«  الرجوع   طباعة  »

هل التلاميذ طبقوا اسلوب الشيوعية في الكنيسه الاولي ؟ اعمال 2: 44-45 و اعمال 4: 34-35

 

Holy_bible_1

 

الشبهة 

 

يقول في اعمال الرسل 2: 44 و كان عندهم كل شيء مشتركا . وهذا مبدأ الشيوعية وتكرر في اعمال 4: 34 ايضا . بل وصل الامر الي ان روح الرب قتل من خالف هذا النظام وابقي لنفسه شيئ من املاكه مثل حنانيا في اعمال 5: 5 

 

الرد

 

الحقيقه هذا ليس الشيوعية ولكن هذا حياة الشركه في المسيحية وهناك فرق كبير بين الشيوعية وبين حياة الشركة المسيحية 

فالشيوعية ليس فقط في الاملاك ولكن هي ايديولوجيا اجتماعية وسياسية واقتصاديه معا ولا تؤمن بوجود اله و أن الكون نشأ صدفة

فسروا الصراع بين البشر على أنه صراع بين الطبقة البروازية  و هم الطبقة الوسطى من التجار و أصحاب المهن و بين طبقة البروليتاريا  وهو الكادحين و طبقة الرأسماليين 

يحاربون الأديان و يعتبرونه أنها تخدر الشعوب و تسعى لخدمة الرأسمالية و الليبرالية 

يؤمنون بالأممية و الحكومة العالمية أي حكومة موحدة للعالم بأسره 

ينكرون دعم و توثيق الروابط الأسرية و بذلك يشجعون الرذيئلة و اختلاط الأنساب 

تؤمن أنه لا وجود لآخرة أو عقاب أو ثواب في الحياة الأخرى

تسعى لنزع الفرق بين العمال و أصحاب العمل

يحكمون الشعوب بالحديد والنار ولا مجال لإعمال الفكر ، والغاية عندهم تبرر الوسيلة 

يعتمدون على الغدر و الخيانة للتخلص من الخصوم حتى و لو كانوا من أتباعهم وخالفوا فكر الجماعة 

 

وكل هذا لايوجد فيه اي تشابه مع الكنيسة الاولي علي الاطلاق بل هو ضد الايمان المسيحي جملة وتفصيلا 

اما ما كان يفعله الرسل والمؤمنين في الكنيسة الاولي هو حياة الشركة 

 سفر اعمال الرسل 2

2: 44 و جميع الذين امنوا كانوا معا و كان عندهم كل شيء مشتركا 

2: 45 و الاملاك و المقتنيات كانوا يبيعونها و يقسمونها بين الجميع كما يكون لكل واحد احتياج 

هذا هو حياة الشركة روحيا وماديا والعطاء فالغني كان يبيع املاكه ويقسمها بينه وبين فقراء الكنيسة

ولكن نلاحظ ان هذا ليس مبدأ او فرض او نظام وضعه الرسل و لم يُلزم الرسل المؤمنين بقانونٍ معين بخصوص العطاء، بل هي اعداد وصفيه تصف ان من محبة المؤمنين لبعض وللرب صار المؤمنون يعشقون الحب الباذل والعطاء بسخاء حبًا في الله. إذ وهبهم الروح القدس ما هو لله، نسوا ما هو لهم، وحسبوا كل ما بين أيديهم لا يساوي شيئًا مقابل اقتناء اللؤلؤة الكثيرة الثمن.

فهذا ليس مبدأ مثل الشيوعية او الاشتراكية ولكن عطاء شخصي  

وهذا ليس بصفه عامه علي كل المؤمنين بل من اراد ان يحتفظ ببعض او بكثير من املاكه احتفظ بها وبقت لهم كلهم مساكنهم بل هم باعوا مقتنيات وليس كل شيئ بالكامل وقت واحد بل حسب الاحتياج كان يبيع احدهم شيئ يملكه ما يكفي الاحتياج .

وهذا الامر بصورته هذه اخذ فتره زمنية محدوده في كنيسة اورشليم ولكن عندما تشتتوا من الاضطهاد اصبحت التبرعات من كنيسه الي اخري 

وهذا الامر يستمر حتي الان في الاديره في حياة الشركه فكل الرهبان تعمل وتنتج اشياء وثمن بيع منتجات الدير هو لاحتياج الدير كوحده واحده 

وبقية الاعداد التي استشهد بها المشكك تؤكد نفس المعني 

سفر اعمال الرسل 4 

4: 32 و كان لجمهور الذين امنوا قلب واحد و نفس واحدة و لم يكن احد يقول ان شيئا من امواله له بل كان عندهم كل شيء مشتركا

الرسل باعوا املاكهم ليتفرغوا للخدمه فالرب عوضهم بانه جعل المؤمنين يفيض قلبهم بمحبة العطاء فاصبحوا يبيعوا املاكهم ويعطوا للرسل احتياجهم وتجردهم عن ممتلكاتهم سهل الكرازة لهم في كل العالم إذ لم يعودوا مرتبطين بأورشليم فهم لا يمتلكون فيها شيئاً ولهذا عندما خربت اورشليم لم يخسر المسيحيين شيئا لان الروح القدس كان ارشدهم ان يبيعوا ممتلكاتهم وينفقوا منها علي احتياجات بعض 

 والعجيب أن هذا الشعور لم يتحقق من أوامر إلهية أو قوانين كنسية أو وصايا رسولية صدرت لهم، لكنه تحقق طبيعيًا بامتلائهم من الروح القدس فصاروا أعضاء جسد المسيح القدوس، الذي بذل ذاته عن الجميع، وأخلى ذاته من أجل خلاص الكل.

4: 33 و بقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع و نعمة عظيمة كانت على جميعهم 

4: 34 اذ لم يكن فيهم احد محتاجا لان كل الذين كانوا اصحاب حقول او بيوت كانوا يبيعونها و ياتون باثمان المبيعات

وهم لم يبيعوا املاكهم مره واحده ولكن كانوا مستمرين في ذلك فكل ما يظهر احتياج يبيع احدهم من املاكه وياتوا بثمن البيع عند اقدام الرسل

4: 35 و يضعونها عند ارجل الرسل فكان يوزع على كل واحد كما يكون له احتياج

وهنا ثقة ومحبة بين المؤمنين والرسل  

4: 36 و يوسف الذي دعي من الرسل برنابا الذي يترجم ابن الوعظ و هو لاوي قبرسي الجنس

و هنا نتعرف على برنابا الذي سيرافق بولس الرسول، وأنه باع ما يمتلكه هو أيضاً وربما كانت ممتلكاته في قبرص. فاللاوى لا حق له أن يمتلك أرضاً فى إسرائيل. وغالباً كانت أملاك برنابا ضخمة تستحق الإشارة لأنه ترك كل هذا.

 4: 37 اذ كان له حقل باعه و اتى بالدراهم و وضعها عند ارجل الرسل 

ما يعجز عن تحقيقه في كل أنظمة العالم الاقتصادية والاجتماعية لتوفير احتياجات الفقراء والمعوزين تحقق طبيعيًا عندما تمتعت الجماعة بملء الروح. فصارت الأموال عند أقدام الرسل، لينال منها كل شخصٍ احتياجه بروح الأمانة والخشوع.

والحقيقه هذا شيئ رائع لو تم بطريقة الكنيسة الاولي ولكن هو ليس امر ويجب ان ينبع من محبة باذلة وليس عن فرض او عن اراده للتظاهر 

 

وهذا ما حدث مع حنانيا 

سفر اعمال الرسل 5

5: 1 و رجل اسمه حنانيا و امراته سفيرة باع ملكا

هذه القصه تمثل خيانة عخان بن كرمي الذي قبل الحرام فهلك وإنهزم الشعب بسبب خطيته أمام أعدائه، هلك حنانيا الكذاب لأن الكنيسة كانت معرضة لأن تفقد إنتصاراتها ومجدها بسبب خطية حنانيا وسفيرة. الكنيسة الآن تبدأ عهداً جديداً مع الله كما كانت إسرائيل تبدأ مع يشوع عهداً جديداً في أرضها الجديدة. وليستمر عمل الله مع شعبه لابد من عزل الخطية، وهذا ما أراد الله أن يظهره هنا. يموت عاخان وتستمر إسرائيل، ويموت حنانيا وتستمر الكنيسة. إذاً إستمرار الكنيسة مرهون بحفظ وصايا المسيح والمعنى أن من يخالف وصية المسيح يهلك ولكن الكنيسة تستمر. والقصة تشير لأن غفران الخطية بدم المسيح ليس معناه الإستهتار. كان هذا لابد وأن يحدث في بداية المسيحية حتى لا يظن أحد أن غفران الخطايا بالدم معناه الفوضى والإستهتار فالله قدوس لا يقبل الخطية. إذاً ما حدث كان لبنيان الكنيسة وكما كان بطرس حازماً هنا كان بولس حازماً مع خاطئ كورنثوس. وهكذا فعل الله في بداية اليهودية إذ أمر برجم من تعدى على السبت، ليخاف الجميع وتنتشر القداسة ولا يفهم أحد أن العلاقة مع الله. تعنى الفوضى والإستهتار.

ونلاحظ أنه لم يكن هناك إجبار لأحد أن يبيع ممتلكاته، فكل واحد حر. إذاً خطية حنانيا وسفيرة ليسا أنهما حجبا جزء من المال بل خطيتهم هي الغش والكذب علي الله وحب التظاهر والشك في عمل الروح القدس، وأنهما ظنا أنهما قادران على إخفاء شيء عن الله. وكانا سيأخذان من الصندوق المشترك كأنهما لا يملكان شيئاً وهما يمتلكان ما أخفياه.

 5: 2 و اختلس من الثمن و امراته لها خبر ذلك و اتى بجزء و وضعه عند ارجل الرسل

وُجد حنانيا ومعه زوجته سفيره يكذبان على الروح القدس، ويختلسان من ثمن الحقل الذي كان في وسعهما - إن أرادا - ألا يقدما ثمنه. 

5: 3 فقال بطرس يا حنانيا لماذا ملا الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس و تختلس من ثمن الحقل

لم يقل له: "قد جربك الشيطان" أو "أوحى إليك بالشر"، إنما يقول: "قد ملأ قلبك"، مما يشير إلى أن حنانيا قد فتح القلب لعدو الخير ولأفكاره مرة ومرات، وتركه يدخل ويملك تمامًا، فملأ القلب، ولم يعد للروح القدس موضع فيه.

هنا بطرس الرسول يوضح ان هذا عمل الشيطان من خلال حننيا وهنا الشيطان ملأ قَلْبَىْ حنانيا وسفيرة بالغش والخداع والرياء والكذب على الكنيسة وبالتالى على الروح القدس. والشيطان هو أبو الكذاب (يو 8). حنانيا بحث عن مديح الناس والشهرة والإكرام والتعظيم من الناس لا من الله. هما بحثا عن مجدهما الذاتى لا عن مجد الله. وهما أرادا الكرامة من الناس بالغش في التصرف. هما أرادا أن يربحا السماء والأرض معاً، بل هو يطالب الكنيسة بدفع قيمة ما يوازى ثمن أرضه أدبياً بينما هو مختلس من ثمن الأرض في جيبه. هنا محبة الله والمال معاً. هنا حنانيا سمح للشيطان أن يملأ قلبه بينما هو قد إمتلأ سابقاً من الروح القدس. ومعنى أنه سمح للشيطان أن يملأ قلبه أنه إنحاز للشيطان ضد الروح القدس. ومن يفسد هيكل ابن الله يفسده الله (1كو 16:3،17).

الله هنا يريد بموت حنانيا وسفيرة أن يفهم كل إنسان أن الحياة مع المسيح ليست استهتاراً وحرية خارج الوصايا فإمّا الثبات في المسيح أو الموت. وأن الله يحاسب المؤمنين على أهمال قلوبهم ونياتهم تجاه بيت الله.

هنا الله أظهر أنه إله النعمة الذي يغفر ويطهر بدمه ولكنه هو إله البر والقدوس الذي لا يحتمل الخطية. الله بنعمته يغفر لمن بتوبته يستحق الغفران ولكنه لا يغفر بل يعاقب المستهتر والمستبيح (عب 28:10-31).

وملاحظة ان موت حنانيا ليس معناه انه اشر انسان ولكن قد يترك الرب بعض السراق والزناه فتره اما حنانيا فهو كمثال اول من حاول ان يخدع الروح القدس في الكنيسة الاولي  

5: 4 اليس و هو باق كان يبقى لك و لما بيع الم يكن في سلطانك فما بالك وضعت في قلبك هذا الامر انت لم تكذب على الناس بل على الله

لم يكن على حنانيا التزام مادي كرهنٍ للأرض، ولا معه أولاد لينفق عليهم، وكان يمكنه إن أراد أن يترك ما يشاء حتى المبلغ كله، فليس من ضرورة تُلزمه بهذا التصرف. لأن المعطي بسرور يحبه الله (٢ كو ٩: ٧). وحينما طلب القديس بولس من فليمون أن يقدم عفوًا عن عبده أنسيموس الهارب لم يرد أن يكون ذلك قسرًا بل بكامل حرية إرادته (فل ١٤)، فإن الله لا يطلب العطية بل القلب. إنه لا يقبل أن يسكن في القلب المنقسم بين ملكية الله عليه وملكية إبليس، إذ لا يُسر باعوجاج الطرق، وأنصاف الحلول. فحنانيا كان ممكن ان يعلن انه احتفظ بجزء ولا يوجد اي اشكال في هذا الامر ولكنه فضل ان يكذب علي الروح القدس فعقابه ليس علي الاحتفاظ بجزء بل الكذب وايضا كلام بطرس الرسول يؤكد ان مبدأ بيع الممتلكان كان مبدأ شخصي لمن يريد وليس عن اوامر او اجبار او حتي وصيه ولكن حرية ارادة كامله وهذا يؤكد ان لا يوجد اي تشابه في هذا الامر مع الشيوعية.

توقّع حنانيا أن يسمع مديحًا من الرسل ومن المجتمعين حولهم، إن لم يكن علانية فخلال نظراتهم وحركاتهم، لكنه فوجئ باتهامٍ موجه ضده، مع صدور حكم من الروح القدس يُنفذ فورًا! لم يُطلب منه دفاع وإثبات سواء لخطيته أو لتبرئته، لأن الحكم لم يصدره إنسان، بل الروح القدس فاحص القلوب.

فالروح القدس يملأ الكنيسة ويملأ الرسل، وكل ما تعمله الكنيسة يعمله الروح، وكل ما يُعمل ضد الكنيسة يُعمل ضد الروح. وبمقارنة آية (3،4) نرى ألوهية الروح القدس، فالروح القدس هو الله، وبالتالى فالكذب على الروح القدس هو كذب على الله.

 كان يمكن للقديس بطرس أن يتحدث معه على انفراد، ويسأله أن يعترف هو وزوجته بما ارتكباه من كذب، وأن يحزم حنانيا وسفيرة الأمر بتوبتهما بغض النظر إن كانا يأخذا هذا المال ثانية أو يقدما كل المبلغ أو يعترفا أمام الجميع أنه ليس بكامل الثمن، لكن الروح القدس يعلم أن قلبيهما امتلأ شرًا، ولعل هذا الحدث جاء لملء كأس شر عاشا فيه زمانًا، ولم تعد هناك فرصة للتوبة وروح الله يعلم انه حتي لو ترك له فرصه للتوبه لن يتوب لان قلبه مملوء بالشيطان فقط وهو باختياره اختار الشيطان.

ولهذا عبر بكلمة ملأ الشيطان قلبك اي ان الروح القدس يعرف هل له فرصه للتوبه ام لا ووجد انه لا يوجد له فرصه للتوبه لانه سلم ملئ قلبه للشيطان وحتي اعطاؤه وقت لن يفيد شيئ في خلاصه ولهذا قرر الروح القدس ان يموت في الحال ليكون عبره لمن يخون الروح القدس عن قصد وعمد واصرار ورفض للتوبة. 

5: 5 فلما سمع حنانيا هذا الكلام وقع و مات و صار خوف عظيم على جميع الذين سمعوا بذلك 

يرى البعض أن صدور هذا الحكم الذي يبدو لنا أنه سريع كان بسبب مركز حنانيا فهو مثل يهوذا، إذ يرى لايتفوتLightfoot أنه كان من المائة والعشرين الذين حضروا يوم الخمسين، وكان له دور فعّال للشهادة، لكن قلبه لم يكن مستقيمًا، ولا تجاوب مع الروح القدس. هنا تظهر خطورة القائد في الكنيسة، متى نال موهبة الخدمة بالروح القدس، لكنه لم يسلك بروح الله.

حينما يخطيء الإنسان، أيا كانت خطيته، فإن أبواب الرجاء مفتوحة أمامه، يقوده إليها الروح القدس بالتوبة. أما من يكذب على الروح القدس في تصميم وتنفيذ عملي، فإنه يعطي ظهره للروح القدس الذي يبكت على خطية، فلا تجد التوبة لها موضعًا فيه. خطية الكذب تفسد الإنسان، وتنقله من البنوة لله إلى البنوة لإبليس الكذاب وأب الكذابين (يو ٨: ٤٤)

فالعهد الجديد يكلمنا عن الايمان العامل برجاء المحبة في مخافة الله فبالطبع نحب الرب ونعمل لاجله ولكن لا ننسي مخافة الله 

 

فمن هذا تاكدنا ان العطاء وبيع الممتلكات لم يكن اجبار او وصيه ولكن بدافع المحبه فقط ولا يتشابه هذا باي حال من الاحوال مع الشيوعية وايضا ما حدث مع حنانيا ليس عقاب لانه احتفظ ببعض المبلغ ولكنه لانه خان الروح القدس نفسه 

 

واخيرا بعض المعاني الروحية 

من تفسير ابونا تادرس يعقوب واقوال الاباء

v    "الشيطان" ومعناه "مخاصم"؛ وفي العبرية معناه "يجول ذهابًا وإيابًا". يقول عنه الرسول بطرس: "يجول ملتمسًا من يبتلعه". (1 بط 5: 8) ولما سأله الله من أين أتى أجاب: "من الجولان في الأرض ومن التمشي فيها". (أي 1: 7)

v     ينبغي أنتعرفوا بأننا نصير أجسادًا لهم (الشياطين) حينما تقبل نفوسنا أفكارهم المظلمة الشريرة، وعندما يصيرون هم ظاهرين بواسطة جسدنا الذي نسكن فيه[242].

v     تعمل الشياطين خفية، ونحن نجعلهم ظاهرين بواسطة أعمالنا[243].

القديس أنبا أنطونيوس الكبير

لما كان عدو الخير لا يهدأ من الجولان في الأرض ليحطم النفوس، فإن الله في محبته يبحث عن هذه النفوس حتى لا تهلك، إذ "أعين الرب الجائلة في الأرض كلها" (زك 4: 10)، وجاء رب المجد "يجول يصنع خيرًا". (أع 10: 38)

v     خطط إبليس لا أن يسحبنا من البركات التي لدينا، إنما يحاول أن يسحبنا إلى جرف صخري أكثر اندفاعًا. لكن الله في محبته لم يفشل في الاهتمام بالبشرية.

لقد أظهر لإبليس كيف أنه غبي في محاولاته. لقد أظهر للإنسان عظم العناية التي يظهرها الله له، فإنه بالموت وهب الإنسان الحياة الأبدية. لقد سحب إبليس الإنسان من الفردوس، قاده الله إلى السماء. فإن النفع أكثر بكثير من الخسارة[244].

القديس يوحنا الذهبي الفم

v    لم يوبخ القديس بطرس حنانيا لأنه لم يقدم المبلغ كله، إنما وبخه على الغش والكذب. لقد قدم جزءً من الثمن على أنه ثمن الحقل كله، وبهذا يتمكن من أن يأخذ من الصندوق العام ما هو لمعيشته هو وأسرته، فأراد أن يقتني المال مع المديح وينهب مما لا حق له فيه.

لعل حنانيا وسفيرة ظنا أنهما أحكم من كل الموجودين لأنهما يقدمان نصيبًا مما لديهما ويحجزا ما تبقى خفية خشية الأيام الصعبة أو الاحتياج. لم يثقا في كلمة الله ووعده وعنايته بهما، فانقسم قلب كل منهما بين خدمة الله والاهتمام بالزمنيات.

خطيتهما أنهما ظنا بأنهما قادران أن يخدعا الرسل وكل الكنيسة بأنهما تقيان، قدما كل ما عندهما، ولم يعلما أنهما إنما وجها هذا العمل ضد الروح القدس قائد الكنيسة الذي لا تُخفى عنه القلوب.

بعدما تمتع حنانيا بالروح القدس فتح باب قلبه للشيطان حتى يملأه ويملك عليه، فانحاز للشيطان ضد الروح القدس.

v     يوجد فرق بين الأنبياء القدامى والأنبياء الحديثين هكذا: تنبأ القدامى عن خلاص إسرائيل، ودعوة الأمم، وتجسّد المسيح، بينما يتنبّأ الأنبياء المحدثون عن أمور معيّنة أو شعب معيّن كما تنبّأ بطرس عن حنانيا كمثالٍ[245].

v     هل غضب بطرس، طالبًا موت حنانيا وسفيرة؟ قطعًا لا، إنما أراد الله ألا يهلك الآخرون باقتدائهم بهما[246].

v     لقد هلك لأنه خدع، وكان يمكنه ألا يقدم شيئًا بالمرة دون ممارسة الخداع. لكنه إذ دخل بالخداع إلى العمل لم ينتفع بحريته بل دفع ثمن خداعه[247].

القديس أمبروسيوس

لم تكن خطية حنانيا في احتفاظه بجزء من المبلغ، بل في كذبه وريائه حيث أراد أن يظهر كمن كرس حياته وممتلكاته بالكامل لله، بينما يحتفظ في قلبه بمحبة المال وملكية عدو الخير عليه. إنها خطية التكريس الصوري المزيف، إذ كذب على الله فاحص القلوب.

v     كان حنانيا فقيرًا عندما باع أرضه وقدم المال للرسل، إذ لم يكن قادرًا أن يفي بالدين بل شغل نفسه بالأكثر (بالمال). وكانت الأرملة غنية، هذه التي قدمت فلسين في الخزانة، التي قال عنها المسيح: "هذه الأرملة الفقيرة ألقت أكثر من الجميع" (لو21: 3). فإن الله لا يطلب مالاً بل إيمانًا[248].

القديس أمبروسيوس

v     يجب على كل أحدٍ أن يعطى اهتمامًا عظيمًا لئلا يسلبه "الكذب"، لأن الكذاب لا يتحد مع اللّه.

الكذاب غريب عن اللّه. ويقول الكتاب المقدس بأن الكذاب هو من الشيطان إذ هو "كذاب وأبو الكذاب" (يو 44:8).

هكذا ُدعي الشيطان أبو الكذاب، أما الحق فهو اللّه، إذ يقول بنفسه: "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو 6:14).

أما ترون إذن كيف أننا نصير غرباء عن اللّه بالكذب وبمن نتحد (عن طريقه)؟! لذلك إن أردنا بحق أن نخلص، يلزمنا أن نحب الحق بكل قوتنا وكل غيرتنا، ونحرس أنفسنا من كل كذب، حتى لا يفصلنا عن الحق والحياة.

الأب دوروثيؤس

v     وعد حنانيا الله أن يعطيه كل أمواله مترجيًا أن ينال مجدًا من الناس. لكن بحجزه جزءٍ من ثمن بيعه لممتلكاته لم يجنِ سوى غضب الله، من خلال كذبه على بطرس الرسول، ولم يكن في قلبه مكان للتوبة[249].

القديس باسيليوس الكبير

لم تشغل قلوب الرسل كميات الأموال التي تقدم عند أرجلهم، لكن ما كان يشغلهم الحب الذي في قلوب المؤمنين. لهذا فبروح القوة أراد الرسول أن ينتزع قناع الرياء الذي ارتداه حنانيا ليخفي محبة العالم التي سيطرت على قلبه. لم يشغله المال، بل النفوس لئلا تهلك حتى ولو قدمت أموالاً كثيرة للخدمة الكنسية في أية صورة من صورها.

v    جاءت كلمة "اختلس" هنا في اليونانية ذاتها التي ترجمت "خان" بالنسبة لعخان بن كرمي (يش 7: 1).

v     من يبيع ممتلكاته لأنه يحتقرها ويطلب جحد العالم يمكنه ألا تكون رغبته في بيعها كما لو كانت أمرًا عزيزًا لديه. لتعتبر ما تنفقه على ثوب عرسك كمن يقتني مالاً.

يوجد قول قديم أن البخيل يفقد بقدر ما يحتفظ به من مال كأنه لا يملكه.

المؤمن يملك عالم الغنى كله، وغير المؤمن ليس لديه فلس واحد.

لنحيا دومًا كمن لا يملك شيئًا، ونحن نملك كل شيء (2 كو 6: 10).

القوت والكسوة هما ثروة المسيحي (1 تي 6: 8).

إن كانت ممتلكاتك في سلطانك بعها، وإن لم تكن فأطردها[250].

القديس جيروم

 

والمجد لله دائما