«  الرجوع   طباعة  »

ما هو التعبير الصحيح الذي قاله يوحنا المعمدان عن المسيح ؟ متي 3: 11 و مرقس 1: 7 و لوقا 3: 16 و يوحنا 1: 27 و اعمال 13: 25

 

Holy_bible_1

 

الشبهة

 

ما هو التعبير الصحيح الذي قاله يوحنا المعمدان عن المسيح لان كل انجيل كتب تعبير مختلف 

متي 3: 11انا اعمدكم بماء للتوبة و لكن الذي ياتي بعدي هو اقوى مني الذي لست اهلا ان احمل حذاءه هو سيعمدكم بالروح القدس و نار 

مرقس 1: 7 كان يكرز قائلا ياتي بعدي من هو اقوى مني الذي لست اهلا ان انحني و احل سيور حذائه  

لوقا 3: 16  اجاب يوحنا الجميع قائلا انا اعمدكم بماء و لكن ياتي من هو اقوى مني الذي لست اهلا ان احل سيور حذائه هو سيعمدكم بالروح القدس و نار 

انجيل يوحنا 1: 27 هو الذي ياتي بعدي الذي صار قدامي الذي لست بمستحق ان احل سيور حذائه فايهما هو الصحيح 

يحمل حذاءه ام يحل سيور حذاؤه 

هل قار صار قدامي ام لم يقل 

 

الرد

 

للاسف يقول هذه الشبهات من لا يعرفون الفكر المسيحي فهم مقتنعين بالوحي الاملائي اي انه الههم كتب كل كلمة في لوح حجري ويرسل ملاك بجملة تلو الاخري لفظية من هذا اللوح الحجري الي الرسول ولكن كما شرحت سابقا الوحي في المسيحيه يختلف عن ذلك تماما فهو تفاعل بين روح الله القدوس ورجال الله القديسين الذين يكتبون الوحي مسوقين بالروح القدس فكل منهم يعبر باسلوبه ولكن الروح القدس يجعل تعبيراتهم صحيحه لاهوتيا ودقيقه في المعني وليس الحرف لان الحرف يقتل ولكن الروح يحيي فكل كاتب بالوحي يكتب باسلوبه وبتعبيره ما يستلمه من الروح القدس والروح القدس يقوده في اثناء كتابات هذه التعبيرات فتكون صحيحه. 

فالاربعه اناجيل هي كتابات موحي بها من الله لم يلغي فيها الله شخصيتهم ولكن قادهم ولا يوجد عندنا فكرة الاملاء الحرفي التي تلغي فيها شخصية الكاتبه وتجعله مثل الاحجار.فهم كتبوا بفكرهم ساقين بالروح القدس ولهذا تعبيراتهم تختلف باختلاف اسلوب كل كاتب ولكن تتفق في المعني والمضمون والروح. فهم لم يقدموا حرف كلام يوحنا المعمدان ولكن معني كلامه. 

الامر الاخر المهم ان يوحنا المعمدان لم يقل هذا مره واحده ولكن هذا ما كان يبشر به فتره زمنية ويكرره باساليب مختلفة نفس المعني فما نقله لنا المبشرين الاربعة وايضا سفر اعمال الرسل هو ملخص لتعبيرات يوحنا المعمدان الكثيره عن المسيح

الامر الثالث هو ان يوحنا المعمدان كان يتكلم الارامية اللغه السائدة في هذه المنطقة في هذا الوقت ولكن المبشرين الاربعة يكتبون باليونانية للعالم كله ويوجد فرق بين الارامية واليونانية لهذا اسلوب ترجمتهم يختلف عن بعضهم بعضا لكلام يوحنا المعمدان  

وندرس الاعداد معا وسياقها ومتي قيلت 

انجيل متي 3

3: 1 و في تلك الايام جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية 

3: 2 قائلا توبوا لانه قد اقترب ملكوت السماوات 

3: 3 فان هذا هو الذي قيل عنه باشعياء النبي القائل صوت صارخ في البرية اعدوا طريق الرب اصنعوا سبله مستقيمة 

3: 4 و يوحنا هذا كان لباسه من وبر الابل و على حقويه منطقة من جلد و كان طعامه جرادا و عسلا بريا 

3: 5 حينئذ خرج اليه اورشليم و كل اليهودية و جميع الكورة المحيطة بالاردن 

3: 6 و اعتمدوا منه في الاردن معترفين بخطاياهم 

3: 7 فلما راى كثيرين من الفريسيين و الصدوقيين ياتون الى معموديته قال لهم يا اولاد الافاعي من اراكم ان تهربوا من الغضب الاتي 

3: 8 فاصنعوا اثمارا تليق بالتوبة 

3: 9 و لا تفتكروا ان تقولوا في انفسكم لنا ابراهيم ابا لاني اقول لكم ان الله قادر ان يقيم من هذه الحجارة اولادا لابراهيم 

3: 10 و الان قد وضعت الفاس على اصل الشجر فكل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع و تلقى في النار 

3: 11 انا اعمدكم بماء للتوبة و لكن الذي ياتي بعدي هو اقوى مني الذي لست اهلا ان احمل حذاءه هو سيعمدكم بالروح القدس و نار 

3: 12 الذي رفشه في يده و سينقي بيدره و يجمع قمحه الى المخزن و اما التبن فيحرقه بنار لا تطفا 

3: 13 حينئذ جاء يسوع من الجليل الى الاردن الى يوحنا ليعتمد منه 

اذا هذا الكلام قاله يوحنا المعمدان قبل بداية خدمة المسيح وقبل ان ياتي المسيح من الجليل ليتعمد 

وهو قاله للفريسيين والصدوقيين 

وهو يقوله معاتبا لهم ومنذرا 

وهو يتنبأ عن معمودية المسيح لابناؤه بالروح القدس والنار 

 

انجيل مرقس 1

1: 4 كان يوحنا يعمد في البرية و يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا 

1: 5 و خرج اليه جميع كورة اليهودية و اهل اورشليم و اعتمدوا جميعهم منه في نهر الاردن معترفين بخطاياهم 

1: 6 و كان يوحنا يلبس وبر الابل و منطقة من جلد على حقويه و ياكل جرادا و عسلا بريا 

1: 7 و كان يكرز قائلا ياتي بعدي من هو اقوى مني الذي لست اهلا ان انحني و احل سيور حذائه 

1: 8 انا عمدتكم بالماء و اما هو فسيعمدكم بالروح القدس 

1: 9 و في تلك الايام جاء يسوع من ناصرة الجليل و اعتمد من يوحنا في الاردن 

هذا حدث قبل بداية خدمة المسيح وقبل ان ياتي ليتعمد 

ولكن هذا الكلام هو نص بشارته الذي يكرره وليس للصدوقيين والفريسيين فقط بل الذي يكرره كل يوم 

وهو يتنبأ عن معمودية الروح القدس 

ونقف عند نقطتين الاولي وهي انه مع الفريسيين قال لا استحق ان احمل حذاؤه ومع بقية عموم اليهود قال لست اهلا ان انحني واحل سيور حذائه 

لان تعبير حمل الحذاء هو تعبير تواضع امام ملك الملوك ورب الارباب لان حمل الحذاء هو للملك علامة خضوع 

وايضا تعبير احل سيور حذاء هو تعني ضيافه وقبول لان حل سيور الحذاء هو تعبير عندما يستضيف احدهم في بيته شخصيه عظيمه فيحل سيور حذاؤه ويقدم له ماء للغسل 

فالتعبيرين فيهما تواضع وتوضيح مكانه المسيح العظيمه التي هيل اعلي من اي ملك ارضي ولكت الاول مناسب للفريسيين المتكبرين ليخضعوا لرئاسة المسيح والثاني مناسب للشعب ليقبلوا المسيح 

والتعبير الثاني هو للفريسيين قال روح قدس ونار ومع عامة الشعب قال الروح القدس وذلك لان الروح القدس يقصد بها المعمودية ولكن خصص الروح القدس والنار للفريسيين والصدوقيين والرؤساء لان النار التي تحرق الخطايا والمتكبرين فهو فيه انذار ولكن لعامة الشعب يتكلم عن معمودية الروح القدس لانهم ليسوا متكبرين مثل الفريسيين  

 

انجيل لوقا 3

3: 1 و في السنة الخامسة عشر من سلطنة طيباريوس قيصر اذ كان بيلاطس البنطي واليا على اليهودية و هيرودس رئيس ربع على الجليل و فيلبس اخوه رئيس ربع على ايطورية و كورة تراخونيتس و ليسانيوس رئيس ربع على الابلية 

3: 2 في ايام رئيس الكهنة حنان و قيافا كانت كلمة الله على يوحنا بن زكريا في البرية 

3: 3 فجاء الى جميع الكورة المحيطة بالاردن يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا 

3: 4 كما هو مكتوب في سفر اقوال اشعياء النبي القائل صوت صارخ في البرية اعدوا طريق الرب اصنعوا سبله مستقيمة 

3: 5 كل واد يمتلئ و كل جبل و اكمة ينخفض و تصير المعوجات مستقيمة و الشعاب طرقا سهلة 

3: 6 و يبصر كل بشر خلاص الله 

3: 7 و كان يقول للجموع الذين خرجوا ليعتمدوا منه يا اولاد الافاعي من اراكم ان تهربوا من الغضب الاتي 

3: 8 فاصنعوا اثمارا تليق بالتوبة و لا تبتدئوا تقولون في انفسكم لنا ابراهيم ابا لاني اقول لكم ان الله قادر ان يقيم من هذه الحجارة اولادا لابراهيم 

3: 9 و الان قد وضعت الفاس على اصل الشجر فكل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع و تلقى في النار 

3: 10 و ساله الجموع قائلين فماذا نفعل 

3: 11 فاجاب و قال لهم من له ثوبان فليعط من ليس له و من له طعام فليفعل هكذا 

3: 12 و جاء عشارون ايضا ليعتمدوا فقالوا له يا معلم ماذا نفعل 

3: 13 فقال لهم لا تستوفوا اكثر مما فرض لكم 

3: 14 و ساله جنديون ايضا قائلين و ماذا نفعل نحن فقال لهم لا تظلموا احدا و لا تشوا باحد و اكتفوا بعلائفكم 

3: 15 و اذ كان الشعب ينتظر و الجميع يفكرون في قلوبهم عن يوحنا لعله المسيح 

3: 16 اجاب يوحنا الجميع قائلا انا اعمدكم بماء و لكن ياتي من هو اقوى مني الذي لست اهلا ان احل سيور حذائه هو سيعمدكم بالروح القدس و نار 

3: 17 الذي رفشه في يده و سينقي بيدره و يجمع القمح الى مخزنه و اما التبن فيحرقه بنار لا تطفا 

3: 18 و باشياء اخر كثيرة كان يعظ الشعب و يبشرهم 

وهنا لوقا البشير يؤكد ان يوحنا المعمدان لم يقل هذا التعبير فقط بل كان يوعظ باشياء كثيره ومختلفه ذكر بعض منها ولم يذكر كل شيئ كان يقوله وهو تكلم في مواقف كثيره مرات كثيره مع الشعب والجموع المختلفة ومرات مع الفريسيين ومرات مع العشارين ومرات مع جند 

وفي كلامه مع الشعب كان يقول لهم انه لا يستحق ان يحل سيور حذاؤه وفي المرات التي يتكلم فيها مع الرعاة كان يقول لهم ان المسيح سيعمد بالروح القدس والنار 

مع ملاحظة شيئ اخر ان متي البشير يكلم اليهود فهم يفهمون تعبير حمل الحذاء فقد جاء في التلمود أن التلميذ يجب أن يقوم لمعلمه بكل الخدمات التي يقوم بها الخادم لسيده ما عدا حل سيور حذائه 

اما مرقس يكلم الرومان ولوقا يكلم اليونان فهم يفهمون تعبير حل السيور للقادة والملوك. 

وايضا لوقا البشير يختلف عن مرقس البشير لان مرقس البشير يتميز اسلوبه بالاختصار مع توضيح المعني في كلمات قليلة اما لوقا البشير المدقق فيميل الي التفصيل مع توضيح ابعاد اكثر 

المهم ان لوقا البشير اكد ان يوحنا تكلم مرات كثيره بكلمات مختلفه لكل مجموعه ولكن المضمون واحد فلهذا من يقول لماذا اختلف كلام يوحنا في الاربع اناجيل لان يوحنا لم يتكلم مره واحده فقط 

 

انجيل يوحنا 1

1: 19 و هذه هي شهادة يوحنا حين ارسل اليهود من اورشليم كهنة و لاويين ليسالوه من انت 

1: 20 فاعترف و لم ينكر و اقر اني لست انا المسيح 

1: 21 فسالوه اذا ماذا ايليا انت فقال لست انا النبي انت فاجاب لا 

1: 22 فقالوا له من انت لنعطي جوابا للذين ارسلونا ماذا تقول عن نفسك 

1: 23 قال انا صوت صارخ في البرية قوموا طريق الرب كما قال اشعياء النبي 

1: 24 و كان المرسلون من الفريسيين 

1: 25 فسالوه و قالوا له فما بالك تعمد ان كنت لست المسيح و لا ايليا و لا النبي 

1: 26 اجابهم يوحنا قائلا انا اعمد بماء و لكن في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه 

1: 27 هو الذي ياتي بعدي الذي صار قدامي الذي لست بمستحق ان احل سيور حذائه 

1: 28 هذا كان في بيت عبرة في عبر الاردن حيث كان يوحنا يعمد 

هذه المره التي يتكلم عنها يوحنا هي تختلف عن المرات التي ذكرها المبشرين الثلاثه فهو يتكلم عن بعثة الكهنة واللاويين الرسمية التي ارسلها له المجمع اليهودي لان متي تكلم عن الفريسيين الذي جاؤا ليعتمدوا ومرقس يتكلم عن الجموع ولوقا يتكلم عن انواع كثيرة مثل العشارين والجموع والجنود وغيرهم اما هذه البعثة التي يتكلم عنها يوحنا الحبيب لم تاتي لكي تتعمد علي يده بل لكي تساله رسميا فاجابته هنا شهاده رسمية وليست وعظ 

ولهذا قال لهم شيئ لم يقله للجموع وهو ان المسيح بالفعل قائم اي انه موجود فهو ولد وبدأ يستعد لبداية خدمته. 

وايضا لانه يكلم هذه اللجنه التي تفهم النبوات جيدا ذكر لهم انه هو هو الملاك الذي يعد طريق الرب الذي تنبأ عنه اشعياء 40 وملاخي 

وايضا يوضح لهم بعد اخر عن المسيح ان كينونته قبل يوحنا رغم انه يظهر بعد يوحنا المعمدان  

وايضا يوحنا الحبيب يوضح في انجيله خبث هذه اللجنه وهي لم تاتي لتتعلم بل لكي تصتاد خطأ من يوحنا المعمدان ليدينوه فسؤالهم يحمل التهم الاتية  

1- التهمة الأولى: أنه يعمد بدون إذن السنهدريم، فكأنه سحب منهم سلطانهم.

2- التهمة الثانية: هم كانوا يعمدون الأمم في حالة إنضمامهم لليهودية، فكيف يعمد المعمدان الشعب المقدس وهو ليس المسيا. هم يريدون إلصاق تهمة إهانة الأمة اليهودية له لكنهم لم يتخذوا قرارًا ضده بسبب محبة الشعب له بالرغم من رفضهم له، لذلك أحرجهم سؤال المسيح لهم "معمودية يوحنا من السماء كانت أم من الناس (مر30:11) 

3-التهمة الثالثة: انه لو قال انه ليس المسيح فهو ينطبق عليه التهمتين الاولي والثانية ولو قال انه المسيح فيستطيعون ان يثبتوا انه لا تنطبق عليه النبوات لانه من سبط هارون وليس من سبط يهوذا وغيرها الكثير فيصتادوه بانه يدعي كذبا انه المسيح.

 

الشاهد الخامس هو في

سفر اعمال الرسل 13

13: 24 اذ سبق يوحنا فكرز قبل مجيئه بمعمودية التوبة لجميع شعب اسرائيل 

13: 25 و لما صار يوحنا يكمل سعيه جعل يقول من تظنون اني انا لست انا اياه لكن هوذا ياتي بعدي الذي لست مستحقا ان احل حذاء قدميه 

هنا معلمنا بولس الرسول يلخص كلام يوحنا المعمدان مع توضيح ان يوحنا تكلم كثيرا فهو كان يسعي ويعمد ويقول هذه الكلمات باساليب مختلفة

وايضا معلمنا بولس الرسول يكلم اليهود فيقول احل حذاء قدميه فهو يجمع الاثنين يحل الحذاء لحمله وايضا يحل سيور الحذاء 

 

واخيرا المعني الروحي

من تفسير ابونا تادرس يعقوب واقوال الاباء

يقول القدّيس مار يعقوب السروجي: [المعموديّة هي الكور العظيم الممتلئ نارًا، فيها يُسبك الناس ليصيروا غير أموات[117].]

يقول القدّيس كبريانوس: [إنها المعموديّة التي فيها يموت الإنسان القديم، ويولد الإنسان الجديد كما يُعلن الرسول مؤكّدًا أنه خلصنا بغسل التجديد[118].]

يرى القدّيس يوحنا المعمدان أنه غير مستحق أن يحمل حذاء السيّد المسيح، وفي موضع آخر يُعلن أنه غير مستحق أن يحلّ سيور حذائه (يو 1: 27)، ماذا يعني بهذا؟ إن كان كلمة الله غير المُدرَك قد صار كمن يلبس حذاء بتجسّده، إذ صار كواحدٍ منّا يسير بيننا، فإن القدّيس يوحنا يُعلن أنه غير مستحق أن يحمل هذا السرّ الفائق الذي للتجسّد، ولا أن يحلّ أختامه (سيوره) إذ لا يمكن التعبير عنه.

يقول الأب غريغوريوس (الكبير): [من لا يعرف أن الحذاء يُصنع من جلد الحيوانات الميّتة؟! إذ صار الرب متجسّدًا، يظهر بين الناس كمن هو محتذي، إذ لبس لاهوته غطاءً قابلًا للموت لذلك يقول النبي: "على أدوم أطرح نعلي" (مز 60: 8). لقد أُشير للأمم بأدوم... خلال الجسد صار معروفًا لدى الأمم، كما لو أن اللاهوت قد جاء إلينا بقدم محتذي. لكن لا يمكن للعين البشريّة أن تخترق سرّ التجسّد. فإنه ليس من طريق به يتحقّق إدراك كيف صار الكلمة متجسّدًا، وكيف انتعش الروح العلوي واهب الحياة داخل أحشاء أم، وكيف حُبل بذاك الذي بلا بداية وصار إلى الوجود. إذن فسيور الحذاء إنّما هي أختام السرّ. لم يكن يوحنا مستحقًا أن يحلّ حذاءه إذ كان عاجزًا عن البحث في سرّ تجسّده... إني أعرف أنه وُلد بعدي، لكنّني أعجز عن فهم سرّ هذا المولود. انظر! فإن يوحنا الممتلئ بالروح - روح النبوّة - والمستنير بالمعرفة يُعلن أنه لا يعرف شيئًا بخصوص هذا السر[119].]

سر نجاح القدّيس يوحنا المعمدان هو تواضعه؛ فبقوله إنه غير مستحق أن يحلّ سيور حذاءه يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم كأنما يقول: [إنه عالٍٍ عليِّ جدًا، ولا استحق أن أُحسب أقل عبد عنده، فإنّ حلّ سيور الحذاء هي أكثر الأعمال وضاعة[120].]

بعد أن طالبهم بالتوبة العمليّة الحاملة للثمر الروحي، مقدّمًا لهم المعموديّة كسِّر صلب إنسانهم العتيق والتمتّع بالحياة الجديدة، متّحدثًا في تواضع أنه غير مستحق إدراك أسرار الحمل الفائق، أوضح مجيء هذا الحمل كديّان

يعلن القديس يوحنا أنه غير مستحق أن يمد يده ليحل سيور حذائه، وكما سبق فرأينا أن في هذا إشارة إلى إعلانه عن عجزه لإدراك سرّ تجسده، كيف صار كلمة الله إنسانًا[35].على أي الأحوال لقد أحنى السيد المسيح رأسه تحت هذه اليد المتواضعة ليكمل كل برّ، وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [اليدّ التي أكد أنها غير مستحقة أن تمس حذائه سحبها المسيح على رأسه[36]!]

يقول القدِّيس يوحنا ذهبي الفم: [هذا هو دور الخادم الأمين ليس فقط لا ينسب لنفسه كرامة سيِّده، بل يمقت ذلك عندما يقدِّمها له كثيرون[146].] 

يقول العلامة أوريجينوس: [كان كل الشعب معجبًا به ويحبُّه، فمن المؤكَّد أن يوحنا كان إنسانًا غريبًا يستحق إعجابًا شديدًا من كل الناس، فقد كانت حياته مختلفة تمامًا عن بقيّة الناس... فمحبَّتهم له كان لها ما يبرِّرها، لكنهم تجاوزوا الحد المعقول في محبَّتهم، إذ تساءلوا إن كان هو المسيح. والرسول بولس كان يخشى مثل هذا الحب غير الروحي الذي غيَّر موضعه، إذ يقول عن نفسه: "ولكن أتحاشى لئلاّ يظن أحد من جِهتي فوق ما يراني أو يسمع منِّي، ولئلاّ أرتفع من فرط الإعلانات" (2 كو 12: 6-7)... وأنا نفسي أتألّم من هذه المغالاة في كنيستنا، فالغالبيّة يحبُّونني أكثر ممَّا اَستحق ويمدحون أحاديثي وتعاليمي... وإن كان البعض على العكس ينتقد وعظنا وينسبوا إليّ آراء ليست لي... فإن الذين يبالغون في حبِّنا والذين يبغضوننا كلاهما لا يحتفظون بقانون الحق، هؤلاء يكذبون في حبِّهم المُبالغ وأولئك في كراهيَّتهم، لذلك يجب أن نضع ضوابط للحب ولا نتركه في حريّة يحملنا هنا وهناك... فقد جاء في سفر الجامعة: "لا تكن بارًا كثيرًا ولا تكن حكيمًا بزيادة، لماذا تخرب نفسك؟!" (جا 7: 16).... فلا تحب إنسانًا "من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوَّتك"، ولا تحب ملاكًا هكذا من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوَّتك، إنما أتبع كلام الرب واحفظ تعليمه: "تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ومن كل فكرك" (لو 10: 27).]

ويقول القدِّيس أمبروسيوس: [لم يقصد يوحنا بهذه المقارنة إثبات أن المسيح أعظم منه، فليس من وجه للمقارنة بين الله وإنسان... يوحنا لم يشأ أن يقارن نفسه بالمسيح إذ قال: "لست مستحقًا أن أحل سِيور حذائه"... ربَّما أراد القدِّيس يوحنا أن ينقص من شأن الشعب اليهودي بقوله: "ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص" (يو 3: 30)، كان ينبغي أن ينقص الشعب اليهودي حتى يزداد الشعب المسيحي في المسيح.]

يقول القدِّيس كيرلس الكبير: 

[دُهش الناس لما رأوا من الجلال الرائع في عيشة يوحنا الهادئة، عظمة أخلاق وسِمو تقوى وصلاح، فقد هال الشعب اليهودي سِمو يوحنا ورُقيِّه في عيشته وتعاليمه، حتى ظنَّوا أنه لابد وأن يكون المسيح الذي أشار إليه الناموس بمختلف الرموز، ووصفه كثير من الأنبياء والرسل، إلا أن يوحنا سرعان ما لاحظ ظنونهم حتى وقف يبدِّدها بحزمٍ وعزمٍ، فأعلن في غير لبس أنه ما هو إلا خادم لسيِّده، وأن المجد والكرامة والسجود والعظمة لا تليق إلا بالمسيح الذي اسمه يفوق كل اسم.

عَلَم يوحنا أن المسيح أمين لكل من يخدمه، فما على الخادم إلاّ أن يعلن الحق والصدق، إذ الفرق شاسع بين الخادم وسيِّده، أي بين يوحنا والمسيح ولذلك يقول: "أنتم أنفسكم تشهدون لي أني قلت لست أنا المسيح بل أني مرسل أمامه" (يو 3: 28)، فحقًا أن يوحنا عظيم في رسالته وعظيم في شهادته، فقد كان رائع الجلال ككوكب الصباح الذي يعلن شروق الشمس من وراء الأفق.

أراد يوحنا أن يثبت للملأ أنه دون سيِّده مرتبة ومقامًا، فقال: "أنا أعمِّدكم بماء، ولكن يأتي من هو أقوى منِّي الذي لست أهلًا أن أحل سيور حذائه" (3: 16).

حقًا أن الفرق شاسع بين المسيح ويوحنا، بل لا تصح المقارنة بينهما، ولذلك صدَق المعمدان المغبوط رغمًا عن سِمو فضيلته وكريم خلقه بأنه "غير أهل لأن يحل سِيور حذائه"، لأنه إذا كانت القوَّات السمائيّة والعروش والسيرافيم المقدَّسة تقف حول عرش المسيح الإلهي مقدِّمة له المجد والتسبيح، فمن ذا الذي يستطيع من سكان الأرض أن يقترب من الله؟! نعم يحب الله الإنسان فهو رؤوف به رحوم عليه، ولكن يجب ألا ننكر بأي حال من الأحوال بأننا لا شيء بالنسبة له فنحن بشر ضعفاء جهلاء[147].]

ويقول القدِّيس يوحنا ذهبي الفم: [إنه عالٍ جدًا ولا أستحق أن أُحُسب أقل عبد عنده، فإن حلْ سيور الحذاء هو أكثر الأعمال وضاعة[148].]

ويقدَّم لنا الأب غريغوريوس (الكبير) تفسيرًا رمزيًا لكلمات القدِّيس يوحنا المعمدان: فيرى في حذاء السيِّد إشارة إلى الجسد الذي اِلتحف به، فإن حلْ سيوره إنما يعني فكْ أسرار التجسُّد، إذ يشعر نفسه عاجزًا عن إدراك هذا السرْ الإلهي وبحثه[149]، بينما يقدِّم لنا القدِّيس ﭽيروم[150] تفسيرًا آخر وهو أن يوحنا المعمدان لا يتجاسر أن يمد يده ليحل سيور حذاء سيِّده، لأن السيِّد يريد عروسه المترمِّلة ولا يرفضها، إذ جاء في الشريعة أن الوليّ الذي يرفض الأرملة كزوجة ليُقيم منها نسلًا للميِّت يخلع نعليْه أمام شيوخ المدينة ويُعطيه لمن يَقبل الزواج منها، كما فعل وليّ راعوث (را 4: 7-8). مسيحنا لن يخلع نعليْه ليعطيهما لأحد، إذ يوَد أن يقتنينا عروسًا له، ويشترينا بحبُّه ودمه المبذول.

لم يجد القدِّيس يوحنا وجهًا للمقارنة بينه وبين سيِّده، ولا بين معموديَّته ومعموديّة سيِّده، إذ قال: "أنا أعمِّدكم بماء... هو سيعمِّدكم بالروح القدس ونار" [16].

v الماء يطهِّر الجسد، والروح يطهِّر القلب من الخطايا، نحن نقوم بالعمل الأول ونصلِّي لكي يتم العمل الثاني حيث ينفخ الروح في الماء فيقدِّسه، الماء وحده ليس دليلًا على التطهير وإن كان الاثنان لا ينفصلان: الماء والروح، لذلك اِختلفت معموديّة التوبة (ليوحنا) عن معموديّة النعمة التي تشمل العنصرين، أما الأولى فتشمل عنصرًا واحدًا. إن كان كل من الجسد والروح يشتركان في الخطيّة فالتطهير لازم لكيهما.

القدِّيس أمبروسيوس

v المعموديّة هي الكُور العظيم الممتلئ نارًا، فيها يُسبك الناس ليصيروا غير أموات[151].

القدِّيس يعقوب السروجي

v الروح القدس هو نار كما جاء في أعمال الرسل، إذ حلّ على المؤمنين على شكل ألسنة ناريّة. وهكذا تحقَّقت كلمة المسيح: "جئت لأٌلقي نارًا على الأرض، فماذا أريد لو إضطرَمَت؟!" (لو 12: 49). يوجد تفسير آخر وهو أننا نعتمد حاليًا بالروح، وبعد ذلك (في يوم الرب) بالنار كقول الرسول: "ستمتَحِن النار عمل كل واحد ما هو" (1 كو 3: 13)[152].

القدِّيسﭽيروم

v يقول يوحنا ذلك ثانية للدلالة على ضعفه وجهله "أنا أعمِّدكم بماء ولكن هو سيعمِّدكم بالروح القدس ونار" (لو 3: 16)، وهذا برهان جليل على أُلوهيّة المسيح، لأنه من خاصيَّات يسوع الذي يفوق الكل قوَّته على منح الناس الروح القدس حتى أن كل من يقبله يتمتَّع بالطبيعة الإلهيَّة، ولكن لاحظوا أن هذه القوّة في يسوع المسيح لم يمنحها ولم يرسلها أحد بل هي له وفيه، وخاصة به، إذ ورد "يعمِّدكم بالروح القدس". فالله الكلمة المتأنِّس هو ثمرة الله الآب، فلا يعترض أحد بأن الذي يُعمِّد بالروح القدس هو الله الكلمة، وليس ذاك الذي أتى من ذُرِّيَّة داود، فلم يشاء أن يقسِم المسيح ابنين، فقد وصف الكتاب المقدَّس هؤلاء الناس بأنهم: "حيوانات ومعتزلون بأنفسهم ولا روح لهم" (يه 19).

وما معنى ذلك كله؟ يجب أن نؤكِّد تمام التأكيد غيرَ مكتَرثين بنقض أو اِعتراض بأن الله الكلمة يَمنح الروح القدس الذي له، لكل من كان جديرًا بهذه الهِبة

وحتى لما تأنَّس الله الكلمة وهبنا الروح القدس، لأنه ابن الله الوحيد الذي صار جسدًا، فهو والآب واحد بطريقة لا يًدركها العقل ولا يحدَّها الوصل، يقول المعمدان "لست أهلًا أن أحلْ سِيور حذائه" ثم يعطف على ذلك قوله "هو سيعمِّدكم بالروح القدس ونار"، فمن الواضح أنه كانت هناك قدمان للبس الحذاء، ولا يمكن للإنسان العاقل أن يفترض أن المسيح كان يلبس قبل تجسُّده حذاء فلم يحدث ذلك إلا عند تجسُّده، ولما كان المسيح بتجسُّده لم يكُف عن أن يكون إلهًا، وجب أن يعمل أعمالًا تليق بأُلوهيَّته، فأعطى الروح القدس لكل الذين آمنوا، لأنه هو واحد وشخص واحد وفي الوقت نفسه إله وإنسان أيضًا[153]..

القدِّيس كيرلس الكبير

v إنه لأمر عظيم أن نحمل حذاء يسوع، ولكنه لأمر عظيم أيضًا أن ننحني إلى أموره الجسدية التي حدثت أسفل (على الأرض)، وذلك لكي نتأمل صورته أسفل وأن نحل كل صعوبة تخص سرّ التجسد، كما لو كانت كل سيور حذائه. إنه لأمر واحد هو رباط الغموض وكأنه مفتاح المعرفة (لو ١١: ٥٢) الواحد. فإنه حتى الأعظم بين مواليد النساء (لو ٧: ٢٨) لم يجد في نفسه الكفاءة أن يحل أو يفتح هذه المصاعب، حيث أن الذي ربط وأغلق وحده يمنح لمن يريد أن يحل ويفتح سير حذائه والأمور المغلقة[198]

v إن كانت العبارة الخاصة بالحذاءين لها معناها الخفي يلزمنا ألا نعبر عن ذلك. أظن أن التجسد، حيث أخذ الابن لحمًا وعظامًا هو أحد الحذاءين، ونزوله إلى بيت الجحيم أينما وُجد، والرحلة بالروح إلى السجن هو الحذاء الآخر. جاء في مز ١٥ عن النزول إلى بيت الجحيم: "لا تترك نفسي في الجحيم" (مز ١٥: ١٠)...[199]

العلامة أوريجينوس

v ليس أحد هو العريس سوى المسيح الذي يقول عنه القديس يوحنا: "من له العروس فهو العريس" (يو 29:3). لذلك هؤلاء (موسى ويشوع بن نون وغيرهما) خلعوا أحذيتهم، أما حذاؤه فلا يقدر أحد أن يحل سيوره، وكما قال القديس يوحنا: "أنا لست مستحقًا أن أحل سيور حذائه" [27][200].

القديس أمبروسيوس

يستعيرالبابا غريغريوس (الكبير) عن العلامة أوريجينوس فهمه للحذاءأنه يشير إلى الجسد القابل للموت، لأنه مصنوع من جلد الحيوانات بعد ذبحها. وكأن الكلمة بتجسده ارتدى الجسد القابل للموت مخفيًا لاهوته. ولم يكن ممكنًا ليوحناأن يحل سيوره، أي أن يتعرف بعد على أسراره خلال روح النبوة[201]

v كيف تواضع جدًا! لذلك ارتفع جدًا!، لأن من يتواضع يرتفع (لو 14: 11)... لقد قال: "لا أنا بل هو"، أما هم فقالوا: "نحن". يوحنا غير مستحق أن يحل سيور حذائه. كم كان تواضعه لو أنه قال أنه مستحق لذلك، وأما بقوله: "يأتي بعدي من هو كان قبلي، الذي لست مستحقًا أن أحل سيور حذائه" فقد ظهر تواضعه عظيمًا. عندما يقول أنه غير مستحق لفعل هذا. بالحقيقة كان مملوءً من الروح القدس الذي بهذا عرف كخادم سيده، وتأهل أن يكون صديقًا عوض خادم[202].

القديس أغسطينوس

 

والمجد لله دائما