مزمور لسليمان عن أورشليم

(1) تكبّر الخاطئُ فقلب الأسوار المحصّنة، في العيد،

وأنت ما منعتَه!

(2) أممٌ غريبة صعدتْ على مذبحك،

وداستْهُ، كبرياءً، بنعالها.

(3) نجّس بنو أورشليم مقدس الربّ،

ودنّسوا، في شرّهم، تقادمَهم لله.

(4) لهذا قال: «أبعدوها عني،

فأنا لا أُسَرّ بها».

(5) بهاءُ مجد أورشليم

كلا شيء أمام الله،

فاحتُقرَ إلى النهاية.

(6) بنوها وبناتها في سبي مرير:

خُتم عنقُهم بختم العبيد،

(وجُعل) عليهم نيرٌ وسطَ الأمم.

(7) بحسب خطاياهم عاملَهم،

فأسملهم إلى أيدي مُضايقيهم.

(8) رفض أن يرحمهم، فمال عنهم جميعاً،

شبّاناً وشيوخاً مع أولادهم:

كلُّهم فعلوا الشرّ وما سمعوا.

(9) تلبّدت السماء بالغضب، والأرضُ مقتَتْهم،

لأن أحداً لم يفعل ما فعلوا.

(10) عرفت الأرضُ كلها،

برّ أحكامك، يا الله.

(11) صار بنو أورشليم أضحوكة.

هو عقابُ الزنى الذي يُصنع فيها:

فمن تجاوز الوصيّة تجاوزها في وضح النهار.

(12) أثِموا فضحكوا، كعادتهم،

وفي وضح النهار نشروا شرورهم.

(13) حكمتَ فتنجّستْ بناتُ أورشليم،

لأنهنّ تدنّسن بزواجات محرّمة.

(14) حين شاهدتُ هذا،

تألّمتُ في صدري وفي أحشائي.

(15) بقلب مستقيم، أعلنتُ برَّك، يا الله،

فبرُّك ظاهرٌ في أحكامك، يا الله.

(16) جازيتَ الخطأةَ على أعمالهم،

وعلى خطاياهم الشنيعة.

(17) كشفتَ خطاياهم فبان حكمُك،

ومن الأرض محوتَ ذكرَهم.

(18) الله ديّان عادل،

لا يقضي بما ترى عيناه.

(19) أذلّوا أورشليم وداسوها بالأقدام،

فانتُزع جمالُها عن عرشها المجيد.

(20) لبست المسحَ، لا لباس البهاء،

وكلّلت رأسها بالحَبْل، لا بالاكليل.

(21) تركتْ تاجاً مجيداً توَّجها به الله،

وبإزدراء طُرح بهاؤها على الأرض.

(22) رأيتُ ذلك فتوسّلتُ إلى الربِّ وقلت:

"ثقُلت يدُك على اسرائيل، يا ربّ،

فحرّكتَ الوثنيين.

(23) فالغضب والسخط والحقد،

لم يوفّر لها الاحتقار.

هم يُزيلونها، يا ربّ،

إن لم توبّخْهم في غضبك.

(24) تصرّفوا طمعاً، لا غيرة،

فصبّوا علينا جنونهم وسلبوا.

(25) لا تتأخّر، يا الله، لتُسقِطَه على رأسهم،

وحوّل إلى العار، كبرياء التنّين(17)»؟

(26) ما انتظرتُ ليريني الله عاره:

طُعن على جبال مصر،

وزال كأحقر انسان على الأرض والبحر.

(27) تقاذفت جسدَه الأمواجُ، باحتقار كبير،

وما كان أحد ليدفنه.

أزاله الله باحتقار.

(28) ما فكّر أنه انسان،

ولا حسِبَ لنفسه هذه النهاية.

(29) قال: «أنا سيّد الأرض والبحر»،

وما اعترف: «الربّ هو الله،

وهو العظيم والقدير والقوي".

(30) فهوَ يملك على السماء والأرض،

ويدين الملوك والممالك.

(31) هو يُنهضني ليُمجّدني،

ويسحق المتكبّرين في العار،

من أجل الهلاك الأبديّ،

لأنهم لم يعرفوه.

(32) فالآن، يا عظماء الأرض،

أنظروا دينونةَ الربّ.

هو ملكٌ عظيم وعادل،

يدين كلَّ ما تحت السماء.

(33) باركوا الله،

يا من تخافون الربّ وتعرفونه.

فالربّ حين يدين،

يرحم الذين يخافونه.

(34) فيفصل البارّ عن الخاطئ،

ويجازي الخطأة على أعمالهم، إلى الأبد.

(35) يتحنّن على البار الذي أذلّه الخاطئ،

ويجازي الخاطئ على ما فعله للبار.

(36) الربّ عذبٌ هو

للذين يدعونه ويرجونه.

يعامل الأتقياء بحسب رحمته،

ليكونوا أقوياء، أمامه، على الدوام.

(37) ليكن الربّ مباركاً (بفم) عبيده.

 

المزمور الثالث

مزمور لسليمان، الأبرار

(1) لماذا تنامين، يا نفسي،

لماذا لا تباركين الربّ؟

أنشدي نشيداً جديداً،

لإله يجب أن نمدحه.

(2) أنشدي واسهري سهراً،

فالله يستعذب مزموراً

يصعدُ من قلب طيّب.

(3) الأبرارُ يتذكّرون الربّ على الدوام،

يُنشدون أحكام الربّ ويُعلنون برّه.

(4) البارّ لا يرفض عقاب الربّ،

ويوافق دوماً على ما يريده الربّ.

(5) عثر البارّ فأعلن أن الربّ بار،

سقط فانتظرت عيناه تدخّلَ الله.

(6) الأبرار يَثقون بالله مخلّصهم،

ففي بيت البار لا ملجأ لخطايا تتكدّس.

(7) البار يراقب بيته على الدوام،

لينزع منه الاثم والمخالفات.

(8) يفتدي بالصوم والعناء خطايا لم نتنبّه لها.

والربّ ينقّي جميعَ الأتقياء وبيوتَهم.

(9) عثر الخاطئ فلعن الحياة،

ويوماً ولدتْه فيه أمُّه.

(10) كدّس الخطايا طوال حياته،

فسقط، وما قام، سقطة مميتة.

(11) هلاكُ الخاطئ هلاك أبديّ،

فلا يذكره الربّ حين يزور الأبرار.

(12) ذاك هو حظّ الخطأة إلى الأبد.

أما خائفو الربّ فيقومون للحياة الأبديّة،

وحياتهم، في نور الربّ، لا نهاية لها.

 

المزمور الرابع

خطبة من سليمان إلى المتملّقين

(1) لماذا تجلس، أيها الكافر، في المكان المقدّس؟

فقلبُك بعيد عن الربّ بُعداً،

ومعاصيك أغضبتْ إلهَ اسرائيل.

(2) مفرطٌ في عمله، مفرطٌ في قصده،

أقواله تحكم على الخطأة وتدينهم.

(3) سريعاً ترتفع يده لتتّهم، غيرةً،

وهو مذنب بكل أنواع الخطايا.

(4) عيناه الفاجرتان تحطّان على كل امرأة،

ولسانه يكذّب ما حلفه في العقود.

(5) في الليل يختبئ ليخطأ ولا يُرى.

بنظره يعرض الشرّ على كل امرأة.

جميعُ الأبواب تنفتح حالاً

أمام بسمته المتخفيّة بالبراءة.

(6) ليُهلكِ الربُّ من يعيش، بخبثٍ، مع الأتقياء!

ليَفسد لحمُه وليحيَ في الشقاء!

(7) ليكشف الله أعمال المتملّقين!

لتكن أعمالهم موضوع ضحك وهزء!

(8) ليعلن الأتقياء حُكمَ الله العادل،

حين يُزيل الخطأة ويحفظ البار.

يتذرّع المتملّق بالشريعة ويغشّ،

(9) ومثل حيّة ينظر إلى بيت المطمئن،

فيرغب في تدمير حكمة الآخرين بأقوال شرّيرة.

(10) أقوالُه براهينُ كاذبة

تحاول أن تُرضي الرغبات الخاطئة.

لا يتراجع قبل أن يُعرّي أو يفصل،

(11) فيدمّر بيتاً ليُشبع رغبات محرّمة.

فكّر فاقتنع أن ما من أحد يرى ويدين.

(12) ولما شبع من هذا الاثم،

تطلّعت عيناه إلى بيت آخر،

ليحمل إليه الدمار بكلام مثير.

(13) لا شيء يُشبعه، مثل الشيول.

(14) يا ربّ، ليكن مصيرُه عاراً أمامك،

ليَمضِ مع الكبار ويعُد مع اللعنة.

(15) لتكن حياتُه للعذاب والعوز والشقاء!

ليَنَمْ في البكاء وينهضْ في الضيق!

(16) ليُسلب النومُ من جفونه، في الليل،

ولترْمِه كلُّ أعماله في الخزي!

(17) ليدخل إلى بيته بيدين فارغتين،

ولا يكن في منزله عطاء يرضيهّ!

(18) ليقضِ شيخوختَه وحده معزولاً،

فيُحرم من الأولاد حتّى الممات!

(19) لتمزّق الوحوشُ جثثَ المتملّقين،

وعظامَ الأشرار، في الشمس، في العار!

(20) لتقلع الغربانُ عيونَ المرائين،

لأنهم دمَّروا، في مكرهم، بيوتاً عديدة،

وسلبوها في طمعهم.

(21) ما تذكّروا الربّ

في شرورهم، ولا خافوه.

أغضبوا الربّ وأسخطوه،

(22) فاقتلعهم من الأرض،

لأنهم مكروا بالنفوس البريئة،

بأقاويلهم الكاذبة.

(23) طوبى لمن يخاف الربّ ويكون بريئاً،

فالربّ ينجّيه من الماكرين والخاطئين.

لينجّنا الربُّ من كلِّ فخاخ الأشرار!

(24) ليُهلك الربُّ المتكبّرين، صانعي الشرّ.

فالربّ إلهُنا، في برّه،

هو الديّان العظيم القدير.

(25) لتكن نعمتك يا ربّ

على جميع الذين يحبّونك!

 

المزمور الخامس

مزمور لسليمان

(1) أَمدحُ اسمَك بابتهاج، أيها الربّ الاله،

وسطَ عارفي أحكامٍك الحقّة.

(2) فأنت صالحٌ ورحيم، وملجأ للمسكين.

حين أصرخُ إليك، لا تبقَ صامتاً.

(3) من يقدر أن يسلب القاتل سلبه؟

فمن بسلب ما خلقتَ إن لم تعطِه أنت؟

(4) فالانسان ومصيره في الميزان،

فلا يقدر أن يُضيف إلى ما أعطي له.

(5) في الضيق، ندعوك إلى عوننا،

وصلاتَنا، أنت لا ترذل.

(6) لا تجعل يَدك ثقيلةً علينا،

لئلاّ نقع في الخطيئة.

(7) لا تمل بوجهك عنا فنبتعد عنك؟

فنحن (نريد) أن نأتي إليك.

(8) إذا جعتُ، أصرخ إليك، يا إلهي،

وأنت تعطيني.

(9) الطيور والأسماك أنت تقوتُها،

حين تُمطر في البريّة فتَنبت الأعشابُ،

(10) وتُعدّ في البريّة طعاماً لكل حيّ.

إن جاعت البهائم،

رفعت أنظارَها إليك.

(11) والملوك والأمراء والشعوب،

أنت تطعمهم، يا الله.

فأنت وحدك، يا ربّ،

رجاءُ المسكين والبائس.

(12) تستجيبُ، إذ لا صلاح ولا حنان إلاّ عندك.

فتفرح نفسُ الوضيع حين تفتح يدَ رحمتك.

(13) سخاءُ الانسان بخلٌ: غداً (سيعطي).

ونحن نعجب إن عاد (إلى العطاء) وما تذمّر.

(14) أما أنت فتعطي عطاء الغنى والسخاء،

فلا يحتاج إلى عطاء من رجاؤه فيك.

(15) على الأرض كلها تفيض نعمتُك السخيّة، يا ربّ،

(16) فطوبى لمن يذكره الله،

ويعطيه قدر حاجته.

حين يغتني الانسان ويكثُر غناه، يخطأ!

(17) فالخير كل الخير في الاكتفاء بالبرّ.

تكون بركةُ الربّ علينا،

حين نجد راحتَنا في البرّ.

(18) ليبتهج الذين يخافون الربّ،

ولتفض رحمتُك على اسرائيل مُلكك.

(19) مبارك مجد الربّ، فهو ملِكُنا.

 

المزمور السادس

في الرجاء. لسليمان

(1) طوبى لمن استعدّ قلبُه،

لكي يدعو اسمَ الربّ.

فحين يذكر اسمَ الربّ يخلُص.

(2) طرقُه يرسمها الربّ،

وفي حمى الربّ الإله عملُ يديه.

(3) لا تتبلبل نفسُه في أحلام شرٍّ رآها،

ومن الأنهار الجامحة والبحار الهائجة لا يرتجف.

(4) حين يستيقظ من نومه،

يبارك اسمَ الربّ،

وبقلب هادئ يُنشد اسم الله.

(5) صلّى إلى الربّ عن بيته كلِّه،

فالربّ يستجيب صلاة من يخاف الله.

(6) والربّ يلبّي طلب النفس الراجية.

مباركٌ الربّ الذي يُبدي رحمته

للذين يحبّونه في الحقّ

 

المزمور السابع

لسليمان. من أجل إعادة البناء

(1) لا تُقم بعيداً عنا، يا الله،

لئلاّ يهاجمَنا مبغضونا بلا سبب.

(2) فأنت من رذلتَهم، يا الله،

ورجلُهم لن تدوس ميراثَ قدسك.

(3) أدِّبنا أنت بحسب مشيئتك،

ولا تسلّمنا إلى (أيدي) الوثنيّين.

(4) إن أردتَ لنا الموت، فمُرْ،

(5) فأنت الرحيم (الحنون)،

وغضبُك لا يُفنينا.

(6) ما زال اسمُك بيننا.

لديك نجد الرحمة،

والوثنيون لا يغلبوننا،

(7) لأنك أنت ترسنا.

ندعوك فتستجيب لنا،

(8) وترحم نسل اسرائيل، إلى الأبد،

ولا ترذله (على الدوام).

(9) نبقى تحت نيرك إلى الأبد،

فتؤدّبُنا بسوطك.

(10) تُنهضُنا ساعة تُعيننا،

وترحمُ بيتَ يعقوب في يوم وعدك.

 

المزمور الثامن

لسليمان. من أجل النصر

(1) سمعتْ أذني صراخَ الضيق وضجيجَ القتال،

وصوتَ البوق يُعلن الذبحَ والإفناء.

(2) ضجيجُ شعب كبير كريح عاصفة،

وفيضُ نار مشتعلة تنصبّ في البريّة.

(3) حينئذ قلتُ في قلبي:

«إلى أين تصل بنا دينونة الله»؟ (4) صعد الضجيج على أورشليم، المدينة المقدّسة،

(5) فتحطّمتْ كليتاي حين سمعتُ،

وتجمّدتْ ركبتاي،

وهلع قلبي، وارتجفت عظامي كالكتّان.

(6) فقلتُ: «يعملُ الأعداء بحسب العدالة!»

(7) أحصيتُ أحكام الله منذ خلقَ السماءَ والأرض،

فرأيتُ أحكامَ الله العادلة منذ الأزل.

(8) كشفَ الله خطاياهم في وضح النهار،

فعرفت الأرضُ كلُّها عدل أحكامه.

(9) اختبأوا ليُخفوا شرورهم المهينة،

فتجامعوا في الفجور،

الابنُ مع أمه، والأب مع ابنته.

(10) زنى الواحد مع امرأة جاره،

فجعلوا ذلك قانوناً في ما بينهم.

(11) وضعوا يدهم على هيكل الله المقدّس،

وكأن لا وارثَ بعدُ ولا محرّر.

(12) حطّت أقدامُهم على مذبح الربّ،

بعد كلّ أعمالهم المنحطّة.

بدم الحيض نجّسوا الذبائح،

(فقدّموا) اللحوم المدنّسة،

(13) فسبقوا الوثنيين إلى كل خطيئة.

(14) فمزج الله شرابَهم بروح ضلال،

وسقاهم خمراً نقيّة فسكروا.

(15) جاء بمحارب قويّ من أقاصي الأرض،

فقصد الحرب على أورشليم والبلاد.

(16) بفرح جاء الرؤساء للقائه،

وقالوا له: «مبارك طريقك!

تعال، وادخل بسلام!»

(17) مهّدوا لدخوله الطرق الوعرة،

وفتحوا أبواب أورشليم وزيّنوا أسوارها.

(18) دخل بسلام، كأب إلى بيت بنيه،

وحطّت رِجلُه هنا في ملء الأمان.

(19) هاجم حصون أورشليم وأسوارها،

فالربّ اقتاده يوم كانوا في ضلال.

(20) أهلك رؤساءهم ومستشاريهم الحكماء جميعاً،

ومثل ماء نجس، سفكَ دمَ أهل أورشليم.

(21) سبى البنين والبنات،

الذين حُبل بهم ووُلدوا في النجاسة،

(22) الذين تبعوا بسلوكهم المنحطّ مثالَ آبائهم،

الذين نجسوا أورشليم ومقدّسات اسم الله.

(23) عرفتْ (كلّ) شعوب الأرض،

أن الله عادل في أحكامه.

في وسطها أقام أتقياءُ الله،

حملاناً ما أصابها ضرر.

(24) ليُمدح (اسمُ) الربّ،

الذي يدين، بعدالته، الأرضَ كلها!

(25) أريتنا، يا الله، عدلَك في حكمك،

فشاهدْنا أحكامَك، يا الله.

(26) أعلنّا عدلَ اسمك المكرَّم إلى الأبد،

لأنك إله بار يدين اسرائيل ويؤدّبه.

(27) تحنّن علينا، يا الله، وارحمنا!

(28) إجمع مشتّتي اسرائيل،

في رحمتك وفي حنانك،

فتظهر أمانتُك لنا:

(29) قسّينا رقابَنا، فأدّبتنا،

(30) فلا تتخلَّ عنّا، يا إلهنا،

لئلاّ يبتلعنا الوثنيّون وكأن لا محرِّر!

(31) فأنت إلهنا، منذ البدايات،

وفيك، يا ربّ، جعلنا رجاءنا.

(32) نحن لن نتخلّى عنك،

فأنتَ من يَدينُنا بالرأفة.

(33) حنانك لنا ولأولادنا إلى الأبد،

أيها الربّ مخلّصنا،

فلا نعثر بعدُ إلى نهاية الأزمنة.

(34) ليُمدح (اسمُ) الربّ من أجل أحكامه،

في فم أتقيائه!

وليبارك اسرائيلَ الربُّ إلى الأبد!

 

المزمور التاسع

لسليمان. من أجل التأديب

(1) حين سُبيَ اسرائيل في أرض غريبة،

لأنه مال عن الربّ محرّره،

نُفي من ميراثٍ أعطاه الربّ له.

(2) وسط الأمم تشتّت اسرائيل،

بحسب كلام الله.

بسبب آثامنا، يا الله،

نعترفُ ببرّك في عدالتك.

فأنتَ الديّان العادل لكلّ شعوب الأرض.

(3) من صنع الاثمَ لا يُفلت من معرفتك،

ومبرّاتُ أتقيائك أمام عينيك، يا ربّ،

فأين يختبئ الانسان عن معرفتك يا الله.

(4) أعمالُنا تدلّ على حريّةٍ توجّهُ نفسَنا،

فنجعل أيدينا في خدمة البرّ أو الاثم.

فأنت في برّك تفتقد بني البشر:

(5) فمن عاش في البرّ،

جمع لنفسه كنزَ الحياة لدى الرب

ومن عاش في الاثم،

سُئل وحده عن هلاك نفسه.

فأحكامُ الربّ عدلٌ لكل انسان وكل بيت.

(6) عمّن ترضى يا الله

إلاّ عن الذين يدعون الربّ؟

فالانسان الذي يُقرّ ويعترف،

يطهّره (الله) من خطاياه

فالعارُ علينا وعلى وجوهنا.

(7) (الله) يغفر للخطأة خطاياهم.

تُبارك الأبرار ولا تعاقبهم على خطاياهم،

ويحيط حنانُك بالخطـأة التائبين.

(8) والآن، أنت إلهُنا، ونحن الشعبُ الذي تحبّ.

فانظر، يا إله اسرائيل، وارحم، لأننا لك.

لا تحرمنا من نعمتك لئلاّ يهاجمونا.

(9) إخترتَ نسل ابراهيم من بين كلِّ الأمم،

وجعلتَ علينا اسمَك، يا ربّ،

ولن تنزعَه إلى الأبد.

(10) فمن أجلنا عقدتَ عهداً مع آبائنا،

ونحن نرجوك ونتوب إليك.

(11) لتكن نعمةُ الربّ على بيت اسرائيل،

من الآن وإلى الأبد.

 

المزمور العاشر

أحد مدائح سليمان

(1) طوبى لمن تَذَكّره الربُّ ووَبّخه،

فالسوط أبعده عن طريق الشرّ،

فلا يعود إليها بعد أن طُهِّر من الخطيئة.

(2) من قدّم ظهره للسياط تنقّى،

لأن الربّ صالح لمن يقبل التأديب.

(3) فهو يُصحّح طرقَ الأبرار،

ولا يُفسدها حين يؤدّبهم.

فنعمةُ الربّ على مُحبّي الحقّ.

(4) يذكر الربّ عبيدَه ويعفو عنهم،

كما تشهد شريعةُ العهد الأبديّ.

فالربّ يؤدّي، في وقت الافتقاد،

شهادةً عن طرق البشر.

(5) عادلٌ ربّنا في أحكامه،

وهو قدّوس إلى الأبد.

(6) الأتقياء يمدحونه في جماعة الشعب،

فيرحم الله المساكين فيفرح اسرائيل.

(7) فالربّ صالح ورحيم إلى الأبد،

وجماعات اسرائيل تمجّد اسم الربّ.

(8) ليكن خلاصُ الربّ على بيت اسرائيل،

من أجل سعادة أبديّة!

 

المزمور الحادي عشر

لسليمان. من أجل الانتظار

(1) أنفخوا بالبوق في صهيون، علامة للأتقياء!

أعلنوا في أورشليم بُشرى البشير:

الله يفتقد اسرائيلَ ليعفو عنه.

(2) إنهضي يا أورشليم، ومن الأعالي أنظري أولادك:

الربّ جمعهم من المشارق والمغارب.

(3) جاءوا من الشمال ففرح الله بهم،

وجمعهم الله من الجزر البعيدة.

(4) لأجلهم خفض الجبال العالية ومهّدها،

فهربت التلال حين اقتربوا.

(5) كانت الغابات لهم ظلاً في مسيرتهم،

وأنمى الله لهم غابات أشجار معطّرة.

(6) فعبرَ اسرائيلُ ساعة افتقاد ربّه المجيد.

(7) إلبسي، يا أورشليم، لباس مجدك،

وأعدّي ثوب تقديسك،

فالله أعلن سعادةَ اسرائيل من الآن وإلى الأبد.

(8) ليفعل الربّ ما قاله عن اسرائيل وأورشليم،

ليرفع الربّ اسرائيل باسم مجده!

(9) لتكن نعمةُ الربّ على اسرائيل من الآن وإلى الأبد.

 

المزمور الثاني عشر

لسليمان. لسان الأشرار

(1) نجّني، يا ربّ، من الشرّير وأهل السوء،

من اللسان الشرّير والمفتري،

الذي يتفوّه بالكذب والغشّ.

(2) فلسانُ الشرّير يتفوّه بأقوال فاسدة.

كما تشتعل النار، في القشّ، على البيدر،

(3) يُشعل، حيث يمرّ، البيوتَ، بكلام الكذب،

فيدمّر بلُهُب الشرّ اشجاراً تُفرح الله،

وبقلب بيوتَ الأبرار ويحاربهم بالافتراء.

(4) ليُبعدِ اللهُ عن الأبرياء، ألسنةَ الأشرار، وليُرعبْها!

لتتشدّد عظامُ المفترين وتبتعد عن خائفي الربّ!

ليَهلك في نار مشتعلة لسانُ الافتراء، بعيداً عن الأتقياء!

(5) ليحفظِ الربّ في السلام نفساً تُبغض أهل السوء!

ليثبّتِ الربّ خطى من يعمل من أجل السلام في بيته!

(6) ليكن خلاصُ الربّ على اسرائيل عبده، إلى الأبد!

ليهلك الخطأةُ كلُّهم معاً، بعيداً عن الربّ،

وليرث المواعيدَ أتقياءُ الربّ.

 

المزمور الثالث عشر

مزمور لسليمان. تعزية الأبرار

(1) يمينُ الربّ تحمينا،

يمينُ الربّ تعفو عنّا.

(2) ذراعُ الربّ تنجّينا من السيف المسنون،

والأتقياءَ، من الجوع ومن الموت.

(3) وحوشٌ مفترسة انقضّت علينا،

بأسنانها مزّقت لحومَنا،

وبأضراسها سحقت عظامَنا.

(4) فمن كلِّ هذا حمانا الربّ.

(5) يرتجف التقيّ أمام ذنوبه،

أن يؤخذ مع الخطأة.

(6) مُريعٌ هو دمارُ الخاطئ،

ولكن شيئاً من هذا لا يصيب البارّ.

(7) لا يقابَل عقابُ البار، وهو لا يعرف (خطأه)،

بدمار من يخطأ وهو يعرف.

(8) يعاقَب البار لئلاّ يهزأ الخاطئ منه.

(9) الربّ يوبّخ البار مثل ابن يحبّه،

ويؤدّبه مثل ابنه البكر.

(10) فالربّ يعفو عن أتقيائه،

وحين يعاقبهم يمحو ذنوبَهم.

(11) فحياةُ الأبرار لها وعدُ الأبديّة،

أما الأشرارُ فيؤخذون إلى الهلاك،

ويزول ذكرُهم (وكأنهم ما كانوا).

(12) لتحلّ نعمةُ الربّ على الأتقياء،

لتحلّ نعمتُه على الذين يخافونه.

 

المزمور الرابع عشر

نشيد لسليمان

(1) الله أمين لمن يُحبّه في الحقّ،

ويَخضع خضوعاً لعقابه،

(2) لمن يسلك في برّ وصاياه،

وفي شريعةٍ فرضها من أجل الحياة.

(3) بها يحيا أتقياء الربّ إلى الأبد.

الأتقياء فردوس الربّ وأشجار الحياة،

(4) غُرسوا وترسّخوا إلى الأبد،

ولا يُقتلعون ما دامت السماء.

(5) اسرائيل حصّة الله وميراثه.

(6) ما هكذا هم الخطأة والعصاة،

الذين فضّلوا أن يعيشوا في خطاياهم،

(7) ورغبوا في الفساد العابر.

هم ما تذكّروا الله،

(8) الذي عُرفت طرقُه لدى الانسان،

ويعرف أسرار القلب قبل أن تكون.

(9) فهم يرثون الشيول والظلمة والهلاك.

لن يُوجدوا يومَ يُرحَمُ الأبرار،

(10) أما أتقياء الربّ فيرثون الحياة والسعادة.

 

المزمور الخامس عشر

مزمور لسليمان. مع نشيد

(1) في ضيقي، دعوتُ باسم الربّ،

ورجوتُ عونَ إله يعقوب فنجوت.

فأنت، يا الله، رجاء المساكين وملجأهم.

(2) فمن يكون قوياً إن لم يمدحك في الحقّ، يا الله؟

وماذا يقدر الانسان إن لم يحتفل باسمك؟

(3) مديح جديد ينشده قلبٌ فرح،

ثمرة الشفاه ترافقها آلةٌ موافقة، اللسان،

باكورة الشفاه الخارجة من قلب تقيّ وبار!

(4) من يؤدّي هذه العبادة لا يزعزعه الشرّ،

ولا لهيب النار يصيبه، ولا الغضب الموجّه على الأشرار.

(5) فهي تأتي من عند الربّ على الخطأة،

لتزيل لهم الثقة بنفوسهم.

(6) وضع الله علامةً على الأبرار لخلاصهم.

(7) فالجوع والسيف والموت تبتعد عن الأبرار،

بل تهرب من أمام الأتقياء كما يهرب انسانٌ من القتال.

(8) ولكنها تُلاحق الخطأةَ وتمسكهم،

فلا يُفلت من دينونة الربّ من يصنع الاثم.

(9) يؤخذون كما بيد محاربين مجرَّبين،

لأن علامة الهلاك على جبينهم.

(10) ميراثُ الخطأة دمارٌ وظلام،

وآثامُهم تلاحَق إلى الشيول الأسفل.

(11) لا يصل ميراثهم إلى أولادهم،

لأن الخطايا تدمِّر بيوت الخطأة،

(12) الذين يهلكون، إلى الأبد، في يوم دينونة الربّ،

حين يفتقد الله الأرض ويحكم،

ويجازي الخطأة إلى زمان الأبد.

(13) أما خائفو الربّ فينعمون في ذلك اليوم،

ويعيشون بنعمة إلههم.

والخطأة يبيدون إلى زمان الأبد.

 

المزمور السادس عشر

مديح لسليمان. من أجل عون الأتقياء

(1) نامتْ نفسي بعيداً عن الربّ،

فكدتُ أغرق في رقاد الموت.

حين كنتُ بعيداً عن الله،

(2) كادت نفسي تنزلق إلى الموت،

بل إلى أبواب الشيول، مع الخطأة.

(3) انقادتْ نفسي بعيداً عن الربّ إله اسرائيل،

لو لم يُسعفْني الربُّ برحمته الأبديّة.

(4) كما المهماز للجواد،

وخُزتُ لأكون ساهراً له.

هو مخلّصي ومُعيني،

وفي كل وقت خلّصني.

(5) أمدحك يا الله، فعونُك خلّصني،

فما عددتَني بين الخطأة لهلاكي.

(6) لا تُبعد رحمتَك عني، يا الله،

ولا ذكرَك عن قلبي حتّى مماتي.

(7) أقمْني يا الله بعيداً عن الخطيئة المسيئة،

وعن كل امرأة مسيئة تُسقطُني!

(8) لا يُغوني جمالُ المرأة الخاطئة،

ولا أيَّ نداء باطل إلى الخطيئة!

(9) ثبِّت أمامك أعمالَ يديّ،

واحفظ طرقي في ذكرك!

(10) غطِّ شفتيّ ولساني بكلام الحقّ،

وأبعد عني الغضب والسخط والجنون!

(11) إمنع عني التذمّر واليأس في المحنة:

بها تعاقبُني، إن خطئتُ، فتعيدني.

(12) ثبِّت إرادتي في الصلاح والفرح،

فحين تقوّيني يكفيني ما تُعطي.

(13) إن كنتَ أنت تمنح القوّة،

فمن يتحمّل العقاب إن حُرم (من نعمتك)؟

(14) معذّبٌ هو الانسانُ بفساده،

فتؤدّبُه في لحمه وفي ضيق حرمانه.

(15) هنا يكون ثباتُ البار،

فينال رحمةً من عند الرب.

 

المزمور السابع عشر

مزمور لسليمان مع نشيد. للملك

(1) يا ربّ، أنت ملكُنا من الآن إلى الأبد،

ففيك، يا إلهنا، تتمجّد نفسُنا.

(2) كم تدوم حياةُ الانسان على الأرض؟

دوامُها مثلُ دوام كلِّ رجاء بشريّ.

(3) ونحن رجونا الله مخلّصنا،

لأن قدرة الله ورحمته إلى الأبد،

وإلى الأبد يملك إلهُنا على الأمم.

(4) فأنتَ، يا ربّ، اخترتَ داود ملكاً على اسرائيل،

وأنت حلفتَ ووعدتَه بنسلٍ وعداً أبدياً،

وبمُلكٍ لا يزول أمامك.

(5) أما خطايانا فأقامت علينا خاطئين،

هاجمونا وطردونا (من أرضنا).

أخذوا بالقوّة، ما لم تَعِدُهم به،

وما مجّدوا اسم جلالك تمجيدا.

(6) دفعتْهم كبرياؤهم فأسَّسوا مملكة،

وجرّدوا عرش داود بوقاحتهم ومكرهم.

(7) ولكنك قلبتَهم، يا الله،

وأزلتَ من الأرض نسلَهم.

(8) جازيتَهم، يا الله، بحسب خطاياهم،

وأثرتَ عليهم غريباً عن نسلنا.

فنالوا ما استحقّت أعمالُهم.

(9) لم يعفُ الله عنهم، بل طلب نسلَهم،

فما أفلتَ منهم أحد.

(10) أمينٌ هو الربّ في كل أحكامه،

التي يمارسها على الأرض.

(11) خرّبَ الشريرُ أرضَنا فما بقي فيها ساكن،

أزال الشبابَ معاً، والشيوخ وأولادهم.

(12) في حدّة غضبه، نفاهم إلى الغرب،

مع أمراء البلاد، فهزئوا بهم وما رحموا.

(13) اندفع هذا العدوّ، وهو الغريب، فتكبّر:

لقد كان قلبُه غريباً عن إلهنا.

(14) وكلُّ ما صنعه في أورشليم،

وافق طقوس الوثنيين،

وعبادة الآلهة في المدن.

(15) بيدهم سُحق أبناءُ العهد،

وسط هذا الخليط من الوثنيين.

ولم يكن بينهم، في أورشليم،

من يمارس الرحمة والحقّ.

(16) هرب من وجههم محبّو جماعات الأتقياء،

كما تطير عصافيرُ الدوري من عشّها.

(17) تاهوا في البرّية لينجوا بحياتهم.

ففي نظر المنفيّين، ثمينةٌ هي

حياةٌ مخلَّصة من أيديهم.

(18) هرب من وجههم محبّو جماعات الأتقياء.

شتّتهم الأشرارُ في الأرض كلها،

فمنعت السماءُ المطر عن الأرض،

(19) وجفّت ينابيعُ الأبد الجارية من الغمار،

من أعالي الجبال.

(20) ما من أحد بينهم عمِلَ الاستقامةَ والعدل.

من أميرهم إلى صغيرهم،

اقترفوا كلَّ (أنواع) الخطايا:

الملكُ غير شرعي، والقاضي يرتشي، والشعبُ خاطئ.

(21) أنظر، يا ربّ، وأقم لهم ملكهم، ابنَ داود،

يوم تعرف، يا الله، ليملكَ على اسرائيل عبدك.

(22) وحزِّمْه بالقوّة لكي يحطّم الأمراء الأشرار،

ويطهّر أورشليم من الأمم الذين يدوسونها ويدمّرونها!

(23) ليطرد الخطأةَ من الميراث، بالحكمة والبرّ!

ليَسحق كبرياء الخاطئ مثل إناء الخزّاف!

(24) ليحطّمْ بصولجان من حديد كلَّ ثقة بنفوسهم!

ليفنِ الأممَ الكافرة بكلام فمه!

(25) ليهدّد فتهرب الأمم من أمامه!

ليوبّخ الخطأة بصوت قلبه!

(26) حينئذ يجمع شعباً مقدّساً يقوده في البرّ.

يقضي في قبائل شعبٍ قدّسه الربّ إلهه.

(27) لا يحتملُ بعدُ بقاء الاثم بينهم،

والانسان القريب من الشرّ لا يسكن بعدُ معهم.

يعرفهم، لأنهم جميعهم أبناء إلهه.

(28) يوزّعهم بقبائلهم على الأرض.

لا يقيم المهاجرُ والغريب بينهم.

(29) يدين الشعوب والأمم في حكمة برّه.

(30) تكون تحت نيره الشعوبُ الوثنيّة عبيداً.

يمجِّدُ الربَّ في نظر الأرض كلّها،

يطهِّر أورشليم ويقدّسها، كما في البدايات،

(31) فتأتي الأمم من أقاصي الأرض لتشاهد مجدَه،

وتحمل هداياها أبناءَ أورشليم الذين تشتّتوا،

لتشاهد مجد الربّ الذي به مجّدها الله.

(32) هو ملك عادل يعلّمه الله ويجعله على رأسهم.

لن يكون ظلم في أيامه بينهم:

يكونون جميعهم قديسين وملكهم هو المسيح الربّ.

(33) لا يجعل رجاءه في الجواد والفارس والقوس،

ولا يجمع الذهب والفضّة من أجل الحرب.

لا يجعل رجاءه في عدد المقاتلين، في يوم الحرب.

(34) فالربّ هو ملكه، وهو رجاؤه،

وقوّته في اتّكاله على الله.

يعفو عن جميع الأمم التي تقف بمخافة أمامه،

(35) لأنه يضرب الأرض بكلمة فمه، إلى الأبد.

يبارك شعبَ الربّ بالحكمة والفرح.

(36) يملك على شعب عظيم، نقيٍّ، بلا خطأ.

يوبّخ الأمراء ويدمّر الخطأة بقوّة كلمته.

(37) لا يضعف طوال حياته، لأنه استند إلى إلهه.

فالله منحه القوّة، بالروح القدس،

والحكمةَ بمشورة الفهم، والقدرةَ والبرّ.

(38) بركةُ الربّ ترافقه، تقوّيه،

فلا يضعف (أبداً).

(39) يجعل رجاءه في الربّ،

فمن يتغلّب عليه؟

(40) قادرٌ حين يفعل، فهو قويّ ويخاف الله.

يرعى قطيع الربّ في الإيمان والبرّ،

ولا يترك واحداً يتعثّر في المراعي.

(41) يقودها كلها بالتساوي،

ولا تقوده الكبرياء لكي يتسلّط فيها.

(42) ذاك هو بهاء ملك اسرائيل الذي هيّأه الله،

وأقامه على بيت اسرائيل وأدّبه.

(43) تخرج أقوالُه من البوتقة كالذهب النضير.

في الجماعات، يقضي في قبائل الشعب المقدّس،

فيكون كلامه مثل كلام القدّيسين في الشعوب المقدّسة.

(44) طوبى للذين يعيشون في تلك الأيام:

يرون سعادة اسرائيل في جماعة القبائل

التي سيدعوها الله.

(45) ليعُجّل الله ويَرحم اسرائيل،

ليخلّصْنا من نجاسة الأعداء النجسين.

(46) الربّ هو ملكنا من الآن وإلى الأبد!

 

المزمور الثامن عشر

مزمور لسليمان. أيضاً مسيح الرب

(1) يا ربّ، حنانك على أعمال يديك، إلى الأبد.

ورأفتُك تمنح اسرائيل غنى عطاياك.

(2) تنظر عينُك لئلا يُحرم أحدٌ منها،

وتسمع أذنُك صلاةَ المسكين الواثقة.

(3) مع الرحمة تصدر أحكامُك في الأرض كلها،

وحبّك على نسل ابراهيم، بني اسرائيل.

(4) عقابُك يؤدّبنا كبِكْرٍ وابنٍ وحيد،

يميل بالنفس الخاضعة من جنون الجهل.

(5) ليطهّر الربّ اسرائيلَ ويباركْه ليوم الرحمة،

في يومٍ حدّده من أجل قيام مسيحه.

(6) طوبى للذين يعيشون في تلك الأيام:

يرون خيرات يمنحها الربّ للجيل الآتي،

(7) تحت صولجان مؤدِّب لمسيح الربّ، في خدمة إلهه،

في حكمة الروح، في البرّ والقدرة.

(8) يقود البشر، في طريق الأعمال البارة، في مخافة الله.

يُقيمهم جميعاً أمام الربّ،

(9) جيلاً صالحاً يخاف الله، في أيام الرحمة.

(10) عظيمٌ ومجيد إلهنا، يسكن في الأماكن العلويّة.

حدّد مسيرةَ الكواكب، فعيّن الساعات من يوم إلى يوم،

فما تجاوزت طريقاً رسمتَه لها.

(11) في مخافة الله تسير، كل يوم،

منذ خلقها الله وإلى الأبد.

(12) ما حادت من يوم خلقت،

منذ الأجيال الأولى ما مالت عن طرقها،

إلاّ بأمر الله وطاعةً لعبيده.

 

والمجد لله دائما