الرد على اختلاف قول المسيح بين الاناجيل في قوله من يعترف بي. متى 10 ولوقا 12

 

Holy_bible_1

 

الشبهة 

 

 

الرد

 

كالعادة كعادة المشككين المسلمين الذين يؤمنون بالوحى الاملائي الحرفي أي ملاك ينقل من لوح حجري ويملي بالحرف النبي، ولهذا المشكك حرفي ويتوقع ان البشيرين يكتبون كل كلمه سمعوها من المسيح حرفيا ولكن هذا غير صحيح فهم بقيادة الروح القدس يكتبون المعني الهام في كلام رب المجد لأنهم لو كتبوا كل كلمة قالها وكل معجزة فعلها لما اتسعت الكتب وهذا ما قاله الكتاب المقدس نصا

إنجيل يوحنا 21: 25

 

وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ، إِنْ كُتِبَتْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةَ. آمِينَ.

 

الوحي في المسيحية يختلف عن ذلك تماما فهو ليس وحي املائي ولكنه تفاعل بين روح الله القدوس ورجال الله القديسين الذين يكتبون الوحي مسوقين بالروح القدس فكل منهم يعبر بأسلوبه ولكن الروح القدس يجعل تعبيراتهم صحيحه لاهوتيا ودقيقه في المعني وليس الحرف لان الحرف يقتل ولكن الروح يحيي 

فالأربعة اناجيل هي كتابات موحي بها من الله لم يلغي فيها الله شخصيتهم ولكن قادهم ولا يوجد عندنا فكرة الاملاء الحرفي التي تلغي فيها شخصية الكاتب وتجعله مثل الاحجار. فهم كتبوا بفكرهم ساقين بالروح القدس ولهذا تعبيراتهم تختلف باختلاف اسلوب كل كاتب ولكن تتفق في المعني والمضمون والروح. 

بمعنى أن ممكن أحدهم ينقل كلام المسيح بأسلوب المخاطب والثاني بأسلوب الغائب والثالث بأسلوب شرحي ولا يقول أحد أن هذا تحريف. 

مثال: لو عماد قال "أنى ذاهب لأستريح" فلو قلت عماد قال انه ذاهب ليستريح. ولو قلت عماد قال "أنى ذاهب لأستريح" او لو قلت عماد قال انه ذاهب ليأخذ بعض الراحة. أو لو قلت إن عماد قال "أنى ذاهب لأستريح" لأنه مجهدلن يقول أحد عنى أنى محرف

الإشكالية أن كتب الفقه التي يؤمن بها المشككين تشرح هذا رغم انهم يؤمنوا بالوحي الحرفي الاملائي.

اوضح انواع نقل الأحاديث (من الفقه)

الكتب» كتاب الحاوي الكبير» كتاب أدب القاضي» القول في التقليد» فصل الأصول الشرعية» فصل السنة» فصل القول في أحوال الرواة. 

فصل : القول في أحوال نقل السماع 
وأما الفصل الخامس في نقل السماع : فللراوي في نقل سماعه أربعة أحوال : 
أحدها : أن يروي ما سمعه بألفاظه وعلى صيغته . 
والثاني : أن يروي معناه بغير لفظه . 
والثالث : أن ينقص منه . 
والرابع : أن يزيد عليه
فأما الحال الأولى في روايته للفظ الحديث على صيغته فلا يخلو مصدره من أن يكون ابتداء أو جوابا 
فان كان ابتداء وحكاه بعد أداء الأمانة
وإن كان جوابا عن سؤال فعلى ثلاثة أضرب 
أحدها : أن يكون الجواب مغنيا عن ذكر السؤال 
والضرب الثاني : أن يفتقر الجواب إلى ذكر السؤال 
وأما الحال الثانية : أن يروي معنى الحديث بغير لفظه فهو على ثلاثة أضرب : 
أحدها : أن يكون في الأوامر والنواهي 
الضرب الثاني : أن يكون في نقل كلام قاله بألفاظ ويكون الكلام محتمل الألفاظ أو خفي المعنى 
والضرب الثالث : أن يكون المعنى جليا غير محتمل
وأما الحال الثالثة : أن ينقص من ألفاظ الخبر : فهو على ثلاثة أضرب 
أحدها : أن يصير الباقي منه مبتورا لا يفهم معناه فلا يصح ذلك منه ، وعليه أن يستوفيه ليتم فائدة الخبر . 
والضرب الثاني : أن يكون الباقي مفهوما لكن يكون ذكر المتروك يوجب اختلاف الحكم وعليه أن يستوفيه ليتم فائدة الخبر 
 والضرب الثالث : أن يكون الباقي منه مفهوم المعنى ومستقل الحكم 

وأما الحال الرابعة : وهو أن يزيد في الخبر فهذا على ثلاثة أضرب 
أحدها : أن تكون الزيادة شرحا للحال 
والضرب الثاني : أن تكون الزيادة تفسيرا لمعنى الكلام 
والضرب الثالث : أن تخرج الزيادة عن شرح السبب وتفسير المعنى فما هي إلا كذب يسير 

 

وايضا في الادب الشرقي والغربي النقل بالمعني جائز 

ونقل الاخبار انواع 

1 ينقل الخبر باللفظ 

2 ينقل الخبر المعني 

3 يحزف بعض لفظ الخبر الغير مؤثر في المعني 

4 يزيد الراوي علي اللفظ لتفسيره 

5 ذكر جزء من الخبر لو كان يحتوي على جزئين مستقلين فيقتصر على أحدهما

6 يصرف اللفظ عن ظاهره الي مجازه  

 

إذا النقل الخبر لا يجب ان يكون حرفي حسب مقاييس المشككين ولكن من الجائز ان يكون يقدم المعني او يقدم الخبر ناقص لان المعني واضح 

والمبشرين متي ومرقس ولوقا ويوحنا كل منهم يقدم بأسلوبه المعني الذي قصده السيد المسيح ولكن الملاحظ ان مرقس البشير يتكلم باختصار فيختصر اقوال المسيح ويركز على شرح المسيح القوي فهو يركز على معجزات المسيح القوية ولوقا البشير يركز على معاني الذبيحة والخلاص فيقدم معاني اقوال المسيح أكثر 

اما متي البشير فهو يركز على المسيح بانه مسيا النبوات المخلص ابن الانسان لأنه يكلم اليهود بلغة وأسلوب اليهود فلهذا الامور المتعلقة بلقب ابن الانسان كان يشرحها بالتفصيل ويحافظ على ان ينقل كلام المسيح لفظا على قد المستطاع وليس المعني فقط مع بعض الشرح أحيانا لتوضيح انطباق النبوات ولهذا نجد انه ينقل لنا اقوال المسيح في الموعظة على الجبل لفظا وليس فقط المعاني كما قدم لوقا البشير او الملخص كما قدم مرقس البشير 

الشيء الاخر الهام وهو ان متي البشير كان يجمع اقوال المسيح اللفظية (لوجيا) وكتبها باللسان العبري وهذا ما قاله الاباء على سبيل المثال 

القديس بابياس (60 – 130) تلميذ القديس يوحنا وزميل القديس بوليكاربوس 

متي وضع "أقوال يسوع" (لوجياباللغة العبريّة (او باللسان العبري)، استخدمها المبشرون

فلو كان المطلوب هو فقط بعض أقوال المسيح لفظيا لما كانت هناك الحاجة الى الأربع اناجيل. وكان انجيل واحد يكفي ولكن لو كان حدث هذا كان هناك مشكلة في فهم المعاني الروحية الرائعة فمثلا لما كنا حصلنا على انجيل متى الذي ذكر اقوال المسيح وأيضا شرح علاقة هذه الاقوال بنبوات العهد القديم والمفهوم اليهودي وابن الانسان لها ولما كنا حصلنا على انجيل مرقس الذي أيضا نقل لنا ملخص اقوال المسيح ولكنه شرح لنا زاوية أخرى هامة وهي قوة المسيح الأسد وأيضا لما كنا حصلنا على انجيل لوقا الذي شرح أكثر ووضح لنا المسيح الذبيح ولما كنا حصلنا على انجيل يوحنا الذي شرح الوحي على لسانه معاني روحية عميقة جدا 

وأيضا لما انطبقت نبوة حزقيال النبي الذي تنبأ عن الأربع اناجيل في اول اصحاح وكلامه عن الاربع كائنات حية بأربع زوايا

 

ما يقوله المبشرين في هذا العدد 

انجيل متى 10

32 فَكُلُّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِي قُدَّامَ النَّاسِ أَعْتَرِفُ أَنَا أَيْضًا بِهِ قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ،
33 وَلكِنْ مَنْ يُنْكِرُني قُدَّامَ النَّاسِ أُنْكِرُهُ أَنَا أَيْضًا قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.

 

متى البشير ينقل الموقف غالبا بتفصيل مع وضع فقط بعض الشروحات القليلة بقيادة الروح القدس ويذكر نص كلام الرب يسوع المسيح وبخاصة انه يكلم اليهود فينقل تعبيرات المسيح التي يفهمها اليهود فيقول ابى الذي في السماوات 

أمام أبي فالمعنى أيها الآب هؤلاء صاروا جزء من جسدي، إذاً هم صاروا أبناءً للأب من خلال المسيح وهذا يفهمه اليهود جيدا

 

اما لوقا البشير الذي يكلم اليونان عن الذبيح الحقيقي الذي هو خلاص العالم 

أنجيل لوقا 12

8 وَأَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَنِ اعْتَرَفَ بِي قُدَّامَ النَّاسِ، يَعْتَرِفُ بِهِ ابْنُ الإِنْسَانِ قُدَّامَ مَلاَئِكَةِ اللهِ.
9 وَمَنْ أَنْكَرَنِي قُدَّامَ النَّاسِ، يُنْكَرُ قُدَّامَ مَلاَئِكَةِ اللهِ.

يقول لوقا البشير نفس التعبير ولكن لأنه يكلم اليونان لا يقول ابي الذي في السماوات ولكن يقول امام ملائكة الله ليوضح أنه المسيح الذبيح والمصالح به ننال المصالحة وصار لنا شركة مع السمائيين وننضم معهم وأيضا عندما ينزل من السماء في مجد أبيه مع الملائكة القدِّيسين في نهاية هذا العالم، حيث يكلل المعترفين به الحقيقيين. هذا يفهمه اليونان أكثر. 

 

هذا في الحقيقة يؤكد ان الاربعة هم شهود عيان وكل منهم بقيادة الروح القدس ينقل ما لاحظة بطريقة نجدها تكميلية رائعة ولو كانوا ينقلوا من مصدر واحد لوجدنا كلامهم متطابق ولما كان هناك حاجة للتكرار ولكن هنا نجد شهادات شهود عيان تكميلية وتوضيحية أكثر

وأيضا يستخدم اسم الله بدل ابي الذي في السماوات لأنه يكلم اليونان وليس اليهود.

لا يوجد تناقض لان التناقض لو كان أحد المبشرين قال شيء والثاني قال عكسه ولكن لا نجد هذا

الحقيقة لو حسب ما يدعي المشككين ان النساخ يحرفون ليجعلون الاناجيل متشابهة هذا العدد يؤكد عكس كلامهم لان لو النساخ يفعلون هذا لوجدنا تعبيرات المبشرين متطابقة ولكن هنا نجدها متكاملة وليست متطابقة ونجدها تناسب المكتوب إليهم من يهود ويونان ورومان والعالم 

والمبشرين لم ينقلوا من مصدر ولا غيره بل كل منهم ذكر ما راه بعينه وكان شاهد عيان عليه وقاده الروح القدس ليشرحه. لو كان المبشرين ينقلون من بعضهم او كما قيل متي ولوقا ينقلون من انجيل مرقس او كما يدعي البعض هم الثلاثة ينقلون من مصدر اسمه كيو لكانت هذه العبارة تتطابق بينهم هم الثلاثة ولكن اختلاف اساليبهم الشخصية في التعبير مع تطابق الفكر تؤكد ان لم ينقل اي منهم من الاخر او عدم وجود المصدر الوهمي الذي يسمي كيو وانما مصدر واحد وهو ارشاد الروح القدس لكتاب الاناجيل  

ويؤكد المفهوم المسيحي للوحي (الذي لا يفهمه المشكك فيقول هذه الشبهات) بان الوحي لا يلغي شخصية الكاتب فكل كاتب للوحي يعبر بأسلوبه ولكن مسوق من الروح القدس فيعبر بأسلوبه ولكن تعبيرات لاهوتية دقيقه بإرشاد الروح القدس  

المبشرين لم يخترعون هذا الكلام ولكن هم يخبروا وهذا الخبر نقلوه عن الرب يسوع المسيح ولك منهم نقله بأسلوبه بما هو مناسب لغرض الانجيل بوحي الروح القدس 

 

واخيرا المعني الروحي الذي قدمه الرب يسوع المسيح 

من تفسير ابونا تادرس يعقوب واقوال الإباء

لأنك أن اعترفت بفمك بالرب يسوع، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات، خلصت" (رو 10: 9). لقد وضح سّر المسيح في هذه الكلمات بطريقة رائعة.

أول كل شيء من واجبنا أن نعترف بأن الابن المولود من الله الآب، الابن الوحيد الذي من جوهره، الله الكلمة، هو رب الكل، ليس كمن نال الربوبية من الخارج بل تُنسب له بكونه الرب بالحق بالطبيعة، كما الآب أيضا. ثانيًا يليق بنا أن نؤمن بأن الله أقامه من الأموات، بمعنى أنه إذ صار إنسانًا تألَّم في الجسد من أجلنا وقام من الأموات، لذلك كما قلت الابن هو الرب... هو وحده الرب بالطبيعة بكونه الله الكلمة فوق كل خليقة. هذا ما يعلمنا إيَّاه الحكيم بولس، قائلًا: " لأنه وإن وُجد ما يُسمى آلهة سواء كان في السماء أو علي الأرض كما يوجد آلهة كثيرون وأرباب كثيرة، لكن لنا إله واحد الآب الذي منه جميع الأشياء ونحن له، ورب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء ونحن به" (1 كو 8: 5-6)...

من يعترف بالمسيح أمام الناس أنه الله الرب، يعترف به أمام ملائكة الله ولكن أين؟ وكيف؟ واضح أنه في ذلك الوقت عندما ينزل من السماء في مجد أبيه مع الملائكة القدِّيسين في نهاية هذا العالم، حيث يكلل المعترفين به الحقيقيين الذين لهم الإيمان الأصيل غير المتردد... هناك تتلألأ جماعة الشهداء القدِّيسين الذين احتملوا الجهاد حتى بذل الدم، وقد كرموّا المسيح بصبرهم، ولم ينكروا المخلِّص، ولم يكن مجده غير معروف لديهم، بل وقدَّموا ولاءهم له. مثل هؤلاء يمدحهم الملائكة القدِّيسون الذين يمجدون المسيح مخلِّص الكل من أجل الكرامات التي يهبها لقدِّيسيه والتي يستحقونها. هذا ما يعلنه المرتل: "تخبر السماوات بعدله (ببره)، لأن الله هو الديان" (مز 50: 6). هذا هو نصيب المعترفين به.

أما البقيَّة التي جحدته واستهانت به فستنكر، عندما يقول لهم كما سبق فقيل بأحد الأنبياء قديمًا: "كما فعلت يُفعل بَك، عملك يرتد علي رأسك" (عو 15). وينكرهم بهذه الكلمات: "لا أعرفكم... تباعدوا عنى يا جميع فاعلي الظلم" (لو 13: 27).

من هم هؤلاء الذين يُنكرون؟

أولًا، الذين عندما يسقطون تحت ضغط الاضطهاد وتحل بهم ضيقة ينكرون الإيمان، هؤلاء يفقدون الرجاء كلية من جذوره، فلا توجد كلمات بشريَّة يمكن أن تعبر عن ذلك إذ ينالون غضبًا ودينونة ونارًا لا تُطفأ.

بنفس الطريقة الذين يتبعون هرطقة والذين يعلّمون بها، هذه الهرطقة تنكره كأن يتجاسر البعض فيقول أن كلمة الله، الابن الوحيد، ليس هو الله بالطبيعة والحق[464].

القديس كيرلس الكبير

*     [إنكار المسيح خلال الحياة الفاسدة التي لا تليق بنا].

توجد أيضًا وسائل أخرى للإنكار يصفها القدِّيس بولس، قائلًا: "يعترفون بأنهم يعرفون الله، ولكنهم بالأعمال ينكرونه" (تى 1: 16)، وأيضا: "وإن كان أحد لا يعتني بخاصته ولاسيما أهل بيته فقد أنكر الإيمان، وهو أشر من غير المؤمن" (1 تي 5: 8)، وأيضا:" (هربوا من) الطمع الذي هو عبادة الأوثان" (كو 3: 5).

وكما توجد أنواع مختلفة من الإنكار، فمن الواضح أيضًا توجد أنواع مختلفة من الاعتراف به، لاحظوا الاهتمام بالتحذير من الأعمال.

في اليونانية يقول: "من يعترف فيّin me" مظهرًا أن الاعتراف (بالمسيح) لا يتحقَّق بقوَّة الإنسان الذاتيَّة إنما بعون النعمة العلويَّة، فالإنسان يعترف بالمسيح. أما عن الإنكار فيقول "ينكرني"، فإن حُرم من النعمة ينكر، ومع هذا فهو يُدان لأن الحرمان تحقَّق بواسطته (إذ رفض النعمة) فالخطأ يُنسب له[465].

القديس يوحنا الذهبي الفم

ليتنا إذن نشهد للرب ونعترف به بفمنا وقلبنا وبإيماننا الحق وسلوكنا اللائق خلال عمل نعمته الواهب قوَّة الشهادة والعمل، ليظهر مسيحنا القائم من الأموات متجليًا في أعماقنا واضحًا في حياتنا اليومية خلال الحياة الجديدة التي لنا فيه. بهذه الشهادة وهذا الاعتراف اليومي نتأهل أن يعترف ربَّنا نفسه بنا أمام ملائكته، إذ يحسبنا ورثة الله، ووارثون مع المسيح، وشركاء في المجد الأبدي، لنا موضع في حضن الآب!

ولما كان الاعتراف بالسيِّد المسيح مكافأته العلنية الأبديَّة بلا رجعة، وأيضا للانكار جزاءه الأبدي بلا رجعة لهذا خشى لئلاَّ ينهار أحد بروح اليأس أن ضعف مرة وسقط في الجحود، فيظن أنه لايقدر أن يرجع ويتوب بل يسقط تحت هلاك أبدي لهذا يؤكد: "وكل من قال كلمة علي ابن الإنسان يُغفر له" [10]، فاتحًا أبواب الرجاء علي مصراعيه خلال التوبة. وقد جاءت تكملة حديثه تؤكد ذلك، بقوله: "وأما من جدف علي الروح القدس فلا يُغفر له" [10]. بمعنى أن من يرفض عمل الروح القدس واهب التوبة والمغفرة يفقد غفرانه. وقد سبق لنا الحديث في شيء من الاستفاضة عن "التجديف علي الروح القدس"، مؤكدين أن التجديف الذي لا يُغفر هو الإصرار علي عدم التوبة[466].

لقد أساء البعض فهم هذه العبارة الإلهية حاسبين أن من يقول كلمة على ابن الإنسان تُغفر له بينما من يقول كلمة على الروح القدس لا تُغفر، بمعنى أن من يخطئ ضد السيِّد المسيح بكونه قد تجسد مختفيًا يغفر له حين يكتشف الحق ويتوب، بينما من يخطئ ضد الروح القدس فلا توبة له. هذا التفسير لا يمكن قبوله، إذ أكّد الكتاب المقدَّس أن كل خطيَّة نقدَّم عنها توبة تُغفر، هذا أيضًا ما أعلنه آباء الكنيسة فاتحين أبواب الرجاء حتى أمام الهراطقة الذين جدفوا ضد الروح القدس وأتباعهم أن رجعوا عن خطأهم، وقد قبلتهم الكنيسة فعلًا عند توبتهم.

يؤكد القديس أمبروسيوس أن التمايز هنا يقوم علي أساس تمايز أعمال الثالوث القدُّوس، وأن الإنكار للروح القدس أو التجديف عليه إنما يعنى رفض عمله تمامًا، أي رفض عمل التوبة الذي يبعثه الروح فينا. هذا ما يوضحه نفس حديث السيِّد، إذ يكمل قائلًا: ["لأن الروح القدس يعلمكم في تلك الساعة ما يجب أن تقولوه" [12]. فمن يرفض عمله الخفي في القلب لا ينال غفرانًا حتى يرجع ويقبله من جديد.]

ولما كانت الشهادة للسيد المسيح تضع تلاميذه أمام المجامع والرؤساء والسلاطين، فقد وهبهم إمكانية لهذا العمل، إذ عهد بهم في يدّي روحه القدُّوس، قائلًا: "لأن الروح القدس يعلمكم في تلك الساعة ما يجب لأن تقولوه" [12].

*     يقول أن ما ننطق به ونجيب به (وقت الضيق) يوهب لنا في تلك الساعة من السماء التي تمدنا، فلا نتكلم نحن بل روح الله الذي لا يفارق من يعترفون به، ولا ينفصل عنهم، بل يتكلَّم فيهم ويتّوج فيهم.

*     إن عمله هو أن نغلب وننال النصرة بإخضاع العدو في الصراع العظيم[467].

القديس كبريانوس

*     عندما تثور خلافات أو صراعات بين الأصدقاء يأمرنا الرب أن نفكر جيدًا في الأمر، لكن حينما يصير رعب محاكم العدالة وتثور المخاوف من كل جانب، فإنه يعطينا قوَّته واهبة الشجاعة وما ننطق به وعدم ثبط الهمة[468].

القديس يوحنا الذهبي الفم

 

والمجد لله دائما