«  الرجوع   طباعة  »

الرد على اختلاف قول المسيح بين الاناجيل عندما خاف التلاميذ. متى 8 ومرقس 4 ولوقا 8

 

Holy_bible_1

 

الشبهة 

 

 

الرد

 

في البداية واضح أن المشكك يجهل أن هذه القصة مذكورة في الثلاث اناجيل لانه يذكرها فيما يقول عنه اختلاف ثنائي 

فهو اما يجهل انها أيضا في انجيل لوقا او يعرف ويدلس. 

أيضا كالعادة كعادة المشككين المسلمين الذين يؤمنون بالوحى الاملائي الحرفي أي ملاك ينقل من لوح حجري ويملي بالحرف النبي، ولهذا المشكك حرفي ويتوقع ان البشيرين يكتبون كل كلمه سمعوها من المسيح حرفيا ولكن هذا غير صحيح فهم بقيادة الروح القدس يكتبون المعني الهام في كلام رب المجد لأنهم لو كتبوا كل كلمة قالها وكل معجزة فعلها لما اتسعت الكتب وهذا ما قاله الكتاب المقدس نصا

إنجيل يوحنا 21: 25

 

وَأَشْيَاءُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ، إِنْ كُتِبَتْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةَ. آمِينَ.

 

الوحي في المسيحية يختلف عن ذلك تماما فهو ليس وحي املائي ولكنه تفاعل بين روح الله القدوس ورجال الله القديسين الذين يكتبون الوحي مسوقين بالروح القدس فكل منهم يعبر بأسلوبه ولكن الروح القدس يجعل تعبيراتهم صحيحه لاهوتيا ودقيقه في المعني وليس الحرف لان الحرف يقتل ولكن الروح يحيي 

فالأربعة اناجيل هي كتابات موحي بها من الله لم يلغي فيها الله شخصيتهم ولكن قادهم ولا يوجد عندنا فكرة الاملاء الحرفي التي تلغي فيها شخصية الكاتب وتجعله مثل الاحجار. فهم كتبوا بفكرهم ساقين بالروح القدس ولهذا تعبيراتهم تختلف باختلاف اسلوب كل كاتب ولكن تتفق في المعني والمضمون والروح. 

بمعنى أن ممكن أحدهم ينقل كلام المسيح بأسلوب المخاطب والثاني بأسلوب الغائب والثالث بأسلوب شرحي ولا يقول أحد أن هذا تحريف. 

مثال: لو عماد قال "أنى ذاهب لأستريح" فلو قلت عماد قال انه ذاهب ليستريح. ولو قلت عماد قال "أنى ذاهب لأستريح" او لو قلت عماد قال انه ذاهب ليأخذ بعض الراحة. أو لو قلت إن عماد قال "أنى ذاهب لأستريح" لأنه مجهدلن يقول أحد عنى أنى محرف

الإشكالية أن كتب الفقه التي يؤمن بها المشككين تشرح هذا رغم انهم يؤمنوا بالوحي الحرفي الاملائي.

اوضح انواع نقل الأحاديث (من الفقه)

الكتب» كتاب الحاوي الكبير» كتاب أدب القاضي» القول في التقليد» فصل الأصول الشرعية» فصل السنة» فصل القول في أحوال الرواة. 

فصل : القول في أحوال نقل السماع 
وأما الفصل الخامس في نقل السماع : فللراوي في نقل سماعه أربعة أحوال : 
أحدها : أن يروي ما سمعه بألفاظه وعلى صيغته . 
والثاني : أن يروي معناه بغير لفظه . 
والثالث : أن ينقص منه . 
والرابع : أن يزيد عليه
فأما الحال الأولى في روايته للفظ الحديث على صيغته فلا يخلو مصدره من أن يكون ابتداء أو جوابا 
فان كان ابتداء وحكاه بعد أداء الأمانة
وإن كان جوابا عن سؤال فعلى ثلاثة أضرب 
أحدها : أن يكون الجواب مغنيا عن ذكر السؤال 
والضرب الثاني : أن يفتقر الجواب إلى ذكر السؤال 
وأما الحال الثانية : أن يروي معنى الحديث بغير لفظه فهو على ثلاثة أضرب : 
أحدها : أن يكون في الأوامر والنواهي 
الضرب الثاني : أن يكون في نقل كلام قاله بألفاظ ويكون الكلام محتمل الألفاظ أو خفي المعنى 
والضرب الثالث : أن يكون المعنى جليا غير محتمل
وأما الحال الثالثة : أن ينقص من ألفاظ الخبر : فهو على ثلاثة أضرب 
أحدها : أن يصير الباقي منه مبتورا لا يفهم معناه فلا يصح ذلك منه ، وعليه أن يستوفيه ليتم فائدة الخبر . 
والضرب الثاني : أن يكون الباقي مفهوما لكن يكون ذكر المتروك يوجب اختلاف الحكم وعليه أن يستوفيه ليتم فائدة الخبر 
 والضرب الثالث : أن يكون الباقي منه مفهوم المعنى ومستقل الحكم 

وأما الحال الرابعة : وهو أن يزيد في الخبر فهذا على ثلاثة أضرب 
أحدها : أن تكون الزيادة شرحا للحال 
والضرب الثاني : أن تكون الزيادة تفسيرا لمعنى الكلام 
والضرب الثالث : أن تخرج الزيادة عن شرح السبب وتفسير المعنى فما هي إلا كذب يسير 

 

وايضا في الادب الشرقي والغربي النقل بالمعني جائز 

ونقل الاخبار انواع 

1 ينقل الخبر باللفظ 

2 ينقل الخبر المعني 

3 يحزف بعض لفظ الخبر الغير مؤثر في المعني 

4 يزيد الراوي علي اللفظ لتفسيره 

5 ذكر جزء من الخبر لو كان يحتوي على جزئين مستقلين فيقتصر على أحدهما

6 يصرف اللفظ عن ظاهره الي مجازه  

 

إذا النقل الخبر لا يجب ان يكون حرفي حسب مقاييس المشككين ولكن من الجائز ان يكون يقدم المعني او يقدم الخبر ناقص لان المعني واضح 

والمبشرين متي ومرقس ولوقا ويوحنا كل منهم يقدم بأسلوبه المعني الذي قصده السيد المسيح ولكن الملاحظ ان مرقس البشير يتكلم باختصار فيختصر اقوال المسيح ويركز على شرح المسيح القوي فهو يركز على معجزات المسيح القوية ولوقا البشير يركز على معاني الذبيحة والخلاص فيقدم معاني اقوال المسيح أكثر 

اما متي البشير فهو يركز على المسيح بانه مسيا النبوات المخلص ابن الانسان لأنه يكلم اليهود بلغة وأسلوب اليهود فلهذا الامور المتعلقة بلقب ابن الانسان كان يشرحها بالتفصيل ويحافظ على ان ينقل كلام المسيح لفظا على قد المستطاع وليس المعني فقط مع بعض الشرح أحيانا لتوضيح انطباق النبوات ولهذا نجد انه ينقل لنا اقوال المسيح في الموعظة على الجبل لفظا وليس فقط المعاني كما قدم لوقا البشير او الملخص كما قدم مرقس البشير 

الشيء الاخر الهام وهو ان متي البشير كان يجمع اقوال المسيح اللفظية (لوجيا) وكتبها باللسان العبري وهذا ما قاله الاباء على سبيل المثال 

القديس بابياس (60 – 130) تلميذ القديس يوحنا وزميل القديس بوليكاربوس 

متي وضع "أقوال يسوع" (لوجياباللغة العبريّة (او باللسان العبري)، استخدمها المبشرون

فلو كان المطلوب هو فقط بعض أقوال المسيح لفظيا لما كانت هناك الحاجة الى الأربع اناجيل. وكان انجيل واحد يكفي ولكن لو كان حدث هذا كان هناك مشكلة في فهم المعاني الروحية الرائعة فمثلا لما كنا حصلنا على انجيل متى الذي ذكر اقوال المسيح وأيضا شرح علاقة هذه الاقوال بنبوات العهد القديم والمفهوم اليهودي وابن الانسان لها ولما كنا حصلنا على انجيل مرقس الذي أيضا نقل لنا ملخص اقوال المسيح ولكنه شرح لنا زاوية أخرى هامة وهي قوة المسيح الأسد وأيضا لما كنا حصلنا على انجيل لوقا الذي شرح أكثر ووضح لنا المسيح الذبيح ولما كنا حصلنا على انجيل يوحنا الذي شرح الوحي على لسانه معاني روحية عميقة جدا 

وأيضا لما انطبقت نبوة حزقيال النبي الذي تنبأ عن الأربع اناجيل في اول اصحاح وكلامه عن الاربع كائنات حية بأربع زوايا

 

ارجو الرجوع الي ملف 

ماذا قال التلاميذ بالتحديد للمسيح عند هيجان البحر ؟ متي 8: 25 و مرقس 4: 38 و لوقا 8: 24

لان به شرح هام للموقف السابق لكلام المسيح والذي الشرح هنا مكمل له

 

ما يقوله المبشرين في هذا العدد 

انجيل متى 8

8: 26 فقال لهم ما بالكم خائفين يا قليلي الايمان ثم قام وانتهر الرياح والبحر فصار هدوء عظيم 

كما قلت سابقا متى البشير الذي اشترك في ايقاظ المسيح وهو شاهد عيان اكتفي بذكر دوره فقط والتعبير الذي قاله ورد الرب يسوع المسيح الذي قاله. 

متى البشير ينقل الموقف غالبا بتفصيل مع وضع فقط بعض الشروحات القليلة بقيادة الروح القدس ويذكر نص كلام الرب يسوع المسيح وبخاصة انه يكلم اليهود فينقل تعبيرات المسيح التي يفهمها اليهود فيقول قليلي الايمان 

فاليهود هو أصحاب العهود والاشتراع ورغم معرفتهم ايمانهم قليل وهذا لا يخلص لان قلة الايمان تساوي عدم الايمان. وهذا شرحه الكتاب المقدس كثيرا فكان المسيح يقول لتلاميذه مرة قليلي الايمان ومرة عديمى الايمان لان الاثنين متساويين في نظر الله 

إنجيل متى 16: 8

 

فَعَلِمَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ أَنَّكُمْ لَمْ تَأْخُذُوا خُبْزًا؟

 

إنجيل متى 17: 20

 

فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ«لِعَدَمِ إِيمَانِكُمْ. فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ، وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ.

ومرقس البشير شرح هذا 

إنجيل مرقس 9: 24

 

فَلِلْوَقْتِ صَرَخَ أَبُو الْوَلَدِ بِدُمُوعٍ وَقَالَ: «أُومِنُ يَا سَيِّدُ، فَأَعِنْ عَدَمَ إِيمَانِي».

فقلة الايمان تساوي عدم الايمان كتعبير كتابي والاثنين لا يخلصوا ويستحقوا التوبيخ من الله او طلب معونة من الله لتقوية الايمان. 

 

اما مرقس البشير 

انجيل مرقس 4 

4: 40 وقال لهم ما بالكم خائفين هكذا كيف لا ايمان لكم

مرقس البشير كالعادة يكلم الرومان عن القوة ويظهر قوة المسيح للأمم بل ينقل تعبير قوى للرومان فينقل معنى قول المسيح قليلي الايمان يساوى الانسان الذي لا ايمان له كما شرح سابقا ولكن يستخدم عدم الايمان لان الأمم لا يفهمون لو قال لهم قليلي الايمان. على عكس اليهود الذين يعرفون قلة الايمان تهلك.

 

اما لوقا البشير الذي يكلم اليونان عن الذبيح الحقيقي الذي هو خلاص العالم 

أنجيل لوقا 8

8 :25 ثم قال لهم اين ايمانكم فخافوا وتعجبوا قائلين فيما بينهم من هو هذا فانه يأمر الرياح ايضا والماء فتطيعه

لوقا الذي يكلم اليونان عن الذبيح يذكر بأسلوب فلسفي فبدل ما يقول يا عديمي او قليلي الايمان يقول اين ايمانكم، وهذا دعوة للبحث لان مخيف الاكتشاف ان لا يوجد ايمان وهذا مكمل بطريقة رائعة لما قاله متى البشير ومرقس البشير. 

هذا يفهمه اليونان أكثر لان اليونانيين محبين للبحث والمعرفة والمناقشة في الأمور الروحي كما شرح معلمنا بولس الرسول ولوقا البشير في سفر اعمال الرسل. 

فالثلاثة نقلوا الكلام ليس حرفيا لان لو كانوا نقلوه حرفيا فلا كان هناك فائدة من التكرار ولكن نقلوه لفظيا وأيضا تفسيريا مناسب لكل الأساليب. 

هذا في الحقيقة يؤكد ان الاربعة هم شهود عيان وكل منهم بقيادة الروح القدس ينقل ما لاحظة بطريقة نجدها تكميلية رائعة ولو كانوا ينقلوا من مصدر واحد لوجدنا كلامهم متطابق ولما كان هناك حاجة للتكرار ولكن هنا نجد شهادات شهود عيان تكميلية وتوضيحية أكثر

لا يوجد تناقض لان التناقض لو كان أحد المبشرين قال شيء والثاني قال عكسه ولكن لا نجد هذا

الحقيقة لو حسب ما يدعي المشككين ان النساخ يحرفون ليجعلون الاناجيل متشابهة هذا العدد يؤكد عكس كلامهم لان لو النساخ يفعلون هذا لوجدنا تعبيرات المبشرين متطابقة ولكن هنا نجدها متكاملة وليست متطابقة ونجدها تناسب المكتوب إليهم من يهود ويونان ورومان والعالم 

والمبشرين لم ينقلوا من مصدر ولا غيره بل كل منهم ذكر ما راه بعينه وكان شاهد عيان عليه وقاده الروح القدس ليشرحه. لو كان المبشرين ينقلون من بعضهم او كما قيل متي ولوقا ينقلون من انجيل مرقس او كما يدعي البعض هم الثلاثة ينقلون من مصدر اسمه كيو لكانت هذه العبارة تتطابق بينهم هم الثلاثة ولكن اختلاف اساليبهم الشخصية في التعبير مع تطابق الفكر تؤكد ان لم ينقل اي منهم من الاخر او عدم وجود المصدر الوهمي الذي يسمي كيو وانما مصدر واحد وهو ارشاد الروح القدس لكتاب الاناجيل  

ويؤكد المفهوم المسيحي للوحي (الذي لا يفهمه المشكك فيقول هذه الشبهات) بان الوحي لا يلغي شخصية الكاتب فكل كاتب للوحي يعبر بأسلوبه ولكن مسوق من الروح القدس فيعبر بأسلوبه ولكن تعبيرات لاهوتية دقيقه بإرشاد الروح القدس  

المبشرين لم يخترعون هذا الكلام ولكن هم يخبروا وهذا الخبر نقلوه عن الرب يسوع المسيح ولك منهم نقله بأسلوبه بما هو مناسب لغرض الانجيل بوحي الروح القدس 

 

واخيرا المعني الروحي الذي قدمه الرب يسوع المسيح 

من تفسير ابونا تادرس يعقوب واقوال الاباء

دخل السيّد السفينة وتبعه تلاميذه، وفجأة حدث اضطراب عظيم، فقد عُرف بحر الجليل بالعواصف العنيفة المفاجئة، وهو بحيرة صغيرة طولها ثلاثة عشر ميلًا وأكبر أجزاء عرضها ثمانية أميال.

ما حدث إنّما يقدّم لنا صورة حيّة للكنيسة في جهادها في بحر هذا العالم، فإنها تُهاجَم بعواصف شديدة يثيرها الشيطان ضدّها، إذ لا يطيق المسيح الحالّ فيها رأسًا لها، فيظن حتى التلاميذ أحيانًا أنهم يهلكون. لكن يتجلّى مسيحها الحيّ ليعطيها سلامه. وما أقوله عن الكنيسة إنّما أكرّره بخصوص المؤمن كعضو في الكنيسة المقدّسة الذي ينعم بهذه العضويّة خلال مياه المعموديّة، فيتمتّع بسكنى السيّد المسيح فيه، ويصير ملكوتًا سماويًا وهيكلًا لله. هذا لا يعني توقُّف التجارب عن مهاجمته، بل بالعكس يزداد هجومها بالأكثر من أجل السيّد المسيح الساكن فيه. لكنها تعجز عن أن تهلكه مادام المؤمن في يدّ عريسه، في سهر روحي ويقظة بلا نوم.

يعلّل القدّيس يوحنا الذهبي الفم حدوث ذلك قائلًا:

[لقد نام لكي يعطي فرصة لظهور خوفهم، ولكي يجعل فهمهم لما يحدث أكثر وضوحًا... لكنه لم يفعل هذا في حضرة الجماهير حتى لا يُدانوا على قلّة إيمانهم، وإنما انفرد بهم وأصلح من شأنهم، وقبل أن يُهدئ عاصفة المياه أنهى أولًا عاصفة نفوسهم موبّخا إيّاهم: لماذا شككتم يا قليلي الإيمان؟ معلّمًا إيّاهم أيضًا أن الخوف سببه ليس اقتراب التجارب إنّما ضعف ذهنهم[417].]

هكذا يظهر السيّد المسيح معلّمًا مُحبًا وأبًا مترفّقا، يريد أن يكشف جراحاتهم ويظهر لهم ضعفهم دون أن يجرح مشاعرهم، إذ سحبّهم من وسط الجماهير ليعلّمهم عمليًا ما في قلوبهم وأذهانهم من ضعفات. إنه يقدّم لنا المثال الحق للأبوة الحانية التي لا تتساهل مع الخطيّة والخطأ، لكنها لا تشهِّر بالابن الخاطئ. تفضحه أمام نفسه لا أمام الآخرين، مرّة ومرّات، وأخيرًا إن احتاج الأمر يستخدم التأديب العلني كتوبيخه للكتبة والفرّيسيّين.

في أبوّته قدّم السيّد العلاج الأصيل مُظهرًا أن سرّ التعب الحقيقي ليست الرياح الخارجيّة والعواصف الظاهرة إنّما رياح النفس غير المستقرة وأمواجها الداخليّة بسبب عدم إيمانها، لهذا هدّأ نفوسهم في الداخل وعندئذ أسكت الخارج!

لقد نام السيّد في السفينة، الأمر الذي يحدث فينا حين نتعلّق بالخطايا ونتفاعل معها، ولا نترك ربّنا يسوع يعمل فينا ويقود سفينة حياتنا، لذلك يرى القدّيس جيروم أننا نوقظ السيّد بالتوبة عن خطايانا، إذ يقول: [إن كان بسبب خطايانا ينام فلنقل: "استيقظ لماذا تتغافى يا رب؟!" (مز 44: 23). وإذ تلطم الأمواج سفينتنا فلنوقظه قائلين: "يا سيّد نجّنا فإنّنا نهلك" (مت8: 25، لو8: 24)[418].]

ويرى القدّيس أغسطينوس[419]أن نوم السيّد المسيح إنّما هو تجاهلنا الإيمان له ونسياننا إياه، فيكون المسيح الذي يحلّ بالإيمان في قلوبنا (أف 3: 17) كمن هو نائم في قلوبنا. لهذا يلزمنا أن نوقظهk أي نستدعي إيماننا به. بالإيمان الحيّ نلتقي بعريسنا القادر وحده أن يهدّئ الأمواج الثائرة ضدّنا في الداخل كما في الخارج.

ويُعلّق أيضًا القدّيس أغسطينوس على هذه المعجزة سائلًا إيّانا أن نوقظ السيّد المسيح فينا بتذكُّرنا كلماته التي لها فاعليّتها فينا، إذ يقول: 

[البحارة هم النفوس التي تعبر هذا العالم في السفينة التي هي رمز الكنيسة. في الحقيقة كل إنسان هو هيكل الله، وقلبه هو السفينة التي تبحر ولا تغرق إن كانت أفكاره صالحة.

لقد سمعتَ إهانة، فهي ريح! لقد غضبتَ، فهذه موجه! إذ تهب الرياح (الإهانات) وتعلو الأمواج (الغضب) تصبح السفينة في خطر، ويصير القلب في تهلكة يترنّح هنا وهناك.

عندما تسمع إهانة تشتاق إلى الانتقام، وتُسر بضرر الآخرين فتهلَك. لماذا يحدث هذا؟ لأن المسيح نائم فيك... إنك نسيت المسيح! أيقظه فيك، أي تذَكِّره. نبِّهه إلى اشتياقاتك بأنك تريد أن تنتقم... تذَكِّره، بتذكُّر كلماته، وبتذكُّر وصاياه...

ما قلته عن الغضب ينطبق على أية تجربة أخرى. فإنه إذ تهاجمك التجربة يكون ذلك ريحًا، وإذ تضطرب يكون أمواجًا. لتوقظ المسيح! دعه يتكلّم فيك... "أي إنسان هذا فإن الرياح والبحر جميعًا تطيعه"؟ [27] [420].]

ويرى القدّيس كيرلّس الكبير أن إيقاظ المسيح إنّما يعني الصراخ إليه وسط الضيقات والآلام والاتّكال عليه، إذ يقول: [المسيح حال وسط مختاريه، وإذ يسمح لهم بحكمته المقدّسة أن يعانوا من الاضطهاد يبدو نائمًا. ولكن إذ تبلغ العاصفة عنفها، والذين في صحن السفينة لا يقدرون أن يحتملوا، يلزمهم أن يصرخوا: "قم لماذا تتغافى يا رب" (مز 44: 23). فإنه يقوم وينزع كل خوف بلا تأخير. إنه ينتهر الذين يحزنوننا (أي عواصف الضيق، سواء كانت في الداخل أو الخارج، إن كانت حربًا من الشيطان أو تعبًا جسدانيًا أو مشاكل)، ويحوّل حزننا إلى فرح، ويكشف لنا سماءً مضيئة بلا اضطرابات، إذ لا يحوِّل وجهه عن الذين يتّكلون عليه.]

ويُعلّق القدّيس أغسطينوس أيضًا على خضوع الطبيعة له، قائلًا:

[لتمتثل بالرياح والبحر! أطع الخالق! لقد أصغى البحر للمسيح وأنت ألا تنصت له؟ سمع البحر وهدأت الرياح وأنت أفلا تهدأ؟ إنّني أقول وانصح بأن ما هذا إلا عدم هدوء وعدم رغبة في طاعة كلمة المسيح... لا تدع الأمواج تسيطر على قلبك فيضطرب. فإنّنا إن كنّا بشرًا لا نيأس متى هبّت الرياح وثارت عواصف أرواحنا، إذ نوقظ المسيح فنبحر في بحر هادئ ونصل إلى موطننا[421].]

وللعلامة أوريجينوس تعليق على هذا الحدث "تهدئة الأمواج" نقتطف منه الآتي:

[لم تثر العاصفة من ذاتها بل طاعة لسلطانه: "المُصعِد السحاب من خزائنه" (مز 135: 7)، "الذي وضع الرمل تُخومًا للبحر" (إر 5: 22)... فبأمره وكوصيّته ارتفعت العاصفة في البحر... لكن قدر ما تعظُم الأمواج الثائرة ضدّ القارب الصغير، يصعد خوف التلاميذ، فتزداد رغبتهم في الخلاص بأعاجيب المخلّص. لكن المخلّص كان نائمًا، يا له من أمر عظيم وعجيب!

هل الذي لا ينام ينام الآن؟! الذي يدبّر السماء والأرض، هل ينام؟...

نعم إنه ينام بجسده البشري، لكنّه ساهر بلاهوته... لقد أظهر أنه حملَ جسدًا بشريًّا حقيقيًا...

لقد نام في جسده، وبلاهوته جعل البحر يضطرب كما أعاد إليه هدوءه، نام في جسده لكي يوقظ تلاميذه ويجعلهم ساهرين.

هكذا نحن أيضًا إذ لا ننام في نفوسنا ولا في فهمنا ولا في الحكمة بل نكون ساهرين على الدوام، نمجِّد الرب ونطلب منه خلاصنا بشغف...

حقًا إن كثيرين يبحرون مع الرب في قارب الإيمان، في صحن سفينة الكنيسة المقدّسة، وسط حياة مملوءة بالعواصف، إنه نائم في هدوء مقدّس يرقب صبركم واحتمالكم، متطلّعا إلى توبة الخطاة ورجوعهم إليه.

إذن، تعالوا إليه بشغف في صلاة دائمة، قائلين مع النبي: "استيقظ لماذا تتغافى يا رب؟ انتبه، لا ترفض إلى الأبد... قم عونًا واِفدنا من أجل اسمك" (مز 44: 23، 26).

إذ يقوم يأمر الرياح، أي الأرواح الشيطانيّة الساكنة في الهواء والمثيرة لعواصف البحر، والتي تسبب الأمواج الشرّيرة القاتلة... وتثير اضطهادات ضدّ القدّيسين وتسقط عذابات على المؤمنين في المسيح، لكن الرب يأمر الكل، وينتهر كل الأشياء، فيلتزم كل شيء بما عليه يدبّر كل الأمور ويهب النفس والجسد سلامًا، ويرد للكنيسة سلامها ويُعيد للعالم الطمأنينة...

إنه يأمر البحر فلا يعصاه، ويحدّث الرياح والعواصف فتطيعه!

يأمر كل خليقته فلا تتعدّى ما يأمر به، إنّما جنس البشر وحدهم هؤلاء الذين نالوا كرامة الخلقة على مثاله ووُهِب لهم النطق والفهم، هؤلاء يقاومونه ولا يطيعونه. هم وحدهم يزدرون به! لذلك فإنهم يُدانون ويعاقَبون بعدله! بهذا صاروا أقل من الحيوانات العجماوات والأشياء الجامدة التي في العالم بلا إحساس ولا مشاعر!]

 

والمجد لله دائما