لماذا قسي المسيح علي الرجل المتوفي ابيه ؟ متي 8: 22 و لوقا 9: 60



Holy_bible_1



السؤال



في متي 8: 21 – 22 اتي الي المسيح رجل اباه مات فقال للمسيح ائذن لي ان امضي اولا وادفن ابي ولكن اجابه المسيح بكلمه قاسيه فقال له دع الموتى يدفنون موتاهم

اليس هذا تعبير قاسي لرجل توفي ابيه ؟



الرد



الحقيقه العدد ليس فيه قسوه ولكن اهتمام بالابديه اكثر من العالم ولهذا هذه المقوله دفعت الكثيرين جدا ان يتاملوا في معانيها العميقة ولن اركز علي المعاني القويه ولكن علي موقف الرجل المتوفي والده لان هذا هو السؤال

والعدد من انجيل متي يقول

انجيل متي 8

8: 21 و قال له اخر من تلاميذه يا سيد ائذن لي ان امضي اولا و ادفن ابي

8: 22 فقال له يسوع اتبعني و دع الموتى يدفنون موتاهم



انجيل لوقا 9

9: 59 و قال لاخر اتبعني فقال يا سيد ائذن لي ان امضي اولا و ادفن ابي

9: 60 فقال له يسوع دع الموتى يدفنون موتاهم و اما انت فاذهب و ناد بملكوت الله

اولا هذا لم يكن رجل اتي الي المسيح ولكن هو احد تلاميذ المسيح ليس من الاثني عشر ولكن من الذين دعاهم المسيح ليكونوا من اتباعه فهو من المدعوين

ثانيا من الصعب ان يكون والده متوفي حديثا في نفس اليوم مثلا لان هذا الامر حدث والسيد المسيح سائر في الطريق وهؤلاء يتبعوه فهو اما ان كان والده عجوز فاعتذر عن اتباع المسيح والتلمذه مؤقتا حتي يتوفي ابيه ويري امر العائلة والميراث وغيره وهذا هو الاقرب الي الصواب وبهذا تعبير ادفن ابي فهو في انتظار لموت ابيه ليحدد ميراثه ويمتلكه

وهذا لان طقس الدفن كان سريع فهو لن يذهب ليدفنه بمعني يحفر له قبر او غيره ولكن يهتم بشؤن الاسره حتي يتوفي والده الذي قد يكون بعد شهر او سنين وفي هذا معوقات وتظهر جوانب مختلفه في شخصيته

اولا هو متردد لانه منبهر بمعجزات المسيح ولكن لازالت امور العالم وغناه يشغل تفكيره ويبعده عن الرب يسوع المسيح فهو يطمع في امور العالم وهو يريد ان يكون موجود لكي يحضر تقسيم الميراث ولا يخدعه احد في ميراثه اثناء غيابه باتباعه المسيح , والانسان لا يستطيع ان يحب العالم ويحب الله في ان واحد

ثانيا السيد المسيح خدمته علي الارض هي فتره قصيره فلن يصلح لهذا الشخص ان يذهب الان لانه حينما يقرر ان يعود للمسيح قد يكون فات الاوان

ثالثا لو كان امر الدفن هو الذي يشغله ففي الثقافه اليهوديه مجموعات مختصه بالقيام بالدفن ومراسمها في بيت الجنيز من مرحلة التطهير والتكركيم والنقل الي المدفن

فلا يقوم اسرة المتوفي بذلك ولكن هؤلاء الخدام هم المسؤلون عن ذلك



اذا فهي حجة ليست حقيقية لكي يدعي البعض ان المسيح كان قاسيا عليه ولكن المسيح كطبيب يعالج يكشف له الاسباب الحقيقيه ليعالجه وليس ما يدعي هذا الشخص



الموضوع من زاويه اخري

السيد المسيح هو رئيس الكهنة وهو يعد تلاميذه ليكونوا رؤساء كهنة العهد الجديد فهم الذين سيرسمون اخرين قسس واساقفه في المدن التي سيبشرون فيها فكل منهم سيصير رئيس كهنة اعظم في كنيسته يسلم الكهنوت الذي استلمه من المسيح الي كل كنيسه سينشئها

فماذا يقول الناموس

سفر اللاويين 21

10 «وَالْكَاهِنُ الأَعْظَمُ بَيْنَ إِخْوَتِهِ الَّذِي صُبَّ عَلَى رَأْسِهِ دُهْنُ الْمَسْحَةِ، وَمُلِئَتْ يَدُهُ لِيَلْبَسَ الثِّيَابَ، لاَ يَكْشِفُ رَأْسَهُ، وَلاَ يَشُقُّ ثِيَابَهُ،
11
وَلاَ يَأْتِي إِلَى نَفْسٍ مَيْتَةٍ، وَلاَ يَتَنَجَّسُ لأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ،

اذا ما فعله المسيح هو تطبيق للناموس فلا يلومه احد بل هو ليس طبق الناموس بل وضح معني الوصيه اكثر في انها عن الاهتمام بشؤون العالم اكثر من الله

وايضا الذين ياتون للمسيح ينذرون انفسهم رمزيا للخدمه وفي العهد القديم قال

سفر العدد 6

2 «كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: إِذَا انْفَرَزَ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ لِيَنْذُرَ نَذْرَ النَّذِيرِ، لِيَنْتَذِرَ لِلرَّبِّ،
3
فَعَنِ الْخَمْرِ وَالْمُسْكِرِ يَفْتَرِزُ، وَلاَ يَشْرَبْ خَلَّ الْخَمْرِ وَلاَ خَلَّ الْمُسْكِرِ، وَلاَ يَشْرَبْ مِنْ نَقِيعِ الْعِنَبِ، وَلاَ يَأْكُلْ عِنَبًا رَطْبًا وَلاَ يَابِسًا
.
4
كُلَّ أَيَّامِ نَذْرِهِ لاَ يَأْكُلْ مِنْ كُلِّ مَا يُعْمَلُ مِنْ جَفْنَةِ الْخَمْرِ مِنَ الْعَجَمِ حَتَّى الْقِشْرِ
.
5
كُلَّ أَيَّامِ نَذْرِ افْتِرَازِهِ لاَ يَمُرُّ مُوسَى عَلَى رَأْسِهِ
. إِلَى كَمَالِ الأَيَّامِ الَّتِي انْتَذَرَ فِيهَا لِلرَّبِّ يَكُونُ مُقَدَّسًا، وَيُرَبِّي خُصَلَ شَعْرِ رَأْسِهِ.
6
كُلَّ أَيَّامِ انْتِذَارِهِ لِلرَّبِّ لاَ يَأْتِي إِلَى جَسَدِ مَيْتٍ
.
7
أَبُوهُ وَأُمُّهُ وَأَخُوهُ وَأُخْتُهُ لاَ يَتَنَجَّسْ مِنْ أَجْلِهِمْ عِنْدَ مَوْتِهِمْ، لأَنَّ انْتِذَارَ إِلهِهِ عَلَى رَأْسِهِ
.
8
إِنَّهُ كُلَّ أَيَّامِ انْتِذَارِهِ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ
.

ولهذا الرهبان المسيحيين لا يدفنون احد لانهم ماتوا عن العالم ليعيشوا مع الله



تعبير المسيح دع الموتي يدفنون امواتهم

المسيح هنا يتكلم عن الموتي بالروح لانهم رفضوا الايمان بالله وباعمال الجسد اصبحوا اموات بالروح فهذا دليل ان اسرة هذا الشخص غير مؤمنين وسيفصلوه عن الله

والمسيح هنا لا يدعو للقسوة مع الوالدين، بل معنى قوله أن هناك كثيرين سيقومون بهذا الواجب ولكن إتبعنى أنت. ومن شفى حماة بطرس قادر أن يدبر كما قلنا كل إحتياجات تلاميذه بما فيها دفن موتاهم. ولربما لو بقى لدفن والده تنطفأ الأشواق المباركة للتلمذة التي كانت داخله ويعوقه العالم. كثيراً ما منعت العواطف البشرية كثيرين من تبعية المسيح. دعوة المسيح لهذا الشخص تعنى أنا أريدك لأعمال اعظم من دفن الموتى. من يريد أن يصير تلميذاً للرب عليه أن يترك أهل العالم يعيشون حياتهم العادية، أما هو فيكرس نفسه لخدمة الملكوت. فتلميذ المسيح كرس حياته لخدمة الأحياء، ليس لخدمة الموتى، هو بخدمته يقود الناس للحياة وهذا أهم.قطعاً السيد لن يمنعه من دفن والده إذا مات، لكن المقصود عدم التعطل عن الخدمة بسبب التعلقات العاطفية الزائدة، والإنشغال بميراث الميت وتقسيمه. الخ. ومراسيم العزاء اليهودية تمتد لشهور.

فالمسيح اكثر حنان عليه من العالم وليس قاسي عليه لو كان قاسيه عليه لشجعه للانشغال بالعالم فيفقد اشتياقه الي السماويات ويخسر ابديته



مع ملاحظة ان نحن المسيحيين لا نحزن لانتقال شخص بل هو انهي ايام غربته بسلام فبالفعل الفراق صعب ولكن الرجاء انه سبقنا يغطي هذا

رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل تسالونيكي 4:

13 ثُمَّ لاَ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ الرَّاقِدِينَ، لِكَيْ لاَ تَحْزَنُوا كَالْبَاقِينَ الَّذِينَ لاَ رَجَاءَ لَهُمْ.
14
لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا نُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ مَاتَ وَقَامَ، فَكَذلِكَ الرَّاقِدُونَ بِيَسُوعَ، سَيُحْضِرُهُمُ اللهُ أَيْضًا مَعَهُ
.

وهناك جانب العالم الذي بلا رجاء يحزن علي المنتقل والجانب الاخر المسيح والقديسين الذين ينتظرون المنتقلين بتهليل لوصوله معهم الي فردوس النعيم

فالأموات في نظر الله هو من لا زال يعيش في خطيته لذلك قال عن الابن الضال إذ رجع لأبيه "ابني هذا كان ميتاً فعاش" وقال عن التوبة أنها تحيي (يو5: 25) والمسيح قال عن الموت أنه نوم (يو 11: 11) + (مت 9: 26) فالتائبين المعمدين لا يموتوا ولكن ينتقلوا فنشاركهم فرح الانتقال ونستشقع بهم ولكن لا نحزن ونعتبرهم اموات



واخيرا المعني الروحي

من تفسير ابونا تادرس يعقوب واقوال الاباء

إن كان الكاتب الأول قد تقدّم ليتبع السيّد وبسبب تمسكه بفكره المادي ورياء قلبه حُرم من التمتّع بالتلمذة له، فإن هذا الكاتب الآخر كان يمثّل الأمم الذين مات آباؤهم في عبادة الأوثان، وفي شعور بالعوز والاحتياج تقدّموا يطلبون التلمذة له. لقد قبلهم السيّد من أجل عطشهم وجوعهم للبرّ، سائلاً إيّاهم أن يتركوا الموتى أي يتركوا آباءهم الذين فقدوا حياتهم الروحيّة وعاشوا كأموات.

لعلّ هذا الكاتب كان مشتاقًا أن يتبع السيّد، وكأن العائق هو أباه الذي في سن الشيخوخة، فطلب السيّد منه أن يأذن له أن يبقى مع والده حتى يموت وعندئذ يكرِّس حياته له. طلب السيّد منه أن يترك الأموات حسب الروح أن يدفنوا من يموت حسب الجسد، أمّا هو فيتفرّغ للخدمة. وكأن السيّد أراد أن يميّز بين الأموات حسب الجسد والأموات حسب الروح. خدمة دفن الأموات حسب الجسد أمر سهل يمكن للجميع أن يقوموا به، أمّا ما هو أهم، فهو دفن الأموات حسب الروح مع السيّد المسيح ليقوموا معه، أي خدمة الكرازة بالمسيح المصلوب القائم من الأموات حتى ينعم الأموات بالروح بالقيامة الروحيّة. بمعنى آخر يسأله السيّد ألا يبكي على الميّت حسب الجسد، حتى وإن كان والده، إنّما يبكي على الميّت حسب الروح، وإن كان ليس قريبًا له حسب الدم أو الجنس!

*     فلتبكِ بالأحرى على الذين يتركون الكنيسة بسبب جرائمهم وخطاياهم، الذين يسقطون تحت الدينونة بسبب أخطائهم[414].

القدّيس جيروم

*     كان هناك ميّت يحتاج إلى دفن، ووجد أموات أيضًا يدفنون الميّت. واحد ميّت بالجسد والآخرون أموات بالروح.

*     كيف يحدث موت للنفس؟ عندما لا يوجد إيمان! كيف يحدث موت للجسد؟ عندما لا توجد النفس! إذن فنفس النفس هو الإيمان. يقول المسيح: من آمن بي، وإن كان ميّتًا بالجسد، فإنه يحيا في الروح، حتى يقوم الجسد أيضًا ولا يموت بعد[415].

القدّيس أغسطينوس

*     كما أن الجسد يموت بفقده النفس التي هي حياته، هكذا تموت النفس بفقدها الله الذي هو حياتها.

*     يريدنا أن نموت لكي نعيش، فإنّنا نعيش لكي نموت!

القدّيس أغسطينوس[416]



والمجد لله دائما