خلفيات يهودية لأحداث ذكرها لوقا البشير
د. غالي
21 نوفمبر 2024
حادثة سكب قارورة الطيب التي في إنجيل لوقا.
ذكر الكتاب المقدس حادثتين مختلفتين لسكب قارورة الطيب وتم التفريق بينهما في بحث "سكب قارورة الطيب". فأحدهما مذكورة في متى 26 ومرقس 14 ويوحنا 12 وهذه قبل الصلب وهي ليست المعنية هنا ولكن المشار إليها هنا هي الحادثة الأولى المذكور في لوقا 7 في بيت سمعان الفريسي. وهي كالتالي:
"36 وَسَأَلَهُ وَاحِدٌ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُ، فَدَخَلَ بَيْتَ الْفَرِّيسِيِّ وَاتَّكَأَ. 37 وَإِذَا امْرَأَةٌ فِي الْمَدِينَةِ كَانَتْ خَاطِئَةً، إِذْ عَلِمَتْ أَنَّهُ مُتَّكِئٌ فِي بَيْتِ الْفَرِّيسِيِّ، جَاءَتْ بِقَارُورَةِ طِيبٍ 38 وَوَقَفَتْ عِنْدَ قَدَمَيْهِ مِنْ وَرَائِهِ بَاكِيَةً، وَابْتَدَأَتْ تَبُلُّ قَدَمَيْهِ بِالدُّمُوعِ، وَكَانَتْ تَمْسَحُهُمَا بِشَعْرِ رَأْسِهَا، وَتُقَبِّلُ قَدَمَيْهِ وَتَدْهَنُهُمَا بِالطِّيبِ. 39 فَلَمَّا رَأَى الْفَرِّيسِيُّ الَّذِي دَعَاهُ ذلِكَ، تَكَلَّمَ فِي نَفْسِهِ قِائِلًا: «لَوْ كَانَ هذَا نَبِيًّا، لَعَلِمَ مَنْ هذِهِ الامَرْأَةُ الَّتِي تَلْمِسُهُ وَمَا هِيَ! إِنَّهَا خَاطِئَةٌ». 40 فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «يَا سِمْعَانُ، عِنْدِي شَيْءٌ أَقُولُهُ لَكَ». فَقَالَ: «قُلْ، يَا مُعَلِّمُ». 41 «كَانَ لِمُدَايِنٍ مَدْيُونَانِ. عَلَى الْوَاحِدِ خَمْسُمِئَةِ دِينَارٍ وَعَلَى الآخَرِ خَمْسُونَ. 42 وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَا يُوفِيَانِ سَامَحَهُمَا جَمِيعًا. فَقُلْ: أَيُّهُمَا يَكُونُ أَكْثَرَ حُبًّا لَهُ؟» 43 فَأَجَابَ سِمْعَانُ وَقَالَ: «أَظُنُّ الَّذِي سَامَحَهُ بِالأَكْثَرِ». فَقَالَ لَهُ: «بِالصَّوَابِ حَكَمْتَ». 44 ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْمَرْأَةِ وَقَالَ لِسِمْعَانَ: «أَتَنْظُرُ هذِهِ الْمَرْأَةَ؟ إِنِّي دَخَلْتُ بَيْتَكَ، وَمَاءً لأَجْلِ رِجْلَيَّ لَمْ تُعْطِ. وَأَمَّا هِيَ فَقَدْ غَسَلَتْ رِجْلَيَّ بِالدُّمُوعِ وَمَسَحَتْهُمَا بِشَعْرِ رَأْسِهَا. 45 قُبْلَةً لَمْ تُقَبِّلْنِي، وَأَمَّا هِيَ فَمُنْذُ دَخَلْتُ لَمْ تَكُفَّ عَنْ تَقْبِيلِ رِجْلَيَّ. 46 بِزَيْتٍ لَمْ تَدْهُنْ رَأْسِي، وَأَمَّا هِيَ فَقَدْ دَهَنَتْ بِالطِّيبِ رِجْلَيَّ. 47 مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَقُولُ لَكَ: قَدْ غُفِرَتْ خَطَايَاهَا الْكَثِيرَةُ، لأَنَّهَا أَحَبَّتْ كَثِيرًا. وَالَّذِي يُغْفَرُ لَهُ قَلِيلٌ يُحِبُّ قَلِيلًا». 48 ثُمَّ قَالَ لَهَا: «مَغْفُورَةٌ لَكِ خَطَايَاكِ». 49 فَابْتَدَأَ الْمُتَّكِئُونَ مَعَهُ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ: «مَنْ هذَا الَّذِي يَغْفِرُ خَطَايَا أَيْضًا؟» 50 فَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: «إِيمَانُكِ قَدْ خَلَّصَكِ، اِذْهَبِي بِسَلاَمٍ»." (إنجيل لوقا 7: 36-50).
نجد هذا المثل بالذات في سياق قصة أو حوار يجري في بيت سمعان الفريسي. إنه مثل يُروى في سياق الأحداث التي تجري حوله. والرب يسوع المسيح استخدم الموقف ليقدم تعاليم هامة جدا بغض النظر عن ماذا حدث لسمعان الفريسي بعده. ولكن البعض قد لا يدرك الخلفية البيئية فقد يتعجب من بعض التعبيرات أو يسئ فهم ما يقوله الرب يسوع لسمعان وبخاصة تعبيرات ماء لرجلي لم تعط وقبلة لم تقبلني. فالبعض قد يتساءل لماذا الرب يسوع استخدم تعبيرات تبدأ فيها احتداد على سمعان الفريسي رغم انه استضاف الرب يسوع في بيته؟ البعض يكتفي بان يقول إن الرب يسوع المسيح كان عارف بما في قلب سمعان وهذا صحيح ولكن ليس هذا فقط لأن للأمر بعد أخر يفهم من الخلفية اليهودية في هذا الزمان.
السياق البيئي:
كان من الشائع إلى حد ما أن يتحدث المُعلم المتجول في تجمع ثم يُدعى إلى منزل أحدهم لمواصلة المناقشات ويستريح. اتبع سمعان الفريسي هذا التقليد اليهودي بفتح منزله للرب يسوع المسيح على انه معلم وطلب منه أن يقدم إلى بيته ويعزمه على وجبة. كانت هذه الولائم مفتوحة للجمهور للحضور والاستماع إلى المناقشة المستمرة، رغم عدم دعوتهم للانضمام إلى الولائم. كانوا يقفون حول الجدران ويستمعون. ففي هذا الموقف كان الرب يسوع معلمًا ضيفًا مدعوًا ومتكئًا على الطاولة. وهناك ثلاث شخصيات رئيسية مذكورة في هذه الحادثة سمعان الرب ويسوع والمرأة الخاطئة.
ولكن من عادة اليهود الهامة في هذا الزمان قبل المعلمين أنه كان يتم الترحيب بكل ضيف بقبلة عند الدخول وهذا أساسي. فإذا كان الضيف يُعتبر مساويًا، فكان يتم تقبيله على الخد. إذا كان يُعتبر من مكانة أعلى، مثل المعلم، فكان يتم تقبيله على اليد. عدم تقبيل المعلم لا على خده ولا على يده يعتبر إهانة شديدة واستخفاف بالمعلم.
كان الضيوف يجتمعون بعد ذلك حول طاولة منخفضة، ممدودة طويلة وضيقة مع وضع عدة أوعية من الطعام عليها. كان كل ضيف يتكئ ووجهه نحو الطاولة، متكئًا على كوعه الأيسر؛ وكانت أقدامه خلفه، بعيدًا عن الطاولة. ثم يأتي الخدم ويغسلون أقدام الضيوف من الخلف. أو لو المضيف يعتبر ضيفه ذا مكانة مرتفعة يفعل هذا له بنفسه. أو أضعف علامات الترحيب أن يقدم له ماء ليغسل الضيف قدمه بنفسه. عدم غسل أقدام الضيوف المتكئين وعدم إعطاء ماء لغسل الأقدام هو أيضا علامة مهينة.
إذا كان الرب يسوع معروفًا حقًا بأنه معلم، فكيف كان ليتم التعامل معه في بيت سمعان؟ كان يجب على سمعان أن يقبل يده في دخوله لأنه معلم. أو على الأقل لو يعتبره مساوي له في المكانة فكان يقبله على جبهته أو على خده. عدم تقبيله هي أول إهانة. وثاني إهانة لم يأمر خدامه بأن يغسلوا قدمي الرب يسوع ولا حتى قدم له ماء ليغسل قدمه بنفسه.
فأي معلمين أخرين لو كانوا في موقف الرب يسوع المسيح لكانوا يجب أن يغادروا بيت سمعان بعد أن عوملوا بمثل هذه الوقاحة. كان تصرفات سمعان الفريسي هي إهانة ويتحدى سلطة الرب يسوع علنًا كمعلم. كان سمعان يتوقع أن الرب يسوع سيغادر وهذا يصبح إعلان من سمعان بأنه لا يعتبر الرب يسوع لا هو المسيح ولا معلم بل شخص قليل جدا في المكانة. ولكن ما حدث هو أنه بقي الرب يسوع على الرغم من خطط سمعان. لماذا بقي وتلقى الإهانة؟ ماذا قال الرب يسوع لسمعان بهذا التصرف وكيف تعتقد أنه أفسد خطط سمعان؟
لأن الرب يعلم جيدًا ما سيحدث ومجيء هذه المرأة الخاطئة وكيف سيعلم سمعان الفريسي درس أمام كل الحضور الذي امامهم اهان سمعان الرب يسوع المسيح. فجاءت هذه المرأة الخاطئة هي امرأة خاطئة مشهورة في المنطقة ويلقبها لوقا البشير بلقب "المرأة من المدينة"، والتي كان المقصود بها أنها كانت تمارس تجارتها في شوارع المدينة. جاءت إلى يسوع ومعها جرة عطر لتدهن قدمي الرب يسوع. كانت النساء في هذا الزمان غالبًا ما يرتدين قارورة صغيرة من العطر بخيط حول أعناقهن في بيوتهم لتحلية رائحتهن ولكن الزانيات تفعل هذا في الشارع لتجارتهن. كان فعل سكب هذا العطر رمزيًا للغاية حيث كانت تتخلى عن حياتها السابقة وتسكب كل شيء. مع ملاحظة انها لم تكن خاطئة فقيرة، حيث كانت لديها نوعية غالية من العطر وأحضرته كله للرب يسوع. ثانيا هي مسحت قدمي الرب يسوع بشعرها. أي كان تركت شعرها منسدلاً، وهذا عادة الخاطئات في هذا الزمان ولكن هنا هي ما كانت تستخدمه سابقا في الخطية الأن تقدمه علامة تواضع وتوبة حقيقية. فما فعلته هذه المرأة هي تظهر بوضوح توبتها. فالرب يسوع وضح أن المرأة قد غُفر لها بالفعل وأنها جاءت لتظهر امتنانها العميق. ولكن لم يعترف سمعان بأنها تائبة، على الرغم من أفعالها، ويستمر في وصمها بالخاطئة. فلهذا أيضًأ استحق سمعان الفريسي التوبيخ للمرة الثانية.
فالرب يسوع المسيح بتوبيخه لسمعان لا يفعل شيئًا غير مقبول ثقافيًا على الإطلاق فهو ينتقد مضيفه. بسبب سوء معاملة المضيف له، نظرًا لأن سمعان كان وقحًا للغاية مع الرب يسوع، فقد توقع ألا يبقى الرب يسوع، بل سيترك التجمع، بدلاً من البقاء في الإذلال، لكن الرب يسوع بقي. هذا يفسد خطة سمعان منذ البداية. ثم تأتي هذه المرأة وتظهره، وتقوم بواجبات الضيافة التي أنكرها سمعان للرب يسوع، لذلك انزعج أكثر من هذه الأحداث غير المتوقعة فلهذا قامن الرب يسوع بمواجهته بسلوكه أمام جميع ضيوفه الآخرين. وأيضًا لأن سمعان يرفض علامات توبة هذه المرأة.
ثانيا أسلوب الجلوس اليهودي:
شكل المتكأ اليهودي وما معني يتكئ لكي نتعايش الموقف فنفهمه أسهل. معني كلمة متكأ ἀνακεῖμαι G345 يجلس متمدد امام الطاولة يتعشى.
المجلس اليهودي للأكل: البعض يخطئ بتخيل أن الرب يسوع المسيح والتلاميذ جالسين على كراسي كما هو في صورة العشاء الاخير ليوناردو دافنشي المشهورة
ولكن هذا ليس عادة اليهود فهذا ليس دقيق. كان الانسان اليهودي يجلس امام طاوله قصيرة الارجل (تشبه الطبلية) ويجلس على وسادة ويتكأ على وساده علي جانبه الايسر وذراعه الأيسر ويأكل بيده اليمني.
وكان ايضا من نظامهم ان يجلس رئيس المتكأ في صدر القاعة على وساده مرتفعة عن الأخرين ويجلس على يمينه الاكبر سنا او مقاما حسب المناسبة ثم الذي يتلوه في السن او المقام وهكذا في شكل دائري حتى يجلس الاصغر سنا عن يسار رئيس المتكأ
ولو اراد أحدهم التحدث يستطيع ان يغير وضعه وان يجلس قعودا او يميل علي جانبه اليمين للكلام ولكن وضع الاكل يكون متكئ على يده اليسرى ويأكل باليد اليمنى
والرب يسوع المسيح في جلوسه مع تلاميذه هو رئيس المتكأ لأنه المعلم وكان غالبا يهوذا الاسخريوطي هو الذي عن يمينه لأنه اكبرهم سنا ونتعرف على هذا من ان يهوذا كان معه صندوق النقود وكان دائما في الفكر اليهودي يؤتمن الابن الاكبر على الاموال فهذا يدل ان يهوذا غالبا كان اكبرهم سنا ويكون يوحنا الحبيب الاصغر سنا علي يسار الرب يسوع المسيح ناحية ما هو متكئ
وهذه الصورة غير دقيقه الي حد منا لأنها لم تترك فواصل كافيه بين كل شخص ولم توضح ان رايس المتكأ اعلي في المستوي ولكن هي فقط توضيحية. لو اراد المسيح ان يتحدث مع يهوذا فيجلس قعودا فيكون راسه قريب من اذن يهوذا ولو كلمه بصوت منخفض لا يسمعه الاخرين. ومتي اراد يوحنا ان يكلم المسيح فيغير يوحنا اتكاؤه بدل من جنبه اليسار الي جنبه اليمين وبهذا يكون راس يوحنا عند تقريبا صدر المسيح وبهذا معلومة جانبية نفهم منها لماذا يقول إنجيل يوحنا تعبير "وكان متكئا في حضن يسوع واحد من تلاميذه كان يسوع يحبه" (انجيل يوحنا 13: 23). وهو يوحنا الحبيب علي يسار يسوع وهو لو مال الي اليمين كما شرحت يكون عند صدر يسوع. وهذا ما شرحه كثير من المفسرين مثل جيل "يوحنا يتكئ على المائدة واتجاه اتكاؤه في اتجاه المسيح فأصبح في مقابل المسيح وقريب منه فيبدوا كما لو كان يتكئ في حضن يسوع"
المهم نعود لقصة المرأة الخاطئة: وفي جلسته هذه يكون قدميه للخلف وباطن القدم لأعلي ولهذا يصف لوقا البشير بدقه انها جاءت ووقفت عند قديمة ليس امامه ولكن من وراؤه تبلل باطن قدمه بالدموع وتمسحهما بشعر راسها وتقبل باطن قدمه وتدهنهما بالطيب.
ملحوظة أخرى جانية: هذا مثال واحد من العديد من الامثلة التي تؤكد بما لا يدع مجال للشك بان شاهد عيان يصف هذا الحادث بمنتهي الدقة ولم يسمع من أحد لأنه لو سمع لما استطاع ان يصف بهذه الدقة. فوصف لوقا البشير في هذه الحادثة يؤكد بأنه شاهد عيان وليس ينقل عن أخر لا بولس الرسول ولا بطرس الرسول ولا غيرهم فوصفه الدقيق جدا لا يصفه إلا شاهد عيان ومن الثقافة اليهودية وليس أممي ويفهم جيدًا هذه العادات.
الثعلب والجنازة والوداع:
يذكر لوقا البشير حوار دار بين الرب يسوع المسيح له كل المجد لثلاث اشخاص كثلاث امثلة لمن يريدوا ان يتبعوه. ونتطرق معا للخلفية اليهودية لما يعنيه الثلاثة تعبيرات. فالأعداد تقول:
"57 وَفِيمَا هُمْ سَائِرُونَ فِي الطَّرِيقِ قَالَ لَهُ وَاحِدٌ: «يَا سَيِّدُ، أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي». 58 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ، وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ». 59 وَقَالَ لآخَرَ: «اتْبَعْنِي». فَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، ائْذَنْ لِي أَنْ أَمْضِيَ أَوَّلًا وَأَدْفِنَ أَبِي». 60 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «دَعِ الْمَوْتَى يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ، وَأَمَّا أَنْتَ فَاذْهَبْ وَنَادِ بِمَلَكُوتِ اللهِ». 61 وَقَالَ آخَرُ أَيْضًا: «أَتْبَعُكَ يَا سَيِّدُ، وَلكِنِ ائْذَنْ لِي أَوَّلًا أَنْ أُوَدِّعَ الَّذِينَ فِي بَيْتِي». 62 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْمِحْرَاثِ وَيَنْظُرُ إِلَى الْوَرَاءِ يَصْلُحُ لِمَلَكُوتِ اللهِ»." (إنجيل لوقا 9: 57-62).
وذكر متى البشير إثنين منهم الأول والثاني فقط وبختصار في متى 8: 19-22. فيتم تقديمها من إنجيل لوقا. في هذا الامر يتم التركيز كالعادة على الخلفية البيئية وليس المعنى الروحي الرائع للقصة. فقط لأن معرفة الخلفية اليهودية يساعد على بناء معاني روحية أروع تكميلية. هذا الحوار عبارة عن سلسلة من ثلاثة حوارات بين أشخاص يريدوا ان يتبعوا الرب يسوع القصة الأولى والثالثة تتحدثان عن شخصين تطوعا لاتباع يسوع، وسألهما يسوع إن كانا يستطيعان حقًا دفع تكلفة ما يعنيه أن يكون تابعًا. القصة الوسطى تتحدث عن شخص. يُطلب منه الرب يسوع أن يتبعه
الأول: الشخص الأول كان على استعداد لاتباع الرب يسوع دون قيد أو شرط ولكنه لم يحسب التكلفة. وفيما كانا سائرين على الطريق قال له رجل " أَتْبَعُكَ أَيْنَمَا تَمْضِي" فقال له الرب يسوع، "للثعالب أوجرة (جحور)، ولطيور السماء أوكار (أعشاش). ولكن ليس لابن الإنسان أين يسند رأسه. الخلفية البيئية مع الأول. تعبير ثعالب وطيور قد يكون يقصد منه فعلا كمثال لحيوانات البرية وطيور السماء كما قال أغلب المفسرين ولكن في الخلفية البيئية هذا يستخدم للتعبير عن سلالات. كان هناك العديد من الناس الذين يعيشون في أرض إسرائيل وكان لديهم سلالات دم مختلفة، كان الذين لهم دم مختلط يهودي مع أممي يلقبوا بالثعالب، مثلما كان هيرودس من دم مختلط، أدومي يهودي، وكان يُشار إليه باسم الثعلب. والسامريين الذين كان دمهم يهودي مختلط بأممي كان يشار إليهم بالثعالب أو الكلاب، هذا كان لقب سائد في هذا الزمان ولا يعتبر إهانة. فعندما يقول للثعالب أجرة أي حتى الذين ليسوا يهود أنقياء بل دمهم مختلط مرفوضين من اليهود ورغم هذا لهم مساكن من حقهم يقيموا فيها حسب الفكر اليهودي. كما كان يُشار إلى الرومان الذين كانوا يحتلون أرضهم ورمزهم طائر النسر الذهبي باسم "الطيور التي تزين أعشاشها". لأنهم يهتموا بتزيين بيوتهم. ورغم انهم غرباء تماما ألا أنهم لهم بيوت مزينة. وفي المقابل الرب يسوع المسيح اليهودي بدم نقي رغم أنه أحق في فكر اليهود ان يكون له بيت في أرض الموعد ألا انه ليس له مكان يسند فيه رأسه أي كما لو كان غريب. فيقول الرب يسوع المسيح لهذا المتحمس أنه ليس أتي لينال مكانة ولن يستخدم الرب يسوع أساليب اليهود ولا السامريين ولا الرومان أو الأمم الأخرى للتغلب على الظلم. في الواقع، بل الرب يسوع يعلن بأنه سيُحتقر ويرفضه العالم وطريقه يؤدي إلى جثسيماني. ومن سيتبع الرب يسوع سيكون مرفوض أيضًا رغم لأنه يهودي بدم نقي.
الثاني: يُطلب الرب يسوع من المتطوع الثاني أن يتبعه، ولكن ذكر أسباب وهو أن يدفن أبيه تجعل هذا الوقت غير مناسب ويجب تأجيل اتباعه للرب يسوع قليلًا. ولكن ما قاله "يا سيد ائذن لي ان امضي اولا وادفن ابي" قد يفهمه البعض أن أبيه مات للتو ويعترض البعض بأن إجابة الرب يسوع المسيح " دع الموتى يدفنون موتاهم واما انت فاذهب وناد بملكوت الله " فيها قسوة. ولكن الموقف له خلفية في الدفن اليهودي لأنه لو كان الأب قد مات للتو حقًا، لكان الرجل يسهر على الجثة، وليس يتحدث إلى يسوع، لذا فإن الرجل يقول إنه في وقت ما في المستقبل البعيد سيكون على استعداد للخدمة، ولكن ليس الآن. فهو يريد فقط أن يحجز مكانه له أرضية عند الرب يسوع المسيح ليحتلها في المستقبل وليس الان. اولا هذا لم يكن رجل اتي الي المسيح ولكن هو أحد تلاميذ المسيح ليس من الاثني عشر ولكن من الذين دعاهم المسيح ليكونوا من اتباعه فهو من المدعوين. ثانيا من الصعب ان يكون والده متوفي حديثا في نفس اليوم مثلا لان هذا الامر حدث والسيد المسيح سائر في الطريق وهؤلاء يتبعوه فهو اما ان كان والده عجوز فاعتذر عن اتباع المسيح والتلمذة مؤقتا حتى يتوفى ابيه ويري امر العائلة والميراث وغيره وبهذا تعبير ادفن ابي فهو في انتظار لموت ابيه ليحدد ميراثه ويمتلكه وهذا لان طقس الدفن كان سريع فهو لن يذهب ليدفنه بمعني يحفر له قبر او غيره ولكن يهتم بشؤن الأسرة حتى يتوفى والده الذي قد يكون بعد شهور او سنين وفي هذا معوقات.
لكن يوجد بعد بيئي يوضح معنى أخر في هذا الأمر. فالشخص اليهودي عندما يموت دفنه يجب أن يتم بأسرع وقت ممكن بعد الوفاة. وهذا يعني أن الدفن يتم في نفس يوم الوفاة لو متاح او ثاني يوم بحد أقصى لو كان يوم سبت. ولكن بعد أن يدفن الشخص اليهودي في قبر ملفوف في التكركيم أو الملابس الدفن اليهودية ويوضع ويترك حتى يتحلل وبعد فترة كافية يكون تحلل كل الانسجة ولا يكون هناك أي رائحة غير لائقة لكيلا يعتبر إهانة للميت ففتح القبر اثناء تحلل الجسد وصدور روائح كريهة منه تعتبر إهانة شديدة للميت عند اليهود. فتقريبا ينتظروا السنة ثم بعدها يكون تحلل تماما ولا توجد روائح فيتم جمع العظم ويوضع في صندوق صغير مع عظام قومه وهذا أحد معاني يضم إلى آباؤه أو تعبير يضم إلى قومه. وهذا الصندوق الصغير الذي يسمى عظامة له عدة اشكال منها مثل شكل البيت كمكان استقرار ما يفتح من الجنب بما يناسب الجمجمة بعد وضع بقية العظام في الداخل
واخر في شكل وعاء مفتوح من الجنب ليمثل مثل الحبوب ستقوم بعد دفنها هكذا الانسان
وبعضها له اشكال غريبة عند باقي الأمم القديمة
وهذه الطريقة أيضا موجودة في زمن المسيح وكان يفتح القبر بعدها بسنة لوضع العظام في الصندوق فالدفنة الثانية هذه معروفة من القديم.
فالشخص الثاني الذي يقول للرب يسوع دعني أمضي وأدفن أبي هو بالطبع لا يتكلم عن مرحلة الدفن الأول التي تتم في نفس اليوم وبالطبع لن يكون أحد السائرين مع الرب يسوع وابيه مات في هذا اليوم ولكن غالبا يتكلم عن أنه سيتبع الرب يسوع متى تم مرحلة الدفن الثانية التي قد تكون بعد شهور أو قرب سنة.
اولا هو متردد لأنه منبهر بمعجزات المسيح ولكن لازالت امور العالم وغناه يشغل تفكيره ويبعده عن الرب يسوع المسيح فهو يطمع في امور العالم وهو يريد ان يكون موجود لكي يحضر تقسيم الميراث ولا يخدعه أحد في ميراثه اثناء غيابه باتباعه المسيح، والانسان لا يستطيع ان يحب العالم ويحب الله في ان واحد.
ثانيا السيد المسيح خدمته على الارض هي فتره قصيره فلن يصلح لهذا الشخص ان يذهب الان لأنه حينما يقرر ان يعود للمسيح قد يكون فات الأوان.
ثالثًا الرب يسوع المسيح هو رئيس الكهنة وهو يعد تلاميذه ليكونوا رؤساء كهنة العهد الجديد فهم الذين سيرسمون اخرين قسس واساقفه في المدن التي سيبشرون فيها فكل منهم سيصير رئيس كهنة اعظم في كنيسته يسلم الكهنوت الذي استلمه من المسيح الي كل كنيسه سينشئها فماذا يقول الناموس "10 «وَالْكَاهِنُ الأَعْظَمُ بَيْنَ إِخْوَتِهِ الَّذِي صُبَّ عَلَى رَأْسِهِ دُهْنُ الْمَسْحَةِ، وَمُلِئَتْ يَدُهُ لِيَلْبَسَ الثِّيَابَ، لاَ يَكْشِفُ رَأْسَهُ، وَلاَ يَشُقُّ ثِيَابَهُ، 11 وَلاَ يَأْتِي إِلَى نَفْسٍ مَيْتَةٍ، وَلاَ يَتَنَجَّسُ لأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ،" (سفر اللاويين 21: 10-11). إذا ما فعله المسيح هو تطبيق للناموس فلا يلومه أحد بل هو ليس طبق الناموس بل وضح معني الوصية أكثر في انها عن الاهتمام بشؤون العالم أكثر من الله. وايضا الذين يأتون للمسيح ينذرون أنفسهم رمزيا للخدمة وفي العهد القديم قال؛
2 «كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: إِذَا انْفَرَزَ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ لِيَنْذُرَ نَذْرَ النَّذِيرِ، لِيَنْتَذِرَ لِلرَّبِّ، 3 فَعَنِ الْخَمْرِ وَالْمُسْكِرِ يَفْتَرِزُ، وَلاَ يَشْرَبْ خَلَّ الْخَمْرِ وَلاَ خَلَّ الْمُسْكِرِ، وَلاَ يَشْرَبْ مِنْ نَقِيعِ الْعِنَبِ، وَلاَ يَأْكُلْ عِنَبًا رَطْبًا وَلاَ يَابِسًا. 4 كُلَّ أَيَّامِ نَذْرِهِ لاَ يَأْكُلْ مِنْ كُلِّ مَا يُعْمَلُ مِنْ جَفْنَةِ الْخَمْرِ مِنَ الْعَجَمِ حَتَّى الْقِشْرِ. 5 كُلَّ أَيَّامِ نَذْرِ افْتِرَازِهِ لاَ يَمُرُّ مُوسَى عَلَى رَأْسِهِ. إِلَى كَمَالِ الأَيَّامِ الَّتِي انْتَذَرَ فِيهَا لِلرَّبِّ يَكُونُ مُقَدَّسًا، وَيُرَبِّي خُصَلَ شَعْرِ رَأْسِهِ. 6 كُلَّ أَيَّامِ انْتِذَارِهِ لِلرَّبِّ لاَ يَأْتِي إِلَى جَسَدِ مَيْتٍ. 7 أَبُوهُ وَأُمُّهُ وَأَخُوهُ وَأُخْتُهُ لاَ يَتَنَجَّسْ مِنْ أَجْلِهِمْ عِنْدَ مَوْتِهِمْ، لأَنَّ انْتِذَارَ إِلهِهِ عَلَى رَأْسِهِ. 8 إِنَّهُ كُلَّ أَيَّامِ انْتِذَارِهِ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ. (سفر العدد 6: 2-8).
ولهذا الرهبان المسيحيين لا يدفنون أحد لأنهم ماتوا عن العالم ليعيشوا مع الله. فالأموات في نظر الله هو من لا زال يعيش في خطيته ومصر ان يبتعد عن الله. لذلك قال عن الابن الضال إذ رجع لأبيه "ابني هذا كان ميتاً فعاش" وقال عن التوبة أنها تحيي (يو5: 25) والمسيح قال عن الموت أنه نوم (يو 11: 11) + (مت 9: 26) فالتائبين المعمدين لا يموتوا ولكن ينتقلوا فلا نحزن ونعتبرهم اموات بل منتقلين. لو كان امر الدفن هو الذي يشغله ففي الثقافة اليهودية مجموعات مختصة بالقيام بالدفن ومراسمها في بيت الجينز من مرحلة التطهير والتكركيم والنقل الي المدفن بل ونقل العظام لعظامة فلا يقوم اسرة المتوفي بذلك ولكن هؤلاء الخدام هم المسؤولون عن ذلك. وهذا يفسر تعبير دع الموتى يدفنون موتاهم. الرب يسوع المسيح هنا يتكلم عن الموتى بالروح لأنهم رفضوا الايمان بالله وبأعمال الجسد أصبحوا اموات بالروح فهذا دليل ان اسرة هذا الشخص غير مؤمنين وسيفصلونه عن الله والرب يسوع المسيح هنا لا يدعو للقسوة مع الوالدين، بل معنى قوله إن هناك كثيرين سيقومون بهذا الواجب ولكن اتبعني أنت. وهذا التعبير الذي يقوله الرب يسوع المسيح قد يبدوا غريب على مسامعنا ولكن هو أيضًا تعبير يهودي شهير החוטא חשוב כמת الخاطئ يحسب ميتًا. وأيضا يقول اليهود وأن الأشخاص الأشرار، حتى وهم على قيد الحياة أموات فيقولوا "، קרויין מתים، "يُدعَون أمواتًا" (Tzeror Hammor, fol. 6. 2.) فهذه تعبيرات يهودية ليست غريبة عليهم. والرب يسوع بهذا يعلن أنه هو الطريق والحق والحياة (يو 14: 6) وأن أسرة هذا الشخص (الذين يقدروا أن يتولون هذا الامر) الذين رفضوا الرب يسوع هم اختاروا رفض الحياة أي الموت الروحي وموت الخطية فيقدروا ان يخدموا الموتى الجسديين.
الثالث: الشخص الثالث هو متطوع آخر، ولكنه وضع شروطًا على دعوته. «أَتْبَعُكَ يَا سَيِّدُ، وَلكِنِ ائْذَنْ لِي أَوَّلًا أَنْ أُوَدِّعَ الَّذِينَ فِي بَيْتِي». الخلفية البيئية للحوار الثالث وهي يجب على الشخص الذي يغادر أن يطلب الإذن بالمغادرة من أولئك الذين سيبقون. كل من يستمع إلى الحوار يعرف أن والده بطبيعة الحال سيرفض السماح لهذا الشاب بالذهاب في بعض المشاريع المشكوك فيها. وبالتالي فإن عذر المتطوع أن أبيه رفض، يمكنه أن يصر بصوت عالٍ على أنه يريد الذهاب ولكن والده لن يسمح له بذلك لذا رغم انه لم يتبع الرب يسوع ولكن له الحق في أن يكون له مكانة عند الرب يسوع لأنه أراد وأبيه رفض فسيتبعه فيما بعد أيضًأ. فلهذا إجابة الرب يسوع من الفكر البيئي الشائع «لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْمِحْرَاثِ وَيَنْظُرُ إِلَى الْوَرَاءِ يَصْلُحُ لِمَلَكُوتِ اللهِ» وهذا تعبير يهودي شائع (Hesiod, Works and Days, 11. 60) لأن المحراث الذي كان يستخدمه اليهود أخف من المصري القديم فيحتاج تركيز لكي لا ينحرف. أي انه لا يقبل هذا العذر لأنه طالما بدا الطريق لا يجب ان يسمح لأحد أن يجذبه للخلف. لكي يحافظ المزارع على سير المحراث بشكل مستقيم، يجب أن ينظر إلى الأمام وليس إلى الخلف.
فمرة اخرى هذا الموقف هو أيضًا مثال أخر من العديد من الامثلة التي تؤكد ان لوقا البشير شاهد عيان من الذين اتبعوا الرب يسوع ويذكر تعبيرات يهودية بمنتهي الدقة وليس ينقل عن أخر فتعبيراته الدقيقة لا تصدر إلا من شاهد عيان ومن الثقافة اليهودية وليس أممي ويفهم جيدًا هذه العادات.
موقف الناموسي وتلخيص الوصايا في مثال السامري الصالح.
لوقا البشير هو الوحيد الذي ذكر مثال السامري الصالح. ولكن هنا لا يتم التعرض لمثال السامري الصالح فهو مدروس وبتفصيلات وتأملات رائعة ولكن ما يتم تقديمه هنا هو أمر مختلف من خلفية بيئية يهودية عن ه مقبول عند اليهود تلخيص الوصايا؟ وهذا الذي ذكر قبله. وهذا الامر ذُكر في متى 22 ومرقس 12 ولوقا 10 وعدة أماكن أخرى. وتم شرح امر من الذي أجاب في بحث "من الذي اجاب على سؤال اي الوصايا أعظم؟ متى 22: 38 ومرقس 12: 30 ولوقا 10: 27 ولوقا 20" وضحت ان الذي يتكلم عنه لوقا 10 هو موقف مختلف ومستقل. وما يقوله لوقا البشير " 25 وَإِذَا نَامُوسِيٌّ قَامَ يُجَرِّبُهُ قَائِلاً: «يَا مُعَلِّمُ، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ؟» 26 فَقَالَ لَهُ: «مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي النَّامُوسِ. كَيْفَ تَقْرَأُ؟» 27 فَأَجَابَ وَقَالَ: «تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ». 28 فَقَالَ لَهُ: «بِالصَّوَابِ أَجَبْتَ. اِفْعَلْ هذَا فَتَحْيَا»." (إنجيل لوقا 10: 25-28).
فالسؤالكالرب يسوع في كلامه مع الناموسي قال له وصيتين حب الرب إلهك وحب قريبك كنفسك وقال إن بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس والانبياء فهل يقبل اليهود أن يتم تلخيص الوصايا؟
الإجابة: في البداية باختصار نعم مقبول عند اليهود تلخيص الوصايا. فليس الرب يسوع المسيح له كل المجد وحده هو الذي لخصها بل بالوحي الإلهي انبياء في العهد القديم لخصوها أيضا. بالإضافة للوصايا العشر فناموس موسى به 613 قانون (متسفوت) منهم 365 لا تفعل أي سلبية. ومنهم 248 منهم افعل أي إيجابية. اما الوصايا العشر فهم القاعدة الأساسية لكل الوصايا الأخلاقية بل يعتبروها تشمل روح كل الناموس. فالوصايا العشر ذكرت مرتين الاصلية في خروج 20 وكررها موسى النبي في تثنية 5 وفي تكرارها موسى نفسه لخص بعض النقاط في الوصايا ما جاء في تثنية هو ملخص للوصايا للتذكير، مع التركيز وشرح بعض النقاط المهمة بإرشاد الروح القدس بل أيضا لخصها بألفاظ مختلفة بإرشاد الروح القدس في خروج 31 وشرحت هذا في "هل غير موسي نص الوصايا العشرة؟ خروج 20: 2 -17 تثنية 5: 6 -21" ولهذا اليهود يعرفوا بالفعل يقبلوا تلخيص الوصايا. ويعتبروا تلخيص وتغيير الفاظ الوصايا العشرة لأجل الشرح هو لا يوجد به إشكالية ومقبول عند اليهود.
والرب يسوع المسيح له كل المجد في أيام جسده ليس هو اول من يلخص الوصايا ويفسرها. فالوحي الإلهي أيضا لخصهم في العهد القديم داود في مزمور 15 بدل من الوصايا الست البشرية هو فندهم في 11 قانون "2 السَّالِكُ بِالْكَمَالِ، وَالْعَامِلُ الْحَقَّ، وَالْمُتَكَلِّمُ بِالصِّدْقِ فِي قَلْبِهِ. 3 الَّذِي لاَ يَشِي بِلِسَانِهِ، وَلاَ يَصْنَعُ شَرًّا بِصَاحِبِهِ، وَلاَ يَحْمِلُ تَعْيِيرًا عَلَى قَرِيبِهِ. 4 وَالرَّذِيلُ مُحْتَقَرٌ فِي عَيْنَيْهِ، وَيُكْرِمُ خَائِفِي الرَّبِّ. يَحْلِفُ لِلضَّرَرِ وَلاَ يُغَيِّرُ.5 فِضَّتُهُ لاَ يُعْطِيهَا بِالرِّبَا، وَلاَ يَأْخُذُ الرِّشْوَةَ عَلَى الْبَرِيءِ. الَّذِي يَصْنَعُ هذَا لاَ يَتَزَعْزَعُ إِلَى الدَّهْرِ". (سفر المزامير 15: 2-5). إشعياء 33: 15 لخصهم في ستة قوانين " السَّالِكُ بِالْحَقِّ وَالْمُتَكَلِّمُ بِالاسْتِقَامَةِ، الرَّاذِلُ مَكْسَبَ الْمَظَالِمِ، النَّافِضُ يَدَيْهِ مِنْ قَبْضِ الرَّشْوَةِ، الَّذِي يَسُدُّ أُذُنَيْهِ عَنْ سَمْعِ الدِّمَاءِ، وَيُغَمِّضُ عَيْنَيْهِ عَنِ النَّظَرِ إِلَى الشَّرِّ" (سفر إشعياء 33: 15). ميخا 6: 8 لخصهم في ثلاث وصايا." 8 قَدْ أَخْبَرَكَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا هُوَ صَالِحٌ، وَمَاذَا يَطْلُبُهُ مِنْكَ الرَّبُّ، إِلاَّ أَنْ تَصْنَعَ الْحَقَّ وَتُحِبَّ الرَّحْمَةَ، وَتَسْلُكَ مُتَوَاضِعًا مَعَ إِلهِكَ." (سفر ميخا 6: 8). عاموس 5 لخصهم الى ثلاث وصايا" 15 اُبْغُضُوا الشَّرَّ، وَأَحِبُّوا الْخَيْرَ، وَثَبِّتُوا الْحَقَّ فِي الْبَابِ، لَعَلَّ الرَّبَّ إِلهَ الْجُنُودِ يَتَرَاءَفُ عَلَى بَقِيَّةِ يُوسُفَ" (سفر عاموس 5: 15). حبقوق 2: 4 لخصهم في قانون واحد "البار بالإيمان يحيا". فلهذا اليهود يقبلوا تلخيص الوصايا ومن هذا نفهم لماذا في حوار هذا الناموسي مع الرب يسوع لخص الوصايا والرب يسوع لم يعترض وأيضًا في المرات الأخرى التي لخص فيها الرب يسوع المسيح الوصايا لم يعترض عليه أحد لأنهم يتكلموا بنفس المفهوم اليهودي الذي يقبل تلخيص الوصايا. مع ملاحظة ان الملخص الذي يقوله الرب يسوع المسيح له كل المجد وأيضًا يقوله هذا الناموسي هو أيضا موجود بنصه في العهد القديم فمقطع حب الرب إلهك في "5 فَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُوَّتِكَ." (سفر التثنية 6: 5). وحب قريبك كنفسك أيضا في "18 لاَ تَنْتَقِمْ وَلاَ تَحْقِدْ عَلَى أَبْنَاءِ شَعْبِكَ، بَلْ تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. أَنَا الرَّبُّ." (سفر اللاويين 19: 18). وحب قريبك كنفسك أيضا كررها الرب يسوع المسيح له كل المجد بطريقة أخرى في القاعدة الذهبية للمعاملات متى 7: 12 . فلهذا لم يعترض لا الناموسي ولا غيره من اليهود لأن هذا حدث بالفعل في العهد القديم.
وبالطبع بعد الرب يسوع المسيح تلاميذه ورسله أيضا الذين تعلموا منه لخصوهم فمثلا معلمنا بولس الرسول اليهودي أيضا لخصهم في تعبير الرب يسوع المسيح "لأَنَّ «لاَ تَزْنِ، لاَ تَقْتُلْ، لاَ تَسْرِقْ، لاَ تَشْهَدْ بِالزُّورِ، لاَ تَشْتَهِ»، وَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّةً أُخْرَى، هِيَ مَجْمُوعَةٌ فِي هذِهِ الْكَلِمَةِ: «أَنْ تُحِبَّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ»." (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 13: 9). وأيضًا "لأَنَّ كُلَّ النَّامُوسِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يُكْمَلُ: «تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِك" (رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية 5: 14). وأيضا معلمنا يعقوب مثله "فَإِنْ كُنْتُمْ تُكَمِّلُونَ النَّامُوسَ الْمُلُوكِيَّ حَسَبَ الْكِتَابِ: «تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ». فَحَسَنًا تَفْعَلُونَ." (رسالة يعقوب 2: 8). فتلخيص الوصايا معروف عند اليهود.
ملحوظة جانبية: يعرف اليهود المدققين أن اتباع كل الوصايا بتدقيق متناهي هو شيء مستحيل ولهذا بعض اليهود افترضوا فكر خطأ ان الانسان اليهودي سيعيش عدة مرات في عدة أجساد (ما يشبه تناسخ الأرواح) لكي ينفذ بعض الوصايا في كل حياة فيتمم كل الوصايا في النهاية في مجموع هذه المرات. لأنه مستحيل ينفذهم في حياة واحدة. فهي بالفعل مستحيل ان تنفذ بالكامل الا في وجود الانسان في الرب يسوع المسيح له كل المجد. فالوحيد الذي نفذ الوصايا هو الرب يسوع الذي هو بلا خطية وهي التي لخصها في وصيتين واظهر هذا وطبقها بدقة، فهو أحب الاب في كل لحظة وأعلن هذا وأيضا كانسان أحب الآب الحال فيه. وأيضا أحب قريبه أي كل البشرية لأنه قدم نفسه فداء عن البشرية كلها وحمل خطاياهم حتى اعداؤه.
المسيح القاضي في مثال الغني والمخازن.
مرة أخرى، ننظر إلى مثل خلفية حوار الذي في تعبير من أقامني قاضيا عليكم وليس في المعاني الروحية لمثل الغني الطماع صاحب المخازن. فالقصة المعنية في؛
13 وَقَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنَ الْجَمْعِ: «يَا مُعَلِّمُ، قُلْ لأَخِي أَنْ يُقَاسِمَنِي الْمِيرَاثَ». 14 فَقَالَ لَهُ: «يَا إِنْسَانُ، مَنْ أَقَامَنِي عَلَيْكُمَا قَاضِيًا أَوْ مُقَسِّمًا؟» 15 وَقَالَ لَهُمُ: «انْظُرُوا وَتَحَفَّظُوا مِنَ الطَّمَعِ، فَإِنَّهُ مَتَى كَانَ لأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ مِنْ أَمْوَالِهِ». 16 وَضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا قَائِلًا: «إِنْسَانٌ غَنِيٌّ أَخْصَبَتْ كُورَتُهُ، 17 فَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ قَائِلًا: مَاذَا أَعْمَلُ، لأَنْ لَيْسَ لِي مَوْضِعٌ أَجْمَعُ فِيهِ أَثْمَارِي؟ 18 وَقَالَ: أَعْمَلُ هذَا: أَهْدِمُ مَخَازِنِي وَأَبْنِي أَعْظَمَ، وَأَجْمَعُ هُنَاكَ جَمِيعَ غَلاَتِي وَخَيْرَاتِي، 19 وَأَقُولُ لِنَفْسِي: يَا نَفْسُ لَكِ خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ، مَوْضُوعَةٌ لِسِنِينَ كَثِيرَةٍ. اِسْتَرِيحِي وَكُلِي وَاشْرَبِي وَافْرَحِي! 20 فَقَالَ لَهُ اللهُ: يَا غَبِيُّ! هذِهِ اللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ، فَهذِهِ الَّتِي أَعْدَدْتَهَا لِمَنْ تَكُونُ؟ 21 هكَذَا الَّذِي يَكْنِزُ لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ هُوَ غَنِيًّا للهِ». (إنجيل لوقا 12: 13-21).
هذا حدث مباشرة بعد ان كان يتكلم الرب يسوع عن المحاكم الارضية التي ستحاول ان تحاكم المسيحيين بسبب ايمانهم وانه سيكون معهم "11 وَمَتَى قَدَّمُوكُمْ إِلَى الْمَجَامِعِ وَالرُّؤَسَاءِ وَالسَّلاَطِينِ فَلاَ تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَوْ بِمَا تَحْتَجُّونَ أَوْ بِمَا تَقُولُونَ، 12 لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ يُعَلِّمُكُمْ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مَا يَجِبُ أَنْ تَقُولُوهُ»." المسيح يكلمهم عن الكرازة بلا خوف والضيقات التي ستأتي. ولا يخافوا من ان يحاكمهم أحد امام أي محكمة سواء مجمع او رئيس او غيره. بل هنا يؤكد ان الذي يعطيهم ما يجب ان يقولوه هو الروح القدس. فسأله هذا اليهودي عن الميراث. فمن المرجح أن يكون هذا الشخص تابعًا للرب يسوع ويريد حقًا أن يتدخل يسوع في موقف عائلي. فغالبًا هو متعود على الفكر اليهودي لأنه كان يُطلب من المعلمين اليهود الحكم والتصرف في مسألة قضائية لأنهم كانوا يُعتبرون خبراء في القانون. القانون المعني هنا هو ممارسة تقسيم الميراث بعد وفاة الأب. وغالبًا ما كان يُعطى الابن البكر ضعف حصة بقية الأبناء. يمكن للأخ الأصغر أن يعترض على هذا ويأخذه إلى قاضي ليطلب تقسيم الأرض بالتساوي لأسباب معينة. من الواضح أن هذا اليهودي ينظر للرب يسوع على أنه معلم ممكن سؤاله عن تقسيم الميراث ولكن أجاب الرب يسوع " مَنْ أَقَامَنِي عَلَيْكُمَا قَاضِيًا أَوْ مُقَسِّمًا؟" فقد يرى البعض في استجابة الرب يسوع لطلب الرجل أنها قسوة. في اللغة العربية، يعد قول "يا رجل!" ردًا يعبر عن غربة وليس معرفة. وأيضًا البعض يرى أن في هذا رفضًا من الرب يسوع أن يكون قاضي ولكن نبوات إشعياء أن المسيح سيكون قاضي "بل يقضي بالعدل للمساكين ويحكم بالانصاف لبائسي الارض ويضرب الارض بقضيب فمه ويميت المنافق بنفخة شفتيه" (إشعياء 11: 4).
باختصار في البداية اين في هذا العدد ينكر المسيح انه قاضي او يرفض ان يكون قاضي؟ هو في لوقا يسأل هذا الانسان عما السبب الذي جعله يطلب منه القضاء أي هل هو يقر انه قاضي ام لا؟ ولكن الخلفية اليهودية في الإجابة الامر له عمق أكبر من هذا في الفكر اليهودي من قصة موسى يشير اليها المسيح هنا في لوقا 12 وأيضا إشعياء 11 هو نبوة ثنائية التحقيق. ولهذا ندرس بشيء من التفصيل.
أولا تعبير الرب يسوع المسيح لغويا هو سؤال وليس نفي وتم شرح أمر مشابه في بحث "الرد على لماذا تدعوني صالحا وهل هذا انكار لاهوت" فكلمة من τίς تيس G5101 هي أداة استفهام بمعنى من، ما، ماذا. فالرب يسوع المسيح يسأل وليس ينكر وهو حتى ليس سؤال استنكاري. بل سؤال مباشر. السؤال من الذي اقام المسيح قاضي هل الشعب اليهودي ام مجمع السنهدرين ام فقط هذا الانسان اليهودي يعتبره قاضي ولماذا؟
ففي هذا التوقيت وهذا الموقف الرب يسوع المسيح المرفوض من رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيين هو ليس من حقه ان يكون قاضي ولو حكم في أمور الميراث هذا سيعتبرونه مخالف للشريعة ويجدوا علة عليه لان هذه مسؤولية القاضي المعين رسميا كما يقول "وَاذْهَبْ إِلَى الْكَهَنَةِ اللاَّوِيِّينَ وَإِلَى الْقَاضِي الَّذِي يَكُونُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، وَاسْأَلْ فَيُخْبِرُوكَ بِأَمْرِ الْقَضَاءِ." (سفر التثنية 17: 9). فالمسيح لو حكم هنا يعتبر مخالف للشريعة الا لو كانوا يعترفوا به رسميا انه المسيح المنتظر فالمسيح من حقه يقضي
فلهذا المسيح يريد هذا الشخص يكشف انه لو لا يعترفوا به انه المسيح السماوي فلا يجب ان يسألوه في أمور القضاة الارضيين ولو يطلب منه القضاء لأنه يعترف به بانه المسيح ابن العلي إذا يجب ان يعلن هذا. فيساله لماذا يجعله قاضي هل هذا اعتراف من اليهودي أنه المسيح ام لا؟
ثانيا خلفية هذا التعبير عند اليهود من أيام موسي وهي ما حدث مع موسى لما دافع عن العبراني وقتل المصري وفي المرة الثانية أراد ان يتدخل ما بين اثنين عبرانيين ويقضى فرفضوا ان يكون قاضي في فَقَالَ: «مَنْ جَعَلَكَ رَئِيسًا وَقَاضِيًا عَلَيْنَا؟ أَمُفْتَكِرٌ أَنْتَ بِقَتْلِي كَمَا قَتَلْتَ الْمِصْرِيَّ؟». فَخَافَ مُوسَى وَقَالَ: «حَقًّا قَدْ عُرِفَ الأَمْرُ». (سفر الخروج 2: 14). ولكن موسى الذي رفضوا ان يحكم بينهم في خلافاتهم جعله الرب رئيسهم وقاضيهم. " هذَا مُوسَى الَّذِي أَنْكَرُوهُ قَائِلِينَ: مَنْ أَقَامَكَ رَئِيسًا وَقَاضِيًا؟ هذَا أَرْسَلَهُ اللهُ رَئِيسًا وَفَادِيًا بِيَدِ الْمَلاَكِ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ فِي الْعُلَّيْقَةِ. (سفر أعمال الرسل 7: 35) وبناء عليه اليهود ينتظروا ان المسيح سيكون قاضي " هذَا هُوَ مُوسَى الَّذِي قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: نَبِيًّا مِثْلِي سَيُقِيمُ لَكُمُ الرَّبُّ إِلهُكُمْ مِنْ إِخْوَتِكُمْ. لَهُ تَسْمَعُونَ" (سفر أعمال الرسل 7: 37). فهو لو يقبلوه قاضيا ومقسما يكون هذا اعتراف انه المسيح الذي تنبأ عنه موسى ولو يرفضوا يكونوا مثلما فعلوا مع موسى وأيضا يكون هذا الانسان ليس من حقه ان يطلب منه ان يحكم وبهذا يكون هذا الانسان مثل اليهودي الذي رفض موسى. فالحقيقة هذا اثبات وليس نفي. ولهذا لا نجد إجابة من هذا الانسان فهو صمت. ولما صمت بالفعل الرب يسوع القاضي الحقيقي قال حكمه التالي وهو المهم "وَقَالَ لَهُمُ: «انْظُرُوا وَتَحَفَّظُوا مِنَ الطَّمَعِ، فَإِنَّهُ مَتَى كَانَ لأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ مِنْ أَمْوَالِهِ»." أي أصدر حكمه ان ما يفعله الاخر هو طمع ولن يستفاد منه. ثم بعدها مباشرة ضرب مثل الإنسان الغني الطماع. ولكن في هذا هو بالفعل أصدر حكم ولكن بحكمة. فمن يقول له انت لم تحكم هو أصدر ليس حكم فقط بل تشريع اعلى من حكم فهو المسيح بناء على الخلفية اليهودية. أيضا ومن يقول انه ليس من حقه ان يحكم لأنه ليس قاضي فهو لم يحكم بين الأخ واخوه فهو حكم على انسان غني طماع بطريقة غير مباشرة بانه طماع وسيدان كما في المثال. فهو بالفعل أصدر حكم على اخ هذا الانسان في موضوع الميراث ان من يطمع في المال والميراث هو غبي وسيحاسب امام الله. انه لا ينكر ولا يقول انه لا يستحق ان يكون قاضي بل هو يوضح لو الانسان هذا يؤمن بانه المسيح يكون من حقه ان يسأله الحكم ولو لا يؤمن يكون مثل الذي رفض موسى ويكون ليس من حقه ان يسأله ورغم هذا أصدر حكم عام واضح.
ولكن أيضا الرب يسوع في مجيؤه الأول لم يسعى ليكون قاضي لفظيا لأنه جاء للخلاص وليس للدينونة بعد، ودور الدينونة سيأتي في المجيء الثاني كما أعلن العهد القديم ووضح ان في مجيؤه الأول هو جاء للخلاص ولهذا متمنطق عند حقويه. فلهذا نبوة إشعياء 11 عن المجيء الثاني ولكن هي ثنائية التحقيق. بعد ان تكلم في الاصحاح السابق عن خلاص مملكة حزقيا من اشور في هذا الاصحاح يتكلم عن الخلاص الأبدي بالمسيح. وكأن الخلاص الزمني رمز للخلاص الأبدي. والخلاص الأبدي يبدأ هنا على الأرض في مملكة المسيح. وهذا العدد أيضا له مستويين الأول تحقق في مجيء المسيح الأول والثاني سيتحقق أيضا في مجيء الرب يسوع المسيح الاخير
يَقْضِي بِالْعَدْلِ لِلْمَسَاكِينِ، = هو يخلص المساكين ودعاهم إخوته وقضي وقادهم وخلصهم من الخطية. ولاحظ أن المسيح يقضى ويحكم فهو ديان الأرض كلها. وطَوَّب المساكين بالروح. وكان محباً للعشارين والخطاة ليخلصهم. وَيَضْرِبُ الأَرْضَ بِقَضِيبِ فَمِهِ = فهو يخرج من فمه سيف ماضي ذو حدين (رؤ 1: 16) به يحارب أعداءه (رؤ 2: 16) أي الشيطان وقوله يضرب الأرض أي من صار في شهوانيته أرضاً. وهذا التعبير لا ينطبق على بشر لا عن قضاة ولا قادة ولا مخلصين بشريين. وكلمة الله هي سيف ذو حدين (عب 4: 12) ... الحد الأول ينقى من يسمع "وأنتم الآن أنقياء من أجل الكلام الذي كلمتكم به" (يو15: 3). ويلدنا من جديد (1بط 1:23). والحد الثاني يدين لم يعاند ويرفض للحد الأول (يو 12: 48) + "آتى وأحاربهم بسيف فمى" (رؤ 2:16). فالله يعطى حكمة لرجاله يقفوا بها في وجه من يفسد الإيمان. وَيُمِيتُ الْمُنَافِقَ = المنافق هو الشيطان في المجيء الأول وهو ضد المسيح المؤيد من الشيطان في المجيء الثاني، روح الظلمة الموجود في كل زمان ومكان.
بل اليهود فهموا أن النبوة عن المسيح ولكن ليس ليجلس قاضي أرضي ففي تعليق الراباوات على إشعياء 11 (Midrash on Psalms, Book Two, Psalm 72, 3.)، "أعطِ الملك أحكامك يا الله وبرك": هنا يقصد بالملك الملك المسيح، الذي قيل عنه: "ويخرج قضيب من جذع يسى... ويحل عليه روح الرب... ولا يقضي حسب نظر عينيه، ولا يحكم حسب سمع أذنيه. بل يقضي بالعدل للمساكين، ويحكم بالاستقامة لبائسي الأرض". فهنا يؤكد اليهود أنه مقصود به ملك المسيح وليس ان يكون قاضي أرضي يحكم في أمور الميراث وغيرها. وأيضًا في مدراش رابا (Midrash Rabbah, Ruth V, 6.) يقولوا " التفسير الخامس يجعلها تشير إلى المسيح ... وجاءوا إليها يابسة، أي أنه سيعود إلى عرشه، كما قيل، ويضرب الأرض بقضيب فمه (إش 11: 4)". وأيضًا مدراش المزامير (Midrash on Psalms, Book Two, Psalm 72, 3.) "تعليق آخر على أعط الملك أحكامك يا الله وبرك: هنا الملك يقصد الملك المسيح، الذي قيل عنه ويخرج قضيب من جذع يسى ... ويحل عليه روح الرب ... ولا يقضي حسب نظر عينيه، ولا يحكم حسب سمع أذنيه. بل يقضي بالعدل للمساكين، ويحكم بالاستقامة لبائسي الأرض". المدراش يوضح انه غير مقصود بها القضاء بل الخلاص ويستشهدوا بان هذا ما قاله " يَقْضِي لِمَسَاكِينِ الشَّعْبِ. يُخَلِّصُ بَنِي الْبَائِسِينَ، وَيَسْحَقُ الظَّالِمَ." (سفر المزامير 72: 4). ففهموا ان القضاء بمعنى الخلاص. وأيضًا (Midrash on Psalms, Book Two, Psalm 72, 4.) "الآية التي تقول: «يقضي لمساكين الشعب، ويخلص أولاد المساكين، ويسحق الظالم» (مز 72: 4) تشبه الآية التي قيل فيها عن المسيح: «بل يقضي للمساكين بالعدل، ويحكم بالاستقامة لبائسي الأرض، ويضرب الأرض بقضيب فمه، ويميت الأشرار بنفخة شفتيه» (إش 11: 4)." فهو لن يكون قاضي في مجلس قضاء ولكنه مخلص ويقضي للمسكين أي يخلصه. وهذا بالطبع ما قام به الرب يسوع المسيح الهنا وفادينا ومخلصنا. فهو لن يكون قاضي في مجلس قضاء ولكنه مخلص ويقضي للمسكين أي يخلصه. وهذا بالطبع ما قام به الرب يسوع المسيح الهنا وفادينا ومخلصنا.
فمرة اخرى هذا الموقف هو أيضًا مثال أخر من العديد من الامثلة التي تؤكد ان لوقا البشير شاهد عيان من الذين اتبعوا الرب يسوع ويذكر تعبيرات يهودية بمنتهي الدقة وليس ينقل عن أخر فتعبيراته الدقيقة لا تصدر إلا من شاهد عيان ومن الثقافة اليهودية وليس أممي ويفهم جيدًا هذه العادات.
والمجد لله دائما