هل سال الفريسيين المسيح عن ذو اليد اليابسة ام هو الذي سالهم ولم يجيبوا ؟ متي 12: 13 و مرقس 3: 4 و لوقا 6: 6

 

Holy_bible_1

 

الشبهة 

 

س : هل سأل الفريسيون يسوع عن شفاء صاحب اليد اليابسة يوم السبت ؟

جـ : يقول متى ( 12 : 2 – 13 ) : (الفريسيون سألوا يسوع) :

“الفريسيون … ثم انصرف من هناك وجاء إلى مجمعهم وإذ إنسان يده يابسة . فسألوه قائلين : هل يحل الإبراء في السبوت لكى يشتكوا عليه . فقال لهم : أي إنسان منكم يكون له خروف واحد فإن سقط هذا في السبت في حفرة أفما يمسكه ويقيمه !” .

بينما في مرقس (3 : 1 – 4) : (يسوع سأل الفريسيين ولم يسألوه ولم يردوا عليه) : 

“ثم دخل أيضاً إلى المجمع . وكان هناك رجل يده يابسة . فصاروا يراقبونه هل يشفيه في السبت . لكي يشتكوا عليه . فقال للرجل الذي له اليد اليابسة : قم في الوسط . ثم قال لهم : هل يحل في السبت فعل الخير أو فعل الشر . تخليص نفس أو قتل ؟ . فسكتوا” . 

 

الشبهة 

 

الحقيقة لا يوجد اي تناقض فالذي يقراء الاعداد كاملة من الثلاث اناجيل يري بوضوح ان الذين بدؤا السؤال هم الفريسيين وعندما اجابهم المسيح وسالهم لم يجيبوا لان سؤاله كان يكشف شرهم 

والاناجيل كالعادة تكمل بعضها بطريقة رائعة وكل منهم يغطي زاوية تشعرنا باننا نعيش الاحداس مع هؤلاء شهود العيان 

وندرس سياق الكلام لنتاكد من ذلك 

انجيل متي 12

12: 10 و اذا انسان يده يابسة فسالوه قائلين هل يحل الابراء في السبوت لكي يشتكوا عليه

متي البشير يوضح ان الذي بدا بالسؤال هم اليهود انفسهم وسؤالهم عن الابراء في السبت بمعني ان هذا عمل والعمل في يوم السبت كسر للوصية فهم وصلوا من الحرفية انهم يمتنعون عن العمل في يوم السبت، حتى في الدفاع عن أنفسهم وعن بلدهم وعائلاتهم، الأمر الذي استغلّه أنتيخوس فقاتلهم وأهلك الكثيرين منهم (1 مك 2: 31-38). فلا نعجب إن رأينا بعض المتزمّتين يسألونه "هل يحلّ الإبراء في السبوت؟"  

لم يكن السؤال لأجل المعرفة بل إستنكارًا لتصرفات المسيح وإتهامًا لهُ. والسيد إذ يعلم محبتهم للأموال والمقتنيات سألهم

12: 11 فقال لهم اي انسان منكم يكون له خروف واحد فان سقط هذا في السبت في حفرة افما يمسكه و يقيمه

وهذا امر يفعله اليهود ولا خلاف عليه وهنا يكشف لهم نقطه صعبه جدا وهي انهم يحرصون علي مواشيهم اي يشفقون عليها لانها ملكهم فينقذوها يوم السبت ولكن لا يشفقون علي البشر بانهم يرفضوا ان يشفيهم يوم السبت 

ونلاحظ اجابة الرب يسوع ليس دفاعا ولكن ليوضح لهم فلهذا اجابهم بهذا السؤال  

12: 12 فالانسان كم هو افضل من الخروف اذا يحل فعل الخير في السبوت

هذا العدد يكشف ان اليهود لم يجيبوه. ولما هو راي انهم صمتوا اجابهم هو وقال لهم ان الانسان افضل من الخروف بمعني انهم طالما يخرجون خرافهم لوسقطت في يوم سبت فهو يشفي الانسان ويخرجه من حفرة المرض يوم السبت لان الانسان افضل من الخراف فيحل فعل الخير يوم السبت  

12: 13 ثم قال للانسان مد يدك فمدها فعادت صحيحة كالاخرى 

12: 14 فلما خرج الفريسيون تشاوروا عليه لكي يهلكوه 

وهذا يظهر قساوة قلوبهم وشرهم فما فعله هو افضل ما يفعلوه في السبت ولكنهم لانهم حرفيين واشرار تشاوروا عليه رغم انهم لم يستطيعوا ان يجيبوا سؤاله 

والمهم من سياق كلام متي البشير ان السؤال بدا من اليهود واجاب المسيح بسؤال فهم التزموا الصمت فعاتبهم وشفي ذو اليد اليابسة 

 

انجيل مرقس 3

3: 1 ثم دخل ايضا الى المجمع و كان هناك رجل يده يابسة 

3: 2 فصاروا يراقبونه هل يشفيه في السبت لكي يشتكوا عليه

مرقس البشير يختصر القصه ولا يذكر تفاصيل بدايتها . وكما قلت سابقا عدم ذكره لشيئ لا يعني عدم حدوثه ولكن هو يركز علي الامر المهم له وان اليهود يراقبونه 

ونتوقف قليلا لماذا يراقبه الفريسيين في هذا الموقف بالتحديد ؟ هذا يلفت نظرنا الي انه كان هناك حوار بين المسيح والفريسيين لم يذكر تفاصيله مرقس البشير . اذا لا يوجد تناقض بين متي البشير ومرقس البشير فكل منهما اشار الي بداية الحوار ولكن احدهم اشار بشرح والثاني باختصار 

ومرقس البشير يركز اكثر علي تصرفات المسيح فيقول  

3: 3 فقال للرجل الذي له اليد اليابسة قم في الوسط 

3: 4 ثم قال لهم هل يحل في السبت فعل الخير او فعل الشر تخليص نفس او قتل فسكتوا

المسيح في هذا الموقف لن يتبرع ويسالهم . ولكن سؤاله لهم هو ردا علي سؤال سالوه هم في البداية وهو ما شرحه متي البشير واختصره مرقس البشير 

ومرقس البشير مثل متي البشير يوضح انهم لم يجيبوه علي سؤاله ولهذا حزن  

3: 5 فنظر حوله اليهم بغضب حزينا على غلاظة قلوبهم و قال للرجل مد يدك فمدها فعادت يده صحيحة كالاخرى

لو كان اليهود ما بدؤا الحوار لا يوجد سبب لغضب المسيح وحزنه بمعني انه لو جاء لشخص وساله فشخص لم يجيبه هذا لا يحزن اما هم سالوه فاجابهم بسؤال للشرح فرفضوا ان يجيبه هذا يحزن.

فكما قلت مرقس البشير يركز اكثر علي تعبيرات ونظرات المسيح بينما متي البشير يركز اكثر علي تصرفات اليهود المعاندة للمسيح فلهذا متي البشير ذكر سؤالهم اما مرقس البشير ذكر انفعال المسيح  

3: 6 فخرج الفريسيون للوقت مع الهيرودسيين و تشاوروا عليه لكي يهلكوه 

اذا تاكدنا انه لا يوجد اي تناقض بل تكامل رائع لما جاء في البشارتين حتي الان.

 

انجيل لوقا 6

6: 6 و في سبت اخر دخل المجمع و صار يعلم و كان هناك رجل يده اليمنى يابسة 

6: 7 و كان الكتبة و الفريسيون يراقبونه هل يشفي في السبت لكي يجدوا عليه شكاية

لوقا البشير في هذه الحادثة ايضا لا يذكر بدايتها تفصيلا ولكن يكتفي ان يشير بان هناك كان حوار بين المسيح والفريسيين بتعبير يعلم 

ولهذا نفهم ان حواره وتعليمه لهم لم يعجبهم لهذا بدؤا يراقبونه في هذا الموقف لكي يشتكوه  

6: 8 اما هو فعلم افكارهم و قال للرجل الذي يده يابسة قم و قف في الوسط فقام و وقف

وهنا لوقا البشير يضيف بعد اخر وهو ان المسيح اجاب سؤالهم لانه يعلم ما في افكارهم من شر ضده  

6: 9 ثم قال لهم يسوع اسالكم شيئا هل يحل في السبت فعل الخير او فعل الشر تخليص نفس او اهلاكها 

6: 10 ثم نظر حوله الى جميعهم و قال للرجل مد يدك ففعل هكذا فعادت يده صحيحة كالاخرى 

6: 11 فامتلاوا حمقا و صاروا يتكالمون فيما بينهم ماذا يفعلون بيسوع 

وايضا لوقا الطبيب لا يذكر اي شيئ يناقض ولكن يذكر اضافه رائعه في موضوع افكارهم 

فالثلاثة المبشرية بهذا الاسلوب الرائع وصفوا القصه من عدة زوايا جعلونا نشعر كما لو كنا معايشين احداث القصة 

والحقيقة لا يوجد اي تناقض علي الاطلاق فلم يقل احد المبشرين انهم لم يسالوا المسيح والثاني قال انهم سالوه . ولم يقل احدهم انه سالهم والثاني قال انه لم يسالهم . بل كل منهم وصفها بارشاد الروح القدس بطريقة تكمل بقية البشائر باسلوب رائع 

 

واخيرا المعني الروحي 

من تفسير ابونا تادرس يعقوب واقوال الاباء

دخل السيد المسيح إلى المجمع اليهودي في يوم السبت، وكان هناك رجل يده يابسة، وقد حدد معلمنا لوقا أنها يده اليمنى، فصاروا يراقبونه هل يشفيه في السبت لكي يشتكوا عليه. يشير هذا العمل إلى دخول السيد إلى خاصته "مجمع اليهود" فيجدهم ذوي أيدي يابسة، لا يقدرون أن يعملوا عمل الرب في السبت.لقد أُصيبوا باليبوسة في أياديهم اليمنى، أي في العمل الروحي.

إن كان السيد قد أفحم اليهود الذين لاموا تلاميذه لأنهم قطفوا سنابل في السبت (2: 23-28)، مقدمًا لهم داود النبي مثالًا، فإنه إذ دخل إلى المجمع جاء بهم إلى الحق، مقدمًا الشفاء لذي اليد اليابسة ليعُلن أنه وإن كان التلاميذ قد قطفوا السنابل في السبت لأجل حاجة الجسد الضرورية، فإنه يشفي هذا الرجل لكي لا يقضي سبت الرب في خمول، بل في العمل لحساب مملكة الله.

تُشير اليد اليابسة إلى يد الإنسان الأول التي امتدت بالعصيان لتأكل من الشجرة، فيبست من كل عمل صالح. لذا احتاجت إلى مجيء المسيا نفسه "آدم الثاني" ليهبها الحياة، ببسط يديه وتسميرها على شجرة الصليب عوض اليد اليابسة. وكما يقول القديس أمبروسيوس: [اليدّ التي مدّها آدم ليأخذ من الشجرة المحرمة غمرها الرب بعصارة الخلاص المليئة بالأعمال الصالحة، فإن كانت قد يبست بالخطية تنال الشفاء للأعمال الصالحة[92].]

يرى القدِّيس أغسطينوس أن اليد اليُسرى تشير للعمل المادي، أما اليُمنى فتُشير للعمل الروحي. فالرجل ذو اليد اليمنى اليابسة يشير إلى المجمع اليهودي نفسه، وقد يبست يمينه عن العمل الروحي، إذ تحوَّل السبت إلى توقُّف عن العمل وممارسة حرفيَّات جامدة. وقد جاء السيِّد لينزع هذه اليبوسة، واهبًا للسبت فهمًا جديدًا روحيًا.

يروي لنا الإنجيلي مرقس قصة شفاء اليدّ اليابسة هكذا:

"فقال للرجل الذي له اليد اليابسة:

قم في الوسط.

ثم قال لهم: هل يحل في السبت فعل الخير أو فعل الشر؟‍

تخليص نفس أو قتل؟ فسكتوا" [3-4].

يقول القديس كيرلس الكبير: [لماذا أمر المسيح الرجل بذلك؟ ربما ليحرك من نحوه الفريسيين ويلطف فيهم قلبًا غليظًا، فإن مرض هذا الإنسان ليسترد الدمع ويطفئ جذوة الحقد والخبث[93].]لقد أراد أن يسحبهم من المناقشات الغبية إلى الحب العملي!

قدم السيد لهم سؤالًا أفحمهم به، فإنهم لا يستطيعون القول بأنه يجوز فعل الشر في السبت، بل فعل الخير، فبالأولى يليق بالمسيح الإله أن يظهر رحمته في السبت، ويخلص نفسًا لتتذوق نعمة الحياة.وكما يقول القديس كيرلس الكبير[أمر الله الناس أن يكفوا عن العمل في السبت، بل أوصى الناس بألا يُسخِّروا حيوانًا في ذلك اليوم، إذ قال: "وأما اليوم السابع فسبت للرب إلهك لا تعمل فيه عملًا ما، أنت وابنك وابنتك وعبيدك وأمتك وثورك وحمارك وكل بهائمك(مت 5: 14). فإن كان الله يشفق على الثور والبهيمة أفلا يشفق في يوم السبت على رجل أهلكه المرض فحط من قوته وعزيمته؟[94]]

لعل السيد بحديثه معهم أراد أن يشفيهم من يبوسة فكرهم الحرفي من جهة الناموس قبل أن يشفي يبوسة يدّ الرجل. إذ كانوا أكثر منه مرضًا وأشد حاجة إلى عمل السيد المسيح فيهم، لكنه يفتح لهم باب الشفاء دون أن يلزمهم بنواله قهرًا!

إن كانت أيدينا اليابسة خلال سقطة آدم الأول قد شفيت تمامًا بعمل آدم الثاني، فنلنا في مياه المعمودية الإنسان الجديد الذي يحمل جدّة الحياة (رو 6: 4) القادر على العمل الروحي، يلزمنا أن نسلك بالروح، عاملين بلا انقطاع حتى لا ترجع اليبوسة إلى أيدينا مرة أخرى. يقول الرسول بولس: "إن كان أحد في المسيح، فهو خليقة جديدة، الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديدًا(2 كو 5: 17). ويقول القديس أمبروسيوس: [سمعتم كلمات الرب: "مد يدك" (مر 3: 5)، هذا هو الدواء‍! يا من تظن أن يدك سليمة احذر أن تلوثها بالطمع، وبالخطية بل مدّ كثيرًا... مدّها نحو هذا الفقير الذي يتوسل إليك، مدها في معونة قريبك ومساندة الأرملة، مدها في إنقاذ المظلوم من الظالم. ابسطها نحو الله لتطلب عن خطاياك، مدّ يدك لتنال الشفاء.هكذا يبست يدّ يربعام عندما أراد التبخير للأوثان وبسطها عندما صلى (1 مل 13: 4-6)[95].]

يقول الإنجيلي: "فخرج الفريسيون للوقت مع الهيرودسيين، وتشاوروا عليه لكي يهلكوه" [6]. لقد اعتبر الفريسيون كلمة المسيح الواهبة الشفاء في السبت جريمة كبرى تستوجب قتله، أما الهيرودسيون، فلم يكن يشغلهم السبت، إنما كانوا يخافون سلطان سيدهم الروماني، فحسبوا أن ما يعلنه السيد المسيح من سلطان روحي هو انهيار لعائلة هيرودس الكبير مع أن السيد أكد بطرق كثيرة أن مملكته ليست من هذا العالم.

 

والمجد لله دائما