«  الرجوع   طباعة  »

الجزء الخامس انجيل توما الطفولة الابكريفي

 

Holy_bible_1

 

انجيل توما (الطفولة) The Infancy Gospel of Thomas

انجيل توما الطفولة يختلف عما تكلمت عنه سابقا انجيل توما الاقوال رغم الاثنين هم من الكتابات الغنوسية الا ان انجيل الاقوال هو من أحد اكتشافات نجع حمادي بينما انجل توما الطفولة هو ليس من مخطوطات نجع حمادي وانجيل الاقوال هو تجميعه من 114 مقولة نسبوها ليسوع بعضها منقول من الأربع اناجيل ونسبوا كاتبها الي توما اما انجيل الطفولة فهو ادعاء انه يخبر بقصة يسوع في طفولته.

 

هدف الكتاب

الغنوسيين الذي كما ذكرت سابقا وهم من قبل الميلاد عندما انتشرت المسيحية اعجبوا بشخص المسيح وارادوا انه ينسبوه للفكر الغنوسي وارادوا نشر فكرهم فكتبوا كتابات واطلقوا عليها أسماء تلاميذ المسيح وانجيل توما هو واحد من الكتب التي تدعي انها تكشف اسرار طفولة المسيح والتي استغل هؤلاء الغنوسيين شغف البعض عندما يسمعوا عن هناك كتابات سرية وايضا بحث البعض من الناس وبخاصة غير المسيحيين الذين سمعوا عن المسيح واعاجيبه فبدؤا يبحثوا عن تفاصيل واسرار في حياة المسيح مثل طفولته وغيرها. فنشر لهم الغنوسيين كتابات ادعوا انها عن طفولة المسيح او حياته الخاصة مع تطعيمها بأفكار غنوسية وافكار اسطورية لمن يريد معرفة تفصيلات ومعلومات أكثر عن ميلاد المسيح وطفولته وصبوته، فقد أرادوا سيرة تفصيلية لحياة المسيح وليس ما يخص خلاصهم الأبدي، كقول القديس يوحنا بالروح القدس: 

إنجيل يوحنا 20: 31

 

وَأَمَّا هذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ.

 

 وكانت الهرطقات الغنوسية هي أكثر من أهتم بهذه الروايات الأسطورية في هذه الكتب الأبوكريفية، فقد كانت مهتمة بالبحث عن روايات عن المسيح تتناسب مع أفكارها وهرطقاتها. 

فالفت هذه الروايات التي تخبر عن اعاجيب الطفل يسوع في الطفولة رغم ان هذا يخالف ما قاله الاناجيل وبخاصة انجيل يوحنا عندما اعلن ان معجزة قانا الجليل هي اول معجزة قام بها الرب يسوع  

إنجيل يوحنا 2: 11

 

هذِهِ بِدَايَةُ الآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا الْجَلِيلِ، وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ، فَآمَنَ بِهِ تَلاَمِيذُهُ.

 

مع ملاحظة ان المعجزات التي ذكرها هذا الكتاب هي اسطورية وتخالف هدف معجزات المسيح التي اعلن الكتاب بوضوح غرضها وهي تحننه علي البشر وايضا  لإظهار مجده، وحتى يؤمن تلاميذه وغيرهم أنه المسيح الآتي، ابن الله، " المسيح ابن الله الحي " (مت16:16؛ يو6 :69)، ومن ثم نجد عدة آيات تؤكد هذا المعنى، كقوله عن مرض لعازر الذي أقامه من الموت بعد أربعة أيام من موته: " فلما سمع يسوع قال هذا المرض ليس للموت بل لأجل مجد الله ليتمجد ابن الله به " (يو11:4)، وقوله عن المعجزات التي سيفعلها على يد تلاميذه " ومهما سألتم باسمي فذلك افعله ليتمجد الآب بالابن " (يو14 :13). وهذا ما قيل عن معجزاته المتنوعة؛ " جاء إليه جموع كثيرة معهم عرج وعمي وخرس وشل وآخرون كثيرون. وطرحوهم عند قدمي يسوع. فشفاهم، حتى تعجب الجموع إذ رأوا الخرس يتكلمون والشل يصحّون والعرج يمشون والعمي يبصرون. ومجدوا اله إسرائيل " (مت 15:30و31). بل وكانت هذه المعجزات والعجائب هي رده العملي في إجابته على تلاميذ يوحنا دلالة على أنه المسيح الآتي: " فأجاب يسوع وقال لهما اذهبا واخبرا يوحنا بما رأيتما وسمعتما. أن العمي يبصرون والعرج يمشون والبرص يطهرون والصم يسمعون والموتى يقومون والمساكين يبشرون. وطوبى لمن لا يعثر فيّ " (لو7 :22و23).

  وتبدأ الآية بقوله: " هذه بداية الآيات فعلها يسوع "، والتي تؤكد أنه لم يصنع أي آية قبلها، مؤكدة على أن كل ما نسب للرب يسوع المسيح قبل ذلك، سواء في ميلاده أو طفولته أو قبل خدمته، غير صحيح. ففي ميلاده حدثت المعجزات لأجله ولم يفعلها هو كالطفل يسوع، بل حدثت من أجله وأبرزها ظهور الملائكة للرعاة وظهور النجم للمجوس. ولم يذكر الإنجيل بأوجهه الأربعة، أية معجزات صنعها يسوع وهو طفل، برغم أن ذلك لا ينفي إمكانية فعله للمعجزات كالإله المتجسد، ولكنه كان يفعل كل شيء بحسب التدبير الإلهي والمشورة الإلهية الأزلية.

  كما أن جميع المعجزات التي صنعها الرب يسوع المسيح تميزت بالبساطة والسمو والعظمة والحكمة في آن واحد وقد سجلت ودونت بالروح القدس دون زخرفة أو مبالغة أو تهليل، بل ذكرت كأحداث طبيعية بالنسبة للمسيح ابن الله الحي، وبصورة بسيطة تلقائية، مؤكدة على بساطة وعمل الروح القدس في كُتّابها، الذين اعتادوا عليها، ولم يروا فيها شيء غير طبيعي بالنسبة له، كابن الله الحي. وكان تأثيرها يظهر فقط، عند جموع الناس التي شاهدتها، وكان تعبير الكتاب دائماً هو: " فتعجب الناس قائلين أي إنسان هذا. فان الرياح والبحر جميعا تطيعه " (مت8:27)، " فلما اخرج الشيطان تكلم الأخرس. فتعجب الجموع قائلين لم يظهر قط مثل هذا في إسرائيل " (مت9 :33)، " فتعجب الجميع " (مر5 :20)، " فقام (المفلوج) للوقت وحمل السرير وخرج قدام الكل حتى بهت الجميع ومجّدوا الله قائلين ما رأينا مثل هذا قط " (مر2 :12). " وبعد شفائه لمجنون أعمى واخرس، يقول الكتاب: " فبهت كل الجموع وقالوا ألعل هذا هو ابن داود " (مت12 :23)، وبعد إقامته لابنة يايرس من الموت، يقول: " فبهت والداها " (لو8 :56). وبعد شفائه لصبي من الصرع وإخراجه للروح النجس، يقول: " فبهت الجميع من عظمة الله وإذ كان الجميع يتعجبون من كل ما فعل يسوع " (لو9: 43).

وعلى عكس ما جاء في الأناجيل القانونية (الإنجيل بأوجهه الأربعة)، وما جاء في تقليد الكنيسة وكتب آبائها، تمتلئ هذه الكتب الأبوكريفية الأسطورية بالأفكار الخرافية والخيالية فتنسب للمسيح، في ميلاده وطفولته، أعمالا خيالية لا مبرر لها كسجود التنانين والأسود والنمور والثيران والحمير له بل ونرى الطفل يسوع، طفلاً مشاكساً متقلباً ذا طبيعة تدميرية يؤذى معلميه ويتسبب في موت رفقائه بصورة إعجازية لا مبرر لها، تمزج قدرة الله بنزوات طفل مشاكس وغير ذلك من الأفكار الأسطورية الخرافية المتأثرة بالفكر الإغريقي الهيلينسيتى بما فيها من اساطير عن انصاف الالهة والتي تشبع فضول البسطاء والعامة الذين اعتادوا سماع مثلها في دياناتهم الوثنية السابقة ليعتنقوا الغنوسية.

أرادوا أن يقدموا سيرة للمسيح تتفق مع أفكارهم الغنوسية والتي هي خليط من عقائد وفلسفات وأساطير وخرافات شتى: يهودية ومسيحية وفارسية ويونانية ورومانية الخ أرادوا أن يحيطوا المسيح حتى في طفولته بهالة من القداسة والمعجزات فاخذوا ينسجون حوله معجزات غريبة فجة تتنافي مع الذوق والضمير والأخلاق، كانت العبرة عندهم بحشو أناجيلهم بالمعجزات بصرف النظر عن مضمونها والهدف والمغزى منها فالطفل يسوع كان قادرا على كل شيء، وكدليل على ذلك نسبوا له معجزة خلاصتها انه كان يقتل الأطفال رفاقه عندما يلعب معهم عندما يغضبوه

  والغريب أن هذه الأناجيل الساذجة (أناجيل الطفولة) تنفرد ببعض المعجزات التي اختلقها مؤلفوها والتي لم توجد إلا بهذه الأناجيل ولم ترد في الأناجيل الأربعة ولا في عشرات الأناجيل المنحولة (الأبوكريفا) الأخرى مثل أن المسيح كان يتكلم في المهد وانه كان يخلق من الطين كهيئة الطير ".

  ويقول عالم الكتابات القديمة هوك رونالد عما جاء بالكتاب المسمى بإنجيل الطفولة لتوما: " هذا الإنجيل المليء بالخرافات والخزعبلات التي اختلقها مسيحي غنوسي إيمانا منه أن هذا سيزيد من عظمة المسيح في فترة طفولته المسكوت عنها في الأناجيل الأربعة, فاخذ يطوف بخياله وينسج قصصا إعجازية تصل إلى درجة الإسفاف والانحطاط أحيانا, فيظهر المسيح الطفل بصورة الساحر المتمكن من فن السحر لكي يبرهن على قدرته فيصنع معجزات خارقة لا هدف من ورائها إلا أظهار القوة فيعذب من يشاء ويقتل من يشاء وينتقم ممن يشاء فصارت المعجزة عند المسيح الطفل قوة غاشمة غبية صبيانية لا هدف أخلاقي أو إنساني لها ".

Hock, Ronald F. The Infancy Gospels of James and Thomas. Santa Rosa: Polebridge Press, 1995.

 

مخطوطاته 

هو ليس من مخطوطات نجع حمادي وأقدم مخطوطة له هي مخطوطة لاتينية تعود الي القرن الخامس او السادس في متحف فينا Vat. Reg. 648  

 

والبعض يقول ان أقدم مخطوطة هي سريانية مختصره تعود الي القرن السادس والمخطوطات اليونانية الموجودة لا تفيد في شيء في هذا الأمر لأنها ترجع فقط للقرن الثالث عشر كما توجد عدة مخطوطات لهذا الكتاب وترجمات ونسخ مختصرة ومتنوعة من قرون متاخرة مثل الخامس عشر والسادس عشر وغالبا هي مقتطفات منه

 Bologna Univ. 2702 and Dresden 1187, 15/16th century 

 

زمن الكتابة 

هو كتب غالبا في نهاية القرن الثاني الميلادي او بداية الثالث الميلادي ان اول اشارة اليه هي التي ذكرها القديس ارينيؤس وهذا ما بين 180 الي 185 م ففي كتابتين للقديس ارينيؤس  Epistula Apostolorum و Against Heresies تشيران إلى ما جاء في هذا الكتاب وهما عن طلب المعلم الذي كان من المفروض أن يعلم الطفل يسوع " قل بيتا – B " وإجابة الطفل يسوع له " أخبرني أولا ما هي ألفا - A ". ولكن البعض يشير الي ان الاول بدا بعض الاقوال الشفوية والغنوسية التي انتشرت هي التي يشير اليها القديس ارينيؤس ويوضح خطأها ومنها ايضا نقل هذا الكتاب فيما بعد فيكون كتب في القرن الثالث او ما بعده وبخاصه انتشر قبل الإسلام ونقل منه رسول الاسلام

Kate Zebiri of the University of London (Spring 2000). "Contemporary Muslim Understanding of the Miracles of Jesus"

ايضا يقول بيتر كيربي ان ابحاث العلماء عن مصدر الاساطير وتاريخها التي نقلها هذا الكتاب أقدمها يعود الي النصف الثاني من القرن الثاني والقرن الثالث ولهذا هذا الكتاب يكون بعد هذا الزمن

 

الكاتب 

بالرغم من ان المخطوطة اللاتينية التي تعود الي القرن الخامس مكتوب عليها توما الاسرائيلي ولكن واضح ان الكاتب ليس توما وليس اسرائيلي هو شخص غير معروف واضح انه غنوسي يؤمن ببعض الاساطير من الذين أعجبوا بشخص المسيح فحاك اساطير حول طفولته.  وأنه لا يمكن أن يكون مسيحياً من أصل يهودي ولا يمكن ان يكون من اليهودية لأنه لا يعرف أي شيء عن اليهودية ولا بيئتها ولا طبيعتها أو ظروفها ولا يعرف شيء من عادات اليهود سوى عيد الفصح، لذا يرون أن كاتبه غنوسي من أصل أممي وليس يهودي. فقط جمع ما كان منتشرا من روايات شعبية وواضح انه فقط تعلم بعض الاشياء من انجيل لوقا دون ان يعرفها جيدا فهو في 19: 1-12 ينقل من انجيل لوقا 2: 41-52.

 

مكان كتابته 

يقترح رون كاميرون انه كتب في شرق سوريا لان في هذا المكان كان منتشر تقليد توما. وأيضا بعض التعبيرات التي درسها علماء اللغات توضح انه استخدم أفكار سريانيه فهذا أيضا يرشح منطقة سوريا 

 

لغته 

يختلف العلماء الذين درسوا هذا الكتاب من جهة اللغة الأصلية التي كتب بها هذا الكتاب، ويختلفون حول كونها اليونانية أو السريانية استناداً إلى عدم وجود مفرد أو مصطلح مترجم من اليونانية أو السريانية، والمخطوطات اليونانية الموجودة لا تفيد في شيء في هذا الأمر لأنها ترجع فقط للقرن الثالث عشر وما بعده فبعضها للقرن الرابع عشر الي السادس عشر، في حين أن أقدم نص لهذا الكتاب هو النص السرياني المختصر والذي يرجع للقرن السادس، وهناك نص لاتيني أخر يرجع للقرن الخامس أو السادس، كما توجد عدة مخطوطات لهذا الكتاب وترجمات ونسخ مختصرة ومتنوعة وفي حالة فوضى مما يجعل من الصعب معرفة النص الأصلي بسهولة. ويعكس هذا العدد المتنوع للنص مدى شعبيته وانتشاره في بيئات كثيرة.  التعبيرات التي استخدمت مثل اليف بيت وليس الفا بيتا توضح اكثر السريانية وايضا التعبير التي استخدمت نقلا عن انجيل لوقا 2: 41-52 هي تتشابه مع ترجمة انجيل لوقا السريانية في السريانية القديمة وهي تمت في النصف الثاني من القرن الثاني لهذا الكتاب كتب سرياني في نهاية القرن الثاني او بداية القرن الثالث لتكون بعد ترجمة انجيل لوقا الي السرياني

Burke, De infantia Iesu euangelium, 178-82

 

موقف الاباء

لأنه بدا يكتب او تختلق هذه القصص في نهاية القرن الثاني وما بعده فأباء القرن الاول والقرن الثاني لا يتكلمون عنه ولكن اباء بداية القرن الثالث وما بعده يشيروا اليه ويوضحوا بعض اخطاؤه اول من اشار اليه هو القديس ارينيؤس سنة 180 م مما يوضح انه هذا بداية الكتاب ولم يكن انتشر بالقدر الكافي ثم بدا الاباء يسمعوا عنه أكثر فقد اشار الي هذا الكتاب كل من العلامة هيبوليتوس والعلامة أوريجانوس في بداية القرن الثالث، ولكن بصورة غير واضحة تماماً.

 

اهميته 

رغم انه كتاب غنوسي ابكريفي يقدم افكار كثيره منها غنوسية واسطورية ولكن هذا الكتاب له أهيمه مثله مثل بقية الكتب الغنوسية والهرطوقية لأنه يقدم لنا فكر تاريخي عما يعرفه غير المسيحيين في القرون الاولي عن الايمان المسيحي مثل 

1 يشهد عن شخصية يسوع التاريخي وانه ليس شخصية خيالية اخترعها بعض الاشخاص سموا نفسهم مسيحيين بل بالحقيقة كان هناك شخص حقيقي يفعل معجزات ويقول امور سامية وهذا يرد عن المشككين الجدد الذين وصلت بهم الجرأة انهم يشككوا في ان المسيح شخص حقيقي

2 الرب يسوع حتى لو قدمته هذه الاناجيل خطا ولم توضح بصورة جيدة لا هوته ليس مثل الاسفار القانونية ولكن وضحت انه حتى في مفهوم الهراطقة والغنوسيين هو احد الالهة وهو عقل الاب صانع معجزات خارقة

3 يشهد علي قانونية اسفار العهد الجديد وبخاصة الاناجيل الاربعة لانه ينقل منهم نصا لان المسيحيين في القرن الاول وما بعده يعرفون الاربع اناجيل جيدا (وهذا واحد من الادلة الكثيرة التي تهدم كذب بعض المشككين في ان قانونية الاناجيل كانت بعد مجمع نيقية)

4 يشهد هو وبقية الكتابات الابكريفية عن حقيقة تلاميذ المسيح واتباعه وانهم اشخاص حقيقيين وليس اشخاص وهميين ليس لهم وجود

5 يفهم منه بعض الامور التاريخية بعد ان نستخلصها من الفكر الاسطوري ويفهم منه بعض جوانب الحياة المسيحية من مصادر خارج الكتاب المقدس 

 

والمجد لله دائما