ماذا قال التلاميذ بالتحديد للمسيح عند هيجان البحر ؟ متي 8: 25 و مرقس 4: 38 و لوقا 8: 24

 

Holy_bible_1

 

الشبهة

 

س : ماذا قال التلاميذ للمسيح عند هيجان البحر ؟

جـ : في متى (8 : 25) : قالوا: “يا سيد ، نجنا فإننا نهلك” .

لكن في مرقس (4 : 38): قالوا: “يا معلم ، أما يهمك أننا نهلك” .

وفي لوقا (8 : 24) : قالوا : “يا معلم ، يا معلم ، إننا نهلك” .

 

الرد

 

الحقيقة الاعداد لا يوجد بها اي شبهة ولكن نلاحظ ان كل مبشر كتب الموقف كما شاهد لان الموقف لم يتكلم فيه واحد فقط بل مجموعة التلاميذ فكل واحد من التلاميذ قال تعبير اثناء ايقاظهم للمعلم يختلف عن الاخر ونقل لنا المبشرين ملخص هذه التعبيرات ولهذا في تنطبق في المعني ولا تنطبق لفظا لان التلاميذ فعلا خائفين وعبروا عن ذلك ولكن كل منهم تعبيره اللفظي المختلف.

امر اخر تاريخي مهم وهو المركب الذي كان عليه المسيح 

في مرقس يقول 

4: 36 فصرفوا الجمع و اخذوه كما كان في السفينة و كانت معه ايضا سفن اخرى صغيرة

فمركب المسيح لم يكن صغير كما تصور بعض الصور الغير دقيقه او بعض الافلام ولكن هو مركب كبير الحجم وبجواره مراكب صغيره .

C:\Users\Holy\Desktop\6.jpg

C:\Users\Holy\Desktop\4.jpg

وشرحت ذلك لتوضيح ان علي المركب كثيرين فالذين علي المركب لم يكونوا فقط التلاميذ الاثني عشر بل اخرين مثل مرقس شاهد العيان ولوقا ايضا 

وايضا لتوضيح ان التلاميذ لما توجهوا لييقظوا الرب يسوع في الكابينة التي ينام فيها احتاج اكثر من واحد ان ينادي عليه ليتيقظ لانه في جزء اخر من المركب . بمعني انه ليس مركب صغير فيقول اخدهم يارب فيتيقظ يسوع ولكن يحتاج اكر من واحد ان يتكلم ليصل صوتهم الي المسيح ليتيقظ  

وندرس الاعداد معا باختصار لنتاكد من ذلك

انجيل متي  

8: 23 و لما دخل السفينة تبعه تلاميذه 

8: 24 و اذا اضطراب عظيم قد حدث في البحر حتى غطت الامواج السفينة و كان هو نائما 

8: 25 فتقدم تلاميذه و ايقظوه قائلين يا سيد نجنا فاننا نهلك

متي هو احد التلاميذ ويقول تقدم تلاميذه لانه كان معهم وواحد منهم في اشتراكهم في ايقاظ الرب يسوع لان تعبير فتقدم يقوله شخص يشارك في تقدمهم نحو الرب. فتعبير ياسيد نجنا هو غالبا تعبيره الشخصي فلهذا هو يكتبه 

ونلاحظ لان متي مشترك في الايقاظ لم يذكر تعبيرات فيها عتاب للرب مثلما التي ذكرها مرقس ولكن اكتفي بذكر دوره فقط والتعبير الذي قاله. 

8: 26 فقال لهم ما بالكم خائفين يا قليلي الايمان ثم قام و انتهر الرياح و البحر فصار هدو عظيم 

8: 27 فتعجب الناس قائلين اي انسان هذا فان الرياح و البحر جميعا تطيعه 

تعبير تعجب ناس يوضح ان الموقف لم يكن التلاميذ فقط شهود عليه ولكن كان هناك اناس اخرين وهذا سيشرحه لنا معلمنا مرقس الرسول اكثر 

 

انجيل مرقس 4

4: 36 فصرفوا الجمع و اخذوه كما كان في السفينة و كانت معه ايضا سفن اخرى صغيرة

هنا مرقس الرسول يكشف بعد اخر وهو ان الامر لم يحضره تلاميذه فقط بل كان هناك اخرين من الناس مثل بعض الرسل السبعين وغيرهم في سفر اخري صغيره بمعني ان سفينة الصيد التي كان عليها رب المجد متوسطة الحجم مقارنة بالسفن الصغيره الاخري التي كانت تتبعها  

4: 37 فحدث نوء ريح عظيم فكانت الامواج تضرب الى السفينة حتى صارت تمتلئ 

4: 38 و كان هو في المؤخر على وسادة نائما فايقظوه و قالوا له يا معلم اما يهمك اننا نهلك

نلاحظ باستمرار دقة تعبير مرقس الرسول وانه باستمرار عينه علي المسيح فتعبير انه في المؤخر علي وسادة نائما هذه رؤية شاهد عيان. ولكنه كان يركز على المسيح فلاحظ أنه كان نائمًا على وسادة.  

وتعبير فايقظوه يشير لأن مرقس كان معهم على السفينة لكن لم يشترك في إيقاظ السيد، فهو لم يكن يشترك معهم في ايقاظه ولكن اكتفي بالمراقبه لتصرفات المسيح، والسبب بسيط أنه ركز فكره في المسيح حتى أنه إنتبه لوجود وسادة تحت رأسه، فمن يركز نظره على المسيح لا يخاف، 

فتعبيره : " يا معلم اما يهمك اننا نغرق " هو ينقل عدة امور 

الاول هو ينقل ملخص كلام التلاميذ الذين ايقظوه فهو لم يقل متي قال كذا وتوما قال كذا ويعقوب قال كذا ولكن هو يقول ان ملخص كلامهم هو هذا 

ثانيا هو نقل تعبير يكشف خوف التلاميذ الشديد الذي دعي الي ان يصل كلامهم الي مرتبة عتابهم الي المسيح انه غير مهتم بغرقهم . ففي كلام مرقس هو عتاب لضعاف الايمان وهو لم يكن خائف مثلهم لانه وضع نظره علي المسيح 

وفي هذا الامر لا يوجد اي تعارض مع ما قاله متي البشير ولكن هو يكمله من زاويه اخري بمعني لو كان متي نقل كلامه فقط فمرقس نقل كلام تلاميذ اخرين كانوا اكثر خوف  

4: 39 فقام و انتهر الريح و قال للبحر اسكت ابكم فسكنت الريح و صار هدوء عظيم 

4: 40 و قال لهم ما بالكم خائفين هكذا كيف لا ايمان لكم 

 

انجيل لوقا 8

8: 22 و في احد الايام دخل سفينة هو و تلاميذه فقال لهم لنعبر الى عبر البحيرة فاقلعوا 

8: 23 و فيما هم سائرون نام فنزل نوء ريح في البحيرة و كانوا يمتلئون ماء و صاروا في خطر 

8: 24 فتقدموا و ايقظوه قائلين يا معلم يا معلم اننا نهلك فقام و انتهر الريح و تموج الماء فانتهيا و صار هدو

لوقا البشير في هذا الحادث يتكلم بتلخيص شديد وفقط يوضح لنا ان الذين اشتركوا في ايقاظ الرب يسوع المسيح اكثر من شخص بتكرار تعبير يا معلم, اي انهم كانوا ينادون علي المسيح في نفس الوقت مسرعين ليخبروه انهم يهلكون 

ولهذا ايضا تعبيره لا يناقض اي من متي البشير ومرقس البشير بل يكملهم ويؤكد كلامهم في وصف الاحداث  

8: 25 ثم قال لهم اين ايمانكم فخافوا و تعجبوا قائلين فيما بينهم من هو هذا فانه يامر الرياح ايضا و الماء فتطيعه 

 

فبهذا تاكدنا ان لا يوجد اي تناقض بل كل مبشر ذكر التعبير باسلوبه يعبر به عن رؤيته وبخاصه ان المتكلم في هذا الموقف لم يكن شخص واحد ليقول تعبير واحد ولكن المتكلمين كثيرين يعبرون عن خوفهم 

 

والذي اتعجب له وهو رغم قوة هذه المعجزة الا ان المشككين يتركون قوتها وجوهرها ويتمسكون بامور حرفية وبالفعل الحرف يقتل 

رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس 3: 6

 

الَّذِي جَعَلَنَا كُفَاةً لأَنْ نَكُونَ خُدَّامَ عَهْدٍ جَدِيدٍ. لاَ الْحَرْفِ بَلِ الرُّوحِ. لأَنَّ الْحَرْفَ يَقْتُلُ وَلكِنَّ الرُّوحَ يُحْيِي.

فهذه المعجزة تنبأ عنها العهد القديم 

سفر المزامير 107

107: 23 النازلون الى البحر في السفن العاملون عملا في المياه الكثيرة 

107: 24 هم راوا اعمال الرب و عجائبه في العمق 

107: 25 امر فاهاج ريحا عاصفة فرفعت امواجه 

107: 26 يصعدون الى السماوات يهبطون الى الاعماق ذابت انفسهم بالشقاء 

107: 27 يتمايلون و يترنحون مثل السكران و كل حكمتهم ابتلعت 

107: 28 فيصرخون الى الرب في ضيقهم و من شدائدهم يخلصهم 

107: 29 يهدئ العاصفة فتسكن و تسكت امواجها 

107: 30 فيفرحون لانهم هداوا فيهديهم الى المرفا الذي يريدونه 

107: 31 فليحمدوا الرب على رحمته و عجائبه لبني ادم 

107: 32 و ليرفعوه في مجمع الشعب و ليسبحوه في مجلس المشايخ 

وهذه معجزة تؤكد لاهوته وهذا ما قاله ارميا النبي بالتفصيل

سفر إرميا 31: 35

 

« هكَذَا قَالَ الرَّبُّ الْجَاعِلُ الشَّمْسَ لِلإِضَاءَةِ نَهَارًا، وَفَرَائِضَ الْقَمَرِ وَالنُّجُومِ لِلإِضَاءَةِ لَيْلاً، الزَّاجِرُ الْبَحْرَ حِينَ تَعِجُّ أَمْوَاجُهُ، رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ:

فالذي يفعل هذا هو يهوه رب الجنود وليس سواه 

ولكن للاسف هؤلاء المشككين يتركون هذا كله لانهم اسلموا انفسهم ليد الشيطان

رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس 4: 4

 

الَّذِينَ فِيهِمْ إِلهُ هذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ.

 

واخيرا المعني الروحي

من تفسير ابونا تادرس يعقوب واقوال الاباء

دخل السيّد السفينة وتبعه تلاميذه، وفجأة حدث اضطراب عظيم، فقد عُرف بحر الجليل بالعواصف العنيفة المفاجئة، وهو بحيرة صغيرة طولها ثلاثة عشر ميلًا وأكبر أجزاء عرضها ثمانية أميال.

ما حدث إنّما يقدّم لنا صورة حيّة للكنيسة في جهادها في بحر هذا العالم، فإنها تُهاجَم بعواصف شديدة يثيرها الشيطان ضدّها، إذ لا يطيق المسيح الحالّ فيها رأسًا لها، فيظن حتى التلاميذ أحيانًا أنهم يهلكون. لكن يتجلّى مسيحها الحيّ ليعطيها سلامه. وما أقوله عن الكنيسة إنّما أكرّره بخصوص المؤمن كعضو في الكنيسة المقدّسة الذي ينعم بهذه العضويّة خلال مياه المعموديّة، فيتمتّع بسكنى السيّد المسيح فيه، ويصير ملكوتًا سماويًا وهيكلًا لله. هذا لا يعني توقُّف التجارب عن مهاجمته، بل بالعكس يزداد هجومها بالأكثر من أجل السيّد المسيح الساكن فيه. لكنها تعجز عن أن تهلكه مادام المؤمن في يدّ عريسه، في سهر روحي ويقظة بلا نوم.

يعلّل القدّيس يوحنا الذهبي الفم حدوث ذلك قائلًا:

[لقد نام لكي يعطي فرصة لظهور خوفهم، ولكي يجعل فهمهم لما يحدث أكثر وضوحًا... لكنه لم يفعل هذا في حضرة الجماهير حتى لا يُدانوا على قلّة إيمانهم، وإنما انفرد بهم وأصلح من شأنهم، وقبل أن يُهدئ عاصفة المياه أنهى أولًا عاصفة نفوسهم موبّخا إيّاهم: لماذا شككتم يا قليلي الإيمان؟ معلّمًا إيّاهم أيضًا أن الخوف سببه ليس اقتراب التجارب إنّما ضعف ذهنهم[417].]

هكذا يظهر السيّد المسيح معلّمًا مُحبًا وأبًا مترفّقا، يريد أن يكشف جراحاتهم ويظهر لهم ضعفهم دون أن يجرح مشاعرهم، إذ سحبّهم من وسط الجماهير ليعلّمهم عمليًا ما في قلوبهم وأذهانهم من ضعفات. إنه يقدّم لنا المثال الحق للأبوة الحانية التي لا تتساهل مع الخطيّة والخطأ، لكنها لا تشهِّر بالابن الخاطئ. تفضحه أمام نفسه لا أمام الآخرين، مرّة ومرّات، وأخيرًا إن احتاج الأمر يستخدم التأديب العلني كتوبيخه للكتبة والفرّيسيّين.

في أبوّته قدّم السيّد العلاج الأصيل مُظهرًا أن سرّ التعب الحقيقي ليست الرياح الخارجيّة والعواصف الظاهرة إنّما رياح النفس غير المستقرة وأمواجها الداخليّة بسبب عدم إيمانها، لهذا هدّأ نفوسهم في الداخل وعندئذ أسكت الخارج!

لقد نام السيّد في السفينة، الأمر الذي يحدث فينا حين نتعلّق بالخطايا ونتفاعل معها، ولا نترك ربّنا يسوع يعمل فينا ويقود سفينة حياتنا، لذلك يرى القدّيس جيروم أننا نوقظ السيّد بالتوبة عن خطايانا، إذ يقول: [إن كان بسبب خطايانا ينام فلنقل: "استيقظ لماذا تتغافى يا رب؟!" (مز 44: 23). وإذ تلطم الأمواج سفينتنا فلنوقظه قائلين: "يا سيّد نجّنا فإنّنا نهلك" (مت8: 25، لو8: 24)[418].]

ويرى القدّيس أغسطينوس[419]أن نوم السيّد المسيح إنّما هو تجاهلنا الإيمان له ونسياننا إياه، فيكون المسيح الذي يحلّ بالإيمان في قلوبنا (أف 3: 17) كمن هو نائم في قلوبنا. لهذا يلزمنا أن نوقظهk أي نستدعي إيماننا به. بالإيمان الحيّ نلتقي بعريسنا القادر وحده أن يهدّئ الأمواج الثائرة ضدّنا في الداخل كما في الخارج.

ويُعلّق أيضًا القدّيس أغسطينوس على هذه المعجزة سائلًا إيّانا أن نوقظ السيّد المسيح فينا بتذكُّرنا كلماته التي لها فاعليّتها فينا، إذ يقول: 

[البحارة هم النفوس التي تعبر هذا العالم في السفينة التي هي رمز الكنيسة. في الحقيقة كل إنسان هو هيكل الله، وقلبه هو السفينة التي تبحر ولا تغرق إن كانت أفكاره صالحة.

لقد سمعتَ إهانة، فهي ريح! لقد غضبتَ، فهذه موجه! إذ تهب الرياح (الإهانات) وتعلو الأمواج (الغضب) تصبح السفينة في خطر، ويصير القلب في تهلكة يترنّح هنا وهناك.

عندما تسمع إهانة تشتاق إلى الانتقام، وتُسر بضرر الآخرين فتهلَك. لماذا يحدث هذا؟ لأن المسيح نائم فيك... إنك نسيت المسيح! أيقظه فيك، أي تذَكِّره. نبِّهه إلى اشتياقاتك بأنك تريد أن تنتقم... تذَكِّره، بتذكُّر كلماته، وبتذكُّر وصاياه...

ما قلته عن الغضب ينطبق على أية تجربة أخرى. فإنه إذ تهاجمك التجربة يكون ذلك ريحًا، وإذ تضطرب يكون أمواجًا. لتوقظ المسيح! دعه يتكلّم فيك... "أي إنسان هذا فإن الرياح والبحر جميعًا تطيعه"؟ [27] [420].]

ويرى القدّيس كيرلّس الكبير أن إيقاظ المسيح إنّما يعني الصراخ إليه وسط الضيقات والآلام والاتّكال عليه، إذ يقول: [المسيح حال وسط مختاريه، وإذ يسمح لهم بحكمته المقدّسة أن يعانوا من الاضطهاد يبدو نائمًا. ولكن إذ تبلغ العاصفة عنفها، والذين في صحن السفينة لا يقدرون أن يحتملوا، يلزمهم أن يصرخوا: "قم لماذا تتغافى يا رب" (مز 44: 23). فإنه يقوم وينزع كل خوف بلا تأخير. إنه ينتهر الذين يحزنوننا (أي عواصف الضيق، سواء كانت في الداخل أو الخارج، إن كانت حربًا من الشيطان أو تعبًا جسدانيًا أو مشاكل)، ويحوّل حزننا إلى فرح، ويكشف لنا سماءً مضيئة بلا اضطرابات، إذ لا يحوِّل وجهه عن الذين يتّكلون عليه.]

ويُعلّق القدّيس أغسطينوس أيضًا على خضوع الطبيعة له، قائلًا:

[لتمتثل بالرياح والبحر! أطع الخالق! لقد أصغى البحر للمسيح وأنت ألا تنصت له؟ سمع البحر وهدأت الرياح وأنت أفلا تهدأ؟ إنّني أقول وانصح بأن ما هذا إلا عدم هدوء وعدم رغبة في طاعة كلمة المسيح... لا تدع الأمواج تسيطر على قلبك فيضطرب. فإنّنا إن كنّا بشرًا لا نيأس متى هبّت الرياح وثارت عواصف أرواحنا، إذ نوقظ المسيح فنبحر في بحر هادئ ونصل إلى موطننا[421].]

وللعلامة أوريجينوس تعليق على هذا الحدث "تهدئة الأمواج" نقتطف منه الآتي:

[لم تثر العاصفة من ذاتها بل طاعة لسلطانه: "المُصعِد السحاب من خزائنه" (مز 135: 7)، "الذي وضع الرمل تُخومًا للبحر" (إر 5: 22)... فبأمره وكوصيّته ارتفعت العاصفة في البحر... لكن قدر ما تعظُم الأمواج الثائرة ضدّ القارب الصغير، يصعد خوف التلاميذ، فتزداد رغبتهم في الخلاص بأعاجيب المخلّص. لكن المخلّص كان نائمًا، يا له من أمر عظيم وعجيب!

هل الذي لا ينام ينام الآن؟! الذي يدبّر السماء والأرض، هل ينام؟...

نعم إنه ينام بجسده البشري، لكنّه ساهر بلاهوته... لقد أظهر أنه حملَ جسدًا بشريًّا حقيقيًا...

لقد نام في جسده، وبلاهوته جعل البحر يضطرب كما أعاد إليه هدوءه، نام في جسده لكي يوقظ تلاميذه ويجعلهم ساهرين.

هكذا نحن أيضًا إذ لا ننام في نفوسنا ولا في فهمنا ولا في الحكمة بل نكون ساهرين على الدوام، نمجِّد الرب ونطلب منه خلاصنا بشغف...

حقًا إن كثيرين يبحرون مع الرب في قارب الإيمان، في صحن سفينة الكنيسة المقدّسة، وسط حياة مملوءة بالعواصف، إنه نائم في هدوء مقدّس يرقب صبركم واحتمالكم، متطلّعا إلى توبة الخطاة ورجوعهم إليه.

إذن، تعالوا إليه بشغف في صلاة دائمة، قائلين مع النبي: "استيقظ لماذا تتغافى يا رب؟ انتبه، لا ترفض إلى الأبد... قم عونًا واِفدنا من أجل اسمك" (مز 44: 23، 26).

إذ يقوم يأمر الرياح، أي الأرواح الشيطانيّة الساكنة في الهواء والمثيرة لعواصف البحر، والتي تسبب الأمواج الشرّيرة القاتلة... وتثير اضطهادات ضدّ القدّيسين وتسقط عذابات على المؤمنين في المسيح، لكن الرب يأمر الكل، وينتهر كل الأشياء، فيلتزم كل شيء بما عليه يدبّر كل الأمور ويهب النفس والجسد سلامًا، ويرد للكنيسة سلامها ويُعيد للعالم الطمأنينة...

إنه يأمر البحر فلا يعصاه، ويحدّث الرياح والعواصف فتطيعه!

يأمر كل خليقته فلا تتعدّى ما يأمر به، إنّما جنس البشر وحدهم هؤلاء الذين نالوا كرامة الخلقة على مثاله ووُهِب لهم النطق والفهم، هؤلاء يقاومونه ولا يطيعونه. هم وحدهم يزدرون به! لذلك فإنهم يُدانون ويعاقَبون بعدله! بهذا صاروا أقل من الحيوانات العجماوات والأشياء الجامدة التي في العالم بلا إحساس ولا مشاعر!]

 

والمجد لله دائما