«  الرجوع   طباعة  »

هل ابراهيم دعي قبل ان يذهب حاران ام في حاران تكوين 12



Holy_bible_1



الشبهة



هل أمر الله سبحانه وتعالى إبراهيم عليه الصلاة و السلام بالدعوة وهو في حاران؟ أم قبل أن يجيء إليها؟.

يقول تكوين 12: 1-5 إن الله دعا إبراهيم وهو في حاران:

»1وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: «اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ. 2فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً. 3وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ، وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ». 4فَذَهَبَ أَبْرَامُ كَمَا قَالَ لَهُ الرَّبُّ وَذَهَبَ مَعَهُ لُوطٌ. وَكَانَ أَبْرَامُ ابْنَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً لَمَّا خَرَجَ مِنْ حَارَانَ. 5فَأَخَذَ أَبْرَامُ سَارَايَ امْرَأَتَهُ، وَلُوطًا ابْنَ أَخِيهِ، وَكُلَّ مُقْتَنَيَاتِهِمَا الَّتِي اقْتَنَيَا وَالنُّفُوسَ الَّتِي امْتَلَكَا فِي حَارَانَ. وَخَرَجُوا لِيَذْهَبُوا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. فَأَتَوْا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. «.

بينما يقول أعمال الرسل 7: 2-4 إن الله دعاه قبل أن يجيء إلى حاران.

»1فَقَالَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِأَتُرَى هذِهِ الأُمُورُ هكَذَا هِيَ؟» 2فَقَالَأَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ وَالآبَاءُ، اسْمَعُوا! ظَهَرَ إِلهُ الْمَجْدِ لأَبِينَا إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ فِي مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ، قَبْلَمَا سَكَنَ فِي حَارَانَ 3وَقَالَ لَهُ: اخْرُجْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ، وَهَلُمَّ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ. 4فَخَرَجَ حِينَئِذٍ مِنْ أَرْضِ الْكَلْدَانِيِّينَ وَسَكَنَ فِي حَارَانَ. وَمِنْ هُنَاكَ نَقَلَهُ، بَعْدَ مَا مَاتَ أَبُوهُ، إِلَى هذِهِ الأَرْضِ الَّتِي أَنْتُمُ الآنَ سَاكِنُونَ فِيهَا.«.





الرد



الحقيقه لا توجد اي شبهة من الاساس ولكن المشككون يخترعون الشبهات فدعوة ابراهيم واضح تسلسلها منذ ان كان مع ابيه

ولهذا يخبرنا الانجيل

سفر التكوين 11

11: 26 و عاش تارح سبعين سنة و ولد ابرام و ناحور و هاران

11: 27 و هذه مواليد تارح ولد تارح ابرام و ناحور و هاران و ولد هاران لوطا

11: 28 و مات هاران قبل تارح ابيه في ارض ميلاده في اور الكلدانيين

11: 29 و اتخذ ابرام و ناحور لانفسهما امراتين اسم امراة ابرام ساراي و اسم امراة ناحور ملكة بنت هاران ابي ملكة و ابي يسكة

11: 30 و كانت ساراي عاقرا ليس لها ولد

11: 31 و اخذ تارح ابرام ابنه و لوطا بن هاران ابن ابنه و ساراي كنته امراة ابرام ابنه فخرجوا معا من اور الكلدانيين ليذهبوا الى ارض كنعان فاتوا الى حاران و اقاموا هناك

والذي يفكر في سبب خروج تارح مع ابراهام هو ان دعوه الرب له قبل حاران وتاكيد ذلك ان بعد ذلك مباشره

12: 1 و قال الرب لابرام اذهب من ارضك و من عشيرتك و من بيت ابيك الى الارض التي اريك

فحاران ليست ارض ابراهيم ولكن ارو الكلدانيين ( التي هي فدان ارام ) هي التي ولد فيها وتربي وكبر وتزوج بها

والكلمة الاوضح ايضا كلمة عشيرتك لانها تعني العائله الكبيره فهي غير بيت ابيه ولذلك العدد ذكر الاثنين

فلو كان الرب دعي ابراهيم في حاران فقط التي بها ابيه وزوجته وابن اخيه فقط الذين يرتحلوا معه بالفعل لما قال له اخرج من عشيرتك

ثانيا بالفعل عشيرته في ارو الكلدانيين

ولكن بالفعل عشيرت ابراهيم استمرت في اروالكلدانيين كما جاء في سفر التكوين

22: 20 و حدث بعد هذه الامور ان ابراهيم اخبر و قيل له هوذا ملكة قد ولدت هي ايضا بنين لناحور اخيك

فنص الوصيه واضح جدا ان الرب يكلم ابراهيم في ارض ارو الكلدانيين قبل ذهابه الي حارن

وحارن في الحقيقه كانت فقط استراحه في الطريق ولكن يبدو ان كبر سن تارح ومرضه اعاقهم من ان يكملوا المسيره الي كنعان فبقوا في حاران حتي توفي تارح وهي رحله صعبه وطويله لا يتحملها انسان متقدم السن مثل تارح

وخريطة الرحله



وبالفعل قضوا في حاران خمس سنين قبل ان يذكره الرب مره اخري ان يكمل رحلته الي ارض كنعان

ولكن في حاران لا يوجد اي عشيره لابراهيم بعد خروجه هو وزوجته وابن اخيه

وفقط البعض يفهم خطا من ترتيب الاصحاحات فهو فقط ذكر في الاصحاح 11 الانساب وفي 12 سبب خروج ابراهيم مع ابيه وزوجته

والرب بعد انتقال تارح ذكر ابراهيم بما قاله سابقا وانه يجب ان يكمل رحلته الي كنعان لان حاران ليس نهاية الرحله التي طلب الرب من ابرام ان يقوم بها ولكن فقط كانت استراحه بسبب كبر سن تارح

فنري ان الرب ظهر لابراهيم مرتين مره في ما بين النهرين وطلب منه ان يذهب الي كنعان ومره اخري في حاران بعد موت ابيه يذكره ليكمل الرحله



ونعود الان الي ما قاله الشهيد استفانوس

سفر اعمال الرسل 7

7: 2 فقال ايها الرجال الاخوة و الاباء اسمعوا ظهر اله المجد لابينا ابراهيم و هو في ما بين النهرين قبلما سكن في حاران

7: 3 و قال له اخرج من ارضك و من عشيرتك و هلم الى الارض التي اريك

7: 4 فخرج حينئذ من ارض الكلدانيين و سكن في حاران و من هناك نقله بعدما مات ابوه الى هذه الارض التي انتم الان ساكنون فيها

ويؤكد نفس الامر كما ذكر سفر التكوين ان الرب ظهر لابراهيم مرتين مره في ما بين النهرين ليذهب الي كنعان ومره اخري بعد وفات ابيه في حاران ليكمل رحلته الي كنعان

ومن هذا نتاكد ان لا يوجد يوجد اي خلاف ولا اي شبهة وايضا كلام القديس استفانوس صحيح ويتطابق مع سفر التكوين

وعدم فهم المشككين هو لا يعيب الانجيل ولكن قصر فهم منهم فقط



ورد الدكتور القس منيس عبد النور



قال المعترض: «يقول تكوين 12: 1-5 إن الله دعا إبراهيم وهو في حاران، بينما يقول أعمال الرسل 7: 2-4 إن الله دعاه قبل أن يجيء إلى حاران».

وللرد نقول: الذي يفتش عن الأخطاء يختلقها. لقد وجَّه الله الدعوة لإبراهيم ليذهب لأرض الميعاد قبل أن يجيء إلى حاران. ولما وصل إلى حاران أقام فيها، فعاد الله يدعوه من جديد ليتابع السَّفَر إلى حيث دعاه أولاً. وكانت المدة بين الدعوة الأولى والثانية خمس سنوات.





واخيرا المعني الروحي

من تفسير ابونا تادرس يعقوب

دعوة إبرام:

إبرام هو العاشر في تسلسل الآباء الذين ولدوا من سام بعد الطوفان. كلمة "إبرام" تعني (الأب مكرم)، وقد غيّر الله اسمه إلى "إبراهيم" التي تعني (أب جمهور) (تك 17: 5) إذ بدأ حياته كأب مكرم وسام، جعله الله أبًا لجمهور كثير، أب الآباء، أب لجميع المؤمنين.

 عاش إبراهيم مع أبيه تارح وبقية الأسرة في أور الكلدانيين، عادة تعرف بالمدينة المشهورة بالاسم أورشليم Uri جنوب بابل، مكانها خرائب تُدعي المغيّروتدل الاكتشافات الحديثة علي أنها قبل عصر إبراهيم بحولي 1000 سنة، وإنها كانت قبلاً علي ساحل الخليج. اشتهرت أيضًا بإلهها "نانار" إله القمر وما تبع عبادته من رجاسات مرّة.

عاش إبرام وسط هذا الجو الساحلي التجاري حيث الغني العظيم مع الرجاسات الوثنية لكنه بقي أمينًا في شهادة لله خلال حياته، وقد شهد له الرب: "آباؤكم سكنوا في عبر النهر منذ الدهر، تارح أبو إبراهيم وأبو ناحور وعبدوا آلهة أخري، فأخذت إبراهيم أباكم من عبر النهر وسرت به في كل أرض كنعان وأكثرت نسله وأعطيته إسحق" (يش 24: 2، 3). في هذه المنطقة عاش بنو سام ملتصقين ببني حام فتسرب الشر إلى بني سام حتى لم يوجد وسط المنطقة كلها، بل في العالم في ذلك الحين، من يعبد الله بالحق سوي إبرام، الذي بقي شاهدًا لله، اجتذب إليه ساراى امرأته ولوط ابن أخيه ليعيشا حياة مقدسة في الرب.

إذ رأى الله أمانة إبرام دعاه للخروج من أور الكلدانيين وعاد ليكرر الدعوة له في حاران بعد أن أقام فيها زمانًا طويلاً مع والده وزوجته وابن أخيه، ومات أبوه هناك (11: 31، 32). حقًا لم يذكر سفر التكوين الدعوة بالخروج في أور الكلدانيين مكتفيًا بالدعوة التي تلقاها في حاران، لكن الكتاب المقدس يؤكد الدعوة الإلهية له في أور الكلدانيين قبل دخوله حاران (أع 7: 2).

لم يتجاهل الله إنسانًا واحدًا أمينًا وسط المدينة بأكملها، بل وسط العالم كله في ذلك الحين، بل جعله صخرًا منه يُقطع المؤمنون، وكما قيل في إشعياء: "اسمعوا لي أيها التابعون البر الطالبون الرب؛ انظروا إلى الصخر الذي منه قطعتم وإلى نقرة الجب التي منها حفرتم. انظروا إلى إبراهيم أبيكم وإلى سارة التي ولدتكم، لأني دعوته وهو واحد وباركته وأكثرته، فإن الرب عزى صهيون" (إش 5: 1-3). هكذا يطلب الله من تابعي البر وطالبي الرب أن يتطلعوا إلى أبيهم إبراهيم كصخرة قُطعوا منه ليكونوا بحق "أولاد إبراهيم". لينظروا كيف دعاه الرب "وهو واحد" غير مستهين بالواحد، بل جعله "كثرة" وعزاء لصهيون السماوية. لقد أحبه الله جدًا حتى كان يلذ له أن يدعو نفسه "إله إبراهيم" ويحسب فردوسه السماوي "حضن إبراهيم".

في وسط جو وثني مظلم رأى الله قلبًا واحدًا مشتاقًا أن يلتقي به فدعاه للخروج سواء من أور الكلدانيين أو من حاران حيث كانت المدينتان مركزين لعبادة إله القمر؛ دعاه للخروج حتى يقيم من نسله "كنيسة مقدسة".

 جاءت الدعوة الإلهية لإبرام هكذا: "وقال الرب لإبرام: "اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك" [١].

 يعلق القديس جيروم علي هذه الدعوة الإلهية، قائلاً: [ترك أور الكلدانيين وترك ما بين النهرين، ومضي طالبًا أرضًا لا يعرفها حتى لا يفقد ذاك الذي وجده (الله). لم يحسبه سهلاً أن يحتفظ بأرضه وبربه في نفس الوقت، فمنذ أيامه المبكرة كان مستعدًا لتحقيق كلمات النبي: "أنا غريب. عندك، نزيل مثل جميع آبائي" (مز 39: 12). لقد دعي "عبرانيًا" ومعناها (عابرًا)، إذ لم يكن راضيًا بالامتيازات (الزمنية) الحاضرة إنما كان ينسي ما هو وراء ويمتد دائمًا إلى ما هو قدام (في 3: 13)، جاعلاً كلمات المرتل أمامه: "يذهبون من قوة إلى قوة" (مز 84: 7). هكذا يحمل اسمه معني سريًا، إذ يفتح أمامك الطريق لتطلب ما هو للآخرين لا ما هو لذاتك...[229]].

كما يقول: [لقد طلب من أب الآباء أن يترك أور الكلدانيين، ويترك مدينة بابل (الاضطراب) ورحوبوت (تك 10: 11) والأماكن المتسعة، يترك أيضًا سهل شنعار حيث وجد برج الكبرياء المرتفع إلى السماء (11: 2، 4). كان يليق به أن يعبر أمواج هذا العالم ويجتاز أنهاره هذه التي جلس عندها القديسون وبكوا عندما تذكروا صهيون (مز 137: 1)... حتى يسكن في أرض الموعد التي تستقي بمياه من فوق وليس كمصر بمياه من أسفل (تث 11: 10)... تطلب المطر المبكر والمتأخر (تث 11: 14)[230]].

هذه الدعوة الإلهية موجهة إلى كل نفس بشرية لكي تنطلق لا من مكان معين أو عشيرة أو بيت ما وإنما تنطلق بالقلب خارج محبة العالم والذات (الأنا)، لكي تلتقي بالرب السماوي وتعيش معه في أحضانه. إنها دعوة للأجيال كلها، وقد سحبت قلوب الكثير من الآباء مدركين أنها دعوة إلهية تمس حياتهم الشخصية؛ نذكر موجزًا لبعض تعليقات الآباء عليها:

يري الآب بفنوتيوس أنها دعوة إلهية لممارسة الحياة النسكية، بها يتخلى الإنسان عن أرضه أي عن محبة غني العالم، وعن عشيرته أي عن حياته القديمة بعاداته الشريرة، وعن بيت أبيه الأرضي ليطلب بيت الآب السماوي. فمن كلماته [قال له: أولاً: "اذهب من أرضك"، أي من (محبة) ممتلكات هذا العالم وغناه الأرضي. ثانيًا: "من عشيرتك"، أي من حياتك السابقة بما فيها من عادات وخطايا تعلقت بك منذ الميلاد الأول وارتبطت بك كما لو كانت رابطة صداقة وقربى. ثالثًا: "من بيت أبيك"، أي من كل ما في العالم وتراه عيناك، فعن الأبوين (الأرضي والسماوي) ينبغي ترك أحدهما وطلب الآخر، إذ يقول داود في شخص الله: "اسمعي يا بنتي وانظري، أميلي أذنك وانسي شعبك وبيت أبيك" (مز 45). فالقائل: "اسمعي يا بنتِ" بالتأكيد هو أب[231]].

يري هذا القديس أن الدعوة موجهة للتمتع بمراحل النسك الثلاثة: زهدي جسدي نبذ للسلوك القديم؛ تحرر للروح من المرئيات والانشغال بالسمائيات. فلا يكفي للإنسان أن يترك أرضه كأن يمارس الصوم وكل أنواع النسك المادي أو الجسدي، ولا أن يترك عشيرته، أي يتخلى عن عاداته الشريرة القديمة، لكن يلزمه أيضًا أن يترك بيت أبيه القديم ليدخل إلى حضن أبيه السماوي، قائلاً: "فإن سيرتنا نحن في السموات" (في 3: 2).

ويري الأب قيصريوس أسقف Arles أن هذه الدعوة الإلهية إنما تتحقق في مياه المعمودية بالروح القدس الذي ينزع عن أرضنا (الجسد) خطاياه، ويبيد عاداتها الشريرة (العشيرة)، ويغتصبنا من بيت أبينا القديم أي إبليس لنسكن في بيت أبينا الجديد. فمن كلماته: [إننا نؤمن وندرك أن هذه الأمور كلها قد تحققت فينا أيها الاخوة خلال سرّ المعمودية. أرضنا هي جسدنا، فتذهب بلياقة من أرضنا بتركنا عاداتنا الجسدية وتبعيتنا للمسيح. أفلا يُحسب الإنسان أنه قد ترك أرضه أي ذاته متى صار متضعًا بعد الكبرياء، وصبورًا بعد أن كان سريع الانفعال، وبتركه الانحلال ودخوله إلى العفة، وانطلاقه من الطمع إلى السخاء، ومن الجسد إلى الحنو، ومن القساوة إلى اللطف؟ حقًا أيها الاخوة من يتغير هكذا خلال حبه لله يكون قد ترك أرضه... أرضنا أي جسدنا قبل المعمودية تحسب أرض الأموات، لكنها بالمعمودية صارت أرض الأحياء، هذه التي أشار إليها المرتل، قائلاً: "أمنت أن أري جود الرب في أرض الأحياء" (مز 27: 13). بالمعمودية نصير أرض الأحياء لا الأموات، أي أرض الفضائل لا الرذائل... يقول الرب: "(وتعالَ) إلى الأرض التي أريك"، فنأتي بفرح إلى الأرض التي يرينا الله إياها، إن كنا بمعونته نطرد الخطايا والرذائل من أرضنا، أي جسدنا. "اذهب من عشيرتك"، هنا تفهم العشيرة بكونها الرذائل والخطايا التي وُلدت جزئيًا بطريقة ما معنا وتزايدت وانتعشت بعد الطفولة خلال عاداتنا الشريرة. إننا نترك عشيرتنا إن كنا خلال نعمة المعمودية نتفرغ من الخطايا والرذائل... ولا نعود كالكلب إلى قيئه. "اذهب من بيت أبيك"، لنقبل هذه العبارة بمفهوم روحي أيها الاخوة الأعزاء، فقد كان الشيطان أبانا قبل نعمة المسيح، عنه يتحدث الرب في الإنجيل عندما وبخ اليهود قائلاً: "أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا" (يو 8: 44)... لذلك يليق بنا أيها الاخوة أن نتأهل لنوال هذه الأمور خلال نعمة المعمودية وليس بقوتنا، فنترك أرضنا أي (شهوات) جسدنا، وعشيرتنا أي الرذائل والخطايا (العادات)، ونهرب من بيت الشيطان أبينا. لنبذل كل الجهد بمعونته لكي لا نعود إلى مصاحبة الشيطان أو مصادقته... بل بالأحرى نتمثل بإيمان إبراهيم ونعمل الأعمال الصالحة علي الدوام لا لننال الغفران فحسب وإنما لندخل مع الله في صداقة ومصاحبة. لنتأمل بخوف عظيم ومهابة ما قال الرب لموسى في هذا الشأن... "احترز من أن تقطع عهدًا مع سكان الأرض التي أنت آت إليها لئلا يصيروا فخًا في وسطك" (خر 34: 12). الآن نؤمن أننا بنعمة المعمودية ننزع عنا كل الخطايا والمعاصي، فإن عدنا وقطعنا معها عهدًا تصير لنا فخًا[232]].

لم يكن خروج إبرام سهلاً، إذ يعيش في مدينة ساحلية عُرفت بغناها وتقدمها وثقافتها بجانب ارتباطه بعائلته، خاصة وأن الدعوة جاءته في سن ليس بصغير، إذ خرج من حاران في سن 75 عامًا، أي في وقت يحتاج فيه إلى استقرار، هذا ولم يكن له ولد يرثه أو يهتم به في شيخوخته. نحن نعلم أن الإنسان يميل إلى التحرك بمرونة في سن صغير لكنه كلما كبر يصعب تحركه خاصة إن كان التحرك يعني تغييرًا شاملاً لمنهج حياته وطريقة سلوكه... ومع هذا فإبرام في مرونة الطفولة تحرك في طاعة لله. يقول القديس أمبروسيوس: [هوذا أبونا إبراهيم الذي تعين ليكون مثلاً للأجيال القادمة حينما أُمر أن يهجر أرضه وعشيرته وبيت أبيه بالرغم من كل الارتباطات الأُسرية التي كان ملتزمًا بها ألم يقدم برهانًا علي أنه يُخضع العاطفة للمنطق؟‍!... لقد قرر بكل تروٍ أن يجتاز الصعوبات دون أن يختلق لنفسه أعذارًا[233]].

هكذا قبل إبراهيم الدعوة الإلهية وأطاع متغلبًا علي الصعوبات والعواطف البشرية، والعجيب أن الله وهو يدعوه للخروج لا يحدد له الموضع الذي يستقر فيه، بل يقول: "اذهب... إلى الأرض التي أريك" [١]. ما هذه الأرض التي يرينا الله مقابل تركنا للأمور القديمة إلاَّ تمتعنا بالدخول إلى سمواته الجديدة وأرضه الجديدة، فهو لا يود أن يترك الإنسان في حرمان أو ترك لكنه يهب أكثر مما نترك، يعطينا أرضًا جديدة أو كما يقول القديس بفنوتيوس: [إنها أرض لا تقدر أن تعرفها ولا تكتشفها بمجهودك الذاتي بل الأرض التي أريك إياها، هذه التي لم ترها والتي تجهلها[234]]. ويري القديس غريغوريوس أسقف نيصص أن غاية هذا الخروج هو دخول إلى أرض جديدة أي تمتع (بمعرفة الله)، إذ يقول: [إذ استطعنا بروح الرسول السامية أن نأخذ الكلمات بمفهومها الرمزي، فننفذ إلى المعني السري للتاريخ دون أن نفقد النظرة الحقيقية لوقائعه نجد بالتأكيد أن إبراهيم أب الإيمان قد ذهب، حسب الأمر الإلهي، من أرضه وعشيرته في رحلة تليق بنبي متعطش نحو معرفة الله. فإنني أظن أن البركات التي استحق أن ينالها لا تتناسب مع هجرة عادية من موضع إلى موضع؛ فخروجه من ذاته ومن أرضه كما أفهمه هو خروج من فكره الأرضي الجسداني وارتفاع به إلى أقصي ما يستطيع فوق حدود الطبيعة المعتادة، ونبذ لتعلق النفس بحواسها، حتى تنفتح عيناه علي الأمور غير المنظورة دون وجود أي عائق حسيّ. فلا يكون هناك منظر أو صوت يشغل الذهن عن عمله بل يسير "بالإيمان لا بالعيان" كقول الرسول. هكذا ارتفع (إبراهيم) عاليًا بسمو معرفته حتى بلغ إلى ما يعتبر قمة الكمال البشري، عارفًا عن الله كل ما يمكن أن تدركه إمكانيات الإنسان المحدودة...[235]].



والمجد لله دائما