هل المسيح يفصل بين الحياه المدنية والدين في امر اعطوا ما لقيصر لقيصر ؟ متي 22: 21 مرقس 12: 17 و لوقا 20: 25



Holy_bible_1



الشبهة



جاء في متى 22 :21:

»17فَقُلْ لَنَا: مَاذَا تَظُنُّ؟ أَيَجُوزُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ أَمْ لاَ؟» 18فَعَلِمَ يَسُوعُ خُبْثَهُمْ وَقَالَلِمَاذَا تُجَرِّبُونَنِي يَا مُرَاؤُونَ؟ 19أَرُونِي مُعَامَلَةَ الْجِزْيَةِ». فَقَدَّمُوا لَهُ دِينَارًا. 20فَقَالَ لَهُمْلِمَنْ هذِهِ الصُّورَةُ وَالْكِتَابَةُ؟» 21قَالُوا لَهُلِقَيْصَرَ». فَقَالَ لَهُمْأَعْطُوا إِذًا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا ِللهِ ِللهِ». 22فَلَمَّا سَمِعُوا تَعَجَّبُوا وَتَرَكُوهُ وَمَضَوْا. « .

وفي هذا فصلٌ بين الحياة والدين.... والتاريخ والفطرة يشهدان بعكس ذلك .



الرد



سؤال المشكك نابع عن خلفية غير مسيحية لان الانسان المسيحي يخضع للسلاطات ويحترم الملوك فيما لا يخالف وصايا الرب او اجباره في البعد عن الرب

فالمسيح ليس ملك ارضي ولكنه ملك الملوك ورب الارباب السماوي وهو الذي علمنا ان لا نقاوم السلاطين الارضيين

رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 13: 1

لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِينِ الْفَائِقَةِ، لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ، وَالسَّلاَطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ،



رسالة بولس الرسول إلى تيطس 3: 1

ذَكِّرْهُمْ أَنْ يَخْضَعُوا لِلرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينِ، وَيُطِيعُوا، وَيَكُونُوا مُسْتَعِدِّينَ لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ،



رسالة بطرس الرسول الأولى 2: 13

فَاخْضَعُوا لِكُلِّ تَرْتِيبٍ بَشَرِيٍّ مِنْ أَجْلِ الرَّبِّ. إِنْ كَانَ لِلْمَلِكِ فَكَمَنْ هُوَ فَوْقَ الْكُلِّ،

ولكن نحن نعلم ان الرب في يده مقاليد كل الامور وحتي لو كان الملك شرير جدا فالرب قادر ان يحول كل الامور للخير حتي الاضطهاد يتحول الي خير وان لم يكن ارضي فسيكون خير سماوي

رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 8: 28

وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ.



اما عن الموقف الذي ذكره في المسيح هذا العدد فهو موقف خاص اجابت المسيح كانت حكيمة جدا والحكم علي كلام المسيح بدون فهم الموقف والخلفية التاريخيه هو خطأ شديد, لان متي البشير يخبرنا انه بعد ان وبخ المسيح رؤساء الكهنة والكتبه والشيوخ وايضا الفريسيين بدؤا يتامروا عليه وحاولوا ان يقبضوا عليه ثم تشاوروا لكي يصتادوا منه كلمه تضعه في مشاكل ويعاقب بسببها

انجيل متي 22

22: 15 حينئذ ذهب الفريسيون و تشاوروا لكي يصطادوه بكلمة

الفريسيون الكلمة من الآرامية ومعناها "المنعزل" وهو إحدى فئات اليهود الرئيسية الثلاث التي كانت تناهض الفئتين الأخريين فئتي الصدوقيين والأسينيين، وكانت أضيقها رأياً وتعليماً (أع 26: 5). و الفريسيون خلفاء الحسيديين المتظاهرين بالتقوى "القديسيين" المذكورين في المكابيين (1 مك 2: 42 و 7: 3 و 2 مك 14: 6)، والذين اشتركوا في الثورة المكابية ضد انطيوخوس ابيفانس (175ـ 163 ق.م.). وقد ظهر الفريسيون باسمهم الخاص في عهد يوحنا هركانوس (135ـ 105 ق.م.)، وكان من تلامذتهم فتركهم والتحق بالصدوقيين. وسعى ابنه اسكندر ينايوس من بعده إلى إبادتهم غير أن زوجته الكساندرة التي خلفته على العرش سنة 78 ق.م. رعتهم فقوي نفوذهم على حياة اليهود الدينية وأصبحوا قادتهم في الأمور الدينية.

أما من حيث العقيدة فكانوا يقولون بالقدر ويجمعون بينه وبين إرادة الإنسان الحرّة. وكانوا يؤمنون بخلود النفس وقيامة الجسد ووجود الأرواح (أع 23: 8) ومكافأة الإنسان ومعاقبته في الآخرة بحسب صلاح حياته الأرضية أو فسادها غير أنهم حصروا الصلاح في طاعة الناموس فجاءت ديانتهم ظاهرية وليست قلبية داخلية. وقالوا بوجود تقليد سماعي عن موسى تناقله الخلف عن السلف. وزعموا أنه معادل لشريعته المكتوبة سلطة أو أهمّ منها. فجاء تصريح المسيح بأن الإنسان ليس ملزماً بهذا التقليد (مت 15: 2 و 3 و 6).

كان الفريسيون في أول عهدهم من أنبل الناس خلقاً وأنقاهم ديناً، وقد لاقوا أشدّ الاضطهاد، غير أنه على مرّ الزمن دخل حزبهم من كانت أخلاقهم دون ذلك، ففسد جهازهم واشتهر معظمهم بالرياء والعجب. فتعرضوا عن استحقاق للانتقاد اللاذع والتوبيخ القاسيفيوحنا المعمدان دعاهم والصدوقيين "أولاد الأفاعي" كما وبخهم السيد المسيح بشدة على ريائهم وادعائهم البرّ كذباً وتحميلهم الناس أثقال العرضيات دون الاكتراث لجوهر الناموس (مت 5: 20 و 16: 6 و 11 و 12 و 23: 1ـ 39). وكان لهم يد بارزة في المؤامرة على حياة المسيح (مر 3: 6 ويو 11: 47ـ 57). ومع هذا فكان في صفوفهم دوماً أفراد مخلصون أخلاقهم سامية، منهم بولس في حياته الأولى (أع 23: 6 و 26: 5ـ 7 وفي 3: 5) ومعلمه غمالائيل (أع 5: 34).



22: 16 فارسلوا اليه تلاميذهم مع الهيرودسيين قائلين يا معلم نعلم انك صادق و تعلم طريق الله بالحق و لا تبالي باحد لانك لا تنظر الى وجوه الناس

اما الهيروديسيين فهم اعداء للفريسيين هم جماعة، ليسوا طائفة دينية ولا حزباً سياسياً، كما كان يظن الناس قبلاً، بل مجرد اتباع هيرودس الكبير وخلفائه في فلسطين. غير أن صداقتهم لملكهم لم تجعلهم موظفين رسميين في بلاطه وكان لهم نفوذ واسع، وحاولوا إقناع الشعب بمولاة هيرودس وحلفائه ومولاة الرومان وحلفائهم ونظر إليهم الشعب المعادي للرومان ولهيرودس نظرة كره واحتقار. ولكن هذه النظرة لم تمنع الفريسيين أعدائهم من التحالف معهم ضد المسيح، فتآمروا معاً، الفريسيون والهيرودوسيون، ضد يسوع في الجليل (مر 3: 6) وفي القدس (مت 22: 16 و مر 12: 13). هم الذين دعوا خمير هيرودس (مر 8: 15).

وتعبير نعلم انك صادق هذا تملق ومديح للخديعة بعد ذلك. والمديح هدفه أن يفقد حذره منهم فيخطئ في كلامه.

22: 17 فقل لنا ماذا تظن ايجوز ان تعطى جزية لقيصر ام لا

وقد شرحت سابقا معني كلمة جزية والجباية في العهد القديم والجديد فهي تختلف عن المعني العربي تماما

معني كلمة جزيه

من قاموس سترونج

G2778

κῆνσος

kēnsos

kane'-sos

Of Latin origin; properly an enrolment (“census”), that is, (by implication) a tax: - tribute.

ضريبة

قاموس ثيور

G2778

κῆνσος

kēnsos

Thayer Definition:

1) census (among the Romans, denoting a register and valuation of property in accordance with which taxes were paid), in the NT the tax or tribute levied on individuals and to be paid yearly. (our capitation or poll tax)

2) the coin with which the tax is paid, tribute money

وتعني ضريبه ورسوم تسجيل او ضريبه سنويه

فاستخدامي لكلمة جزيه هنا بمعني ضريبة حسب المعني اليوناني وليس بالمعني العربي القراني اي عقاب والذل ويعطيها الانسان عن يد وهم صاغرون

وكانت الضريبة مفروضة على كل رأس وكانت مكروهة عند الفريسيين الذين إعتقدوا أنها ضد شريعة موسى، لانهم لا يجب ان يعطوا ضرائب لانسان غير يهودي أما الهيرودسيين الذين يتشيعون لهيرودس الأدومي راغبين أن يكون ملكاً على اليهودية فكانوا يرحبون بالضريبة تملقاً للرومان ولقيصر لينالوا مأربهم، لذلك كان همهم الموالاة لروما وحفظ هدوء الشعب من أي مؤامرة ضد روما. وكان هناك تذمر بين اليهود المتعصبين إذ يرفضون دفع الضريبة، وبسبب هذا قامت ثورات مثل ثورة ثوداس ويهوذا الجليلي وقد قتلهم الرومان في فترة قريبة وأنهوا ثوراتهم (أع36:5-37). والجليليين الذين تسموا بإسم يهوذا الجليلي قتلهم بيلاطس وخلط دمهم بذبائحهم (لو1:13).

والغريب هنا أن يجتمع الفريسيين والهيرودسيين على المسيح مع إختلافهم في المبادئ. فنحن يمكننا أن نتوقع هذا السؤال من الهيرودسيين فهم كانوا يجمعون الضريبة ويعطون قيصر نصيبه ويختلسون الباقي ولكن الفريسيين ممتنعون عن دفع الضريبة متذمرين ضدها، بل يعتبرون الهيرودسيين خونة ضد أمتهم وناموسهم. ولكن لأجل أن يتخلصوا من المسيح فلا مانع أن يتحدوا.

ولو أجاب المسيح بأن نعطي الضريبة لقيصر تنفر منه الجموع وتنفض من حوله وتفقد ثقتها فيه كمخلص من المستعمر ولو رفض لأعتُبِرَ مثير فتنة ضد قيصر فيجب ان يباد مثل يهوذا الجليلي وغيره وفي هذا الوقت كانوا اصتادوه بهذه الكلمه ولبدأ الجنود الرومان مطاردته كمثير فتنة وقتله هو وتلاميذه وملاحقت اتباعه في كل مكان.



22: 18 فعلم يسوع خبثهم و قال لماذا تجربونني يا مراؤون

وهنا المسيح يعلم كل شيئ ويعلم شرهم وانهم لم ياتوا ليسالوه بالفعل لغرض المعرفه والاستشاره ولكن لغرض شرير وان يصتادوه بكلمة ولهذا قال لهم علانية انهم مراؤون ليخبرهم انه كشف خبثهم وخططهم حتي لا يتجاسروا مره اخري

22: 19 اروني معاملة الجزية فقدموا له دينارا

معاملة الجزيه هي اسم عمله رومانية عليها صورة قيصر وكلمة معاملة من عملة. وكانت عادة تدفع كضريبة وكون أنهم يقدمون له الدينار فهذا إعتراف منهم أنهم تحت حكم قيصر فالعملة الجارية تظهر نظام الحكم والسلطة القائمة ويدفع منها الضريبة. عملة اليهود الشاقل بلا صورة تماماً فهم يرفضون التماثيل والشعارت الوثنية ويُسَمّى عملة القدس ويستخدم للمعاملات الدينية. وللمعاملات المدنية يستخدم معاملة الجزية.

22: 20 فقال لهم لمن هذه الصورة و الكتابة

بمعني انهم يقبلوا ان يتعاملوا بعملة عليها صورة قيصر وهذا اعلان للخضوع له فلماذا ياتوا ليجربوه ويحاولوا ان يصتادوه بكلمة ضد قيصر رغم انهم انفسهم خاضعين لقيصر ويستخدموا عملته بدل من ان يستخدموا العمله اليهودية

22: 21 قالوا له لقيصر فقال لهم اعطوا اذا ما لقيصر لقيصر و ما لله لله

المسيح كان رده حكيما جدا فهو لم يلغي دوره انه مخلص ولكن ليس ارضي بل سماوي

وايضا لم ينخدع باسلوبهم ويصبح في وضع انه مثير فتن رغم انه غير ذلك

وايضا لم يغفل ان يذكرهم بان يؤدوا حق الله في كل شيئ

هي رد على الفريسيين الذين رفضوا طاعة السلطات الحكومية وقد أمر الكتاب بطاعتها.

سفر الأمثال 24: 21

يَا ابْنِي، اخْشَ الرَّبَّ وَالْمَلِكَ. لاَ تُخَالِطِ الْمُتَقَلِّبِينَ،



ورجال الله مثل دانيال وشدرخ وميشخ وعبدناغو كانوا خاضعين لنبوخذنصر فيما عدا ما يخالف وصايا الرب

وارميا حذر كثير اليهود من التمرد علي نبوخذنصر

ولنلاحظ أن قيصر أعطاهم حكومة مستقرة وحماية وأنشأ لهم طرق فيكون من حقه الضريبة ليكمل الخدمات وبخاصه ان هذه الضريبه تساوي بين الاجناس المختلفه.

والعجيب أنه قدّم إعطاء قيصر حقّه قبل إعطاء الله حقّه. التزام المسيحي بالطاعة لقيصر أو للرؤساء وتقديم حقوق الوطن عليه من ضرائب والتزامات أخرى أدبيّة وماديّة فيه شهادة حق لحساب الله نفسه.

فليس هناك ثنائية بين عطاء قيصر حقه وعطاء الله حقه فكلاهما ينبعان عن قلب واحد يؤمن بالشهادة لله من خلال الأمانة في التزامه نحو الآخرين ونحو الله والكلمة الأصلية لإعطوا هي سددوا أو إدفعوا. فهذه الضريبة واجبة فقيصر يقدم خدمات ويمهد الطرق.

ورده اعطوا ما لله لله هذا رد على الهيرودسيين الذين ينسون واجباتهم نحو الله بجريهم وراء قيصر. والله له القلب والنفس بل الحياة كلها. الإنسان هو العملة المتداولة عند الله.



22: 22 فلما سمعوا تعجبوا و تركوه و مضوا

فهو لم يخالف الناموس بل وضحه واكد علي معناه الحقيقي ووضح انهم ايضا يخضعوا لقيصر لانهم يتعاملوا بعملة قيصر فلم يغضب منه الشعب وايضا لم يسقط في فخهم فهم لم يستطيعوا ان يصتادوه بكلمه ولم يقدروا ان يقولوا انه مخالف لقيصر مثير للفتنه

ومع كل الحكمة في إجابة المسيح هذه، وأنه لم يخطئ في حق قيصر إتهموه بأنه يفسد الأمة ويمنع أن تعطي جزية لقيصر قائلاً أنه  ملك (لو2:23)



مع ملاحظة ان هذا الموقف تكرر في

انجيل مرقس 12

12: 12 فطلبوا ان يمسكوه و لكنهم خافوا من الجمع لانهم عرفوا انه قال المثل عليهم فتركوه و مضوا

12: 13 ثم ارسلوا اليه قوما من الفريسيين و الهيرودسيين لكي يصطادوه بكلمة

12: 14 فلما جاءوا قالوا له يا معلم نعلم انك صادق و لا تبالي باحد لانك لا تنظر الى وجوه الناس بل بالحق تعلم طريق الله ايجوز ان تعطى جزية لقيصر ام لا نعطي ام لا نعطي

12: 15 فعلم رياءهم و قال لهم لماذا تجربونني ايتوني بدينار لانظره

12: 16 فاتوا به فقال لهم لمن هذه الصورة و الكتابة فقالوا له لقيصر

12: 17 فاجاب يسوع و قال لهم اعطوا ما لقيصر لقيصر و ما لله لله فتعجبوا منه



وايضا في

انجيل لوقا 20

20: 19 فطلب رؤساء الكهنة و الكتبة ان يلقوا الايادي عليه في تلك الساعة و لكنهم خافوا الشعب لانهم عرفوا انه قال هذا المثل عليهم

20: 20 فراقبوه و ارسلوا جواسيس يتراءون انهم ابرار لكي يمسكوه بكلمة حتى يسلموه الى حكم الوالي و سلطانه

20: 21 فسالوه قائلين يا معلم نعلم انك بالاستقامة تتكلم و تعلم و لا تقبل الوجوه بل بالحق تعلم طريق الله

20: 22 ايجوز لنا ان نعطي جزية لقيصر ام لا

20: 23 فشعر بمكرهم و قال لهم لماذا تجربونني

20: 24 اروني دينارا لمن الصورة و الكتابة فاجابوا و قالوا لقيصر

20: 25 فقال لهم اعطوا اذا ما لقيصر لقيصر و ما لله لله

20: 26 فلم يقدروا ان يمسكوه بكلمة قدام الشعب و تعجبوا من جوابه و سكتوا



وملاحظة ان مرقس البشير ولوقا البشير يذكرانها مباشره بعد مثال الكرامين الاشرار فيوضحا الدافع الشرير وراء هذا الفخ الذي لم يسقط فيه الرب يسوع المسيح



فكما قلت سابقا المسيحية ليست دين ودوله ولكن المسيحيه عقيده بان الرب يسوع المسيح فادينا ومخلصنا اسس لنا ملك سماوي ونحن في فترة غربه علي الارض نخضع للسلاطين بما لا يخالف الرب واثقين ان الرب سيحول اي امر للخير طالما واثقين في الرب ونؤدي عملنا بامانه



واخيرا المعني الروحي

من تفسير ابونا تادرس يعقوب واقوال الاباء

يقول القدّيس أمبروسيوس: [يلزم الخضوع له كما للرب، وعلامة الخضوع هو دفع الجزية]، وأيضًا يقول: [يركّز الرسول على أن نرُد له ليس فقط المال، بل الكرامة والمهابة[790].]

إذن ليست هنا ثنائيّة بين عطاء قيصر حقّه وعطاء الله حقّه، فإن كليهما ينبعان عن قلبٍ واحدٍ يؤمن بالشهادة لله خلال الأمانة في التزامه نحو الآخرين ونحو الله.

في هذا المبدأ أيضًا احترام الكنيسة لقيصر، تعطيه حقّه في تدبير أموره، فلا تتدخل في السياسة، وإنما تلتزم بعملها الروحي. فالكنيسة ليست دولة داخل دولة، ولا هي منعزلة عن قيصر، إنّما تحبّه وتكرمه وتعطيه حقّه. هكذا تقدّم له حقّه، لكن ليس على حساب حق الله وشهادتها له.

ويرى بعض الآباء في هذه العبارة الإلهيّة معنى رمزيًا، فإن كان قيصر يمثّل الجسد فإن الله يمثّل النفس، وكما يقول العلاّمة أوريجينوس: [لنعطِ الجسد بعض الأشياء أي الضروريّات كجزية لقيصر، أمّا الأمور الخاصة بطبيعة نفوسنا والتي تقودنا للفضيلة فيجب أن نقدّمها لله[791].] أمّا القدّيس هيلاري أسقف بواتييه فيقول: [لنرد لله ما هو لله أي نقدّم له الجسد والنفس والإرادة، عملة قيصر هي من الذهب وعليها ختم صورته، وعملة الله عليها صورته. لنعطِ المال لقيصر ولنحتفظ بالضمير الذي بلا عيب لله[792].]

ما أحوجنا أن نفتح القلب بالروح القدس للسيِّد المسيح، فيصير بكامله له، عندئذ لا نحتاج إلى مجهود في تقديم كل حياتنا له، مقدّمين ما للمسيح للمسيح. فإن تقدَّست كل الحواس وانفتحت أبوابها لتتقبّل ما هو للمسيح تقدّم كل الحياة للمسيح. أمّا إن انفتحت أبواب الحواس لمشتهيات العالم وشهواته فلا يكون فينا ما هو للمسيح لنقدّمه له، بل نقدّم ما للعالم للعالم. في هذا يقول القدّيس هيلاري: [إن كان ليس لقيصر شيء لدينا فلا نلتزم أن نرد له شيئًا، ولكن إن كنّا نعتمد عليه وننعم بمميزات حكمه نلتزم أن نرد ماله.] ليتنا إذن لا نكون مدينين لأحد بشيء، ولا للشيطان أو الخطيّة حتى لا نلتزم له برد  الضعف، إنّما نكون مدينين لله بكل عطاياه المجّانيّة ومحبّته فنقدّم له حياتنا وحبّنا.

في أسلوب آخر يقول القدّيس أغسطينوس: [كما يطلب قيصر صورته على العملة هكذا يطلب الله صورته فينا[793].] بمعنى أن من يجد صورته فينا يمتلكنا ويستعبدنا، فإن رأى الله صورته فينا لا نقدر أن نهرب منه، وإنما من حقّه أن يمتلكنا ويستعبدنا، وإن رأى العالم فينا صورته يستعبدنا ويذلِّنا تحت قدميه.

نستطيع أن نقول بأن هذا الدينار الذي أمسك به السيِّد وقد حمل ختم قيصر وكتابته ليس إلا النفس البشريّة التي حملت صورة الله ومثاله، حتى بعد سقوطها عاد الروح القدس فختمها من جديد، لتحمل صورة الملك وسجل فيها كلمته، لنلتزم أن نقدّم للملك السماوي عُملته الروحيّة تحمل صورته وكتابته. وكما أن العُملة إن أُهملت زمانًا تحتاج إلى تنظيفها لتظهر الصورة والكتابة من جديد، هكذا بالتوبة المستمرّة تظهر صورة خالقنا متجليّة في حياتنا.

ويقدّم لنا العلاّمة أوريجينوس تفسيرًا رمزيًا آخر لكلمات السيِّد هنا، إذ يقول: [يحمل الإنسان صورتين؛ الأولى استلمها من الله عند الخلقة كما يقول سفر التكوين: "على صورة الله خلقه" (تك 1: 27)، والأخرى صورة الإنسان الترابي (1 كو 15: 49) التي أخذها بسبب عصيانه وخطيَّته عند طرده من الفردوس وقد أغراه "رئيس هذا العالم" (يو 12: 31). كما أن العُملة أو الفلس بها صورة لسلطان هذا العالم، هكذا من يتمّم أعمال رئيس الظلمة (أف 6: 12) يحمل صورته. لذلك يأمر يسوع بإرجاع هذه الصورة ونزعها عنّا حتى نتقبّل الأصل الذي عليه خلقنا مشابهيّن لله. بهذا نرد ما لقيصر لقيصر وما لله لله... بنفس المعنى يقول بولس: "كما لبسنا صورة الترابي سنلبس أيضًا صورة السماوي" (1 كو 15: 49). فالقول "اِعطوا ما لقيصر لقيصر" إنّما يعني: [اتركوا صورة الترابي، اِلقوا عنكم الصورة الأرضيّة لتنعموا بصورة الإنسان السماوي، عندئذ تعطوا ما لله لله[794].]



والمجد لله دائما