لماذا خلق الرب الشيطان ككروب وهو يعرف أنه سيسقط ثم يُسقِط الإنسان؟
د. غالي
8 مارس 2020
الشبهة:
يقول المسيحية ان إلههم يعرف المستقبل فلو كان يعرف بالفعل فلماذا خلق هذا الرب ملاك اسمه الشيطان وكان كروب وهو يعرف إن هذا الملاك سيسقط وبعد سقوطه سيجرب الإنسان ويسقط الإنسان فيطرد من الجنة؟
الرد:
الإجابة على كل هذه الأسئلة هي أولا الحرية وثانيا كل الأشياء تعمل معا للخير. وسأشرح ما اقصد باختصار لأن نفس الفكرة شرحتها سابقًا في عدة ملفات مثل "لماذا من رفض الرب سيذهب الي الجحيم والرد على الإله السادي" وأيضًا "الرد على هل إله الرحمة يلقي في جهنم والنار كل من لا يؤمن بابنه".
أولا بالفعل الرب يعرف المستقبل وهذا مؤكد في الكتاب المقدس وليس كلام مسيحيين وقدمت ادلة كثيرة في ملف"الرد على هرطقة أن الله لا يعلم المستقبل أعمال 2 و1بط 1،" ويكفي "هذَا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّمًا بِمَشُورَةِ اللهِ الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ، وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ" (سفر أعمال الرسل 2: 23)، وأيضًا "بِمُقْتَضَى عِلْمِ اللهِ الآبِ السَّابِقِ، فِي تَقْدِيسِ الرُّوحِ لِلطَّاعَةِ، وَرَشِّ دَمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ: لِتُكْثَرْ لَكُمُ النِّعْمَةُ وَالسَّلاَمُ." (رسالة بطرس الرسول الأولى 1: 2).
أما عن خلق الشيطان ككروب. الرب أعلن بوضوح أنه يحب الإنسان ولهذا خلق له وللإنسان خدام وهم الملائكة، "7 وعن الملائكة يقول الصانع ملائكته رياحا وخدامه لهيب نار. . . 14 اليس جميعهم ارواحا خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين ان يرثوا الخلاص" (رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 1: 7 و14) و "«اُنْظُرُوا، لاَ تَحْتَقِرُوا أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ، لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلاَئِكَتَهُمْ فِي السَّمَاوَاتِ كُلَّ حِينٍ يَنْظُرُونَ وَجْهَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ." (إنجيل متى 18: 10). فالملائكة خلقهم الرب خدام. ولكن حتى الخدام هؤلاء الرب خلقهم ولهم حرية الإرادة لأن الرب يحترم الحرية حتى للخدام " وَأَمَّا الرَّبُّ فَهُوَ الرُّوحُ، وَحَيْثُ رُوحُ الرَّبِّ هُنَاكَ حُرِّيَّةٌ." (رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس 3: 17). بل هدف الرب هو تحقيق الحرية "وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ»." (إنجيل يوحنا 8: 32) و "فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا." (إنجيل يوحنا 8: 36). فالشيطان كملاك أو كروب خلقه الرب وله حرية. ولو الله بسبب علمه المسبق عما سيفعله الشيطان فلم يخلقه أي منعه من الوجود إذا لا يوجد حرية. فهذه الملائكة التي يعرف الرب مسبقًا إن بعضهم سيسقط وعلى رأسهم الشيطان. لكن ترك لهم حرية الاختيار. ولهذا الله خلق الشيطان بصوره رائعة ورغم أن الرب يعرف انه سيسقط لكن تركه لسبب مهم وهو الحرية.
ولكن البعض سيصر ويقول إن الرب كان يجب ألا يخلق الشيطان أصلا لكيلا يسقط. ولكن بهذا سيكون الله ضعيف لأنه أراد شيء ولم يستطع أن يفعله وسيكون الشر انتصر حتى في عدم وجوده، لأنه منع خير الله عن الملائكة لأنه لم يخلقهم بما لهم من مكانة مرتفعة، وأيضا منع خير عن البشر بمنعه من خلق خدامه الذين يرسلهم لهم، بل منع عن نفسه أن يخلق خدام بينه وبين البشر. فعدم خلق الملائكة أشر من أن يخلقهم ويترك لهم الحرية.
البعض قد يقول كان يجب على الرب أن يخلق الشيطان والملائكة مسيرين لكيلا يسقطون. هذا ضد الحرية التي من صفات إلهنا ولا يجبر أحد على فعل أي لا قسر، ولا يجبر أحد أن يتوب وهو مجبر، فيتحرك الكل كالات بدون حرية وبهذا لن يخطئ أحد، وهذا يصلح في حالة واحده لو لم يكن هناك حرية لأن الحرية لا تتفق مع القيد والإجبار، وإلهنا لا يتفق مع القيد والعبودية ولكن الحرية، ولهذا تقييد الملائكة بقيود فلن ينال الملائكة فرحة حريته وفرحة أن يرى وجه الرب لأنه مجبر. فلا يستحق شيء لم يختاره أصلا ويكون خدمتهم ليست فرحة ومكانة مرتفعة بل اجبار واستعباد وذل وتعسف وهذا غير مقبول.
أيضا كما شرحت في موضوع "الجولة الثالثة للشيطان" الله كامل وقدرته كامله مطلقة وقدرته على الخلق مطلقة، ولكنه لا يخلق كائنات كاملة مطلقة فهو يخلقها بدون عيب ولكن ليست كامله مثل الله وليست مطلقة مثل الله. ولهذا الله خلق الشيطان بصوره رائعة بدون عيب خلقي ولكنه غير كامل مثل الله. فالله لأنه كامل فهو لا يخطئ ولا يحتاج أن يختار بين الخير والشر، فهو كامل والكمال من صفاته عدم الخطأ. ولكن الغير كامل بسبب النقص الذي فيه ممكن يختار أن يخطئ وممكن أن يختار ألا يخطئ حسب حريته وهذا الشيطان الذي اختار بحريته أن يخطئ. فالله خلق الشيطان حر والحرية رائعة خير ولكن هي ممكن تتحول لشر لو اختار الشيطان بحريته ذاته بدل الله. فالحرية هي خلقت من الله ولكن تحولها للشر ليس عيب من الله ولكن هي امكانيه لمن يستخدمها خطأ. ومثال آخر حكمة الشيطان حكمه رائعة ولكن ليست مطلقه مثل الله فالله لم يخطئ في خلق حكمة الشيطان ولكن الشيطان لان حكمته غير كامله ليس مثل حكمة الله ولأنه بحريته اختار بحكمته ان يختار ذاته وليس الله فوجد فيه اثم "أَنْتَ كَامِلٌ فِي طُرُقِكَ مِنْ يَوْمَ خُلِقْتَ حَتَّى وُجِدَ فِيكَ إِثْمٌ." (سفر حزقيال 28: 15). فالشيطان خطيته هو اختيار ذاته بدل من الله والملائكة الذين تبعوه اختاروا ذاتهم بدل من الله فسقطوا، أما بقية الملائكة اختاروا بإرادتهم الله بدل من ذواتهم فاسلموا بإرادتهم الكاملة ذواتهم لله فيفرحوا برؤية وجه الرب ويستمتعوا بمكانتهم الراقية وأيضا يفرحون بتنفيز غرض الرب في أن يكونوا خدام للعتيدين أن يرثوا الخلاص أي الإنسان. فالحرية التي تجعل الملائكة تفرح جدًا بعملها مع الإنسان هي رائعة، ولكن استغلال الحرية في اختيار الرفض وإغواء الإنسان هو ليس عيب في الحرية نفسها ولكن عيب في الكيان الذي أخطأ الاختيار.
ولكن قد يغير البعض السؤال قليلًا ويقول، لماذا ترك الرب الشيطان ولم يفنه بعد سقوطه حماية للإنسان مثلما أفنى بعض الأشرار قبل الطوفان وسدوم وعمورة وغيرهم؟ والموضوع في نقطتين وهو سبب وهدف.
السبب في عدم افناء الشيطان أنه هو كائن روحي والطبيعة الروحية لا يوجد في خواصها الفناء ولكن الإنسان ماده وروح لذلك الجسد المادي يفني أما الروح البشرية هي التي تعود للرب "تَخْرُجُ رُوحُهُ فَيَعُودُ إِلَى تُرَابِهِ. فِي ذلِكَ الْيَوْمِ نَفْسِهِ تَهْلِكُ أَفْكَارُهُ." (سفر المزامير 146: 4). فحتى الأشرار الذين أفناهم الرب هو أفناهم بالجسد فقط ولكن أرواحهم باقية وستنال العقاب المستحق. فالشيطان حُكم عليه بالهلاك الابدي في بحيرة النار والكبريت "وَإِبْلِيسُ الَّذِي كَانَ يُضِلُّهُمْ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ وَالْكِبْرِيتِ، حَيْثُ الْوَحْشُ وَالنَّبِيُّ الْكَذَّابُ. وَسَيُعَذَّبُونَ نَهَارًا وَلَيْلاً إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ." (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 20: 10).
أمر أخر مهم يجب التأكيد عليه، الله لم يفاجأ بما فعله الشيطان وكان يعرف مسبقًا وتركه بمبدأ الحرية، ولكن أيضا الله كان يعرف كيف يحول شره للخير للذين يحبون الله. مع ملاحظة أن الرب حتى للملائكة الساقطين خلق لهم النار مسكنًا لهم التي هي من طبيعتهم كأبدية "«ثُمَّ يَقُولُ أَيْضًا لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ،" (إنجيل متى 25: 41)، ولكن يكونون معزولين لخير الإنسان. أي النهاية ستكون خير ولن نحتاج أن نستمر نعاني من أعمال الشيطان للأبد بل فترة الحياة وهي فترة مؤقتة. هذا من جهة الشيطان والحرية.
أما من جهة الانسان وتحويل هذا للخير: فهذا ذكرته مرارا في الملفات السابقة ولهذا باختصار. الرب يعرف كل شيء كما عرفنا بالأدلة الكتابية وأيضا يعرف أن الشيطان سيسقط ورغم هذا ترك له الحرية. ولكن الرب الذي يعرف كل ما كان لوسيفر وملائكته ينوون عمله لأن لا أحد يستطيع أن يفعل شيئاً في السر أمام الله؛ لأن الله يعرف كل شيء حتى قبل أن يحدث بعلمه الازلي وبحكمته. فلقد رأى الله الخطية التي كانت في قلب لوسيفر وقلوب الملائكة الذين تبعوه قبل أن يخلقوا، وبحكمة الله قرر أن يستخدمها للخير وهو حق الاختيار، أن يختار الإنسان الانتقال بعد الاختيار بمنتهى الحرية إلى ملكوت السماوات التي لا تقارن بجنة عدن. فالله عالم بما يفعله الشيطان وعالم أن هذا سيحوله لخير الذين يحبون الله "وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ." (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 8: 28). بل ليس على النطاق العام فقط بل أيضًا على مستوى كل شخص وفي مواقف متكررة في حياة كل شخص. مثلما حول شر الشيطان ضد بشر كثيرين للخير، مثل أيوب ويوسف وداود وغيرهم الكثير وكل واحد فينا لو استمر يحب الرب وتمسك به. بل حول شر الشيطان مع يهوذا الذي خان الله نفسه للخير لخلاص البشرية. فالله خلقه ويعرف ما سيفعل وتحمل شره وحول شره لخير البشرية. مع ملاحظة أن الإنسان أدرك أكثر الحرية عندما خير بين وصية الله وبين اغواء الشيطان. بل الشيطان نفسه مثال واضح لأي أحد يشكك في أن الله اعطى الكل الحرية، فها هو أحد الخدام ولأنه حر أختار التمرد على الله.
أما الهدف من تركه ليحول شره للخير وهو ليكون له دور مهم في رفع الانسان إلى مكانة ممجدة جدًا وهو الملكوت الروحي الذي لا نستطيع أن نتخيله "بل كما هو مكتوب ما لم تر عين ولم تسمع اذن ولم يخطر على بال انسان ما أعده الله للذين يحبونه " (رسالة بولس الرسول الي اهل كورنثوس 2: 9). بمعنى أن الله خلق الإنسان له حق الاختيار لكي يختار بنفسه أن يقبل ملكوت السماوات ليحيا مع الرب في هذه المكانة المرتفعة إلى الأبد. وخلق الشيطان كملاك ويعرف أنه سيسقط وسيصبح غربال للبشر "وَقَالَ الرَّبُّ: «سِمْعَانُ، سِمْعَانُ، هُوَذَا الشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَالْحِنْطَةِ!" (إنجيل لوقا 22: 31)، فهو رغم أنه شرير جدًا وشرس جدًا وخبيث ايضًا ولكن الرب يحول حيله لخير الانسان. فلو أفنى الله الشيطان من البداية لكان مكاننا هو جنة عدن فقط المادية التي لا تقارن بملكوت السماوات الروحي. أي الهدف الذي ترك الرب الشيطان للحرية ولأنه يعرف أنه سيسقط بحريته ويجرب الإنسان. والإنسان الذي سيكون بحريته يختار أن يسقط أو لا يسقط. وإن سقط أن ويتوب أو لا يتوب. ومن يختار ألا يسقط أو لو سقط يتوب ويتمسك بالرب ويحب الرب ويريد أن يكون معه سيكون معه بإرادته، أي لمن يختار الرب سيكون معه في الملكوت وليس في جنة عدن الأرضية.
فالفكرة في البداية باختصار شديد الرب أحب الانسان ولهذا خلقه "تَرَاءَى لِي الرَّبُّ مِنْ بَعِيدٍ: «وَمَحَبَّةً أَبَدِيَّةً أَحْبَبْتُكِ، مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَدَمْتُ لَكِ الرَّحْمَةَ." (سفر إرميا 31: 3)، "فَرِحَةً فِي مَسْكُونَةِ أَرْضِهِ، وَلَذَّاتِي مَعَ بَنِي آدَمَ." (سفر الأمثال 8: 31) فخلق كل شيء لأن لذته مع بني آدم. بل الخليقة كلها لأجله "لأَنَّ انْتِظَارَ الْخَلِيقَةِ يَتَوَقَّعُ اسْتِعْلاَنَ أَبْنَاءِ اللهِ." (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 8: 19)، "السَّمَاوَاتُ سَمَاوَاتٌ لِلرَّبِّ، أَمَّا الأَرْضُ فَأَعْطَاهَا لِبَنِي آدَمَ." (سفر المزامير 115: 16). فحتى الملائكة خدام الله رغم عدم احتياج الله لهم ولكن أيضًا أحد أدوارهم هم خدام للعتيدين أن يرثوا الخراص كما تم توضيحه. مثل أب يحب الأبناء فلهذا ينجبهم. وقبل أن ينجبهم يعد لهم المكان وأيضًا يعد لهم من سيخدمهم ويخطط لمن سيتولى تعليمهم. كل هذا ليختاروا أن يحبوه لأنه أبيهم. هو ليس سادي وليس يفرض عليهم شيء وإلا بهذا المقياس أصبح كل أب ينجب هو سادي حتى لو كان محب لا بناؤه. فالله كأب حنون محب أنجب لأجل محبته للأبناء رغم أنه لا يريد منهم شيء إلا أن يعطيهم محبته "لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «هأَنَذَا أُدِيرُ عَلَيْهَا سَلاَمًا كَنَهْرٍ، وَمَجْدَ الأُمَمِ كَسَيْل جَارِفٍ، فَتَرْضَعُونَ، وَعَلَى الأَيْدِي تُحْمَلُونَ وَعَلَى الرُّكْبَتَيْنِ تُدَلَّلُونَ." (سفر إشعياء 66: 12). والله احبنا كمحبة العريس للعروس "لأَنَّهُ كَمَا يَتَزَوَّجُ الشَّابُّ عَذْرَاءَ، يَتَزَوَّجُكِ بَنُوكِ. وَكَفَرَحِ الْعَرِيسِ بِالْعَرُوسِ يَفْرَحُ بِكِ إِلهُكِ." (سفر إشعياء 62: 5)، "19 وَأَخْطُبُكِ لِنَفْسِي إِلَى الأَبَدِ. وَأَخْطُبُكِ لِنَفْسِي بِالْعَدْلِ وَالْحَقِّ وَالإِحْسَانِ وَالْمَرَاحِمِ. 20 أَخْطُبُكِ لِنَفْسِي بِالأَمَانَةِ فَتَعْرِفِينَ الرَّبَّ." (سفر هوشع 2: 19-20)، "ثُمَّ جَاءَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنَ السَّبْعَةِ الْمَلاَئِكَةِ الَّذِينَ مَعَهُمُ السَّبْعَةُ الْجَامَاتِ الْمَمْلُوَّةِ مِنَ السَّبْعِ الضَّرَبَاتِ الأَخِيرَةِ، وَتَكَلَّمَ مَعِي قَائِلاً: «هَلُمَّ فَأُرِيَكَ الْعَرُوسَ امْرَأَةَ الْخَرُوفِ»." (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 21: 9)، "فَإِنِّي أَغَارُ عَلَيْكُمْ غَيْرَةَ اللهِ، لأَنِّي خَطَبْتُكُمْ لِرَجُل وَاحِدٍ، لأُقَدِّمَ عَذْرَاءَ عَفِيفَةً لِلْمَسِيحِ." (رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس 11: 2). ولكن ربنا لا يجبر أحد فرغم أن لذته مع بني آدم كمحبة الأب للأبناء إلا إنه لا يجبرهم كأبناء أن يحبوه كأب ضد إرادتهم ولكن فقط ينصحهم؛
31 فَرِحَةً فِي مَسْكُونَةِ أَرْضِهِ، وَلَذَّاتِي مَعَ بَنِي آدَمَ. 32 «فَالآنَ أَيُّهَا الْبَنُونَ اسْمَعُوا لِي. فَطُوبَى لِلَّذِينَ يَحْفَظُونَ طُرُقِي. 33 اسْمَعُوا التَّعْلِيمَ وَكُونُوا حُكَمَاءَ وَلاَ تَرْفُضُوهُ. 34 طُوبَى لِلإِنْسَانِ الَّذِي يَسْمَعُ لِي سَاهِرًا كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ مَصَارِيعِي، حَافِظًا قَوَائِمَ أَبْوَابِي. 35 لأَنَّهُ مَنْ يَجِدُنِي يَجِدُ الْحَيَاةَ، وَيَنَالُ رِضًى مِنَ الرَّبِّ، 36 وَمَنْ يُخْطِئُ عَنِّي يَضُرُّ نَفْسَهُ. كُلُّ مُبْغِضِيَّ يُحِبُّونَ الْمَوْتَ». (سفر الامثال 8: 31-36).
فالذي يكره أبيه رغم محبة إبيه له هو مثل من يكره الحياة ويحب الموت أكثر. بل الله خلق الملائكة هم خدام كما تم توضيحه في "وَعَنِ الْمَلاَئِكَةِ يَقُولُ: «الصَّانِعُ مَلاَئِكَتَهُ رِيَاحًا وَخُدَّامَهُ لَهِيبَ نَارٍ»." (رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 1: 7)، فهم خدامه ويوكلهم ان يخدموا أبناؤه البشر. والله خلق الانسان لكي يعيش معه في نعيم إلى الأبد "حِدْ عَنِ الشَّرِّ وَافْعَلِ الْخَيْرَ، وَاسْكُنْ إِلَى الأَبَدِ." (سفر المزامير 37: 27)، "لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ." (إنجيل يوحنا 3: 16). والشيطان وملائكته الساقطين أصبح بسقوطهم لهم دور في هذا الاختيار، فكغربال ليظهر ما يخفي الإنسان أو ما لا يعرفهم الإنسان عن قلبه. فبدون هذا الغربال الإنسان المقبول قد يظل يتساءل لماذا وضع في الملكوت بدون اختياره وبدون اشتياق منه فالشيء الذي لا يتعب فيه الإنسان ولا يجاهد لأجله لا يدرك قيمته. وأيضًا في المقابل الإنسان المرفوض بدون الشيطان كان سيحتج أمام الله لماذا رُفِض، فالشيطان له دوره في إظهار استحقاق رفض هذا الإنسان. فالشيطان أظهر معدن الإنسان وما في قلبه. فلهذا الله خلق الإنسان في الأرض وخلق هليل بن شاهر أو زهرة بن الصبح أحد رؤساء الملائكة والذي سقط وأصبح الشيطان وهذا يعرفه الله مسبقًا ويعرف أنه سيحوله للخير وبخاصة لكل إنسان بار حتى يختار الرب في التجارب ويجاهد لأجل هذا فينتقل للملكوت ويكون مع الرب الذي أحبه والملكوت الذي اختاره بحريته وجاهد لأجله فيشعر بقيمته.
ولكن اعود مرة ثانية لنقطة الاختيار. الملائكة التي اختارت الله استمرت معه والتي رفضت الله انفصلت عنه ولهذا أصبحت ساقطة وملعونة لانفصالها عن الله العلي مصدر البركة. وحول الله هذا أيضًا لخير الإنسان ليصبح غربال أو يصبح اختبار مثل لجنة امتحان ليس فقط للتقييم فالله يعرف تقييم كل إنسان بل ليعرف الإنسان نفسه تقييم نفسه. لأن الإنسان عادة يظن في نفسه أعلى من استحقاقه ولا يعرف تقيمه الحقيقي ألا في لجنة الامتحان. وأيضًا الأنسان بحريته عندما يدرك إن هناك امتحان يجاهد لتظهر قيمته مرتفعة ولكيلا يرسب. وهذا أيضًا بحرية الإنسان. وأيضًا ليشعر بقيمة الشهادة التي حصل عليها لأنه بدون امتحان الذي استلزم جهاد الشهادة بلا قيمة وحق مكتسب. بل لم يحصل عليها الإنسان بحريته. ربنا لا يريد أن يجبرنا على أن نحبه مثل أب لا يريد أن يجبر أولاده على محبته ولا يريد أن يجبرنا أن نقبل التبني ولا يريد أن يجبرنا أن نقبل الملكوت، بل هو يريد أن نحبه بحريتنا وبإرادتنا ونختاره بحرية وأن نتمنى أن نعيش معه كأب في الملكوت إلى الأبد. فالله المحب الذي يريد الإنسان أن يختاره عن اقتناع وليس عن اجبار وتسيير وقسر. فالحرية اعطاها الله لنا لنختار أن نبادله المحبة فهو بحريته احبنا ويريد أن نحبه بحريتنا. كما قال " وَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ. هذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى. " (إنجيل مرقس 12: 30). والحرية التي أعطاها لنا هدفها أن نعرف الله ونختاره بحريتنا. وهذا كان أحد أدوار الشيطان أنه بسقوطه واغواؤه يحوله الرب حق اختيار. ولو لم يكن الشيطان سقط لما كان هناك اختيار بديل.
لأوضح هذا اضرب مثال كررته سابقًا؛ ملك شاب به كل الصفات التي تتمناها أي شابة من اخلاق وجمال ومكانة وثقافة ومحبة وغيره الكثير جدًا، وهذا الملك أحب فتاه جدًا رغم فقرها، وهو يعرف أنه سيسعدها جدًا وسيعطيها نوعية من الحياة لن تحصل عليها في أي مكان اخر، ولكن لكي يرتبط بها ويتزوجها لا بد أن يترك لها الحق أن تقبل أو ترفض. فتخيلوا لو أنه أخذها زوجة له شريكة حياة دون موافقتها مع اعتبار أنه يحبها بالفعل وسيوفر لها حياة سعيدة ولكن هذا يعتبر إجبار بل واغتصاب. فهو لا بد أن يطلب منها أن تختاره لو كانت تريد. ولو وافقت باختيارها سيوفر لها أجمل مكان يستطيع كقصر جميل به كل وسائل الراحة. ولو رفضت رغم أنه يعرف إنها لن تعيش سعيدة مثلما يتمنى لها وسيحزن لها ولكن يتركها كاختيارها حتى لو عاشت فقيرة تعيسة ولكن هذا اختيارها ويجب عليه أن يحترمه. وهي عليها أيضًا أن تتحمل نتيجة اختيارها بحرية. ولكن أيضًا متى قبلته سيترك لها فترة تجاهد اعدادًا للزيجة وتتعرف عليه وتشتاق للمكان الذي ستعيش معه فيه.
ونفس المقياس الأب الذي يحب أبناؤه جدًا وعنده قصر ضخم جدًا أو مجمع ولكن لا يجبر أبناؤه إن يعيشوا معه إلا باختيارهم، فلو قبل ابن أن يبادل محبة أبوه ويعيش في مجمعه سيعطيه أفضل ما يملك؛ أما لو هذا الابن رفض الأب تمامًا وأصر أن يعيش بعيد عن أبيه بل وتبرأ من أبيه، الأب لن يجبره حتى لو عاش في مكان متعب فسيحزن من أجله ولكن لن يجبره ومثال على هذا الجزء الأول من مثل الابن الضال. والأبن عليه أيضًا أن يتحمل نتيجة اختياره التي اختاره بحريته. وأيضًا هذا الأبن لو اختار محبة أبيه ولكن لكيلا يكون مدلل يجب عليه أن ينضج ويدرك قيمة ما يورثه له أبيه ولا يأخذه كحق مكتسب بدون أن يدرك قيمته. فهذا الأب قد يجعل ابنه يخوض بعض التجارب أو بعض التدريبات ليصبح ناضج يدرك قيمة ما سيعطيه له أبوه "12 لأَنَّكُمْ إِذْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ لِسَبَبِ طُولِ الزَّمَانِ تَحْتَاجُونَ أَنْ يُعَلِّمَكُمْ أَحَدٌ مَا هِيَ أَرْكَانُ بَدَاءَةِ أَقْوَالِ اللهِ، وَصِرْتُمْ مُحْتَاجِينَ إِلَى اللَّبَنِ، لاَ إِلَى طَعَامٍ قَوِيٍّ. 13 لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَتَنَاوَلُ اللَّبَنَ هُوَ عَدِيمُ الْخِبْرَةِ فِي كَلاَمِ الْبِرِّ لأَنَّهُ طِفْلٌ، 14 وَأَمَّا الطَّعَامُ الْقَوِيُّ فَلِلْبَالِغِينَ، الَّذِينَ بِسَبَبِ التَّمَرُّنِ قَدْ صَارَتْ لَهُمُ الْحَوَاسُّ مُدَرَّبَةً عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ." (رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين 5: 12-14)، وهذا دور الشيطان فهو اختار بإرادته أن يسقط وان يصبح مجرب لنا "مِنْ أَجْلِ هذَا إِذْ لَمْ أَحْتَمِلْ أَيْضًا، أَرْسَلْتُ لِكَيْ أَعْرِفَ إِيمَانَكُمْ، لَعَلَّ الْمُجَرِّبَ يَكُونُ قَدْ جَرَّبَكُمْ، فَيَصِيرَ تَعَبُنَا بَاطِلًا." (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل تسالونيكي 3: 5)، "لِكَيْ لاَ يُجَرِّبَكُمُ الشَّيْطَانُ لِسَبَبِ عَدَمِ نَزَاهَتِكُمْ." (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 7: 5). فبهذا يعطي لكل إنسان حق الاختيار بالتجربة. وأيضًا الدور الثاني وهو بكل شره يسبب لنا متاعب متنوعة فننضح ونتنقى ونتزكى "2 اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ، 3 عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا. 4 وَأَمَّا الصَّبْرُ فَلْيَكُنْ لَهُ عَمَلٌ تَامٌّ، لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ." (رسالة يعقوب 1: 2-4). فلهذا دور الشيطان أساسي في خطة الخلاص وكنا سنحرم من حق الاختيار الهام جدًا، وأيضًا كنا سنحرم من النضوج الروحي. فالشيطان وحق اختيار الإنسان وأيضًا النضوج هم شبه لا ينفصلوا.
فالله الذي خلق الانسان لأجل أنه أحب الإنسان مثله مثل أي أب وأيضا يريد أن يخطب الإنسان لنفسه مثل أي عريس، لكنه لا يجبرنا. والله مثل أب ومثل عريس أعد مكان لا يوصف من روعته "بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ»." (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 2: 9). وهو المكان الوحيد الذي أعده لأنه هو المكان الذي موجود فيه ولا يحتاج أن يعد مكان اخر. ولكن من يرفضه كأب وكعريس فهو يرفض أن يكون معه ويقيم معه، والرب لن يجبره على هذا. ولكن للأسف يوجد مكان آخر لم يعده الرب للبشر ولكن هو معد للشياطين الأشرار "«ثُمَّ يَقُولُ أَيْضًا لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ،" (إنجيل متى 25: 41). واشر ما فيه هو عدم وجود شركة مع الله. والله لن يقبل في ملكوته لا من رفضه ولا من يصنع شر وأظهر شر قلبه ومعدنه الشرير، لأن من لم يحب القداسة على الأرض فلن يحبها في السماء والله قدوس لا يقبل في محضره عدم القداسة. والمكان الثاني فقط للذي اختار عدم القداسة هو المعد للشياطين. فالأمر هو أن الرب الذي خلقك والذي أعطاك كل شيء ليس عن حق مكتسب منا بل فضلا منه. بل واعطاك الحرية الكاملة. لو لم تؤمن به ورفضته لن يجبرك أن تكون معه بل أعطاك أن تكون ابنه وترث كل شيء "مَنْ يَغْلِبْ يَرِثْ كُلَّ شَيْءٍ، وَأَكُونُ لَهُ إِلهًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا." (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 21: 7). وبدون الشيطان ما كان سيتاح هذا بطريقة مباشرة نستوعبها. فهل يطالبوا الرب بأن لا يخلق البشر لكيلا يخلق الشيطان ولكيلا يعاقب الأشرار في النار؟ بالطبع لا فالله عندما خلق الانسان حسن جدًا وأعطاه الطريق بسهوله لكي يفوز بالحياة الأبدية بل يظهر له محبة كأب ويساعده في أي وقت يطلب مساعدته. ولكن لو الله لكيلا يعاقب الأشرار اضطر ألا يخلق الإنسان الذي أحبه مثل أب أحب أن ينجب ابن يحبه ولكيلا يخلق الشيطان، سيكون الله ضعيف لأنه أراد شيء ولم يستطع أن يفعله وسيكون الشر انتصر حتى في عدم وجوده لأنه منع خير الله عن البشر بمنعه من خلقهم وفوزهم بالملكوت. مثل أب خوفًا من أن أحد أبناؤه لن يبادله المحبة فمنع نفسه تمامًا عن الإنجاب وحرم نفسه من المحبة الأبوية.
وهل يطالبوا ان الله لأنه خلق الشيطان وعارف أنه سيسقط ويجرب الإنسان وأيضًا لم يفنه بعد سقوطه فلهذا يجب على الله ألا يعاقب الانسان الشرير ولكن بعد موته ينتهي ولا يدخل الجحيم؟ أيضا هذا هو ضد العدل تمامًا لأنه مثل القاضي الممنوع عليه أن يعاقب المجرم بل وسيكون الشرير تساوى تمامًا مع البار في الفناء. فهذا الحل ضد عدل الله. بل هذا سيكون ضد الحرية، لأن الإنسان الذي رفض الرب بحريته واختار الشيطان بأي صورة من صورة اتباع الشيطان بحريته ليس من العدل افناؤه وعدم ابقاؤه مع الشيطان الذي اختاره. هل أقول لطالب ثانوي أنه لو لم تكن جيد بل كنت سيئ هل ارجعه إلى العدم أم ينال ما استحقه من مستقبل؟ الفناء هو ضد العدل. مع ملاحظة الرب خلق الروح لتستمر إلى الأبد.
وهل يطالبوا الله أن يخلقهم ولكن يمنع عنهم الشيطان تمامًا مجرب ولا يترك لهم فرصة الاختيار لكيلا يعاقبوا؟ أيضا هذا ضد إلهنا الحرية لاأ الله كان يستطيع أن يخلق العالم مقيد بقيود فيتحرك الكل كالات بدون حريه وبهذا لن يخطئ أحد وهذا يصلح في حالة واحده لو لم يكن هناك إيمان، لأن الإيمان لا يتفق مع القيد والاجبار فلا تؤمن بشيء وتتمناه إن كنت مجبر أن تصل له. وكما ذكرت أن الكتاب المقدس قال إن روح الرب يعطي حرية. فبهذا المسيحية لا تتفق مع القيد والعبودية ولكن في روحها حرية ولهذا تقييد البشر بقيود ومنع الشيطان عنهم فلن ينال الإنسان فرحة حريته في المسيح ولن يدرك قيمتها أصلًا، وأيضًا بالقيد لكيلا يصبح غير مؤمن أو ملحد فهو ليس له الاستحقاق في الملكوت لأنه قيد عن أن يقبل خلاص المسيح بحريته. فلا يستحق شيء لم يختاره أصلًا ويكون الملكوت ليس مكافئة بل اجبار وهذا غير مقبول.
والمثال الذي قلته كثيًار وهو اختيار الحب بين العريس وعروسه فالذي يفرض على عروسه أن تحبه مجبره أو تقبله بالإجبار وليس بالاختيار هذا ليس تبادل محبه ولكن قهر واغتصاب حقوق. بل أيضًا هي لن تدرك قيمة القصر الذي يعده لها، فمهما ازدادت عظمة هذا القصر سيكون لها عبارة عن سجن. أما الذي يحب عروسه بحق يتأكد أولا من محبتها له واختيارها بكامل ارادتها وحريتها له بل يعطيها الوقت بما فيها فترات غياب عنها لتدرك أن كانت تحبه بالفعل وتشتاق له أم لا، وبهذا تفرح بما تناله في النهاية وتدرك قيمته. وهذه هي المحبة في المسيحية بحريه كاملة. وهذا لا يتفق مع القيد لكيلا يكون ألم. والهنا كلي المحبة يريدنا أن نختاره بحريتنا الكاملة وأن ننضج وأن ندرك قيمة ما أعده لنا وأن نجاهد في طلبه لكيلا يكون حق مكتسب بلا قيمة وبلا إدراك لقيمته. فالعريس والعروس يتحملوا بعض المشاق قليلًا في فترة الخطوبة لينتهي الأمر بفرح أفضل، فالألم مرتبط بالمحبة ومنع الألم منع محبة. والتدريب والغربلة مرتبطة بفهم القيمة ومنع التدريب والغربلة يصبح الملكوت بلا قيمة. بل لا ندرك عظمة الملكوت لو لم نقارنه بأرض الأتعاب. فيجب أن نختبر أرض الأتعاب أولا لندرك قيمة الملكوت. والشيطان دوره جعلها أرض أتعاب لإدراك قيمة الملكوت. وإدراك قيمة الملكوت هذا خير كبير وقيمة مرتفعة.
ولو كان عدم خلق الشيطان أو فناؤه هو الحل المختار لكان الله وضعنا من الأول في الملكوت ولكننا في الملكوت لم نعرفه ولم نعرف حبه ولعشنا في الملكوت منفصلين في عيشه مره مقيده؛ وأصبح هو إله اجبار وفرض وسيطرة فقط ولم ندرك قيمة الملكوت الذي أصبح فقط سجن. وهذا ليس إلهنا ولهذا الرب الذي يعرف أن الشيطان سيسقط بحريته فخلقه ولم يفنيه ولم يجبره ولكن حول شره للخير لكل من يحب الرب أن رغم اغواء الشيطان فيختار الرب بإرادته ويرفض ان يستمع للشيطان وبالألآم والتجارب ينضج روحيًا ويشتاق للرب وملكوته ويدرك قيمته المكان الذي يعيش فيه مع الرب وبهذا ينتقل من أرض الأتعاب إلى ملكوت السماوات وهذه هي الحرية. العالم بدون حريه لكيلا يخطئ مكانته أقل بكثير من العالم الذي نحياه الأن ولنا حرية الاختيار، مثل الدولة القاسية التي تفرض قيود صعبة جدًا ولا يوجد بها حرية لا فكر ولا تعبير لكيلا يخطئ شعبها، وهي أقل بكثير في المكانة من الدولة التي يتمتع شعبها بحرية، حتى ولو كان البعض يؤذي من أخطاء البعض، ولكن من يخطئ يعاقب والذي تأذى يعوض. والإنسان المقيد لن يعرف معني وجمال الحرية لأنه لم يدركها ولن يدرك معنى وجمال الرب وملكوته الذي لم يشتاق إليه. بل لو قيد الأنسان وأفنى الشيطان فبهذا الله أثبت أنه لا يستطيع أن يحول أي شيء للخير ولا يستطيع أن يوجه الإنسان لأنه خوفًا من ألم الإنسان بسبب الحرية فقيده، فهذا أيضا حل مرفوض. فالهنا قادر علي كل شيء وقادر أن يحول الشر لخير أفضل منه بكثير واثبت ذلك بانه يعطي الحرية كاملة للعالم، ووسط هذا يحافظ على أولاده لمن يطلب منه ولكن يسمح أحيانًا ببعض الألم للتذكية وللتدريب وللنضح ولإدراك قيمة الراحة.
أيضًا نقطة أخرى هامة وهي؛ لا مكافئة بدون تعب وإنجاز. فكيف يكافأ شخص بدون أن ينجز شيء، وكيف يحصل طالب على شهادة نجاح بدون امتحان أو تقييم؟ فالرب سمح للشيطان أن يسبب أتعاب لأبنائه ليستحقوا أن يكافؤوا لتحملهم. ولكن من محبة الرب هو جعل المكافئة أعظم بكثير جدًا بشكل لا يقارن بالأتعاب "لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا." (رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس 4: 17). فبدون الشيطان لما كان هناك ضيقات فما كنا نستحق المجد مكافئة التحمل. ومهما بمقاييسنا البشرية غالينا في قيمة الضيقات فهي خفة مقارنة بثقل المجد الأبدي. فالرب خلق الشيطان وهو يعرف ما سيفعل، وتركه ولم يفنيه عندما سقط لأنه يعرف جيدًا كيف يحول مضايقته لنا في الأرضيات إلى ثقل مجد أبدي في السماويات.
اكرر أرادة الله هي الحرية والخلاص والمكافئة للكل بدون استثناء، ويحزن جدًا على من لا يخلص ولكن لا يجبر أحد، وترك الشيطان ليغربل كل شخص ويظهر معدن كل شخص ليعرف كل شخص استحقاقه. والرب أستمر يدعوا الكل "اِلْتَفِتُوا إِلَيَّ وَاخْلُصُوا يَا جَمِيعَ أَقَاصِي الأَرْضِ، لأَنِّي أَنَا اللهُ وَلَيْسَ آخَرَ." (سفر إشعياء 45: 22)، "هَلْ مَسَرَّةً أُسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ؟ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. أَلاَ بِرُجُوعِهِ عَنْ طُرُقِهِ فَيَحْيَا؟" (سفر حزقيال 18: 23)، "قُلْ لَهُمْ: حَيٌّ أَنَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، إِنِّي لاَ أُسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ، بَلْ بِأَنْ يَرْجعَ الشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا." (سفر حزقيال 33: 11)، "لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ." (إنجيل يوحنا 3: 17)، "لاَ يَتَبَاطَأُ الرَّبُّ عَنْ وَعْدِهِ كَمَا يَحْسِبُ قَوْمٌ التَّبَاطُؤَ، لكِنَّهُ يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَةِ." (رسالة بطرس الرسول الثانية 3: 9)، "الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ." (رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس 2: 4).
بل ويعمل على هذا لمن يطلب مساعدة أثناء غربلة الشيطان له. ولكن لا يجبر أحد من أجل الحرية بل يحول شر الشيطان ضد الإنسان للخير وللذي يختار الرب لرفع الإنسان من الأرض إلى ملكوت السماوات. فالجنة الأرضية لم تكن الهدف ليعيش فيها الإنسان للأبد بل هي أيضًا كانت مرحلة مؤقتة قصيرة جدًا بعد أن يعرف الإنسان الله ويختاره رغم غربلة الشيطان فينال بها الانسان ملكوت الله. لهذا الرب خلق الشيطان ولم يفنه وسمح للشيطان أن يغوي الإنسان، والرب بهذا بطريقة غير مباشرة يعطي للإنسان الاختيار إما أن يتبع الشيطان أو يتبرر في الرب يسوع المسيح. فالمسيح يسمح لنا بأن نتألم ونموت بالجسد الفاني لنأخذ الجسد الغير فاني ونموت عن الجسد الضعيف المتألم ونأخذ الجسد الممجد الذي هو أعظم بكثير وهو الجسد النوراني الذي لا يقارن بالجسد المادي. مع ملاحظة أننا لا نعلم التفصيلات ولا كل الأبعاد ولكن فقط هذا ما بسطه الله لمفهومنا.
40 وَأَجْسَامٌ سَمَاوِيَّةٌ، وَأَجْسَامٌ أَرْضِيَّةٌ. لكِنَّ مَجْدَ السَّمَاوِيَّاتِ شَيْءٌ، وَمَجْدَ الأَرْضِيَّاتِ آخَرُ. 41 مَجْدُ الشَّمْسِ شَيْءٌ، وَمَجْدُ الْقَمَرِ آخَرُ، وَمَجْدُ النُّجُومِ آخَرُ. لأَنَّ نَجْمًا يَمْتَازُ عَنْ نَجْمٍ فِي الْمَجْدِ. 42 هكَذَا أَيْضًا قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ: يُزْرَعُ فِي فَسَادٍ وَيُقَامُ فِي عَدَمِ فَسَادٍ. 43 يُزْرَعُ فِي هَوَانٍ وَيُقَامُ فِي مَجْدٍ. يُزْرَعُ فِي ضَعْفٍ وَيُقَامُ فِي قُوَّةٍ. 44 يُزْرَعُ جِسْمًا حَيَوَانِيًّا وَيُقَامُ جِسْمًا رُوحَانِيًّا. يُوجَدُ جِسْمٌ حَيَوَانِيٌّ وَيُوجَدُ جِسْمٌ رُوحَانِيٌّ. 45 هكَذَا مَكْتُوبٌ أَيْضًا: «صَارَ آدَمُ، الإِنْسَانُ الأَوَّلُ، نَفْسًا حَيَّةً، وَآدَمُ الأَخِيرُ رُوحًا مُحْيِيًا». 46 لكِنْ لَيْسَ الرُّوحَانِيُّ أَوَّلًا بَلِ الْحَيَوَانِيُّ، وَبَعْدَ ذلِكَ الرُّوحَانِيُّ. 47 الإِنْسَانُ الأَوَّلُ مِنَ الأَرْضِ تُرَابِيٌّ. الإِنْسَانُ الثَّانِي الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ. 48 كَمَا هُوَ التُّرَابِيُّ هكَذَا التُّرَابِيُّونَ أَيْضًا، وَكَمَا هُوَ السَّمَاوِيُّ هكَذَا السَّمَاوِيُّونَ أَيْضًا. 49 وَكَمَا لَبِسْنَا صُورَةَ التُّرَابِيِّ، سَنَلْبَسُ أَيْضًا صُورَةَ السَّمَاوِيِّ. 50 فَأَقُولُ هذَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ: إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لاَ يَقْدِرَانِ أَنْ يَرِثَا مَلَكُوتَ اللهِ، وَلاَ يَرِثُ الْفَسَادُ عَدَمَ الْفَسَادِ." (رسالة بولس الرسول الأولى الى اهل كورنثوس 15: 40-50).
وهذا هدف الله من خلق الإنسان ليكون معه لهذا من البداية سمح بالحرية ويعرف نتيجتها فأعد خطة الخلاص مقابل لسقوط الشيطان واغواؤه. ولكن عطية المسيح فاقت بكثير أثار خطية آدم فأعطانا حياة وهي حياة أعظم من أدم في الجنة ولا تقارن مع آدم. كان آدم يحيا في الأرض، والآن بعد الرقاد نحن نحيا مع المسيح في السماء " واقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع " (رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس 2: 6). بل بهذه الطريقة وتجربة الشيطان تألمنا وخسرنا جسداً ترابياً قابل للموت وبنعمة المسيح صار لنا جسداً ممجداً له حياة أبدية هي حياة المسيح وهذه نحصل على عربونه بالمعمودية. وبسماحه بتجربة الشيطان خسرنا الفردوس وهذا الفردوس ما هو إلا حديقة على الأرض؛ وبنعمة المسيح صار لنا مكاناً في عرش المسيح في ملكوت السماوات "من يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي كما غلبت أنا أيضًا وجلست مع أبي في عرشه" (سفر رؤيا يوحنا 3 :21). بالخطية خسرنا جسداً معرضاً للخطية لأنه معرض لإغواء إبليس ولكن لنا حرية اختيار. وبنعمة المسيح صارت الخطية بلا سلطان على الإنسان لأننا تحت النعمة ولسنا تحت الناموس (رو14:6). بل أنه في السماء لن تدخل الشياطين إلى أورشليم السماوية فأبوابها لن يدخل منها شيئا دنس، "ولن يدخلها شيء دنس ولا ما يصنع رجسا وكذبًا إلا المكتوبين في سفر حياة الخروف." (سفر رؤيا يوحنا 21 :27).
وما شرحه معلمنا بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومية 5، كان للإنسان جسد لحمي غير فاسد وبتجربة الشيطان فسد وهذا يعرفه الرب بعلمه الأزلي ولكن أيضا اعد له الخلاص. وبخلاص المسيح فاز بجسد نوراني لا يوصف. فهذا يشبه إنسان كان يسكن في الدور الارضي وبالخطية هبط إلى الشارع بأتعابه وجاء المسيح ليرفعه لأعلى ناطحة السحاب مع فرق التشبيه. أو تشبيه أخر: قبل السقوط كان لنا ثوب جلدي وبعد الخطية أصبح مليء بالعيوب، وبفداء المسيح أخذنا ملابس ملوكية لا تفسد، وأدركنا قيمته بعد أن الثوب الجلدي الذي أمتلأ بالعيوب. فالرب خلق الملائكة والشيطان للخدمة ولكن بحرية ويعرف سقوط بعضهم ولكن يعرف أنه سيحول هذا لخير الأبرار بطريقة لا تقارن.
والمجد لله دائما