هل قتل هيرودس يوحنا لاجل هيروديا ام لاجل نفسه ؟ متي 14 مرقس 6: 17 و لوقا 3: 19



Holy_bible_1



الشبهة



يظهر من مرقس 6 :17 أن هِيرُودُسَ كان يعتقد بصلاح يُوحَنَّا ، وكان راضياً عنه ويسمع وعظه، ولم يقتله إلا ليُرضي هِيرُودِيَّا.

»17لأَنَّ هِيرُودُسَ نَفْسَهُ كَانَ قَدْ أَرْسَلَ وَأَمْسَكَ يُوحَنَّا وَأَوْثَقَهُ فِي السِّجْنِ مِنْ أَجْلِ هِيرُودِيَّا امْرَأَةِ فِيلُبُّسَ أَخِيهِ، إِذْ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَ بِهَا. 18لأَنَّ يُوحَنَّا كَانَ يَقُولُ لِهِيرُودُسَلاَ يَحِلُّ أَنْ تَكُونَ لَكَ امْرَأَةُ أَخِيكَ» 19فَحَنِقَتْ هِيرُودِيَّا عَلَيْهِ، وَأَرَادَتْ أَنْ تَقْتُلَهُ وَلَمْ تَقْدِرْ، 20لأَنَّ هِيرُودُسَ كَانَ يَهَابُ يُوحَنَّا عَالِمًا أَنَّهُ رَجُلٌ بَارٌّ وَقِدِّيسٌ، وَكَانَ يَحْفَظُهُ. وَإِذْ سَمِعَهُ، فَعَلَ كَثِيرًا، وَسَمِعَهُ بِسُرُورٍ. «.

ولكن يظهر من لوقا 3 :19 أنه لم يظلم يوحنا ليرضي هِيرُودِيَّا بل ليرضي نفسه، لأن المعمدان لم يكن راضياً عن شرور هِيرُودُسَ 19أَمَّا هِيرُودُسُ رَئِيسُ الرُّبْعِ فَإِذْ تَوَبَّخَ مِنْهُ لِسَبَبِ هِيرُودِيَّا امْرَأَةِ فِيلُبُّسَ أَخِيهِ، وَلِسَبَبِ جَمِيعِ الشُّرُورِ الَّتِي كَانَ هِيرُودُسُ يَفْعَلُهَا، 20زَادَ هذَا أَيْضًا عَلَى الْجَمِيعِ أَنَّهُ حَبَسَ يُوحَنَّا فِي السِّجْنِ. «. وفي هذا تناقض..



الرد



لايوجد تناقض في الاعداد علي الاطلاق ولكن الاثنان يكملان بعضهما كالعاده بطريقه رائعه لان هيرودس اولا قبض علي يوحنا وبعد ذلك بفتره قتله بسبب طلبة ابنة زوجته التي تلقنتها من امها فالذي قبض عليه هو هيرودس ولكنه كان يخشي قتله لانه كان يهابه ويسمع له ولكن قتله بعد ذلك لاجل طلب ابنة هيروديا

والحقيقه متي البشير يخبرنا بالقصه كامله هو ومرقس البشير اولا ولكن لوقا البشير لا يذكر التفاصيل ولهذا لايصلح ان نقارن بشاره فيها القصه كامله وبشاره اخري بها ملخص قصير للقصه ونقول ان بها تناقض هذا ليس انصافا

وندرس الامر باكثر تفصيل

اولا من هو هيرودس انتيباس

هو احد ابناء هيرودس الكبير الذي كان يحكم كل اليهودية والجليل، ومات سنة 4 ق.م. وبعد موته إنقسمت مملكته أربعة أجزاء. ومن أولاد هيرودس الكبير.

1)            اريسطوبولوس تزوج من ابنة سالومة ومات 6 ق.م.وهو والد هيروديا.

2)            هيرودس فيلبس(مر 17:6) وقد تزوج من هيروديا بنت أخيه.

3)            أرخيلاس (مت 2: 22)  حاكم اليهودية  والسامرة وادوم 4 ق.م- 6م.

4) هيرودس أنتيباس. هو الابن الثاني لهيرودس الكبير من زوجته الرابعة السامرية ملثاكي لذلك فإن نصفه ادومي ونصفه سامري. تثقف في روما، ثم عاد وعين حاكماً على الجليل بينما نال أخوه وراثة العرش فتنافس وإياه طويلاً. وفي هذه الأثناء حارب بعض أعدائه، وبنى عدة أماكن، أشهرها مدينة طبريا. ولما جلس على العرش اتسعت مطالبه، وكان زمن ملكه من 4 ق. م. إلى 39 م.

وساضع الاعداد من متي ومرقس متوازيه متي البشير اللون الازرق مرقس البشير باللون الاسود

انجيل متي 14

انجيل مرقس 6



1 فِي ذلِكَ الْوَقْتِ سَمِعَ هِيرُودُسُ رَئِيسُ الرُّبْعِ خَبَرَ يَسُوعَ،

2 فَقَالَ لِغِلْمَانِهِ: «هذَا هُوَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ قَدْ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ! وَلِذلِكَ تُعْمَلُ بِهِ الْقُوَّاتُ».

16 وَلكِنْ لَمَّا سَمِعَ هِيرُودُسُ قَالَ: «هذَا هُوَ يُوحَنَّا الَّذِي قَطَعْتُ أَنَا رَأْسَهُ. إِنَّهُ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ

هيرودس رئيس الربع= هو أنتيباس، والربع هو ربع مملكة هيرودس الكبير أبوه. والربع الذي حكمه هو الجليل وبيرية (وهيرودس هذا هو الذي حاكم المسيح عندما أرسلهُ له بيلاطس البنطى)

رغم أن يوحنا المعمدان لم يعمل معجزات (يو41:10)، والمسيح كان صانع للمعجزات، إلاّ أن تصور هيرودس أن المسيح هو يوحنا المعمدان وقد قام من الأموات، ما كان سوى إحساساً بالإثم وعذاباً للضمير. فالشرير يهرب ولا طارد (أم 1:28) (وهذا نفس ما حدث مع قايين). وهكذا تنتهى اللذة العابرة بعذاب مستمر وألم دائم. ولاحظ تدرج الشر في حياة هيرودس 1) فهو أولاً قد إغتصب زوجة أخيه الحى.2) قتل يوحنا المعمدان.

3 فَإِنَّ هِيرُودُسَ كَانَ قَدْ أَمْسَكَ يُوحَنَّا وَأَوْثَقَهُ وَطَرَحَهُ فِي سِجْنٍ مِنْ أَجْلِ هِيرُودِيَّا امْرَأَةِ فِيلُبُّسَ أَخِيهِ،

17 لأَنَّ هِيرُودُسَ نَفْسَهُ كَانَ قَدْ أَرْسَلَ وَأَمْسَكَ يُوحَنَّا وَأَوْثَقَهُ فِي السِّجْنِ مِنْ أَجْلِ هِيرُودِيَّا امْرَأَةِ فِيلُبُّسَ أَخِيهِ، إِذْ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَ بِهَا

وقد تركت هيروديا زوجها فيلبس لتتزوجه في أثناء حياة زوجها فيلبس وهذا ما عارضه يوحنا المعمدان.

كان هيرودس متزوجاً من إبنة الحارث والى النبطيين وبسبب زواجه من هيروديا طلقها. فقام عليه الحارث وحاربه وسحق جيشه. وتم نفى هيرودس وزوجته إلى فرنسا سنة 39م، ونالت إبنة هيروديا جزاءها إذ سقطت في بحيرة من الثلج وقطعت رقبتها.


4
لأَنَّ يُوحَنَّا كَانَ يَقُولُ لَهُ
: «لاَ يَحِلُّ أَنْ تَكُونَ لَكَ».

18 لأَنَّ يُوحَنَّا كَانَ يَقُولُ لِهِيرُودُسَ: «لاَ يَحِلُّ أَنْ تَكُونَ لَكَ امْرَأَةُ أَخِيكَ»

ولقد كان مسموحاً، بل مطلباً للناموس أن يتزوج الأخ زوجة (أرملة) أخيه الراحل إذا كان هذا الميت قد مات دون نسل وذلك ليقيم نسلاً بإسم أخيه، لكن أن تترك زوجة زوجها لتتزوج بأخيه فهذا ضد الناموس وهذا الذي شرحه المسيح انه في مرتبة الزني


5
وَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَهُ خَافَ مِنَ الشَّعْبِ، لأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ مِثْلَ نَبِيٍّ
.

19 فَحَنِقَتْ هِيرُودِيَّا عَلَيْهِ، وَأَرَادَتْ أَنْ تَقْتُلَهُ وَلَمْ تَقْدِرْ،
20
لأَنَّ هِيرُودُسَ كَانَ يَهَابُ يُوحَنَّا عَالِمًا أَنَّهُ رَجُلٌ بَارٌّ وَقِدِّيسٌ، وَكَانَ يَحْفَظُهُ
. وَإِذْ سَمِعَهُ، فَعَلَ كَثِيرًا، وَسَمِعَهُ بِسُرُورٍ

ومن هنا نفهم ان هيرودس كان يتمني قتل يوحنا المعمدان ليكتم صوت الحق الذي يوبخه وايضا ارضاء لزوجته هيروديا التي تدبر مؤامرات ضد اعدائها ولكنه لم يجروء علي فعل ذلك لسببين

الاول ان هيرودس هذا كان مثل الثعلب في مكره فهو يقسو في الوقت المناسب ويداهن في وقت اخر وهو لا يريد ثورات من اليهود فخاف ان يقتل يوحنا بسبب الشعب واكتفي بسجنه فقط لقبه المسيح بالثعلب

انجيل لوقا 13

31 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَقَدَّمَ بَعْضُ الْفَرِّيسِيِّينَ قَائِلِينَ لَهُ: «اخْرُجْ وَاذْهَبْ مِنْ ههُنَا، لأَنَّ هِيرُودُسَ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَكَ».
32
فَقَالَ لَهُمُ
: «امْضُوا وَقُولُوا لِهذَا الثَّعْلَبِ: هَا أَنَا أُخْرِجُ شَيَاطِينَ، وَأَشْفِي الْيَوْمَ وَغَدًا، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ أُكَمَّلُ

السبب الثاني انه كان يهاب من يوحنا بالفعل لان يوحنا جرئي لا يخاف ويتكلم بالحق وكان بار وقديس بل هيرودس اذا سمع يوحنا كان يرتعب وكان يسمع بسرور كلامه لانه واضح ان احيانا كان يتيقظ ضميره ويفرح بكلام يوحنا الممسوح بالروح القدس ولكنه كان يرجع سريعا ووجدنا هذا التناقض في تصرفه مع المسيح فهو فرح جدا لما ارسل بيلاطس يسوع المسيح له لانه كان يتمني ان يسمعه ولكنه سريعا انقلب واحتقره واستهزا به

انجيل لوقا 23

7 وَحِينَ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ سَلْطَنَةِ هِيرُودُسَ، أَرْسَلَهُ إِلَى هِيرُودُسَ، إِذْ كَانَ هُوَ أَيْضًا تِلْكَ الأَيَّامَ فِي أُورُشَلِيمَ.
8
وَأَمَّا هِيرُودُسُ فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ فَرِحَ جِدًّا، لأَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ مِنْ زَمَانٍ طَوِيل أَنْ يَرَاهُ، لِسَمَاعِهِ عَنْهُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، وَتَرَجَّى أَنْ يَرَي آيَةً تُصْنَعُ مِنْهُ
.
9
وَسَأَلَهُ بِكَلاَمٍ كَثِيرٍ فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ
.
10
وَوَقَفَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ بِاشْتِدَادٍ،

11
فَاحْتَقَرَهُ هِيرُودُسُ مَعَ عَسْكَرِهِ وَاسْتَهْزَأَ بِهِ، وَأَلْبَسَهُ لِبَاسًا لاَمِعًا، وَرَدَّهُ إِلَى بِيلاَطُسَ
.

وهذا يفسر تقلب رد فعله مع يوحنا المعمدان عندما يسمع هيرودس كلام يوحنا المعمدان يسر وعندما يوبخه يوحنا ينقلب ويريد ان يقتله ولكن يمتنع لاجل الشعب ولهذا سجنه

وتعبير كان يحفظه واضح أن هيروديا كانت دائمة التدبير وحبك المؤامرات ضد يوحنا المعمدان (مر19:6). ولكنها لم تقدر لأن هيرودس كان يحفظه منها، إذ كان خائفاً من الشعب، ولأنه كان يعلم أنه رجل بار وقديس لكن كان في داخله صراع بين رغبته الآثمة وإعجابه بيوحنا،


6
ثُمَّ لَمَّا صَارَ مَوْلِدُ هِيرُودُسَ، رَقَصَتِ ابْنَةُ هِيرُودِيَّا فِي الْوَسْطِ فَسَرَّتْ هِيرُودُسَ
.
7
مِنْ ثَمَّ وَعَدَ بِقَسَمٍ أَنَّهُ مَهْمَا طَلَبَتْ يُعْطِيهَا
.

21 وَإِذْ كَانَ يَوْمٌ مُوافِقٌ، لَمَّا صَنَعَ هِيرُودُسُ فِي مَوْلِدِهِ عَشَاءً لِعُظَمَائِهِ وَقُوَّادِ الأُلُوفِ وَوُجُوهِ الْجَلِيلِ،
22
دَخَلَتِ ابْنَةُ هِيرُودِيَّا وَرَقَصَتْ، فَسَرَّتْ هِيرُودُسَ وَالْمُتَّكِئِينَ مَعَهُ
. فَقَالَ الْمَلِكُ لِلصَّبِيَّةِ: «مَهْمَا أَرَدْتِ اطْلُبِي مِنِّي فَأُعْطِيَكِ».
23
وَأَقْسَمَ لَهَا أَنْ
«مَهْمَا طَلَبْتِ مِنِّي لأُعْطِيَنَّكِ حَتَّى نِصْفَ مَمْلَكَتِي».

وهنا يوضح المبشرين ان الخطيه كانت بسبب جو شرير من سكر ورقص ومجلس مستهزئين

وهو الزم نفسه بقسم علني امام الناس كما وضح معلمنا مرقس الرسول وهذا يوضح انه كان بسبب الخمر متسرع الي حد ما
8
فَهِيَ إِذْ كَانَتْ قَدْ تَلَقَّنَتْ مِنْ أُمِّهَا قَالَتْ
: «أَعْطِني ههُنَا عَلَى طَبَق رَأْسَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ».

24 فَخَرَجَتْ وَقَالَتْ لأُمِّهَا: «مَاذَا أَطْلُبُ؟» فَقَالَتْ: «رَأْسَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ».
25
فَدَخَلَتْ لِلْوَقْتِ بِسُرْعَةٍ إِلَى الْمَلِكِ وَطَلَبَتْ قَائِلَةً
: «أُرِيدُ أَنْ تُعْطِيَنِي حَالاً رَأْسَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ عَلَى طَبَق».

حاول هيرودس ن لا يقتل يوحنا لاسباب سياسيه وشخصيها كما ذكرت ولكنه إنهار أخيراً أمام ألاعيب هذه المرأة التي أغوته برقصة إبنتها (سالومى) وهو في حالة سكر ومجون. لكن لنفهم أن حياة المعمدان إنتهت ليس لسلطان هيرودس أو هيروديا بل لأن الله سمح بهذا.


9 فَاغْتَمَّ الْمَلِكُ. وَلكِنْ مِنْ أَجْلِ الأَقْسَامِ وَالْمُتَّكِئِينَ مَعَهُ أَمَرَ أَنْ يُعْطَى.

26 فَحَزِنَ الْمَلِكُ جِدًّا. وَلأَجْلِ الأَقْسَامِ وَالْمُتَّكِئِينَ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَرُدَّهَا.

فهو الذي قتل يوحنا ولكنه قتله مرغما ولم يبرح عن ذاكرته


10
فَأَرْسَلَ وَقَطَعَ رَأْسَ يُوحَنَّا فِي السِّجْنِ
.

27 فَلِلْوَقْتِ أَرْسَلَ الْمَلِكُ سَيَّافًا وَأَمَرَ أَنْ يُؤْتَى بِرَأْسِهِ


11
فَأُحْضِرَ رَأْسُهُ عَلَى طَبَق وَدُفِعَ إِلَى الصَّبِيَّةِ، فَجَاءَتْ بِهِ إِلَى أُمِّهَا
.

28 فَمَضَى وَقَطَعَ رَأْسَهُ فِي السِّجْنِ. وَأَتَى بِرَأْسِهِ عَلَى طَبَق وَأَعْطَاهُ لِلصَّبِيَّةِ، وَالصَّبِيَّةُ أَعْطَتْهُ لأُمِّهَا



اما لوقا البشير لا يتكلم عن قصة موت يوحنا المعمدان بتفصيل بل يتكلم عن حبسه فقط في الاصحاح 3 ولا يذكر قصة هيروديا وابنتها

انجيل لوقا 3

19 أَمَّا هِيرُودُسُ رَئِيسُ الرُّبْعِ فَإِذْ تَوَبَّخَ مِنْهُ لِسَبَبِ هِيرُودِيَّا امْرَأَةِ فِيلُبُّسَ أَخِيهِ، وَلِسَبَبِ جَمِيعِ الشُّرُورِ الَّتِي كَانَ هِيرُودُسُ يَفْعَلُهَا،
20
زَادَ هذَا أَيْضًا عَلَى الْجَمِيعِ أَنَّهُ حَبَسَ يُوحَنَّا فِي السِّجْنِ
.

فهو فعلا حبسه بارادته بسبب توبيخ يوحنا له ولكنه لم يريد ان يقتله

ثم فيما بعد قتله كما اخبرنا متي البشير ومرقس البشير . فاين التناقض الذي يدعيه المشكك ؟



واخيرا المعني الروحي

من تفسير ابونا تادرس يعقوب واقوال الاباء

كان هيرودس صاحب السلطان يظن أنه قادر أن يكتم صوت الحق، ويحبسه بسجن يوحنا، مشتاقًا أن يقتله فيُبيد الصوت تمامًا، لكن الحبس كان يُزيد الصوت قوّة، والموت يختم على الصوت بختم الأبديّة، فصار موضوع كرازة الأجيال. يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: [لقد سُمع صوت يوحنا بأكثر علوّ بعد هذه الأمور[598].] لقد حاول الشيطان يومًا أن يتخلَّص من كلمة الله بالصليب، فجاء الصليب ينقش بالحب الكلمة الإلهيّة على القلوب المحجرة ليُقيمها هيكلاً للرب. وتحالف اليهود مع الأمم ضدّ الكنيسة لإبادتها، وبقدر ما اضطهدوها كان صوت الله يُعلن بأكثر وضوح وسط العالم خلال الكنيسة!

يرى العلاّمة أوريجينوس في سجن النبي وقتله إشارة إلى ما فعلته الأُمّة اليهوديّة، إذ أرادت أن تكتم النبوّات وظنّت أنها قادرة على منع تحقيقها بموت المسيّا، إذ يقول: [إنه قيّد الكلمة النبويّة وسجَنها ومنَعها من الاستمرار في إعلان الحق في حرّية كما كان سابقًا[599].]

لقد أراد هيرودس قتله، لكنّه بسبب الخوف من الشعب توقَّف، ربّما إلى حين. بهذا استراح ولو مؤقَّتًا، وأقام حفلاً رسميًا، نعِم فيه بما يًشبع ذاته دون مُبكِّت. إذ يقول الإنجيلي: "ثم لما صار مولد هيرودس رقصت ابنة هيروديّا في الوسط، فسرَّت هيرودس. من ثم وعد بقسمٍ أنه مهما طلبت يعطيها" [6-7ٍ]. أقام هيرودس الجائع حفلاً يُشبع غروره وشهواته، وإذ رقصت ابنة هيروديّا، وسُرّ بها مشتهيًا أن يعطيها شيئًا يُشبعها! إن كانت هيروديّا تمثل الخطيّة التي يشتهيها هيرودس، فإن الخطيّة تلد خطيّة قادرة أن تأسِر قلبه الفارغ، مشتهيًا أن يقدّم كل حياته ثمنًا لرقصة واحدة! يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: [كان أسيرًا بواسطة شهواته، حتى قدّم مملكته ثمنًا لرقصة"، كما يقول: "بينما كان يجب عليه أن يشكر الله إذ جاء به في مثل هذا اليوم إلى النور (يوم ميلاده) تجاسر بارتكاب هذه الأعمال الشرّيرة، وبينما كان ينبغي عليه أن يحرّر من هم في القيود إذ به يُضيف إلى القيود قتلاً[600].]

في عيد ميلاد هيرودس قُتل القديس يوحنا المعمدان، فقد ظنّ أنه لا يستطيع أن ينعم بالحياة السعيدة ويُشبع شهوات جسده خلال حبّه لامرأة أخيه ورقصات ابنتها، إن لم يكتم أنفاس القدّيس يوحنا المعمدان. لكن يوحنا مات، وبقيَ صوته خالدًا إلى الأبد. ارتبط هيرودس بالشهوات الزمنيّة فزال مع الزمن، وارتبط يوحنا بالحق، فدخل إلى عدم الموت مع الحق نفسه. ونحن أيضًا إن أردنا أن ندخل إلى عدم الموت لنرتبط بيسوعنا "الحق الذي لا يموت"، فندخل معه وفيه إلى حضن أبيه حيث لا يمكن للموت أن يقترب إلينا!

أيّامنا محدودة وزائلة إن ارتبطت بالأمور الزائلة من محبّة العالم وشهوات الجسد؛ وخالدة إن اختفت في ربّنا يسوع المسيح الذي لم يقدر الموت أن يُمسك به، ولا القبر أن يغلق عليه، ولا متاريس الجحيم أن تقف أمامه!

يتساءل البعض: إن كان هيرودس قد أخطأ بوعده لابنة هيروديّا أن يعطيها ما تطلبه بقسم، فهل كان لهيرودس بعد أن طلبت رأس القدّيس يوحنا أن يحنث بوعده؟ يجيب القدّيس أمبروسيوس: [أحيانًا يكون الوفاء بالوعد بقسمٍ لا يتّفق مع الواجب، كما فعل هيرودس حين أقسم أن يُعطي ابنة هيروديّا ما تطلبه، وقد أدّى هذا إلى مقتل يوحنا حتى لا يحنث الملك بقسمه، وهكذا كان الحال مع يفتاح الذي قدّم ابنته ذبيحة، لأنها كانت أول من يقابله عندما رجع إلى بيته منتصرًا، وبهذا أوفى بقسمه... كان من الأفضل ألا يُعطي وعدًا بنذر، من أن يَفي بعهده بموت ابنته[601].] وكأنه من الخطأ أن يعدْ الإنسان بقسم، إذ يكون الإيفاء به أشرّ إن كان مخالفًا للوصيّة الإلهيّة.

هذا عن هيرودس، ولكننا لا نتجاهل موقف يوحنا الذي كان يمكنه أن يتخلَّص من الموت بصمتِه، لكنّه فضّل الشهادة للحق مع موت الجسد عن التغاضي عن الحق، مع راحة الجسد وسلامته إلى حين. وكما يقول القدّيس أمبروسيوس: [كان يمكنه أن يصمت... لقد عرف تمامًا أنه سيموت إن وقفَ ضدّ الملك، لكنّه فضّل الفضيلة عن الطمأنينة، فأي شيء يليق بالقدّيس مثل الألم الذي يجلب مجدًا؟![602]]



والمجد لله دائما