الاصحاح الأول
1
«إِلَى الإِخْوَةِ الْيَهُودِ الَّذِينَ فِي مِصْرَ. سَلاَمٌ إِلَيْكُمْ مِنَ الإِخْوَةِ الْيَهُودِ الَّذِينَ فِي أُورُشَلِيمَ وَبِلاَدِ الْيَهُودِيَّةِ أَطْيَبُ السَّلاَمِ.
2
لِيُبَارِكْكُمُ اللهُ وَيَذْكُرْ عَهْدَهُ مَعَ إِبرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ عَبِيدِهِ الأُمَنَاءِ،
3
وَلْيُؤْتِكُمْ جَمِيعاً قَلْباً لأَنْ تَعْبُدُوهُ، وَتَصْنَعُوا مَشِيئَتَهُ بِصَدْرٍ مَشْرُوحٍ وَنَفْسٍ رَاضِيَةٍ،
4
وَيَفْتَحْ قُلُوبَكُمْ لِشَرِيعَتِهِ وَوَصَايَاهُ، وَيَجْعَلْكُمْ فِي سَلاَمٍ،
5
وَلْيَسْتَجِبْ لِصَلَوَاتِكُمْ، وَيَتُبْ عَلَيْكُمْ، وَلاَ يَخْذُلْكُمْ فِي أَوَانِ السُّوءِ،
6
وَنَحْنُ ههُنَا نُصَلِّي مِنْ أَجْلِكُمْ.
7
كُنَّا، نَحْنُ الْيَهُودَ، قَدْ كَتَبْنَا إِلَيْكُمْ فِي عَهْدِ دِيمِتْرِيُوسَ، فِي السَّنَةِ الْمِئَةِ وَالتَّاسِعَةِ وَالسِّتِّينَ، حِينَ الضِّيقِ وَالشِّدَّةِ الَّتِي نَزَلَتْ بِنَا فِي تِلْكَ السِّنِينَ، بَعْدَ انْصِرَافِ يَاسُونَ وَالَّذِينَ مَعَهُ مِنَ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ وَالْمَمْلَكَةِ.
8
فَإِنَّهُمْ أَحْرَقُوا الْبَابَ وَسَفَكُوا الدَّمَ الزَّكِيَّ؛ فَابْتَهَلْنَا إِلَى الرَّبِّ فَاسْتَجَابَ لَنَا، وَقَرَّبْنَا الذَّبِيحَةَ وَالسَّمِيذَ، وَأَوْقَدْنَا السُّرُجَ وَقَدَّمْنَا الْخُبْزَ.
9
فَالآنَ عَلَيْكُمْ أَنْ تُعَيِّدُوا أَيَّامَ الْمَظَالِّ الَّتِي فِي شَهْرِ كِسْلُوَ.
10
فِي السَّنَةِ الْمِئَةِ وَالثَّامِنَةَِ وَالثَّمَانِينَ. مِنْ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ وَالْيَهُودِيَّةِ وَالشُّيُوخِ وَيَهُوذَا، إِلَى أَرِسْطُوبُولُسَ مُؤَدِّبِ بَطُلْمَاوُسَ الْمَلِكِ، الَّذِي مِنْ ذُرِّيَّةِ الْكَهَنَةِ الْمُسَحَاءِ، وَإِلَى الْيَهُودِ الَّذِينَ فِي مِصْرَ سَلاَمٌ وَعَافِيَةٌ.
11
نَشْكُرُ اللهَ الشُّكْرَ الْجَزِيلَ، عَلَى أَنَّهُ خَلَّصَنَا مِنْ أَخْطَارٍ جَسِيمَةٍ عِنْدَ مُنَاصَبَتِنَا لِلْمَلِكِ،
12
وَدَحَرَ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَنَا فِي الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ.
13
فَإِنَّهُ إِذْ كَانَ الْمَلِكُ فِي فَارِسَ يَقُودُ جَيْشاً لاَ يَثْبُتُ أَمَامَهُ أَحَدٌ، نُكِبُوا فِي هَيْكَلِ النَّنَايَةِ بِحِيلَةٍ احْتَالَهَا عَلَيْهِمْ كَهَنَةُ النَّنَايَةِ.
14
وَذلِكَ أَنَّهُ جَاءَ أَنْطِيُوخُسُ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى هُنَاكَ، مُتَظَاهِراً بِأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُقَارِنَهَا، وَفِي نَفْسِهِ أَنْ يَأْخُذَ الأَمْوَالَ عَلَى سَبِيلِ الصَّدَاقِ.
15
فَأَبْرَزَ كَهَنَةُ النَّنَايَةِ الأَمْوَالَ، وَدَخَلَ هُوَ مَعَ نَفَرٍ يَسِيرٍ إِلَى دَاخِلِ الْمَعْبَدِ، ثُمَّ أَغْلَقُوا الْهَيْكَلَ.
16
فَلَمَّا دَخَلَ أَنْطِيُوخُسُ، فَتَحُوا بَاباً خَفِيًّا كَانَ فِي أَرْضِ الْهَيْكَلِ، وَقَذَفُوا حِجَارَةً رَجَمُوا بِهَا الْقَائِدَ، ثُمَّ قَطَّعُوهُمْ قِطَعاً وَحَزُّوا رُؤُوسَهُمْ، وَأَلْقَوْهَا إِلَى الَّذِينَ كَانُوا فِي الْخَارِجِ.
17
فَفِي كُلِّ شَيْءٍ تَبَارَكَ إِلهُنَا الَّذِي أَسْلَمَ الْكَفَرَةَ.
18
وَبَعْدُ، فَإِذْ كُنَّا مُزْمِعِينَ أَنْ نُعَيِّدَ عِيدَ تَطْهِيرِ الْهَيْكَلِ، فِي الْيَوْمِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ كِسْلُوَ، رَأَيْنَا مِنَ الْوَاجِبِ أَنْ نُعْلِنَ إِلَيْكُمْ أَنْ تُعَيِّدُوا أَنْتُمْ أَيْضاً عِيدَ الْمَظَالِّ وَالنَّارِ الَّتِي ظَهَرَتْ، حِينَ بَنَى نَحَمْيَا الْهَيْكَلَ وَالْمَذْبَحَ وَقَدَّمَ
19
فَإِنَّهُ حِينَ أُجْلِيَ آبَاؤُنَا إِلَى فَارِسَ، أَخَذَ بَعْضُ أَتْقِيَاءِ الْكَهَنَةِ مِنْ نَارِ الْمَذْبَحِ سِرًّا، وَخَبَّأُوهَا فِي جَوْفِ بِئْرٍ لاَ مَاءَ فِيهَا، وَحَافَظُوا عَلَيْهَا، بِحَيْثُ بَقِيَ الْمَوْضِعُ مَجْهُولاً عِنْدَ الْجَمِيعِ.
20
وَبَعْدَ انْقِضَاءِ سِنِينَ كَثِيرَةٍ حِينَ شَاءَ اللهُ، أَرْسَلَ مَلِكُ فَارِسَ نَحَمْيَا إِلَى هُنَا، فَبَعَثَ أَعْقَابَ الْكَهَنَةِ الَّذِينَ خَبَأُوا النَّارَ لاِلْتِمَاسِهَا، إِلاَّ أَنَّهُمْ كَمَا حَدَّثُونَا لَمْ يَجِدُوا نَاراً بَلْ مَاءً خَاثِراً،
21
فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَغْرُفُوا وَيَأْتُوا بِهِ. وَلَمَّا أُحْضِرَتِ الذَّبَائِحُ، أَمَرَ نَحَمْيَا الْكَهَنَةَ أَنْ يَنْضِحُوا بِهذَا الْمَاءِ الْخَشَبَ وَالْمَوْضُوعَ عَلَيْهِ،
22
فَصَنَعُوا كَذلِكَ، وَلَمَّا بَرَزَتِ الشَّمْسُ وَقَدْ كَانَتْ مَحْجُوبَةً بِالْغَيْمِ، اتَّقَدَتْ نَارٌ عَظِيمَةٌ حَتَّى تَعْجَّبَ الْجَمِيعُ.
23
وَعِنْدَ إِحْرَاقِ الذَّبِيحَةِ كَانَ الْكَهَنَةُ كُلُّهُمْ يُصَلُّونَ، وَكَانَ يُونَاثَانُ يَبْدَأُ وَالْبَاقُونَ يُجِيبُونَهُ.
24
وَهذَا مَا صَلَّى بِهِ نَحَمْيَا: أَيُّهَا الرَّبُّ الرَّبُّ، الإِلهُ خَالِقُ الْكُلِّ الْمَرْهُوبُ الْقَوِيُّ الْعَادِلُ الرَّحِيمُ، يَا مَنْ هُوَ وَحْدَهُ الْمَلِكُ وَالْبَارُّ،
25
يَا مَنْ هُوَ وَحْدَهُ الْمُتَفَضِّلُ، الْعَادِلُ الْقَدِيرُ الأَزَلِيُّ، مُخَلِّصُ إِسْرَائِيلَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ، الَّذِي اصْطَفَى آبَاءَنَا وَقَدَّسَهُمْ.
26
تَقَبَّلِ الذَّبِيحَةَ مِنْ أَجْلِ جَمِيعِ شَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ، وَصُنْ مِيرَاثَكَ وَقَدِّسْهُ،
27
وَاجْمَعْ شَتَاتَنَا، وَأَعْتِقِ الْمُسْتَعْبَدِينَ عِنْدَ الأُمَمِ، وَانْظُرْ إِلَى المُمْتَهَنِينَ وَالْمَمْقُوتِينَ، وَلْتَعْلَمِ الأُمَمُ أَنَّكَ أَنْتَ إِلهُنَا،
28
وَعَاقِبِ الظَّالِمِينَ وَالْقَاذِفِينَ بِتَجَبُّرٍ،
29
وَاغْرِسْ شَعْبَكَ فِي مَكَانِكَ الْمُقَدَّسِ، كَمَا قَالَ مُوسَى.
30
وَكَانَ الْكَهَنَةُ يُرَنِّمُونَ بِالأَنَاشِيدِ.
31
وَلَمَّا أُحْرِقَتِ الذَّبِيحَةُ، أَمَرَ نَحَمْيَا بِأَنْ يُرِيقُوا مَا بَقِيَ مِنَ الْمَاءِ عَلَى الْحِجَارَةِ الْكَبِيرَةِ.
32
فَلَمَّا صَنَعُوا ذلِكَ اتَّقَدَ اللَّهِيبُ، فَأَطْفَأَهُ النُّورُ الْمُنْبَعِثُ مِنَ الْمَذْبَحِ.
33
فَشَاعَ ذلِكَ، وَأُخْبِرَ مَلِكُ فَارِسَ، أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي خَبَأَ فِيهِ الْكَهَنَةُ النَّارَ حِينَ جَلاَئِهِمْ، قَدْ ظَهَرَ فِيهِ مَاءٌ، وَبِهِ طَهَّرَ الَّذِينَ مَعَ نَحَمْيَا الذَّبِيحَةَ.
34
فَسَيَّجَهُ الْمَلِكُ وَصَيَّرَهُ مَقْدِساً بَعْدَ الْفَحْصِ عَنِ الأَمْرِ،
35
وَانْعَطَفَ الْمَلِكُ إِلَيْهِمْ، وَأَخَذَ عَطَايَا كَثِيرَةً، وَوَهَبَهَا لَهُمْ.
36
وَسَمَّاهُ الَّذِينَ مَعَ نَحَمْيَا نِفْطَارَ، أَيْ تَطْهِيراً، وَيُعْرَفُ عِنْدَ كَثِيرِينَ بِنِفْطَايَ».
الاصحاح الثاني
1
قَدْ جَاءَ فِي السِّجِلاَّتِ، أَنَّ إِرْمِيَا النَّبِيَّ أَمَرَ أَهْلَ الْجَلاَءِ أَنْ يَأْخُذُوا النَّارَ كَمَا ذُكِرَ، وَكَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ أَهْلَ الْجَلاَءِ،
2
إِذْ أَوْصَاهُمْ أَنْ لاَ يَنْسَوْا وَصَايَا الرَّبِّ، وَلاَ تَغْوِيَ قُلُوبُهُمْ إِذَا رَأَوْا تَمَاثِيلَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمَا عَلَيْهَا مِنَ الزِّينَةِ،
3
وَحَرَّضَهُمْ بِمِثْلِ هذَا الْكَلاَمِ عَلَى أَنْ لاَ يُزِيلُوا الشَّرِيعَةَ مِنْ قُلُوبِهِمْ.
4
وَجَاءَ فِي هذِهِ الْكِتَابَةِ، أَنَّ النَّبِيَّ بِمُقْتَضَى وَحْيٍ صَارَ إِلَيْهِ، أَمَرَ أَنْ يُذْهَبَ مَعَهُ بِالْمَسْكِنِ وَالتَّابُوتِ، حَتَّى يَصِلَ إِلَى الْجَبَلِ الَّذِي صَعِدَ إِلَيْهِ مُوسَى وَرَأَى مِيرَاثَ اللهِ.
5
وَلَمَّا وَصَلَ إِرْمِيَا وَجَدَ كَهْفاً، فَأَدْخَلَ إِلَيْهِ الْمَسْكِنَ وَالتَّابُوتَ وَمَذْبَحَ الْبَخُورِ ثُمَّ سَدَّ الْبَابَ.
6
فَأَقْبَلَ بَعْضُ مَنْ كَانُوا مَعَهُ لِيَسِمُوا الطَّرِيقَ، فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَجِدُوهُ.
7
فَلَمَّا أُعْلِمَ بِذلِكَ إِرْمِيَا لاَمَهُمْ وَقَالَ: إِنَّ هذَا الْمَوْضِعَ سَيَبْقَى مَجْهُولاً إِلَى أَنْ يَجْمَعَ اللهُ شَمْلَ الشَّعْبِ وَيَرْحَمَهُمْ.
8
وَحِينَئِذٍ يُبْرِزُ الرَّبُّ هذِهِ الأَشْيَاءَ، وَيَبْدُو مَجْدُ الرَّبِّ وَالْغَمَامُ كَمَا ظَهَرَ فِي أَيَّامِ مُوسَى، وَحِينَ سَأَلَ سُلَيْمَانُ أَنْ يُقَدَّسَ الْمَوْضِعُ تَقْدِيساً بَهِيًّا،
9
إِذِ اشْتَهَرَ وَأَبْدَى حِكْمَتَهُ بِتَقْدِيمِ الذَّبِيحَةِ لِتَدْشِينِ الْهَيْكَلِ وَتَتْمِيمِهِ.
10
فَكَمَا دَعَا مُوسَى الرَّبَّ، فَنَزَلَتِ النَّارُ مِنَ السَّمَاءِ وَأَفْنَتِ الذَّبِيحَةَ، كَذلِكَ دَعَا سُلَيْمَانُ فَنَزَلَتِ النَّارُ مِنَ السَّمَاءِ وَأَفْنَتِ الْمُحْرَقَاتِ.
11
وَقَالَ مُوسَى: إِنَّمَا أُفْنِيَتْ ذَبِيحَةُ الْخَطِيئَةِ لأَنَّهَا لَمْ تُؤْكَلْ.
12
وَكَذلِكَ عَيَّدَ سُلَيْمَانُ لِلتَّدْشِينِ ثَمَانِيَةَ الأَيَّامِ.
13
وَقَدْ شُرِحَ ذلِكَ فِي السِّجِلاَّتِ وَالتَّذَاكِرِ الَّتِي لِنَحَمْيَا، وَكَيْفَ أَنْشَأَ مَكْتَبَةً جَمَعَ فِيهَا أَخْبَارَ الْمُلُوكِ وَالأَنْبِيَاءِ وَكِتَابَاتِ دَاوُدَ وَرَسَائِلَ الْمُلُوكِ فِي التَّقَادِمِ.
14
وَكَذلِكَ جَمَعَ يَهُوذَا كُلَّ مَا فُقِدَ مِنَّا فِي الْحَرْبِ الَّتِي حَدَثَتْ لَنَا وَهُوَ عِنْدَنَا،
15
فَإِنْ كَانَتْ لَكُمْ حَاجَةٌ بِذلِكَ، فَأَرْسِلُوا مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَيْكُمْ.
16
وَإِذْ قَدْ أَزْمَعْنَا أَنْ نُعَيِّدَ عِيدَ التَّطْهِيرِ، كَتَبْنَا إِلَيْكُمْ وَإِنَّكُمْ لَتُحْسِنُونَ الصُّنْعَ إِذَا عَيَّدْتُمْ هذِهِ الأَيَّامَ.
17
وَاللهُ الَّذِي خَلَّصَ جَمِيعَ شَعْبِهِ، وَرَدَّ عَلَى الْجَمِيعِ الْمِيرَاثَ وَالْمُلْكَ وَالْكَهَنُوتَ وَالْمَقْدِسَ،
18
كَمَا وَعَدَ فِي الشَّرِيعَةِ، نَرْجُو مِنْهُ أَنْ يَرْحَمَنَا قَرِيباً، وَيَجْمَعَنَا مِمَّا تَحْتَ السَّمَاءِ إِلَى الْمَوْضِعِ الْمُقَدَّسِ،
19
فَإِنَّهُ قَدْ أَنْقَذَنَا مِنْ شُرُورٍ عَظِيمَةٍ، وَطَهَّرَ الْمَوْضِعَ.
20
إِنَّ الْحَوَادِثَ الَّتِي وَقَعَتْ لِيَهُوذَا الْمَكَّابِيِّ وَإِخْوَتِهِ، وَتَطْهِيرَ الْهَيْكَلِ الْعَظِيمِ وَتَدْشِينَ الْمَذْبَحِ،
21
وَالْحُرُوبَ الَّتِي وَقَعَتْ مَعَ أَنْطِيُوخُسَ الشَّهِيرِ وَابْنِهِ أَوْبَاطُورَ،
22
وَالآيَاتِ الَّتِي ظَهَرَتْ مِنَ السَّمَاءِ فِي حَقِّ الَّذِينَ تَحَمَّسُوا لِدِينِ الْيَهُودِ، حَتَّى إِنَّهُمْ مَعَ قِلَّتِهِمْ تَسَلَّطُوا عَلَى الْبِلاَدِ بِجُمْلَتِهَا وَطَرَدُوا جَمَاهِيرَ الأَعَاجِمِ،
23
وَاسْتَرَدُّوا الْهَيْكَلَ الَّذِي اشْتَهَرَ ذِكْرُهُ فِي الْمَسْكُونَةِ بِأَسْرِهَا، وَحَرَّرُوا الْمَدِينَةَ، وَأَحْيَوُا الشَّرَائِعَ الَّتِي كَادَتْ تَضْمَحِلُّ، لأَنَّ الرَّبَّ عَطَفَ عَلَيْهِمْ بِكَثْرَةِ مَرَاحِمِهِ.
24
تِلْكَ الأُمُورَ الَّتِي شَرَحَهَا يَاسُونُ الْقَيْرَوَانِيُّ فِي خَمْسَةِ كُتُبٍ، قَدْ أَقْبَلْنَا نَحْنُ عَلَى اخْتِصَارِهَا فِي دَرْجٍ وَاحِدٍ.
25
وَلَمَّا رَأَيْنَا تَكَاثُرَ الْحَوَادِثِ، وَالصُّعُوبَةَ الَّتِي تَعْتَرِضُ مَنْ أَرَادَ الْخَوْضَ فِي أَخْبَارِ التَّأْرِيخِ لِكَثْرَةِ الْمَوَادِّ،
26
كَانَ مِنْ هَمِّنَا أَنْ نَجْعَلَ فِيمَا كَتَبْنَاهُ فُكَاهَةً لِلْمُطَالِعِ، وَسُهُولَةً لِلْحَافِظِ وَفَائِدَةً لِلْجَمِيعِ.
27
فَلَمْ يَكُنْ تَكَلُّفُنَا لِهذَا الاِخْتِصَارِ أَمْراً سَهْلاً، وَإِنَّمَا تَمَّ بِالْعَرَقِ وَالسَّهَرِ،
28
كَمَا أَنَّ الَّذِي يُعِدُّ مَأْدُبَةً، وَيَبْتَغِي بِهَا مَنْفَعَةَ النَّاسِ، لاَ يَكُونُ الأَمْرُ عَلَيْهِ سَهْلاً، غَيْرَ أَنَّا لأَجْلِ مَرْضَاةِ الْكَثِيرِينَ سَنَتَحَمَّلُ هذَا النَّصَبَ عَنْ طِيبَةِ نَفْسٍ،
29
تَارِكِينَ التَّدْقِيقَ فِي تَفَاصِيلِ الْحَوَادِثِ لأَصْحَابِ التَّأْرِيخِ، وَمُلْتَزِمِينَ فِي الاِخْتِصَارِ اسْتِقْرَاءَ أَهَمِّ الْوَقَائِعِ.
30
فَإِنَّهُ كَمَا يَنْبَغِي لِمَنْ يُهَنْدِسُ بَيْتاً جَدِيداً أَنْ يَهْتَمَّ بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْبُنْيَانِ، وَلِمَنْ يُبَاشِرُ الْوَسْمَ وَالتَّصْوِيرَ أَنْ يَتَطَلَّبَ أَسْبَابَ الزِّينَةِ؛ هكَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى مَا أَرَى.
31
فَإِنَّ التَّبَحُّرَ وَالْكَلاَمَ عَلَى كُلِّ أَمَرٍ، وَالْبَحْثَ عَنْ جُزْءٍ فَجُزْءٍ مِنْ شَأْنِ مُصَنِّفِ التَّأْرِيخِ،
32
وَأَمَّا الْمُلَخِّصُ؛ فَمُرَخَّصٌ لَهُ أَنْ يَسُوقَ الْحَدِيثَ بِاخْتِصَارٍ، مَعَ إِهْمَالِ التَّدْقِيقِ فِي الْمَبَاحِثِ.
33
وَههُنَا نَشْرَعُ فِي إِيرَادِ الْحَوَادِثِ، مُقْتَصِرِينَ مِنَ التَّمْهِيدِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، إِذْ لَيْسَ مِنَ الإِصَابَةِ الإِطْنَابُ فِيمَا قَبْلَ التَّأْرِيخِ، وَالإِيجَازُ فِي التَّأْرِيخِ.
الاصحاح الثالث
1
حِينَ كَانَتِ الْمَدِينَةُ الْمُقَدَّسَةُ عَامِرَةً آمِنَةً، وَالشَّرَائِعُ مَحْفُوظَةً غَايَةَ الْحِفْظِ، لِمَا كَانَ عَلَيْهِ أُونِيَّا الْكَاهِنُ الأَعْظَمُ مِنَ الْوَرَعِ وَالْبُغْضِ لِلْشَّرِّ،
2
كَانَ الْمُلُوكُ أَنْفُسُهُمْ يُعَظِّمُونَ الْمَقْدِسَ، وَيُكَرِّمُونَ الْهَيْكَلَ بِأَفْخَرِ التَّقَادِمِ،
3
حَتَّى إِنَّ سَلَوْقُسَ مَلِكَ أَسِيَّا، كَانَ يُؤَدِّي مِنْ دَخْلِهِ الْخَاصِّ جَمِيعَ النَّفَقَاتِ الْمُخْتَصَّةِ بِتَقْدِيمِ الذَّبَائِحِ.
4
وَإِنَّ رَجُلاً اسْمُهُ سِمْعَانُ مِنْ سِبْطِ بَنْيَامِينَ، كَانَ مُقَلَّداً الْوَكَالَةَ عَلَى الْهَيْكَلِ، وَقَعَتْ مُخَاصَمَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَاهِنِ الأَعْظَمِ لأَجْلِ ظُلْمٍ جَنَاهُ عَلَى
5
وَإِذْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّغَلُّبُ عَلَى أُونِيَّا انْطَلَقَ إِلَى أَبُلُّونِيُوسَ بْنُ تَرَسَاوُسَ، وَكَانَ إِذْ ذَاكَ قَائِداً فِي بِقَاعِ سُورِيَّةَ وَفِينِيقِيَةَ،
6
وَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْخِزَانَةَ الَّتِي فِي أُورُشَلِيمَ مَشْحُونَةٌ مِنَ الأَمْوَالِ بِمَا لاَ يُسْتَطَاعُ وَصْفُهُ، حَتَّى إِنَّ الدَّخْلَ لاَ يُحْصَى لِكَثْرَتِهِ، وَأَنَّ ذلِكَ لَيْسَ بِمُخْتَصٍّ بِنَفَقَةِ الذَّبَائِحِ، فَيَتَهَيَّأُ لِلْمَلِكِ إِدْخَالُ ذلِكَ كُلِّهِ فِي حَوْزَتِهِ.
7
فَفَاوَضَ أَبُلُّونِيُوسُ الْمَلِكَ وَأَعْلَمَهُ بِالأَمْوَالِ الَّتِي وُصِفَتْ لَهُ، فَاخْتَارَ هَلْيُودُورُسَ قَيِّمَ الْمَصَالِحِ وَأَرْسَلَهُ، وَأَمَرَهُ بِجَلْبِ الأَمْوَالِ الْمَذْكُورَةِ.
8
فَتَوَجَّهَ هَلْيُودُورُسَ لِسَاعَتِهِ، قَاصِداً فِي الظَّاهِرِ التَّطَوُّفَ فِي مُدُنِ بِقَاعِ سُورِيَّةَ وَفِينِيقِيَةَ، وَكَانَ فِي الْوَاقِعِ يَقْصِدُ إِنْفَاذَ مَرَامِ الْمَلِكِ.
9
فَلَمَّا جَاءَ أُورُشَلِيمَ أَحْسَنَ الْكَاهِنُ الأَعْظَمُ مُلْتَقَاهُ، فَحَدَّثَهُ بِمَا كُوشِفُوا بِهِ، وَصَرَّحَ لَهُ بِسَبَبِ قُدُومِهِ، وَسَأَلَهُ: هَلِ الأَمْرُ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا ذُكِرَ
10
فَذَكَرَ لَهُ الْكَاهِنُ الأَعْظَمُ أَنَّ الْمَالَ هُوَ وَدَائِعُ لِلأَرَامِلِ وَالْيَتَامَى،
11
وَأَنَّ قِسْماً مِنْهُ لِهِرْكَانُسَ بْنُ طُوبِيَّا أَحَدِ عُظَمَاءِ الأَشْرَافِ، ثُمَّ أَنَّ الأَمْرَ لَيْسَ عَلَى مَا وَشَى بِهِ سِمْعَانُ الْمُنَافِقُ، وَإِنَّمَا الْمَالُ كُلُّهُ أَرْبَعُونَ قِنْطَارَ فِضَّةٍ وَمِئَتَا قِنْطَارِ ذَهَبٍ،
12
فَلاَ يَجُوزُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ هَضْمُ الَّذِينَ ائْتَمَنُوا قَدَاسَةَ الْمَوْضِعِ، وَمَهَابَةَ وَحُرْمَةَ الْهَيْكَلِ الْمُكْرَّمِ فِي الْمَسْكُونَةِ كُلِّهَا.
13
لكِنَّ هَلْيُودُورُسَ بِنَاءً عَلَى أَمْرِ الْمَلِكِ، أَصَرَّ عَلَى حَمْلِ الأَمْوَالِ إِلَى خِزَانَةِ الْمَلِكِ،
14
وَعَيَّنَ يَوْماً دَخَلَ فِيهِ لِلْفَحْصِ عَنْ ذلِكَ. فَكَانَ فِي جَمِيعِ الْمَدِينَةِ ارْتِعَاشٌ شَدِيدٌ،
15
وَانْطَرَحَ الْكَهَنَةُ أَمَامَ الْمَذْبَحِ بِحُلَلِهِمِ الْكَهَنُوتِيَّةِ يَبْتَهِلُونَ نَحْوَ السَّمَاءِ، إِلَى الَّذِي سَنَّ فِي الْوَدَائِعِ أَنْ تُصَانَ لِمُسْتَوْدِعِهَا.
16
وَكَانَ مَنْ رَأَى وَجْهَ الْكَاهِنِ الأَعْظَمِ يَتَفَطَّرُ فُؤَادُهُ، لأَنَّ مَنْظَرَهُ وَامْتِقَاعَ لَوْنِهِ كَانَا يُنْبِئَانِ بِمَا فِي نَفْسِهِ مِنَ الاِرْتِعَاشِ،
17
إِذْ كَانَ الرَّجُلُ قَدِ اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الرُّعْبُ وَالْقُشَعْرِيرَةُ، فَكَانَا يَدُلاَّنِ الرَّائِينَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ مِنَ الْكَآبَةِ.
18
وَكَانَ النَّاسُ يَتَبَادَرُونَ مِنَ الْبُيُوتِ أَفْوَاجاً، لِيُصَلُّوا صَلاَةً عَامَّّةً لِسَبَبِ الْهَوَانِ الْمُشْرِفِ عَلَى الْمَوْضِعِ.
19
وَكَانَتِ النِّسَاءُ يَزْدَحِمْنَ فِي الشَّوَارِعِ وَهُنَّ مُتَحَزِّمَاتٌ بِالْمُسُوحِ تَحْتَ ثُدِيِّهِنَّ، وَالْعَذَارَى رَبَّاتُ الْخُدُورِ يَتَجَارَيْنَ بَعْضُهُنَّ إِلَى الأَبْوَابِ وَبَعْضُهُنَّ إِلَى الأَسْوَارِ، وَأُخْرَيَاتٌ يَتَطَلَّعْنَ مِنَ الْكُوَى،
20
وَكُلُّهُنَّ بَاسِطَاتٌ أَيْدِيَهُنَّ إِلَى السَّمَاءِ يَتَضَرَّعْنَ بِالاِبْتِهَالِ.
21
فَكَانَ انْكِسَارُ الْجُمْهُورِ وَانْتِظَارُ الْكَاهِنِ الأَعْظَمِ، وَهُوَ فِي ارْتِعَاشٍ شَدِيدٍ مِمَّا يُصَدِّعُ الْقَلْبَ رَحْمَةً.
22
وَكَانُوا يَتَضَرَّعُونَ إِلَى الإِلهِ الْقَدِيرِ أَنْ يَحْفَظَ الْوَدَائِعَ مَوْفُورَةً لِمُسْتَوْدِعِيهَا.
23
أَمَّا هَلْيُودُورُسُ فَكَانَ آخِذًا فِي إِتْمَامِ مَا قَضَى بِهِ، وَقَدْ حَضَرَ هُنَاكَ مَعَ شُرَطِهِ فِي الْخِزَانَةِ.
24
فَصَنَعَ رَبُّ آبَائِنَا وَسُلْطَانُ كُلِّ قُدْرَةٍ آيَةً عَظِيمَةً، حَتَّى إِنَّ جَمِيعَ الَّذِينَ اجْتَرَأُوا عَلَى الدُّخُولِ صَرَعَتْهُمْ قُدْرَةُ اللهِ، وَأَخَذَهُمُ الاِنْحِلاَلُ وَالرُّعْبُ.
25
وَذلِكَ أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُمْ فَرَسٌ عَلَيْهِ رَاكِبٌ مُخِيفٌ وَجِهَازُهُ فَاخِرٌ؛ فَوَثَبَ وَضَرَبَ هَلْيُودُورُسَ بِحَوَافِرِ يَدَيْهِ، وَكَانَتْ عُدَّةُ الرَّاكِبِ كَأَنَّهَا مِنْ ذَهَبٍ.
26
وَتَرَاءَى أَيْضاً لِهَلْيُودُورُسَ فَتَيَانِ عَجِيبَا الْقُوَّةِ بَدِيعَا الْبَهَاءِ حَسَنَا اللِّبَاسِ؛ فَوَقَفَا عَلَى جَانِبَيْهِ يَجْلِدَانِهِ جَلْداً مُتَوَاصِلاً حَتَّى أَثْخَنَاهُ بِالضَّرْبِ.
27
فَسَقَطَ لِسَاعَتِهِ عَلَى الأَرْضِ، وَغَشِيَهُ ظَلاَمٌ كَثِيفٌ، فَرَفَعُوهُ وَجَعَلُوهُ عَلَى مَحْمِلٍ.
28
فَإِذَا بِهِ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ الْخِزَانَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي مَوْكِبٍ حَافِلٍ وَجُنْدٍ كَثِيرٍ، قَدْ أَصْبَحَ مَحْمُولاً لاَ مُغِيثَ لَهُ، وَقَدْ تَجَلَّتْ لَهُمْ قُدْرَةُ اللهِ عَلاَنِيَةً.
29
فَكَانَ مَطْرُوحاً بِالْقُوَّةِ الإِلهِيَّةِ، أَبْكَمَ مُنْقَطِعَ الرَّجَاءِ مِنَ الْخَلاَصِ،
30
وَالْيَهُودُ يُبَارِكُونَ الرَّبَّ الَّذِي مَجَّدَ مَقْدِسَهُ، وَقَدِ امْتَلأَ الْهَيْكَلُ ابْتِهَاجاً وَتَهَلُّلاً، إِذْ تَجَلَّى فِيهِ الرَّبُّ الْقَدِيرُ بَعْدَمَا كَانَ قُبَيْلَ ذلِكَ مَمْلُوءاً خَوْفاً وَاضْطِرَاباً.
31
فَبَادَرَ بَعْضٌ مِنْ أَصْحَابِ هَلْيُودُورُسَ، وسَأَلُوا أُونِيَّا أَنْ يَبْتَهِلَ إِلَى الْعَلِيِّ وَيَمُنَّ عَلَيْهِ بِالْحَيَاةِ، إِذْ كَانَ قَدْ أَصْبَحَ عَلَى آخِرِ رَمَقٍ.
32
فَخَالَجَ قَلْبَ الْكَاهِنِ الأَعْظَمِ أَنَّ الْمَلِكَ رُبَّمَا اتَّهَمَ الْيَهُودَ بِمَكِيدَةٍ كَادُوهَا لِهَلْيُودُورُسَ، فَقَدَّمَ الذَّبِيحَةَ مِنْ أَجْلِ خَلاَصِ الرَّجُلِ.
33
وَبَيْنَمَا الْكَاهِنُ الأَعْظَمُ يُقَدِّمُ الْكَفَّارَةَ، إِذْ عَادَ ذَانِكَ الْفَتَيَانِ، فَظَهَرَا لِهَلْيُودُورُسَ بِلِبَاسِهِمَا الأَوَّلِ، وَوَقَفَا وَقَالاَ: «عَلَيْكَ بِجَزِيلِ الشُّكْرِ لأُونِيَّا الْكَاهِنِ الأَعْظَمِ؛ فَإِنَّ الرَّبَّ قَدْ مَنَّ عَلَيْكَ بِالْحَيَاةِ مِنْ أَجَلِهِ.
34
وَأَنْتَ أَيُّهَا الْمَجْلُودُ فَأخْبِرِ الْجَمِيعَ بِقُدْرَةِ اللهِ الْعَظِيمَةِ». قَالاَ ذلِكَ وَغَابَا عَنِ النَّظَرِ؛
35
فَقَدَّمَ هَلْيُودُورُسُ ذَبِيحَةً لِلرَّبِّ، وَصَلَّى إِلَيْهِ صَلَوَاتٍ عَظِيمَةً عَلَى أَنَّهُ مَنَّ عَلَيْهِ بِالْحَيَاةِ، وَشَكَرَ أُونِيَّا وَرَجَعَ بِجَيْشِهِ إِلَى الْمَلِكِ،
36
وَكَانَ يَعْتَرِفُ أَمَامَ الْجَمِيعِ بِمَا عَايَنَهُ مِنْ أَعْمَالِ اللهِ الْعَظِيمِ.
37
وَسَأَلَ الْمَلِكُ هَلْيُودُورُسَ: «مَنْ تُرَى يَكُونُ أَهْلاً لأَنْ نَعُودَ فَنُرْسِلَهُ إِلَى أُورُشَلِيمَ؟» فَقَالَ:
38
«إِنْ كَانَ لَكَ عَدُوٌّ أَوْ صَاحِبُ دَسِيسَةٍ فِي الْمَمْلَكَةِ فَأَرْسِلْهُ إِلَى هُنَاكَ، فَيَرْجِعَ إِلَيْكَ مَجْلُوداً إِنْ نَجَا فَإِنَّ فِي ذلِكَ الْمَوْضِعِ قُدْرَةً إِلهِيَّةً لاَ مَحَالَةَ.
39
لأَنَّ الَّذِي مَسْكِنُهُ فِي السَّمَاءِ هُوَ يَرْقِبُ الْمَوْضِعَ وَيُدَافِعُ عَنْهُ؛ فَيَضْرِبُ الَّذِينَ يَقْصِدُونَهُ بِالشَّرِّ وَيُهْلِكُهُمْ».
40
هذَا مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ هَلْيُودُورُسَ وَحِمَايَةِ الْخِزَانَةِ.
الاصحاح الرابع
1
وَكَانَ سِمْعَانُ الْمَذْكُورُ الَّذِي وَشَى فِي أَمْرِ الأَمْوَالِ وَالْوَطَنِ يَقْذِفُ أُونِيَّا، كَأَنَّهُ هُوَ أَغْرَى هَلْيُودُورُسَ بِذَلِكَ، وَجَلَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الشَّرَّ،
2
وَبَلَغَ مِنْ وَقَاحَتِهِ أَنَّهُ وَصَفَ الْمُحْسِنَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَالْقَائِمَ بِمَصْلَحَةِ أَهْلِ وَطَنِهِ وَالْغَيُورَ عَلَى الشَّرِيعَةِ، بِأَنَّهُ صَاحِبُ دَسِيسَةٍ.
3
فَاشْتَدَّتِ الْعَدَاوَةُ حَتَّى إِنَّ أَحَدَ خَوَاصِّ سِمْعَانَ شَرَعَ فِي الْقَتْلِ.
4
فَلَمَّا تَبَيَّنَ أُونِيَّا مَا فِي ذلِكَ الْخِصَامِ مِنَ الْخَطَرِ، مَعَ حَمَاقَةِ أَبُلُّونِيُوسَ قَائِدِ بِقَاعِ سُورِيَّةَ وَفِينِيقِيَةَ الَّذِي كَانَ يَمُدُّ سِمْعَانَ فِي خُبْثِهِ قَصَدَ الْمَلِكَ.
5
لاَ وَاشِياً بِأَهْلِ وَطَنِهِ، وَلكِنِ ابْتِغَاءً لِمَصَالِحَ تَعُمُّ الشَّعْبَ بِرُمَّتِهِ،
6
لأَنَّهُ رَأَى أَنَّهُ بِغَيْرِ عِنَايَةِ الْمَلِكِ، لاَ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الأَحْوَالُ فِي سَلاَمٍ، وَلاَ أَنْ يُقْلِعَ سِمْعَانُ عَنْ رُعُونَتِهِ.
7
وَكَانَ أَنَّهُ بَعْدَ وَفَاةِ سَلَوْقُسَ، وَاسْتِيلاَءِ أَنْطِيُوخُسَ الْمُلَقَّبِ بِالشَّهِيرِ عَلَى الْمُلْكِ، طَمِعَ يَاسُونُ أَخُو أُونِيَّا فِي الْكَهَنُوتِ الأَعْظَمِ،
8
فَوَفَدَ عَلَى الْمَلِكِ، وَوَعَدَهُ بِثَلاَثِ مِئَةٍ وَسِتِّينَ قِنْطَارَ فِضَّةٍ وَبِثَمَانِينَ قِنْطَاراً مِنْ دَخْلٍ آخَرَ.
9
وَمَا عَدَا ذلِكَ ضَمِنَ لَهُ مِئَةً وَخَمْسِينَ قِنْطَاراً غَيْرَهَا، إِنْ رُخِّصَ لَهُ بِسُلْطَةِ الْمَلِكِ فِي إِقَامَةِ مَدْرَسَةٍ لِلتَّرَوُّضِ وَمَوْضِعٍ لِلْغِلْمَانِ، وَأَنْ يُكْتَتَبَ أَهْلُ أُورُشَلِيمَ فِي رَعَوِيَّةِ إِنْطَاكِيَةَ.
10
فَأَجَابَهُ الْمَلِكُ إِلَى ذلِكَ؛ فَتَقَلَّدَ الرِّئَاسَةَ وَمَا لَبِثَ أَنْ صَرَفَ شَعْبَهُ إِلَى عَادَاتِ الأُمَمِ،
11
وَأَلْغَى الاِخْتِصَاصَاتِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا الْمُلُوكُ عَلَى الْيَهُودِ، عَلَى يَدِ يُوحَنَّا أَبِي أَوْبُولِمُسَ الَّذِي قُلِّدَ السِّفَارَةَ إِلَى الرُّومَانِيِّينَ فِي عَقْدِ الْمُوَالاَةِ وَالْمُنَاصَرَةِ، وَأَبْطَلَ رُسُومَ الشَّرِيعَةِ وَأَدْخَلَ سُنَناً تُخَالِفُ الشَّرِيعَةَ،
12
وَبَادَرَ فَأَقَامَ مَدْرَسَةً لِلتَّرَوُّضِ تَحْتَ الْقَلْعَةِ، وَسَاقَ نُخْبَةَ الْغِلْمَانِ فَجَعَلَهُمْ تَحْتَ الْقُبَّعَةِ.
13
فَتَمَكَّنَ الْمَيْلُ إِلَى عَادَاتِ الْيُونَانِ، وَالتَّخَلُّقُ بِأَخْلاَقِ الأَجَانِبِ بِشِدَّةِ فُجُورِ يَاسُونَ، الَّذِي هُوَ كَافِرٌ لاَ كَاهِنٌ أَعْظَمُ،
14
حَتَّى إِنَّ الْكَهَنَةَ لَمْ يَعُودُوا يَحْرِصُونَ عَلَى خِدْمَةِ الْمَذْبَحِ، وَاسْتَهَانُوا بِالْهَيْكَلِ، وَأَهْمَلُوا الذَّبَائِحَ لِيَنَالُوا حظًّا فِي جَوَائِزِ الْمَلْعَبِ الْمُحَرَّمَةِ بَعْدَ الْمُبَارَاةِ فِي رَمْيِ الْمَطَاثِّ،
15
وَكَانُوا يَسْتَخِفُّونَ بِمَآثِرِ آبَائِهِمْ، وَيَتَنَافَسُونَ بِمَفَاخِرِ الْيُونَانِ.
16
فَلِذلِكَ أَحَاقَتْ بِهِمْ رَزِيئَةٌ شَدِيدَةٌ؛ فَإِنَّ الَّذِينَ أُولِعُوا بِرُسُومِهِمْ، وَحَرَصُوا عَلَى التَّشَبُّهِ بِهِمْ، هُمْ صَارُوا أَعْدَاءً لَهُمْ وَمُنْتَقِمِينَ،
17
لأَنَّ النِّفَاقَ فِي الشَّرِيعَةِ الإِلهِيَّةِ لاَ يَذْهَبُ سُدًى، كَمَا يَشْهَدُ بِذلِكَ مَا سَيَجِيءُ.
18
وَلَمَّا جَرَتْ فِي صُورَ الْمُصَارَعَةُ الَّتِي تَجْرِي كُلَّ سَنَةٍ خَامِسَةٍ وَالْمَلِكُ حَاضِرٌ،
19
أَنْفَذَ يَاسُونُ الْخَبِيثُ رُسُلاً مِنْ أُورُشَلِيمَ إِنْطَاكِيِّي الرَّعَوِيَّةِ، وَمَعَهُمْ ثَلاَثُ مِئَةِ دِرْهَمِ فِضَّةٍ لِذَبِيحَةِ هَرَكْلِيسَ، لكِنَّ هؤُلاَءِ طَلَبُوا أَنْ لاَ تُنْفَقَ عَلَى الذَّبِيحَةِ، لأَنَّ ذلِكَ كَانَ غَيْرَ لاَئِقٍ بَلْ تُنْفَقَ فِي شَيْءٍ آخَرَ.
20
فَكَانَ هذَا الْمَالُ فِي قَصْدِ مُرْسِلِهِ لِذَبِيحَةِ هَرَكْلِيسَ، لكِنَّهُ بِسَعْيِ الَّذِينَ حَمَلُوهُ أُنْفِقَ فِي بِنَاءِ سُفُنٍ ثُلاَثِيَّةٍ.
21
وَأُرْسِلَ أَبُلُّونِيُوسُ بْنُ مِنِسْتَاوُسَ إِلَى مِصْرَ لِمُبَايَعَةِ بَطُلْمَاوُسَ فِيلُومَاتُورَ الْمَلِكِ؛ فَعَلِمَ أَنْطِيُوخُسُ أَنَّهُ قَدْ نُحِّيَ عَنْ تَدْبِيرِ الأُمُورِ، فَوَجَّهَ اهْتِمَامَهُ إِلَى تَحْصِينِ نَفْسِهِ، وَرَجَعَ إِلَى يَافَا ثُمَّ سَارَ إِلَى أُورُشَلِيمَ،
22
فَاسْتَقْبَلَهُ يَاسُونُ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ اسْتِقْبَالاً جَلِيلاً، وَدَخَلَ بَيْنَ الْمَشَاعِلِ وَالْهُتَافِ، ثُمَّ انْصَرَفَ مِنْ هُنَاكَ بِالْجَيْشِ إِلَى فِينِيقِيَةَ.
23
وَبَعْدَ مُدَّةِ ثَلاَثِ سِنِينَ وَجَّهَ يَاسُونُ مَنَلاَوُسَ أَخَا سِمْعَانَ الْمَذْكُورِ، لِيَحْمِلَ أَمْوَالاً لِلْمَلِكِ وَيُفَاوِضَهُ فِي أُمُورٍ مُهِمَّةٍ،
24
فَتَزَلَّفَ إِلَى الْمَلِكِ وَأَطْرَأَ عَظَمَةَ سُلْطَانِهِ، وَأَحَالَ الْكَهَنُوتَ الأَعْظَمَ إِلَى نَفْسِهِ، بِأَنْ زَادَ ثَلاَثَ مِئَةِ قِنْطَارِ فِضَّةٍ عَلَى مَا أَعْطَى يَاسُونُ.
25
ثُمَّ رَجَعَ وَمَعَهُ أَوَامِرُ الْمَلِكِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا يَلِيقُ بِالْكَهَنُوتِ الأَعْظَمِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ لَهُ أَخْلاَقُ غَاشِمٍ عَنِيفٍ وَأَحْقَادُ وَحْشٍ ضَارٍ.
26
وَهكَذَا فَإِنَّ يَاسُونَ الَّذِي خَتَلَ أَخَاهُ خَتَلَهُ آخَرُ؛ فَطُرِدَ وَفَرَّ إِلَى أَرْضِ بَنِي عَمُّونَ،
27
وَاسْتَوْلَى مَنَلاَوُسُ عَلَى الرِّئَاسَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُوفِ شَيْئاً مِنَ الأَمْوَالِ الَّتِي كَانَ وَعَدَ بِهَا الْمَلِكَ.
28
فَكَانَ سُسْتَرَاتُسُ رَئِيسُ الْقَلْعَةِ يُطَالِبُهُ، لأَنَّهُ كَانَ مُوَلًّى أَمْرَ الْجِبَايَةِ، وَلِهذَا السَّبَبِ اسْتُدْعِيَا كِلاَهُمَا إِلَى الْمَلِكِ.
29
فَاسْتَخْلَفَ مَنَلاَوُسُ لِيسِيمَاكُسَ أَخَاهُ عَلَى الْكَهَنُوتِ الأَعْظَمِ، وَاسْتَخْلَفَ سُسْتَرَاتُسُ كَرَاتِيسَ وَالِي الْقُبْرُسِيِّينَ.
30
وَحَدَثَ بَعْدَ ذلِكَ أَنَّ أَهْلَ طَرْسُوسَ وَمَلُّوَ تَمَرَّدُوا، لأَنَّهُمْ جُعِلُوا هِبَةً لأَنْطِيُوكِيسَ سُرِّيَّةِ الْمَلِكِ،
31
فَبَادَرَ الْمَلِكُ لإِطْفَاءِ الْفِتْنَةِ، وَاسْتَخْلَفَ مَكَانَهُ أَنْدَرُونِكُسَ أَحَدَ ذَوِي الْمَنَاصِبِ.
32
فَرَأَى مَنَلاَوُسُ أَنَّهُ قَدْ أَصَابَ فُرْصَةً؛ فَسَرَقَ مِنَ الْهَيْكَلِ آنِيَةً مِنَ الذَّهَبِ، أَهْدَى بَعْضَهَا إِلَى أَنْدَرُونِكُسَ، وَبَاعَ بَعْضَهَا فِي صُورَ وَالْمُدُنِ الَّتِي بِجِوَارِهَا.
33
وَلَمَّا تَيَقَّنَ أُونِيَّا ذلِكَ حَجَّهُ بِهِ، وَكَانَ قَدِ انْصَرَفَ إِلَى حِمًى بِدَفْنَةَ بِالْقُرْبِ مِنْ إِنْطَاكِيَةَ.
34
فَخَلاَ مَنَلاَوُسُ بِأَنْدَرُونِكُسَ وَأَغْرَاهُ أَنْ يَقْبِضَ عَلَى أُونِيَّا، فَصَارَ إِلَى أُونِيَّا وَخَدَعَهُ بِمَكْرِهِ، وَعَاقَدَهُ بِقَسَمٍ حَتَّى حَمَلَهُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنَ الْحِمَى، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَاثِقٍ بِهِ، ثُمَّ اغْتَالَهُ مِنْ سَاعَتِهِ وَلَمْ يَرْعَ لِلْعَدْلِ حُرْمَةً.
35
فَوَقَعَ ذلِكَ مَوْقِعَ الْمَقْتِ عِنْدَ الْيَهُودِ، بَلْ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ، وَشَقَّ عَلَيْهِمْ قَتْلُ الرَّجُلِ بَغْياً.
36
فَلَمَّا رَجَعَ الْمَلِكُ مِنْ نَوَاحِي قِيلِقِيَةَ، رَفَعَ إِلَيْهِ يَهُودُ الْمَدِينَةِ مَعَ مَنْ سَاءَتْهُ هذِهِ الْجِنَايَةُ مِنَ الْيُونَانِيِّينَ مَقْتَلَ أُونِيَّا
37
فَتَأَسَّفَ أَنْطِيُوخُسُ، وَرَقَّ رَحْمَةً وَبَكَى عَلَى حِكْمَةِ ذلِكَ الْمَفْقُودِ وَكَثْرَةِ أَدَبِهِ،
38
وَاضْطَرَمَ غَضَباً وَلِسَاعَتِهِ نَزَعَ الأُرْجُوانَ عَنْ أَنْدَرُونِكُسَ، وَمَزَّقَ حُلَلَهُ وَأَطَافَهُ فِي الْمَدِينَةِ كُلِّهَا، ثُمَّ أَبَادَ ذلِكَ الْقَاتِلَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي فَتَكَ فِيهِ بِأُونِيَّا؛ فَأَنْزَلَ بِهِ الرَّبُّ الْعُقُوبَةَ الَّتِي اسْتَحَقَّهَا.
39
وَكَانَ لِيسِيمَاكُسُ فِي الْمَدِينَةِ قَدْ سَلَبَ بِإِغْرَاءِ مَنَلاَوُسَ كَثِيراً مِنْ مَالِ الأَقْدَاسِ، فَذَاعَ الْخَبَرُ فِي الْخَارِجِ بِأَنْ قَدْ أُخِذَ كَثِيرٌ مِنَ الذَّهَبِ؛ فَاجْتَمَعَ الْجُمْهُورُ عَلَى لِيسِيمَاكُسَ.
40
فَلَمَّا رَأَى لِيسِيمَاكُسُ هَيَجَانَ الْجُمُوعِ وَشِدَّةَ غَضَبِهِمْ، سَلَّحَ ثَلاَثَةَ آلاَفِ رَجُلٍ، وَأَعْمَلَ أَيْدِيَ الظُّلْمِ تَحْتَ قِيَادَةِ رَجُلٍ عَاتٍ قَدْ تَنَاهَى فِي السِّنِّ وَالْحَمَاقَةِ جَمِيعاً.
41
فَلَمَّا رَأَوْا مَا عَزَمَ عَلَيْهِ لِيسِيمَاكُسُ، تَنَاوَلَ بَعْضُهُمْ حِجَارَةً وَبَعْضُهُمْ هَرَاوَى وَبَعْضُهُمْ رَمَاداً، حَثَوْهُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عَلَى أَصْحَابِ لِيسِيمَاكُسَ،
42
فَجَرَحُوا كَثِيرِينَ مِنْهُمْ، وَصَرَعُوا بَعْضاً وَهَزَمُوهُمْ بِأَجْمَعِهِم، وَقَتَلُوا سَالِبَ الأَقْدَاسِ عِنْدَ الْخِزَانَةِ.
43
وَأُقِيمَ الْحُكْمُ فِي هذِهِ الأُمُورِ عَلَى مَنَلاَوُسَ.
44
فَلَمَّا قَدِمَ الْمَلِكُ إِلَى صُورَ، أَرْسَلَتِ الْمَشْيَخَةُ ثَلاَثَةَ رِجَالٍ فَرَفَعُوا عَلَيْهِ الدَّعْوَى.
45
وَإِذْ رَأَى مَنَلاَوُسُ أَنَّهُ مَغْلُوبٌ، وَعَدَ بَطُلْمَاوُسَ بْنَ دُورِيمَانُسَ بِمَالٍ جَزِيلٍ لِيَسْتَمِيلَ الْمَلِكَ،
46
فَدَخَلَ بَطُلْمَاوُسُ عَلَى الْمَلِكِ، وَهُوَ فِي بَعْضِ الأَرْوِقَةِ يَتَنَسَّمُ الْهَوَاءَ وَصَرَفَهُ عَنْ رَأْيِهِ.
47
فَحَكَمَ لِمَنَلاَوُسَ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ الشَّرِّ كُلِّهِ بِالْبَرَاءَةِ مِمَّا شُكِيَ بِهِ، وَقَضَى بِالْمَوْتِ عَلَى أُولئِكَ الْمَسَاكِينِ، الَّذِينَ لَوْ رَفَعُوا دَعْوَاهُمْ إِلَى الإِسْكُوتِيِّينَ لَحُكِمَ لَهُمْ بِالْبَرَاءَةِ،
48
وَلَمْ يَلْبَثْ أُولئِكَ الْمُحَاجُّونَ عَنِ الْمَدِينَةِ وَالشَّعْبِ وَالأَقْدَاسِ أَنْ حَلَّ بِهِمِ الْعِقَابُ الْجَائِرُ.
49
فَشَقَّ هذَا التَّعَدِّي حَتَّى عَلَى الصُّورِيِّينَ وَبَذَلُوا نَفَقَاتِ دَفْنِهِمْ بِسَخَاءٍ،
50
وَاسْتَقَرَّ مَنَلاَوُسُ فِي الرِّئَاسَةِ بِشَرَهِ ذَوِي الأَحْكَامِ، وَكَانَ لاَ يَزْدَادُ إِلاَّ خُبْثاً وَلَمْ يَزَلْ لأَهْلِ وَطَنِهِ كَمِيناً مُهْلِكاً.
الاصحاح الخامس
1
فِي ذلِكَ الزَّمَانِ تَجَهَّزَ أَنْطِيُوخُسُ لِغَزْوِ مِصْرَ ثَانِيَةً.
2
فَحَدَثَ أَنَّهُ ظَهَرَ فِي الْمَدِينَةِ كُلِّهَا مُدَّةَ أَرْبَعِينَ يَوْماً فُرْسَانٌ تَعْدُو فِي الْجَوِّ، وَعَلَيْهِمْ مَلاَبِسُ ذَهَبِيَّةٌ وَفِي أَيْدِيهِمْ رِمَاحٌ وَهُمْ مُكَتَّبُونَ كَتَائِبَ،
3
وَقَنَابِلُ مِنَ الْخَيْلِ مُصْطَفَّةٌ، وَهُجُومٌ وَكَرٌّ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَتَقْلِيبُ تُرُوسٍ وَحِرَابٌ كَثِيرَةٌ وَاسْتِلاَلُ سُيُوفٍ وَرَشْقُ نِبَالٍ وَلَمَعَانُ حِلًى ذَهَبِيَّةٍ وَدُرُوعٌ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ.
4
فَكَانَ الْجَمِيعُ يَسْأَلُونَ أَنْ يَكُونَ مَآلُ هذِهِ الآيَةِ خَيْراً.
5
وَأَرْجَفَ قَوْمٌ أَنَّ أَنْطِيُوخُسَ قَدْ مَاتَ؛ فَاتَّخَذَ يَاسُونُ جَيْشاً لَيْسَ بِأَقَلِّ مِنْ أَلْفِ نَفْسٍ، وَهَجَمَ عَلَى الْمَدِينَةِ بَغْتَةً حَتَّى إِذَا دَفَعَ الَّذِينَ عَلَى الأَسْوَارِ، وَأَوْشَكَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَدِينَةِ، هَرَبَ مَنَلاَوُسُ إِلَى الْقَلْعَةِ.
6
فَطَفِقَ يَاسُونُ يَذْبَحُ أَهْلَ وَطَنِهِ بِغَيْرِ رَحْمَةٍ، وَلَمْ يَفْطَنْ أَنَّ الظَّفَرَ بِالإِخْوَانِ هُوَ عَيْنُ الْخِذْلاَنِ، حَتَّى كَأَنَّ نُصْرَتَهُ هذِهِ إِنَّمَا كَانَتْ عَلَى أَعْدَاءٍ لاَ عَلَى بَنِي أُمَّتِهِ.
7
لكِنَّهُ لَمْ يَحُزِ الرِّئَاسَةَ، وَإِنَّمَا أَحَاقَ بِهِ أَخِيراً خِزْيُ كَيْدِهِ؛ فَهَرَبَ ثَانِيَةً إِلَى أَرْضِ بَنِي عَمُّونَ.
8
وَكَانَتْ خَاتِمَةُ أَمْرِهِ مُنْقَلَباً سَيِّئاً، لأَنَّ أَرَتَاسَ زَعِيمَ الْعَرَبِ طَرَدَهُ؛ فَجَعَلَ يَفِرُّ مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى مَدِينَةٍ، وَالْجَمِيعُ يَنْبِذُونَهُ وَيُبْغِضُونَهُ بِغْضَةَ مَنِ ارْتَدَّ عَنِ الشَّرِيعَةِ، وَيَمْقُتُونَهُ مَقْتَ مَنْ هُوَ قَتَّالٌ لأَهْلِ وَطَنِهِ حَتَّى دُحِرَ إِلَى مِصْرَ.
9
فَكَانَ أَنَّ الَّذِي غَرَّبَ كَثِيرِينَ، هَلَكَ فِي الْغُرْبَةِ فِي أَرْضِ لَكْدَيْمُونَ، إِذْ لَجَأَ إِلَى هُنَاكَ بِوَسِيلَةِ الْقَرَابَةِ،
10
وَالَّذِي طَرَحَ كَثِيرِينَ بِغَيْرِ قَبْرٍ، أَصْبَحَ لَمْ يُبْكَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُدْفَنْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْرٌ فِي وَطَنِهِ.
11
فَلَمَّا بَلَغَتِ الْمَلِكَ هذِهِ الْحَوَادِثُ، اِتَّهَمَ الْيَهُودَ بِالاِنْتِقَاضِ عَلَيْهِ؛ فَزَحَفَ مِنْ مِصْرَ وَقَدْ تَنَمَّرَ فِي قَلْبِهِ وَأَخَذَ الْمَدِينَةَ عَنْوَةً،
12
وَأَمَرَ الْجُنُودَ أَنْ يَقْتُلُوا كُلَّ مَنْ صَادَفُوهُ دُونَ رَحْمَةٍ، وَيَذْبَحُوا الْمُخْتَبِئِينَ فِي الْبُيُوتِ.
13
فَطَفَقُوا يُهْلِكُونَ الشُّبَّانَ وَالشُّيُوخَ، وَيُبِيدُونَ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالأَوْلاَدَ، وَيَذْبَحُونَ الْعَذَارَى وَالأَطْفَالَ،
14
فَهَلَكَ ثَمَانُونَ أَلْفَ نَفْسٍ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ أَلْفاً فِي الْمَعْرَكَةِ، وَبِيعَ مِنْهُمْ عَدَدٌ لَيْسَ بِأَقَلَّ مِنَ الْقَتْلَى.
15
وَلَمْ يَكْتَفِ بِذلِكَ، بَلِ اجْتَرَأَ وَدَخَلَ الْهَيْكَلَ الَّذِي هُوَ أَقَدَسُ مَوْضِعٍ فِي الأَرْضِ كُلِّهَا، وَكَانَ دَلِيلُهُ مَنَلاَوُسَ الْخَائِنَ لِلشَّرِيعَةِ وَالْوَطَنِ،
16
وَأَخَذَ الآنِيَةَ الْمُقَدَّسَةَ بِيَدَيْهِ الدَّنِسَتَيْنِ، مَعَ مَا أَهْدَتْهُ مُلُوكُ الأَجَانِبِ لِزِينَةِ الْمَوْضِعِ وَبَهَائِهِ وَكَرَامَتِهِ، وَقَبَضَ عَلَيْهَا بِيَدَيْهِ النَّجِسَتَيْنِ وَمَضَى.
17
فَتَشَامَخَ أَنْطِيُوخُسُ فِي نَفْسِهِ، وَلَمْ يَفْطَنْ إِلَى أَنَّ اللهَ غَضِبَ حِيناً لأَجْلِ خَطَايَا سُكَّانِ الْمَدِينَةِ، وَأَنَّهُ لِذلِكَ أَهْمَلَ الْمَوْضِعَ،
18
وَلَوْلاَ أَنَّهُمُ انْهَمَكُوا بِخَطَايَا كَثِيرَةٍ، لَجُلِدَ حَالَ دُخُولِهِ وَرُدِعَ عَنْ جَسَارَتِهِ، كَمَا وَقَعَ لِهَلْيُودُورُسَ الَّذِي بَعَثَهُ سَلَوْقُسُ الْمَلِكُ لاِفْتِقَادِ الْخِزَانَةِ.
19
وَلكِنَّ الرَّبَّ لَمْ يَتَّخِذِ الأُمَّةَ لأَجْلِ الْمَوْضِعِ، بَلِ الْمَوْضِعَ لأَجْلِ الأُمَّةِ،
20
وَلِذلِكَ بَعْدَمَا اشْتَرَكَ الْمَوْضِعُ فِي مَصَائِبِ الأُمَّةِ، عَادَ فَاشْتَرَكَ فِي نِعَمِ الرَّبِّ، وَبَعْدَمَا خَذَلَهُ الْقَدِيرُ فِي غَضَبِهِ، أَدْرَكَ كُلَّ مَجْدٍ عِنْدَ تَوْبَتِهِ تَعَالَى.
21
وَحَمَلَ أَنْطِيُوخُسُ مِنَ الْهَيْكَلِ أَلْفاً وَثَمَانِيَ مِئَةِ قِنْطَارٍ، وَبَادَرَ الرُّجُوعَ إِلَى إِنْطَاكِيَةَ، وَقَدْ خَيَّلَتْ إِلَيْهِ كِبْرِيَاؤُهُ وَتَشَامُخُ نَفْسِهِ، أَنَّهُ يَقْطَعُ الْبَرَّ بِالسُّفُنِ وَالْبَحْرَ بِالْقَدَمِ!
22
وَتَرَكَ عُمَّالاً يُرَاغِمُونَ الأُمَّةَ، مِنْهُمْ فِيلُبُّسُ فِي أُورُشَلِيمَ وَهُوَ فَرِيجِيُّ الأَصْلِ، وَكَانَ أَشْرَسَ أَخْلاَقاً مِنَ الَّذِي نَصَبَهُ،
23
وَأَنْدَرُونِكُسُ فِي جَرِزِيمَ، وَأَيْضاً مَنَلاَوُسُ الَّذِي كَانَ أَشَدَّ جَوْراً عَلَى الرَّعِيَّةِ مِنْ كِلَيْهِمَا.
24
ثُمَّ حَمَلَهُ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَقْتِ لِرَعَايَا الْيَهُودِ، عَلَى أَنْ أَرْسَلَ أَبُلُّونِيُوسَ الرَّئِيسَ الْبَغِيضَ فِي اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ أَلْفَ جُنْدِيٍّ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَذْبَحَ كُلَّ بَالِغٍ مِنْهُمْ وَيَبِيعَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ.
25
فَلَمَّا وَفَدَ إِلَى أُورُشَلِيمَ أَظْهَرَ السَّلاَمَ، وَتَرَبَّصَ إِلَى يَوْمِ السَّبْتِ الْمُقَدَّسِ، حَتَّى إِذَا دَخَلَ الْيَهُودُ فِي عُطْلَتِهِمْ، أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِأَنْ يَتَسَلَّحُوا،
26
وَذَبَحَ جَمِيعَ الْخَارِجِينَ لِلتَّفَرُّجِ، ثُمَّ اقْتَحَمَ الْمَدِينَةَ بِالسِّلاَحِ، وَأَهْلَكَ خَلْقاً كَثِيراً.
27
وَإِنَّ يَهُوذَا الْمَكَّابِيَّ كَانَ قَدِ انْصَرَفَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ، وَهُوَ عَاشِرُ عَشَرَةٍ، فَلَبِثَ مَعَ أَصْحَابِهِ فِي الْجِبَالِ يَعِيشُونَ عِيشَةَ الْوُحُوشِ، وَيَأْكُلُونَ الْعُشْبَ لِئَلاَّ يَشْتَرِكُوا فِي النَّجَاسَةِ.
الاصحاح السادس
1
وَبَعْدَ ذلِكَ بِيَسِيرٍ أَرْسَلَ الْمَلِكُ شَيْخاً أَثِينِيًّا، لِيَضْطَرَّ الْيَهُودَ أَنْ يَرْتَدُّوا عَنْ شَرِيعَةِ آبَائِهِمْ وَلاَ يَتْبَعُوا شَرِيعَةَ اللهِ،
2
وَلِيُدَنِّسَ هَيْكَلَ أُورُشَلِيمَ وَيَجْعَلَهُ عَلَى اسْمِ زَوْسٍ الأُولُمْبِيِّ، وَيَجْعَلَ هَيْكَلَ جَرِزِّيمَ عَلَى اسْمِ زَوْسٍ مُؤْوِي الْغُرَبَاءِ، لأَنَّ أَهْلَ الْمَوْضِعِ كَانُوا غُرَبَاءَ.
3
فَاشْتَدَّ انْفِجَارُ الشَّرِّ، وَعَظُمَ عَلَى الْجَمَاهِيرِ،
4
وَامْتَلأَ الْهَيْكَلُ عَهَراً وَقُصُوفاً، وَأَخَذَ الأُمَمُ يَفْسِقُونَ بِالْمَأْبُونِينَ، وَيُضَاجِعُونَ النِّسَاءَ فِي الدُّورِ الْمُقَدَّسَةِ، وَيُدْخِلُونَ إِلَيْهَا مَا لاَ يَحِلُّ.
5
وَكَانَ الْمَذْبَحُ مُغَطَّى بِالْمَحَارِمِ الَّتِي نَهَتِ الشَّرِيعَةُ عَنْهَا.
6
وَلَمْ يَكُنْ لأَحَدٍ أَنْ يُعَيِّدَ السَّبْتَ، وَلاَ يَحْفَظَ أَعْيَادَ الآبَاءِ، وَلاَ يَعْتَرِفَ بِأَنَّهُ يَهُودِيٌّ أَصْلاً.
7
وَكَانُوا كُلَّ شَهْرٍ، يَوْمَ مَوْلِدِ الْمَلِكِ يُسَاقُونَ قَسْراً لِلتَّضْحِيَةِ، وَفِي عِيدِ دِيُونِيسِيُوسَ يُضْطَرُّونَ إِلَى الطَّوَافِ إِجْلاَلاً لَهُ، وَعَلَيْهِمْ أَكَالِيلُ مِنَ اللَّبْلاَبِ.
8
وَصَدْرَ أَمْرٌ إِلَى الْمُدُنِ الْيُونَانِيَّةِ الْمُجَاوِرَةِ بِإِغْرَاءِ الْبَطَالِمَةِ أَنْ يُلْزِمُوا الْيَهُودَ بِمِثْلِ ذلِكَ وَبِالتَّضْحِيَةِ،
9
وَأَنَّ مَنْ أَبَى أَنْ يَتَّخِذَ السُّنَنَ الْيُونَانِيَّةَ يُقْتَلُ، فَذَاقُوا بِذلِكَ أَمَرَّ الْبَلاَءِ.
10
فَإِنَّ امْرَأَتَيْنِ سُعِيَ بِهِمَا، أَنَّهُمَا خَتَنَتَا أَولاَدَهُمَا، فَعَلَّقُوا أَطْفَالَهُمَا عَلَى أَثْدِيهِمَا وَطَافُوا بِهِمَا فِي الْمَدِينَةِ عَلاَنِيَةً، ثُمَّ أَلْقَوْهُمَا عَنِ السُّورِ.
11
وَلَجَأَ قَوْمٌ إِلَى مَغَاوِرَ كَانَتْ بِالْقُرْبِ مِنْهُمْ لإِقَامَةِ السَّبْتِ سِرًّا، فَوُشِيَ بِهِمْ إِلَى فِيلُبُّسَ؛ فَأَحْرَقَهُمْ بِالنَّارِ وَهُمْ لاَ يَجْتَرِئُونَ أَنْ يُدَافِعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ إِجْلاَلاً لِهذَا الْيَوْمِ
12
وَإِنِّي لأَرْجُو مِنْ مُطَالِعِي هذَا الْكِتَابِ أَنْ لاَ يَسْتَوْحِشُوا مِنْ هذِهِ الضَّرَبَاتِ، وَأَنْ يَحْسَبُوا هذِهِ النِّقَمَ لَيْسَتْ لِلْهَلاَكِ بَلْ لِتَأْدِيبِ أُمَّتِنَا.
13
فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يُهْمَلِ الْكَفَرَةُ زَمَناً طَوِيلاً، بَلْ عُجِّلَ عَلَيْهِمْ بِالْعِقَابِ؛ فَذلِكَ دَلِيلٌ عَلَى رَحْمَةٍ عَظِيمَةٍ،
14
لأَنَّ الرَّبَّ لاَ يُمْهِلُ عِقَابَنَا بِالأَنَاةِ، إِلَى أَنْ يُسْتَوْفَى كَيْلُ الآثَامِ كَمَا يَفْعَلُ مَعَ سَائِرِ الأُمَمِ.
15
فَقَدْ قَضَى فِينَا بِذلِكَ لِئَلاَّ تَبْلُغَ آثَامُنَا، غَايَتَهَا وَيَنْتَقِمَ مِنَّا أَخِيراً،
16
فَهُوَ لاَ يُزِيلُ عَنَّا رَحْمَتَهُ أَبَداً، وَإِذَا أَدَّبَ شَعْبَهُ بِالشَّدَائِدِ فَلاَ يَخْذُلُهُ.
17
نَقُولُ هذَا عَلَى سَبِيلِ التَّذْكِرَةِ وَنَرْجِعُ إِلَى تَتِمَّةِ الْحَدِيثِ بِكَلاَمٍ مُوجَزٍ:
18
«كَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَلِعَازَارُ مِنْ مُتَقَدِّمِي الْكَتَبَةِ طَاعِنٌ فِي السِّنِّ رَائِعُ الْمَنْظَرِ فِي الْغَايَةِ؛ فَأَكْرَهُوهُ بِفَتْحِ فِيهِ عَلَى أَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ،
19
فَاخْتَارَ أَنْ يَمُوتَ مَجِيداً عَلَى أَنْ يَحْيَا ذَمِيماً، وَانْقَادَ إِلَى الْعَذَابِ طَائِعاً،
20
وَقَذَفَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ مِنْ فِيهِ، ثُمَّ تَقَدَّمَ كَمَا يَلِيقُ بِمَنْ يَتَمَنَّعُ بِشَجَاعَةٍ عَمَّا لاَ يَحِلُّ ذَوْقُهُ رَغْبَةً فِي الْحَيَاةِ.
21
فَخَلاَ بِهِ الْمُوَكَّلُونَ بِأَمْرِ الضَّحَايَا الْكُفْرِيَّةِ لِمَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ مِنْ قَدِيمِ الْمَعْرِفَةِ، وَجَعَلُوا يَحُثُّونَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يَحِلُّ لَهُ تَنَاوُلُهُ مِنَ اللَّحْمِ مُهَيَّأً بِيَدِهِ، وَيَتَظَاهَرَ بِأَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ الضَّحَايَا الَّتِي أَمَرَ بِهَا الْمَلِكُ،
22
لِيَنْجُوَ مِنَ الْمَوْتِ إِذَا فَعَلَ ذلِكَ، وَيَنَالَ مِنْهُمُ الْجَمِيلَ لأَجْلِ مَوَدَّتِهِ الْقَدِيمَةِ لَهُمْ.
23
لكِنَّهُ عَوَّلَ عَلَى الرَّأْيِ النَّزِيهِ الْجَدِيرِ بِسِنِّهِ وَكَرَامَةِ شَيْخُوخَتِهِ، وَمَا بَلَغَ إِلَيْهِ مِنْ جَلاَلَةِ الْمَشِيبِ وَبِكَمَالِ سِيرَتِهِ الْحَسَنَةِ مُنْذُ حَدَاثَتِهِ بَلْ بِالشَّرِيعَةِ الْمُقَدَّسَةِ الإِلهِيَّةِ، وَأَجَابَ بِغَيْرِ تَوَقُّفٍ وَقَالَ: «بَلْ أَسْبِقُ إِلَى الْجَحِيمِ،
24
لأَنَّهُ لاَ يَلِيقُ بِسِنِّنَا الرِّئَاءُ، لِئَلاَّ يَظُنَّ كَثِيرٌ مِنَ الشُّبَّانِ أَنَّ أَلِعَازَارَ وَهُوَ ابْنُ تِسْعِينَ سَنَةً قَدِ انْحَازَ إِلَى مَذْهَبِ الأَجَانِبِ،
25
وَيَضِلُّوا بِسَبَبِي لأَجْلِ رِئَائِي وَحُبِّي لِحَيَاةٍ قَصِيرَةٍ فَانِيَةٍ، فَأَجْلُبَ عَلَى شَيْخُوخَتِي الرِّجْسَ وَالْفَضِيحَةَ.
26
فَإِنِّي وَلَوْ نَجَوْتُ الآنَ مِنْ نَكَالِ الْبَشَرِ، لاَ أَفِرُّ مِنْ يَدَيِ الْقَدِيرِ لاَ فِي الْحَيَاةِ وَلاَ بَعْدَ الْمَمَاتِ.
27
وَلكِنْ إِذَا فَارَقْتُ الْحَيَاةَ بِبَسَالَةٍ فَقَدْ وَفَيْتُ بِحَقِّ شَيْخُوخَتِي،
28
وَأبْقَيْتُ لِلشُّبَّانِ قُدْوَةَ شَهَامَةٍ لِيَتَلَقَّوُا الْمَنِيَّةَ بِبَسَالَةٍ وَشَهَامَةٍ فِي سَبِيلِ الشَّرِيعَةِ الْجَلِيلَةِ الْمُقَدَّسَةِ». وَلَمَّا قَالَ هذَا انْطَلَقَ مِنْ سَاعَتِهِ إِلَى عَذَابِ التَّوْتِيرِ وَالضَّرْبِ.
29
فَتَحَوَّلَ أُولئِكَ الَّذِينَ أَبْدَوْا لَهُ الرَّأْفَةَ قُبَيْلَ ذلِكَ إِلَى الْقَسْوَةِ لِحُسْبَانِهِمْ أَنَّ كَلاَمَهُ كَانَ عَنْ كِبْرٍ.
30
وَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ مِنَ الضَّرْبِ، تَنَهَّدَ وَقَالَ: «يَعْلَمُ الرَّبُّ وَهُوَ ذُو الْعِلْمِ الْمُقَدَّسِ أَنِّي وَأَنَا قَادِرٌ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنَ الْمَوْتِ أُكَابِدُ فِي جَسَدِي عَذَابَ الضَّرْبِ الأَلِيمِ، وَأَمَّا فِي نَفْسِي فَإِنِّي أَحْتَمِلُ ذلِكَ مَسْرُوراً لأَجْلِ مَخَافَتِهِ».
31
وَهكَذَا قَضَى هذَا الرَّجُلُ تَارِكاً مَوْتَهُ قُدْوَةَ شَهَامَةٍ، وَتَذْكَارَ فَضِيلَةٍ لأُمَّتِهِ بِأَسْرِهَا فَضْلاً عَنِ الشُّبَّانِ بِخُصُوصِهِمْ.
الاصحاح السابع
1
وَقُبِضَ عَلَى سَبْعَةِ إِخْوَةٍ مَعَ أُمِّهِمْ، فَأَخَذَ الْمَلِكُ يُكْرِهُهُمْ عل تَنَاوُلِ لُحُومِ الْخِنْزِيرِ الْمُحَرَّمَةِ، وَيُعَذِّبُهُمْ بِالْمَقَارِعِ وَالسِّيَاطِ.
2
فَانْتَدَبَ أَحَدُهُمْ لِلْكَلاَمِ وَقَالَ: «مَاذَا تَبْتَغِي؟ وَعَمَّ تَسْتَنْطِقُنَا؟ إِنَّا لَنَخْتَارُ أَنْ نَمُوتَ وَلاَ نُخَالِفَ شَرِيعَةَ آبَائِنَا».
3
فَحَنِقَ الْمَلِكُ وَأَمَرَ بِإِحْمَاءِ الطَّوَاجِنِ وَالْقُدُورِ، وَلَمَّا أُحْمِيَتْ،
4
أَمَرَ لِسَاعَتِهِ بِأَنْ يُقْطَعَ لِسَانُ الَّذِي انْتُدِبَ لِلْكَلاَمِ، وَيُسْلَخَ جِلْدُ رَأْسِهِ وَتُجْدَعَ أَطْرَافُهُ عَلَى عُيُونِ إِخْوَتِهِ وَأُمِّهِ.
5
وَلَمَّا عَادَ جُذْمَةً، أَمَرَ بِأَنْ يُؤْخَذَ إِلَى النَّارِ وَفِيهِ رَمَقٌ مِنَ الْحَيَاةِ وَيُقْلَى. وَفِيمَا كَانَ الْبُخَارُ مُنْتَشِراً مِنَ الطَّاجِنِ كَانُوا هُمْ وَأُمُّهُمْ يَحُضُّ بَعْضُهُمْ بَعْضاً أَنْ يُقْدِمُوا عَلَى الْمَوْتِ بِشَجَاعَةٍ،
6
قَائِلِينَ: «إِنَّ الرَّبَّ الإِلهَ نَاظِرٌ، وَهُوَ يَتَمَجَّدُ بِنَا كَمَا صَرَّحَ مُوسَى فِي نَشِيدِهِ الشَّاهِدِ فِي الْوُجُوهِ إِذْ قَالَ: وَسَيَتَمَجَّدُ بِعَبِيدِهِ».
7
وَلَمَّا قَضَى الأَوَّلُ عَلَى هذِهِ الْحَالِ، سَاقُوا الثَّانِيَ إِلَى الْهَوَانِ، وَنَزَعُوا جِلْدَ رَأْسِهِ مَعَ شَعْرِهِ، ثُمَّ سَأَلُوهُ هَلْ يَأْكُلُ قَبْلَ أَنْ يُعَاقَبَ فِي جَسَدِهِ عُضْواً عُضْواً؟
8
فَأَجَابَ بِلُغَةِ آبَائِهِ وَقَالَ: «لاَ». فَأَذَاقُوهُ بَقِيَّةَ الْعَذَابِ كَالأَوَّلِ.
9
وَفِيمَا كَانَ عَلَى آخِرِ رَمَقٍ قَالَ: «إِنَّكَ أَيُّهَا الْفَاجِرُ تَسْلُبُنَا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَلكِنَّ مَلِكَ الْعَالَمِينَ إِذَا مُتْنَا فِي سَبِيلِ شَرِيعَتِهِ، فَسَيُقِيمُنَا لِحَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ.
10
وَبَعْدَهُ شَرَعُوا يَسْتَهِينُونَ بِالثَّالِثِ، وَأَمَرُوهُ فَدَلَعَ لِسَانَهُ، وَبَسَطَ يَدَيْهِ بِقَلْبٍ جَلِيدٍ،
11
وَقَالَ: «إِنِّي مِنَ رَبِّ السَّمَاءِ أُوتِيتُ هذِهِ الأَعْضَاءَ، وَلأَجْلِ شَرِيعَتِهِ أَبْذُلُهَا، وَإِيَّاهُ أَرْجُو أَنْ أَسْتَرِدَّهَا مِنْ بَعْدُ».
12
فَبُهِتَ الْمَلِكُ وَالَّذِينَ مَعَهُ مِنْ بَسَالَةِ قَلْبِ ذلِكَ الْغُلاَمِ الَّذِي لَمْ يُبَالِ بِالْعَذَابِ شَيْئاً.
13
وَلَمَّا قَضَى عَذَّبُوا الرَّابِعَ وَنَكَّلُوا بِهِ بِمِثْلِ ذلِكَ،
14
وَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ قَالَ: «حَبَّذَا مَا يَتَوَقَّعُهُ الَّذِي يُقْتَلُ بِأَيْدِي النَّاسِ مِنْ رَجَاءِ إِقَامَةِ اللهِ لَهُ، أَمَّا أَنْتَ فَلاَ تَكُونُ لَكَ قِيَامَةٌ لِلْحَيَاةِ».
15
ثُمَّ سَاقُوا الْخَامِسَ وَعَذَّبُوهُ، فَالْتَفَتَ إِلَى الْمَلِكِ وَقَالَ:
16
«إِنَّكَ بِمَا لَكَ مِنَ السُّلْطَانِ عَلَى الْبَشَرِ مَعَ كَوْنِكَ فَانِياً تَفْعَلُ مَا تَشَاءُ، وَلكِنْ لاَ تَظُنَّ أَنَّ اللهَ قَدْ خَذَلَ ذُرِّيَّتَنَا
17
إِصْبِرْ قَلِيلاً فَتَرَى بَأْسَهُ الشَّدِيدَ كَيْفَ يُعَذِّبُكَ أَنْتَ وَنَسْلَكَ».
18
وَبَعْدَهُ سَاقُوا السَّادِسَ، فَلَمَّا قَارَبَ أَنْ يَمُوتَ قَالَ: «لاَ تَغْتَرَّ بِالْبَاطِلِ فَإِنَّا نَحْنُ جَلَبْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا هذَا الْعَذَابِ، لأَنَّا خَطِئْنَا إِلَى إِلهِنَا، وَلِذلِكَ وَقَعَ لَنَا مَا يَقْضِي بِالْعَجَبِ.
19
وَأَمَّا أَنْتَ لاَ تَحْسَبْ أَنَّكَ تُتْرَكُ سُدًى بَعْدَ تَعَرُّضِكَ لِمُنَاصَبَةِ اللهِ.
20
وَكَانَتِ أُمُّهُمْ أَجْدَرَ الْكُلِّ بِالْعَجَبِ وَالذِّكْرِ الْحَمِيدِ؛ فَإِنَّهَا عَايَنَتْ بَنِيهَا السَّبْعَةَ يَهْلِكُونَ فِي مُدَّةِ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَصَبَرَتْ عَلَى ذلِكَ بِنَفْسٍ طَيِّبَةٍ ثِقَةً بِالرَّبِّ.
21
وَكَانَتْ تُحَرِّضُ كُلاًّ مِنْهُمْ بِلُغَةِ آبَائِهَا، وَهِيَ مُمْتَلِئَةٌ مِنَ الْحِكْمَةِ السَّامِيَةِ، وَقَدْ أَلْقَتْ عَلَى كَلاَمِهَا الأُنْثَوِيِّ بَسَالَةً رَجُلِيَّةً،
22
قَائِلَةً لَهُمْ: «إِنِّي لَسْتُ أَعْلَمُ كَيْفَ نَشَأْتُمْ فِي أَحْشَائِي، وَلاَ أَنَا مَنَحْتُكُمُ الرُّوحَ وَالْحَيَاةَ، وَلاَ أَحْكَمْتُ تَرْكِيبَ أَعْضَائِكُمْ،
23
عَلَى أَنَّ خَالِقَ الْعَالَمِ الَّذِي جَبَلَ تَكْوِينَ الإِنْسَانَ، وَأَبْدَعَ لِكُلِّ شَيْءٍ تَكْوِينَهُ، سَيُعِيدُ إِلَيْكُمْ بِرَحْمَتِهِ الرُّوحَ وَالْحَيَاةَ، لأَنَّكُمُ الآنَ تَبْذُلُونَ أَنْفُسَكُمْ فِي سَبِيلِ شَرِيعَتِهِ.
24
وَإِنَّ أَنْطِيُوخُسَ إِذْ تَخَيَّلَ أَنَّهُ يُسْتَخَفُّ بِهِ، وَخَشِيَ صَوْتَ مُعَيِّرٍ يُعَيِّرُهُ، أَخَذَ يُحَرِّضُ بِالْكَلاَمِ أَصْغَرَهُمُ الْبَاقِيَ، بَلْ أَكَّدَ لَهُ بِالأَيْمَانِ أَنَّهُ يُغْنِيهِ وَيُسْعِدُهُ إِذَا تَرَكَ شَرِيعَةَ آبَائِهِ، وَيَتَّخِذُهُ خَلِيلاً لَهُ وَيُقَلِّدُهُ الْمَنَاصِبَ.
25
وَلَمَّا لَمْ يُصِخِ الْغُلاَمُ لِذلِكَ الْبَتَّةَ، دَعَا الْمَلِكُ أُمَّهُ وَحَثَّهَا أَنْ تُشِيرَ عَلَى الْغُلاَمِ بِمَا يُبَلِّغُ إِلَى خَلاَصِهِ،
26
وَأَلَحَّ عَلَيْهَا حَتَّى وَعَدَتْ بِأَنَّهَا تُشِيرُ عَلَى ابْنِهَا.
27
ثُمَّ انْحَنَتْ إِلَيْهِ وَاسْتَهْزَأَتْ بِالْمَلِكِ الْعَنِيفِ، وَقَالَتْ بِلُغَةِ آبَائِهَا: «يَا بُنَيَّ، ارْحَمْنِي أَنَا الَّتِي حَمَلَتْكَ فِي جَوْفِهَا تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، وَأَرْضَعَتْكَ ثَلاَثَ سِنِينَ وَعَالَتْكَ وَبَلَّغَتْكَ إِلَى هذِهِ السِّنِّ وَرَبَّتْكَ.
28
اُنْظُرْ، يَا وَلَدِي، إِلَى السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَإِذَا رَأَيْتَ كُلَّ مَا فِيهِمَا فَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ صَنَعَ الْجَمِيعَ مِنَ الْعَدَمِ، وَكَذلِكَ وُجِدَ جِنْسُ الْبَشَرِ،
29
فَلاَ تَخَفْ مِنْ هذَا الْجَلاَّدِ، لكِنْ كُنْ مُسْتَأْهِلاً لإِخْوَتِكَ، وَاقْبَلِ الْمَوْتَ لأَتَلَقَّاكَ مَعَ إِخْوَتِكَ بِالرَّحْمَةِ».
30
وَفِيمَا هِيَ تَتَكَلَّمُ قَالَ الْغُلاَمُ: «مَاذَا أَنْتُمْ مُنْتَظِرُونَ؟ إِنِّي لاَ أُطِيعُ أَمَرَ الْمَلِكِ، وَإِنَّمَا أُطِيعُ أَمَرَ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أُلْقِيَتْ إِلَى آبَائِنَا عَلَى يَدِ مُوسَى.
31
وَأَنْتَ أَيُّهَا الْمُخْتَرِعُ كُلَّ شَرٍّ عَلَى الْعِبْرَانِيِّينَ إِنَّكَ لَنْ تَنْجُوَ مِنْ يَدَيِ اللهِ.
32
فَنَحْنُ إِنَّمَا نُعَاقَبُ عَلَى خَطَايَانَا،
33
وَرَبُّنَا الْحَيُّ، وَإِنْ سَخِطَ عَلَيْنَا حِيناً يَسِيراً لِتَوْبِيخِنَا وَتَأْدِيبِنَا، سَيَتُوبُ عَلَى عَبِيدِهِ مِنْ بَعْدُ.
34
وَأَمَّا أَنْتَ أَيُّهَا الْمُنَافِقُ، يَا أَخْبَثَ كُلِّ بَشَرٍ، فَلاَ تَتَشَامَخْ بَاطِلاً وَتَتَنَمَّرَ بِآمَالِكَ الْكَاذِبَةِ، وَأَنْتَ رَافِعٌ يَدَكَ عَلَى عَبِيدِهِ،
35
لأَنَّكَ لَمْ تَنْجُ مِنْ دَيْنُونَةِ اللهِ الْقَدِيرِ الرَّقِيبِ.
36
وَلَقَدْ صَبَرَ إِخْوَتُنَا عَلَى أَلَمِ سَاعَةٍ، ثُمَّ فَازُوا بِحَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ، وَهُمْ فِي عَهْدِ اللهِ، وَأَمَّا أَنْتَ فَسَيَحِلُّ بِكَ بِقَضَاءِ اللهِ الْعِقَابُ الَّذِي تَسْتَوْجِبُهُ بِكِبْرِيَائِكَ.
37
وَأَنَا كَأِخْوَتِي أَبْذُلُ جَسَدِي وَنَفْسِي فِي سَبِيلِ شَرِيعَةِ آبَائِنَا، وَأَبْتَهِلُ إِلَى اللهِ أَنْ لاَ يُبْطِئَ فِي تَوْبَتِهِ عَلَى أُمَّتِنَا، وَأَنْ يَجْعَلَكَ بِالْمِحَنِ وَالضَّرَبَاتِ تَعْتَرِفُ بِأَنَّهُ هُوَ الإِلهُ وَحْدَهُ،
38
وَأَنْ يَنْتَهِيَ فِيَّ وَفِي إِخْوَتِي غَضَبُ الْقَدِيرِ، الَّذِي حَلَّ عَلَى أُمَّتِنَا عَدْلاً».
39
فَحَنِقَ الْمَلِكُ، وَلَمْ يَحْتَمِلْ ذلِكَ الاِسْتِهْزَاءَ، فَزَادَهُ نَكَالاً عَلَى إِخْوَتِهِ.
40
وَهكَذَا قَضَى هذَا الْغُلاَمُ طَاهِراً، وَقَدْ وَكَّلَ إِلَى الرَّبِّ كُلَّ أَمَرِهِ.
41
وَفِي آخِرِ الأَمْرِ هَلَكَتِ الأُمُّ عَلَى أَثَرِ بَنِيهَا.
42
وَبِمَا أَوْرَدْنَاهُ عَنِ الضَّحَايَا وَالتَّعْذِيبَاتِ الْمُبَرِّحَةِ كِفَايَةٌ.
الاصحاح الثامن
1
وَكَانَ يَهُوذَا الْمَكَّابِيُّ وَمَنْ مَعَهُ يَتَسَلَّلُونَ إِلَى الْقُرَى، وَيَنْدُبُونَ ذَوِي قَرَابَتِهِمْ وَيَسْتَضِمُّونَ الَّذِينَ ثَبَتُوا عَلَى دِينِ الْيَهُودِ حَتَّى جَمَعُوا سِتَّةَ آلاَفٍ.
2
وَكَانُوا يَبْتَهِلُونَ إِلَى الرَّبِّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى شَعْبِهِ الَّذِي أَصْبَحَ يَدُوسُهُ كُلُّ أَحَدٍ، وَيَعْطِفَ عَلَى الْهَيْكَلِ الَّذِي دَنَّسَهُ أَهْلُ النِّفَاقِ،
3
وَيَرْحَمَ الْمَدِينَةَ الْمُتَهَدِّمَةَ الَّتِي أَشْرَفَتْ عَلَى الاِمْحَاءِ، وَيُصْغِيَ إِلَى صَوْتِ الدِّمَاءِ الصَّارِخَةِ إِلَيْهِ،
4
وَيَذْكُرَ إِهْلاَكَ الأَطْفَالِ الأَبْرِيَاءِ ظُلْماً، وَالتَّجَادِيفَ عَلَى اسْمِهِ، وَيَجْهَرَ بِبِغْضَتِهِ لِلْشَّرِّ.
5
وَلَمَّا أَصْبَحَ الْمَكَّابِيُّ فِي جَيْشٍ لَمْ تَعُدِ الأُمَمُ تَثْبُتُ أَمَامَهُ، إِذْ كَانَ سُخْطُ الرَّبِّ قَدِ اسْتَحَالَ إِلَى رَحْمَةٍ،
6
فَجَعَلَ يُفَاجِئُ الْمُدُنَ وَالْقُرَى وَيُحْرِقُهَا، حَتَّى إِذَا اسْتَوْلَى عَلَى مَوَاضِعَ تُوَافِقُهُ، تَغَلَّبَ عَلَى الأَعْدَاءِ فِي مَوَاقِعَ جَمَّةٍ،
7
وَكَانَ أَكْثَرُ غَارَاتِهِ لَيْلاً، فَذَاعَ خَبَرُ شَجَاعَتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ.
8
فَلَمَّا رَأَى فِيلُبُّسُ أَنَّ الرَّجُلَ آخِذٌ فِي التَّقَدُّمِ شَيْئاً فَشَيْئاً، وَقَدْ أُوتِيَ الْفَوْزَ فِي أَكْثَرِ أُمُورِهِ، كَتَبَ إِلَى بَطُلْمَاوُسَ قَائِدِ بِقَاعِ سُورِيَّةَ وَفِينِيقِيَةَ يَسْأَلُهُ الْمُنَاجَدَةَ لِصِيَانَةِ مَصَالِحِ الْمَلِكِ.
9
فَاخْتَارَ لِسَاعَتِهِ نِكَانُورَ بْنَ بَتْرُكْلُسَ مِنْ خَوَاصِّ أَصْدِقَاءِ الْمَلِكِ، وَجَعَلَ تَحْتَ يَدِهِ لَفِيفاً مِنَ الأُمَمِ يَبْلُغُ عِشْرِينَ أَلْفاً لِيَسْتَأْصِلَ ذُرِّيَّةَ الْيَهُودِ عَنْ آخِرِهِمْ، وَضَمَّ إِلَيْهِ جُرْجِيَّاسَ وَهُوَ مِنَ الْقُوَّادِ الْمُحَنَّكِينَ فِي أَمْرِ الْحَرْبِ.
10
فَرَسَمَ نِكَانُورُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ مَبِيعِ سَبْيِ الْيَهُودِ أَلْفَا الْقِنْطَارِ الَّتِي كَانَتْ لِلْرُومَانِيِّينَ عَلَى الْمَلِكِ،
11
وَأَرْسَلَ فِي الْحَالِ إِلَى مُدُنِ السَّاحِلِ يَدْعُو إِلَى مُشْتَرِي رِقَابِ الْيَهُودِ، مُسَعِّراً كُلَّ تِسْعِينَ رَقَبَةً بِقِنْطَارٍ، وَلَمْ يَخْطُرْ لَهُ مَا سَيَحِلُّ بِهِ مِنْ نِقْمَةِ الْقَدِيرِ.
12
فَاتَّصَلَ بِيَهُوذَا خَبَرُ مَقْدَمِ نِكَانُورَ، فَأخْبَرَ الَّذِينَ مَعَهُ بِمَجِيءِ الْجَيْشِ،
13
فَبَدَأَ الَّذِينَ خَافُوا وَلَمْ يَثِقُوا بِعَدْلِ اللهِ يَنْسَابُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَكَانِهِ،
14
وَبَاعَ آخَرُونَ كُلَّ مَا كَانَ بَاقِياً لَهُمْ، وَكَانُوا يَبْتَهِلُونَ إِلَى الرَّبِّ أَنْ يُنْقِذَهُمْ مِنْ نِكَانُورَ الْكَافِرِ، الَّذِي بَاعَهُمْ قَبْلَ الْمُلْتَقَى،
15
وَذلِكَ إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَجْلِهِمْ؛ فَمِنْ أَجَلِّ عَهْدِهِ مَعَ آبَائِهِمْ وَحُرْمَةِ اسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ مُسَمَّوْنَ بِهِ.
16
فَحَشَدَ الْمَكَّابِيُّ أَصْحَابَهُ وَهُمْ سِتَّةُ آلاَفٍ، وَحَرَّضَهُمْ أَنْ لاَ يَرْتَاعُوا مِنَ الأَعْدَاءِ، وَلاَ يَخَافُوا مِنْ كَثْرَةِ الأُمَمِ الْمُجْتَمِعَةِ عَلَيْهِمْ بَغْياً وَأَنْ يُقَاتِلُوا بِبَأْسٍ،
17
جَاعِلِينَ نُصْبَ عُيُونِهِمِ الإِهَانَةَ الَّتِي أَلْحَقُوهَا بِالْمَوضِعِ الْمُقَدَّسِ عُدْوَاناً، وَمَا أَنْزَلُوهُ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الْقَهْرِ وَالْعَارِ مَعَ نَقْضِ سُنَنِ الآبَاءِ.
18
وَقَالَ: «إِنَّ هؤُلاَءِ إِنَّمَا يَتَوَكَّلُونَ عَلَى سِلاَحِهِمْ وَجَسَارَتِهِمْ، وَأَمَّا نَحْنُ فَنَتَوَكَّلُ عَلَى اللهِ الْقَدِيرِ، الَّذِي يَسْتَطِيعُ فِي لَمْحَةٍ أَنْ يُبِيدَ الثَّائِرِينَ عَلَيْنَا بَلِ الْعَالَمَ بِأَسْرِهِ.
19
ثُمَّ ذَكَرَ لَهُمُ النَّجَدَاتِ الَّتِي أُمِدَّ بِهَا آبَاؤُهُمْ، وَمَا كَانَ مِنْ إِبَادَةِ الْمِئَةِ وَالْخَمْسَةِ وَالثَّمَانِينَ أَلْفاً عَلَى عَهْدِ سَنْحَارِيبَ،
20
وَالْوَاقِعَةَ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ فِي بَابِلَ مَعَ الْغَلاَطِيِّينَ، كَيْفَ بَرَزُوا لِلْقِتَالِ وَهُمْ ثَمَانِيَةُ آلاَفِ رَجُلٍ وَمَعَهُمْ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ مِنَ الْمَكْدُونِيِّينَ، وَكَيْفَ حِينَ وَهِلَ الْمَكْدُونِيُّونَ أَهْلَكَ أُولئِكَ الثَّمَانِيَةُ الآلاَفُ مِئَةً وَعِشْرِينَ أَلْفاً بِالنَّجْدَةِ الَّتِي أُوتُوهَا مِنَ السَّمَاءِ وَعَادُوا بِخَيْرٍ جَزِيلٍ؟».
21
وَبَعْدَمَا شَدَّدَهُمْ بِهذَا الْكَلاَمِ حَتَّى أَضْحَوْا مُسْتَعِدِّينَ لِلْمَوْتِ فِي سَبِيلِ الشَّرِيعَةِ وَالْوَطَنِ، قَسَمَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ،
22
وَأَقَامَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ إِخْوَتِهِ سِمْعَانَ وَيُوسُفَ وَيُونَاثَانَ قَائِداً عَلَى فِرْقَةٍ، وَجَعَلَ تَحْتَ يَدِهِ أَلْفاً وَخَمْسَ مِئَةٍ.
23
ثُمَّ أَمَرَ أَلِعَازَارَ أَنْ يَتْلُوَ عَلَيْهِمِ الْكِتَابَ الْمُقّدَّسَ، وَجَعَلَ لَهُمْ كَلِمَةَ السِّرِّ نُصْرَةَ اللهِ. ثُمَّ اتَّخَذَ قِيَادَةَ الْكَتِيبَةِ الأُولَى وَحَمَلَ عَلَى نِكَانُورَ،
24
فَأَيَّدَهُمُ الْقَدِيرُ فَقَتَلُوا مِنَ الأَعْدَاءِ مَا يَزِيدُ عَلَى تِسْعَةِ آلاَفٍ، وَتَرَكُوا أَكْثَرَ جَيْشِ نِكَانُورَ مُجَرَّحِينَ مُجَدَّعِي الأَعْضَاءِ، وَأَلْجَأُوا الْجَمِيعَ إِلَى الْهَزِيمَةِ،
25
وَغَنِمُوا أَمْوَالَ الَّذِينَ جَاءُوا لِشِرَائِهِمْ، ثُمَّ تَعَقَّبُوهُمْ مَسَافَةً غَيْرَ قَصِيرَةٍ،
26
إِلَى أَنْ حَضَرَتِ السَّاعَةُ؛ فَأَمْسَكُوا وَعَادُوا وَقَدْ أَدْرَكَهُمُ السَّبْتُ وَلِذلِكَ لَمْ يُطِيلُوا تَعَقُّبَهُمْ.
27
وَجَمَعُوا أَسْلِحَةَ الأَعْدَاءِ، وَأَخَذُوا أَسْلاَبَهُمْ، ثُمَّ حَفِظُوا السَّبْتَ وَهُمْ يُبَارِكُونَ الرَّبَّ كَثِيراً وَيَعْتَرِفُونَ لَهُ، إِذْ أَنْقَذَهُمْ لِيُعَيِّدُوا ذلِكَ الْيَوْمَ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ بِاسْتِئْنَافِ رَحْمَتِهِ.
28
وَلَمَّا انْقَضَى السَّبْتُ، وَزَّعُوا عَلَى الضُّعَفَاءِ وَالأَرَامِلِ وَالْيَتَامَى نَصِيبَهُمْ مِنَ الْغَنَائِمِ، وَاقْتَسَمُوا الْبَاقِيَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَوْلاَدِهِمْ.
29
وَبَعْدَمَا فَرَغُوا مِنْ ذلِكَ، أَقَامُوا صَلاَةً عَامَّةً سَائِلِينَ الرَّبَّ الرَّحِيمَ أَنْ يَعُودَ فَيَتُوبَ عَلَى عَبِيدِهِ.
30
وَقَتَلُوا مَا يَزِيدُ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفاً مِنْ جُيُوشِ تِيمُوتَاوُسَ وَبَكِّيدِيسَ، وَاسْتَوْلَوْا عَلَى حُصُونٍ مُشَيَّدَةٍ، وَاقْتَسَمُوا كَثِيراً مِنَ الأَسْلاَبِ جَعَلُوهَا سِهَاماً مُتَسَاوِيَةً لَهُمْ وَلِلضُّعَفَاءِ وَالْيَتَامَى وَالأَرَامِلِ وَالشُّيُوخِ.
31
وَلَمَّا جَمَعُوا أَسْلِحَةَ الْعَدُوِّ رَتَّبُوا كُلَّ شَيْءٍ فِي مَوْضِعِهِ اللاَّئِقِ بِهِ، وَحَمَلُوا مَا بَقِيَ مِنَ الْغَنَائِمِ إِلَى أُورُشَلِيمَ،
32
وَقَتَلُوا رَئِيسَ جَيْشِ تِيمُوتَاوُسَ، وَكَانَ رَجُلاً شَدِيدَ النِّفَاقِ أَلْحَقَ بِالْيَهُودِ أَضْرَاراً كَثِيرَةً.
33
وَبَيْنَا هُمْ يَحْتَفِلُونَ بِالظَّفَرِ فِي وَطَنِهِمْ؛ أَحْرَقُوا كَلِّسْتَانِيسَ وَقَوْماً مَعَهُ فِي بَيْتٍ كَانُوا قَدْ فَرُّوا إِلَيْهِ، وَكَانُوا قَدْ أَحْرَقُوا الأَبْوَابَ الْمُقَدَّسَةَ فَنَالَهُمُ الْجَزَاءُ الَّذِي اسْتَوْجَبُوهُ بِكُفْرِهِمْ.
34
وَأَمَّا نِكَانُورُ الشَّدِيدُ الْفُجُورِ، الَّذِي كَانَ قَدِ اسْتَصْحَبَ مَعَهُ أَلْفَ تَاجِرٍ لِمُشْتَرَى الْيَهُودِ،
35
فَلَمَّا رَأَى الَّذِينَ كَانَ يَحْتَقِرُهُمْ قَدْ أَذَلُّوهُ بِإِمْدَادِ الرَّبِّ، خَلَعَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الثِّيَابِ الْفَاخِرَةِ وَانْسَابَ فِي كَبِدِ الْبِلاَدِ مُنْفَرِداً كَالآبِقِ، حَتَّى لَحِقَ بِأَنْطَاكِيَةَ وَهُوَ مُتَفَجِّعٌ غَايَةَ التَّفَجُّعِ لاِنْقِرَاضِ جَيْشِهِ.
36
وَبَعْدَمَا كَانَ قَدْ وَعَدَ الرُّومَانِيِّينَ بِأَنْ يَفِيَهُمُ الْخَرَاجَ مِنْ سَبْيِ أُورُشَلِيمَ، عَادَ يُذِيعُ أَنَّ الْيَهُودَ لَهُمُ اللهُ نَصِيرٌ، وَأَنَّهُمْ لِذلِكَ لاَ يُغْلَبُونَ، إِذْ هُمْ مُتَّبِعُونَ مَا رَسَمَ لَهُمْ مِنَ الشَّرَائِعِ.
الاصحاح التاسع
1
وَاتَّفَقَ فِي ذلِكَ الزَّمَانِ أَنَّ أَنْطِيُوخُسَ كَانَ مُنْصَرِفاً عَنْ بِلاَدِ فَارِسَ بِالْخِزْيِ،
2
وَكَانَ قَدْ زَحَفَ عَلَى مَدِينَةٍ اسْمُهَا بَرْسَابُولِيسُ، وَشَرَعَ يَسْلُبُ الْهَيَاكِلَ وَيُعْسِفُ الْمَدِينَةَ، فَثَارَ الْجُمُوعُ إِلَى السِّلاَحِ وَدَفَعُوهُ؛ فَانْهَزَمَ أَنْطِيُوخُسُ مُنْقَلِباً بِالْعَارِ.
3
وَلَمَّا كَانَ عِنْدَ أَحْمَتَا، بَلَغَهُ مَا وَقَعَ لِنِكَانُورَ وَأَصْحَابِ تِيمُوتَاوُسَ،
4
فَاسْتَشَاطَ غَضَباً وَأَزْمَعَ أَنْ يُحِيلَ عَلَى الْيَهُودِ مَا أَلْحَقَهُ بِهِ الَّذِينَ هَزَمُوهُ مِنَ الشَّرِّ، فَأَمَرَ سَائِقَ عَجَلَتِهِ بِأَنْ يَجِدَّ فِي السَّيْرِ بِغَيْرِ انْقِطَاعٍ، وَقَدْ حَلَّ بِهِ الْقَضَاءُ مِنَ السَّمَاءِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَجَبُّرِهِ: «لآتِيَنَّ أُورُشَلِيمَ وَلأَجْعَلَنَّهَا مَدْفِناً
5
لكِنَّ الرَّبَّ إِلهَ إِسْرَائِيلَ الْبَصِيرَ بِكُلِّ شَيْءٍ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً مُعْضِلَةً غَيْرَ مَنْظُورَةٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَفْرُغْ مِنْ كَلاَمِهِ ذَاكَ، حَتَّى أَخَذَهُ دَاءٌ فِي أَحْشَائِهِ لاَ دَوَاءَ لَهُ وَمَغْصٌ أَلِيمٌ فِي جَوْفِهِ.
6
وَكَانَ ذلِكَ عَيْنَ الْعَدْلِ فِي حَقِّهِ، لأَنَّهُ عَذَّبَ أَحْشَاءَ كَثِيرِينَ بِالآلاَمِ الْمُتَنَوِّعَةِ الْغَرِيبَةِ. لكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَكُفَّ عَنْ عُتِيِّهِ،
7
وَإِنَّمَا بَقِيَ صَدْرُهُ مُمْتَلِئاً مِنَ الْكِبْرِيَاءِ، يَنْفُثُ نَارَ الْحَنَقِ عَلَى الْيَهُودِ، وَيَحُثُّ عَلَى الإِسْرَاعِ فِي السَّيْرِ، حَتَّى إِنَّهُ مِنْ شِدَّةِ الْجَرْيِ سَقَطَ مِنْ عَجَلَتِهِ؛ فَتَرَضَّضَتْ بِتِلْكَ السَّقْطَةِ الْهَائِلَةِ جَمِيعُ أَعْضَاءِ جِسْمِهِ.
8
فَأَصْبَحَ بَعْدَمَا خُيِّلَ لَهُ بِزَهْوِهِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ إِلَيْهِ إِنْسَانٌ، أَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَى أَمْوَاجِ الْبَحْرِ، وَيَجْعَلُ قِمَمَ الْجِبَالِ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ مَصْرُوعاً عَلَى الأَرْضِ مَحْمُولاً فِي مِحَفَّةٍ شَهَادَةً لِلْجَمِيعِ بِقُدْرَةِ اللهِ الْجَلِيَّةِ،
9
حَتَّى كَانَتِ الدِّيدَانُ تَنْبُعُ مِنْ جَسَدِ ذلِكَ الْمُنَافِقِ، وَلَحْمُهُ يَتَسَاقَطُ وَهُوَ حَيٌّ بِالآلاَمِ وَالأَوْجَاعِ، وَصَارَ الْجَيْشُ كُلُّهُ يَتَكَرَّهُ نَتْنَ رَائِحَتِهِ،
10
حَتَّى إِنَّهُ بَعْدَمَا كَانَ قُبَيْلَ ذلِكَ يُزَيَّنُ لَهُ أَنَّهُ يَمَسُّ كَوَاكِبَ السَّمَاءِ، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُطِيقُ حَمْلَهُ لِشِدَّةِ رَائِحَتِهِ الَّتِي لاَ تُحْتَمَلُ.
11
فَلَمَّا رَأَى نَفْسَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ مِنْ تَمَزُّقِ جِسْمِهِ، أَخَذَ يَنْزِلُ عَنْ كِبْرِيَائِهِ الْمُفْرِطَةِ وَيَتَعَقَّلُ الْحَقَّ، إِذْ كَانَتِ الأَوْجَاعُ تَزْدَادُ فِيهِ عَلَى السَّاعَاتِ بِالضَّرْبَةِ الإِلهِيَّةِ،
12
حَتَّى إِنَّهُ هُوَ نَفْسَهُ أَمْسَى لاَ يُطِيقُ نَتْنَهُ، فَقَالَ: «حَقٌّ عَلَى الإِنْسَانِ أَنْ يَخْضَعَ للهِ، وَأَنْ لاَ يَحْمِلَهُ الْكِبْرُ وَهُوَ فَانٍ عَلَى أَنْ يَحْسَبَ نَفْسَهُ مُعَادِلاً للهِ».
13
وَكَانَ ذلِكَ الْفَاجِرُ يَتَضَرَّعُ إِلَى الرَّبِّ، لكِنَّ الرَّبَّ لَمْ يَكُنْ لِيَرْحَمَهُ، مِنْ بَعْدُ وَنَذَرَ
14
أَنَّ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَانَ يَقْصِدُهَا حَثِيثاً لِيَمْحُوَ آثَارَهَا، وَيَجْعَلَهَا مَدْفِناً سَيَجْعَلُهَا حُرَّةً،
15
وَأَنَّ الْيَهُودَ الَّذِينَ كَانَ قَدْ قَضَى عَلَيْهِمْ، بِأَنْ لاَ يُدْفَنُوا بَلْ يُلْقَوْا مَعَ أَطْفَالِهِمْ مَأْكَلاً لِلطُّيُورِ وَالْوُحُوشِ سَيُسَاوِيهِمْ جَمِيعاً بِالأَثِينِيِّينَ،
16
وَأَنَّ الْهَيْكَلَ الْمُقَدَّسَ الَّذِي كَانَ قَدِ انْتَهَبَهُ، سَيُزَيِّنُهُ بِأَفْخَرِ التُّحَفِ، وَيَرُدُّ الآنِيَةَ الْمُقَدَّسَةَ أَضْعَافاً، وَيُؤَدِّي النَّفَقَاتِ الْمَفْرُوضَةَ لِلذَّبَائِحِ مِنْ دَخْلِهِ الْخَاصِّ،
17
بَلْ أَنَّهُ هُوَ نَفْسَهُ يَتَهَوَّدُ، وَيَطُوفُ كُلَّ مَعْمُورٍ فِي الأَرْضِ يُنَادِي بِقُدْرَةِ اللهِ.
18
وَإِذْ لَمْ تَسْكُنْ آلاَمُهُ، لأَنَّ قَضَاءَ اللهِ الْعَادِلَ كَانَ قَدْ حَلَّ عَلَيْهِ، قَنِطَ مِنْ نَفْسِهِ وَكَتَبَ إِلَى الْيَهُودِ رِسَالَةً فِي مَعْنَى التَّوَسُّلِ، وَهذِهِ صُورَتُهَا:
19
«مِنْ أَنْطِيُوخُسَ الْمَلِكِ الْقَائِدِ إِلَى رَعَايَا الْيَهُودِ الأَفَاضِلِ، السَّلاَمُ الْكَثِيرُ وَالْعَافِيَةُ وَالْغِبْطَةُ.
20
إِذَا كُنْتُمْ فِي سَلاَمَةٍ وَكَانَ أَوْلاَدُكُمْ وَكُلُّ شَيْءٍ لَكُمْ عَلَى مَا تُحِبُّونَ؛ فَإِنِّي أَشْكُرُ اللهَ شُكْراً جَزِيلاً. أَمَّا أَنَا فَرَجَائِي مَنُوطٌ بِالسَّمَاءِ.
21
وَبَعْدُ، فَإِنِّي مُنْذُ اعْتَلَلْتُ لَمْ أَزَلْ أَذْكُرُكُمْ بِالْمَوَدَّةِ، نَاوِياً لَكُمُ الكَرَامَةَ وَالْخَيْرَ؛ فَإِنِّي فِي إِيَابِي مِنْ نَوَاحِي فَارِسَ أَصَابَنِي دَاءٌ شَدِيدٌ؛ فَرَأَيْتُ مِنَ الْوَاجِبِ أَنْ أَصْرِفَ الْعِنَايَةَ إِلَى مَصْلَحَةِ الْجَمِيعِ،
22
لَيْسَ لأَنِّي قَانِطٌ مِنْ نَفْسِي؛ فَإِنَّ لِي رَجَاءً وَثِيقاً أَنْ أَتَخَلَّصَ مِنْ عِلَّتِي.
23
ثُمَّ إِنِّي تَذَكَّرْتُ أَنَّ أَبِي حِينَ سَارَ بِجَيْشِهِ إِلَى الأَقَالِيمِ الْعُلْيَا عَيَّنَ الْوَلِيَّ لِعَهْدِهِ،
24
وَأَنَا أَخَافُ أَنْ يَقَعَ أَمْرٌ غَيْرُ مُنْتَظَرٍ، أَوْ يَذِيعَ خَبَرٌ مَشْؤُومٌ فَيَضْطَرِبَ مُقَلَّدُو الأُمُورِ فِي الْبِلاَدِ عِنْدَ بُلُوغِهِ إِلَيْهِمْ.
25
وَقَدْ تَبَيَّنَ لِي أَنَّ مَنْ حوْلَنَا مِنْ ذَوِي السُّلْطَانِ وَمُجَاوِرِي الْمَمْلَكَةِ يَتَرَصَّدُونَ الْفُرَصَ، وَيَتَوَقَّعُونَ حَادِثاً يَحْدُثُ، فَلِذلِكَ عَيَّنْتُ لِلْمُلْكِ ابْنِي أَنْطِيُوخُسَ الَّذِي سَلَّمْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ إِلَى كَثِيرِينَ مِنْكُمْ، وَأَوْصَيْتُهُمْ بِهِ عِنْدَ مَسِيرِي إِلَى الأَقَالِيمِ الْعُلْيَا، وَقَدْ كَتَبْتُ إِلَيْهِ فِي هذَا
26
فَأَنْشُدُكُمْ وَأَرْغَبُ إِلَيْكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا مَا أَوْلَيْتُكُمْ مِنَ النِّعَمِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَأَنْ يَبْقَى كُلٌّ مِنْكُمْ عَلَى مَا كَانَ لَهُ مِنَ الْوَلاَءِ لِي وَلاِبْنِي،
27
وَلِي الثِّقَةُ بِأَنَّهُ سَيَأْتَمُّ بِقَصْدِي؛ فَيُعَامِلُكُمْ بِالرِّفْقِ وَالْمُرُوءَةِ».
28
ثُمَّ قَضَى هذَا السَّفَّاكُ الدِّمَاءِ الْمُجَدِّفُ بَعْدَ آلاَمٍ مُبَرِّحَةٍ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ بِالنَّاسِ، وَمَاتَ مِيْتَةَ شَقَاءٍ عَلَى الْجِبَالِ فِي أَرْضِ غُرْبَةٍ.
29
فَنَقَلَ جُثَّتَهُ فِيلُبُّسُ رَضِيعُهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ إِلَى بَطُلْمَاوُسَ فِيلُومَاتُورَ خَوْفاً مِنِ ابْنِ أَنْطِيُوخُسَ.
الاصحاح العاشر
1
أَمَّا الْمَكَّابِيُّ وَالَّذِينَ مَعَهُ فَبِإِمْدَادِ الرَّبِّ اسْتَرَدُّوا الْهَيْكَلَ وَالْمَدِينَةَ،
2
وَهَدَمُوا الْمَذَابِحَ الَّتِي كَانَ الأَجَانِبُ قَدْ بَنَوْهَا فِي السَّاحَةِ وَخَرَّبُوا الْمَعَابِدَ،
3
وَطَهَّرُوا الْهَيْكَلَ وَصَنَعُوا مَذْبَحاً آخَرَ، وَاقْتَدَحُوا حِجَارَةً اقْتَبَسُوا مِنْهَا نَاراً، وَقَدَّمُوا ذَبِيحَةً بَعْدَ فَتْرَةِ سَنَتَيْنِ، وَهَيَّأُوا الْبَخُورَ وَالسُّرُجَ وَخُبْزَ التَّقْدِمَةِ.
4
وَبَعْدَمَا أَتَمُّوا ذلِكَ ابْتَهَلُوا إِلَى الرَّبِّ، وَقَدْ خَرُّوا بِصُدُورِهِمْ أَنْ لاَ يُصَابُوا بِمِثْلِ تِلْكَ الشُّرُورِ، لكِنْ إِذَا خَطِئُوا يُؤَدِّبُهُمْ هُوَ بِرِفْقٍ، وَلاَ يُسَلِّمُهُمْ إِلَى أُمَمٍ كَافِرَةٍ وَحْشِيَّةٍ.
5
وَاتَّفَقَ أَنَّهُ فِي مِثْلِ الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ نَجَّسَتِ الْغُرَبَاءُ الْهَيْكَلَ، فِي ذلِكَ الْيَوْمِ عَيْنِهِ تَمَّ تَطْهِيرُ الْهَيْكَلِ، وَهُوَ الْيَوْمُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ ذلِكَ الشَّهْرِ الَّذِي هُوَ شَهْرُ كِسْلُوَ.
6
فَعَيَّدُوا ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ بِفَرَحٍ كَمَا فِي عِيدِ الْمَظَالِّ، وَهُمْ يَذْكُرُونَ كَيْفَ قَضَوْا عِيدَ الْمَظَالِّ قُبَيْلَ ذلِكَ فِي الْجِبَالِ وَالْمَغَاوِرِ مِثْلَ وُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ.
7
وَلِذلِكَ سَبَّحُوا لِمَنْ يَسَّرَ تَطْهِيرَ هَيْكَلِهِ، وَفِي أَيْدِيهِمْ غُصُونٌ ذَاتَ أَوْرَاقٍ وَأَفْنَانٌ خُضْرٌ وَسَعَفٌ،
8
وَرَسَمُوا رَسْماً عَامًّا عَلَى جَمِيعِ أُمَّةِ الْيَهُودِ أَنْ يُعَيِّدُوا هذِهِ الأَيَّامَ فِي كُلِّ سَنَةٍ.
9
هكَذَا كَانَتْ وَفَاةُ أَنْطِيُوخُسَ الْمُلَقَّبِ بِالشَّهِيرِ.
10
وَلْنَشْرَعِ الآنَ فِي خَبَرِ ابْنِ ذَاكَ الْمُنَافِقِ، وَنَذْكُرْ مَا كَانَ مِنْ رَزَايَا الْحُرُوبِ بِالإِيجَازِ:
11
إِنَّهُ لَمَّا اسْتَوْلَى هذَا عَلَى الْمُلْكِ، فَوَّضَ تَدْبِيرَ الأُمُورِ إِلَى لِيسِيَّاسَ قَائِدِ الْقُوَّادِ فِي بِقَاعِ سُورِيَّةَ وَفِينِيقِيَةَ.
12
وَذلِكَ أَنَّ بَطُلْمَاوُسَ الْمُسَمَّى بِمَكْرُونَ عَزَمَ عَلَى أَنْ يُنْصِفَ الْيَهُودَ مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنَ الظُّلْمِ، وَاجْتَهَدَ فِي مُعَامَلَتِهِمْ بِالسِّلْمِ،
13
فَلِذلِكَ سَعَى بِهِ أَصْحَابُهُ إِلَى أَوْبَاطُورَ، وَكَثُرَ كَلاَمُ النَّاسِ فِيهِ بِأَنَّهُ خَائِنٌ، لأَنَّهُ تَخَلَّى عَنْ قُبْرُسَ الَّتِي كَانَ فِيلُومَاطُورُ قَدِ اسْتَعْمَلَهُ عَلَيْهَا، وَانْحَازَ إِلَى أَنْطِيُوخُسَ الشَّهِيرِ. وَإِذْ ذَهَبَتْ عَنْهُ كَرَامَةُ السُّلْطَانِ بَلَغَ مِنْهُ الْكَمَدُ فَقَتَلَ نَفْسَهُ بِسُمٍّ.
14
فَوُلِّيَ جُرْجِيَّاسُ قِيَادَةَ الْبِلاَدِ، وَشَرَعَ يُجَيِّشُ مِنَ الأَجَانِبِ، وَنَاصَبَ الْيَهُودَ حَرْباً مُتَوَاصِلَةً.
15
وَكَذلِكَ الأَدُومِيُّونَ الَّذِينَ كَانَتْ لَهُمْ حُصُونٌ مُلاَئِمَةٌ، كَانُوا يُرْغِمُونَ الْيَهُودَ وَيَقْبَلُونَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ أُورُشَلِيمَ، وَيَتَجَهَّزُونَ لِلْحَرْبِ.
16
فَابْتَهَلَ الَّذِينَ مَعَ الْمَكَّابِيِّ، وَتَضَرَّعُوا إِلَى اللهِ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ نَصِيراً، ثُمَّ هَجَمُوا عَلَى حُصُونِ الأَدُومِيِّينَ،
17
وَانْدَفَعُوا عَلَيْهَا بِشِدَّةٍ، وَامْتَلَكُوا مَوَاضِعَ مِنْهَا، وَصَدَمُوا جَمِيعَ الَّذِينَ كَانُوا يُقَاتِلُونَ عَلَى السُّورِ، وَكُلَّ مَنِ اقْتَحَمَهُمْ قَتَلُوهُ فَأَهْلَكُوا مِنْهُمْ عِشْرِينَ أَلْفاً،
18
وَفَرَّ تِسْعَةُ آلاَفٍ مِنْهُمْ إِلَى بُرْجَيْنِ حَصِينَيْنِ جِدًّا مُجَهَّزَيْنِ بِكُلِّ أَسْبَابِ الدِّفَاعِ.
19
فَخَلَّفَ الْمَكَّابِيُّ سِمْعَانَ وَيُوسُفَ وَزَكَّا وَعَدَداً مِنْ أَصْحَابِهِ كَافِياً لِمُحَاصَرَتِهِمَا، وَانْصَرَفَ إِلَى مَوَاضِعَ أُخْرَى كَانَتْ أَشَدَّ اقْتِضَاءً لَهُ.
20
غَيْرَ أَنَّ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ سِمْعَانَ اسْتَغْوَاهُمْ حُبُّ الْمَالِ؛ فَارْتَشَوْا مِنْ بَعْضِ الَّذِينَ فِي الْبُرْجَيْنِ، وَخَلَّوْا سَبِيلَهُمْ بَعْدَ أَنْ أَخَذُوا مِنْهُمْ سَبْعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ.
21
فَلَمَّا أُخْبِرَ الْمَكَّابِيُّ بِمَا وَقَعَ، جَمَعَ رُؤَسَاءَ الشَّعْبِ وَشَكَا مَا فَعَلُوا مِنْ بَيْعِ إِخْوَتِهِمْ بِالْمَالِ، إِذْ أَطْلَقُوا أَعْدَاءَهُمْ عَلَيْهِمْ،
22
ثُمَّ قَتَلَ أُولئِكَ الْخَوَنَةَ وَمِنْ فَوْرِهِ اسْتَوْلَى عَلَى الْبُرْجَيْنِ،
23
وَقُرِنَتْ أَسْلِحَتُهُ بِكُلِّ فَوْزٍ عَلَى يَدِهِ؛ فَأَهْلَكَ فِي الْبُرْجَيْنِ مَا يَزِيدُ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفاً.
24
ثُمَّ إِنَّ تِيمُوتَاوُسَ الَّذِي كَانَ الْيَهُودُ قَدْ قَهَرُوهُ مِنْ قَبْلُ، حَشَدَ جَيْشاً عَظِيماً مِنَ الْغُرَبَاءِ، وَجَمَعَ مِنْ فُرْسَانِ أَسِيَّا عَدَداً غَيْرَ قَلِيلٍ، وَنَزَلَ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ نُزُولَ مُسْتَفْتِحٍ قَهْراً.
25
فَعِنْدَمَا اقْتَرَبَ، تَوَجَّهَ أَصْحَابُ الْمَكَّابِيِّ إِلَى الاِبْتِهَالِ إِلَى اللهِ، وَقَدْ حَثَوُا التُّرَابَ عَلَى رُؤُوسِهِمْ، وَحَزَّمُوا أَحْقَاءَهُمْ بِالْمُسُوحِ،
26
وَخَرُّوا عِنْدَ رِجْلِ الْمَذْبَحِ، وَابْتَهَلُوا إِلَيْهِ أَنْ يَكُونَ رَاحِماً لَهُمْ وَمُعَادِياً لأَعْدَائِهِمْ وَمُضَايِقاً لِمُضَايِقِيهِمْ، كَمَا وَرَدَ فِي الشَّرِيعَةِ.
27
وَلَمَّا فَرَغُوا مِنَ الدُّعَاءِ، أَخَذُوا السِّلاَحَ وَتَقَدَّمُوا حَتَّى صَارُوا عَنِ الْمَدِينَةِ بِمَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ، وَلَمَّا قَارَبُوا الْعَدُوَ وَقَفُوا.
28
وَعِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ تَلاَحَمَ الْفَرِيقَانِ، وَهؤُلاَءِ مُتَوَكِّلُونَ عَلَى الرَّبِّ كَفِيلاً بِالْفَوْزِ وَالنَّصْرِ مَعَ بَسَالَتِهِمْ، وَأُولئِكَ مُتَّخِذُونَ الْبَأْسَ قَائِدَهُمْ فِي الْحُرُوبِ.
29
فَلَمَّا اشْتَدَّ الْقِتَالُ، تَرَاءَى لِلأَعْدَاءِ مِنَ السَّمَاءِ خَمْسَةُ رِجَالٍ رَائِعِي الْمَنْظَرِ عَلَى خَيْلٍ لَهَا لُجُمٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ اثْنَانِ مِنْهُمْ يَقْدُمَانِ الْيَهُودَ،
30
وَهُمَا قَدِ اكْتَنَفَا الْمَكَّابِيَّ يُحَفِّزَانِهِ بِأَسْلِحَتِهِمَا وَيَقِيَانِهِ الْجِرَاحَ، وَهُمْ يَرْمُونَ بِالسِّهَامِ وَالصَّوَاعِقِ حَتَّى عَمِيَتْ أَبْصَارُهُمْ وَجَعَلُوا يَخْبِطُونَ وَيَتَصَرَّعُونَ.
31
فَقُتِلَ عِشْرُونَ أَلْفاً وَخَمْسُ مِئَةٍ وَمِنَ الْفُرْسَانِ سِتُّ مِئَةٍ،
32
وَانْهَزَمَ تِيمُوتَاوُسُ إِلَى الْحِصْنِ الْمُسَمَّى بِجَازَرَ، وَهُوَ حِصْنٌ مَنِيعٌ وَكَانَ تَحْتَ إِمْرَةِ كِيرَاوُسَ.
33
فَاسْتَبْشَرَ أَصْحَابُ الْمَكَّابِيِّ، وَحَاصَرُوا الْمَعْقِلَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ.
34
وَإِنَّ الَّذِينَ فِي دَاخِلِهِ لِثِقَتِهِمْ بِمَنَاعَةِ الْمَكَانِ، تَمَادَوْا فِي التَّجْدِيفِ وَأَفْحَشُوا فِي الْكَلاَمِ،
35
فَلَمَّا كَانَ صَبَاحُ الْيَوْمِ الْخَامِسِ هَجَمَ عِشْرُونَ فَتًى مِنْ أَصْحَابِ الْمَكَّابِيِّ عَلَى السُّورِ، وَهُمْ مُتَّقِدُونَ غَيْظاً مِنَ التَّجَادِيفِ، وَطَفَقُوا يَذْبَحُونَ بِبَسَالَةٍ وَتَنَمُّرٍ كُلَّ مَنْ عَرَضَ أَمَامَهُمْ.
36
وَعَطَفَ آخَرُونَ فَتَسَلَّقُوا إِلَى الَّذِينَ فِي الدَّاخِلِ، وَأَضْرَمُوا الْبُرْجَيْنِ، وَأَحْرَقُوا أُولئِكَ الْمُجَدِّفِينَ أَحْيَاءً فِي النِّيرَانِ الْمُتَّقِدَةِ.
37
وَكَسَّرَ آخَرُونَ الأَبْوَابَ، وَأَدْخَلُوا بَقِيَّةَ الْجَيْشِ؛ فَاسْتَحْوَذُوا عَلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ تِيمُوتَاوُسُ مُسْتَخْفِياً فِي جُبٍّ؛ فَذَبَحُوهُ هُوَ وَكِيرَاوُسَ أَخَاهُ وَأَبُلُّوفَانِيسَ.
38
وَبَعْدَ ذلِكَ بَارَكُوا الرَّبَّ بِالنَّشِيدِ وَالاِعْتِرَافِ عَلَى إِحْسَانِهِ الْعَظِيمِ إِلَى إِسْرَائِيلَ، وَتَأْيِيدِهِ لَهُمْ بِالنَّصْرِ.
الاصحاح الحادي عشر
1
وَبَعْدَ ذلِكَ بِزَمَانٍ يَسِيرٍ، إِذْ كَانَتْ هذِهِ الْحَوَادِثُ قَدْ شَقَّتْ جِدًّا عَلَى لِيسِيَّاسَ وَكِيلِ الْمَلِكِ وَذِي قَرَابَتِهِ وَالْمُقَلَّدِ تَدْبِيرَ
2
جَمَعَ نَحْوَ ثَمَانِينَ أَلْفاً وَالْفُرْسَانَ كُلَّهُمْ، وَزَحَفَ عَلَى الْيَهُودِ زَاعِماً أَنَّهُ يَجْعَلُ الْمَدِينَةَ مَسْكَناً لِلْيُونَانِيِّينَ،
3
وَيَجْعَلُ الْهَيْكَلَ مَوْضِعاً لِلْكَسْبِ كَسَائِرِ مَعَابِدِ الأُمَمِ، وَيُعَرِّضُ الْكَهَنُوتَ الأَعْظَمَ لِلْبَيْعِ سَنَةً فَسَنَةً،
4
غَيْرَ مُتَفَكِّرٍ فِي قُدْرَةِ اللهِ، لكِنْ مُتَوَكِّلاً بِرُعُونَةِ قَلْبِهِ عَلَى رِبْوَاتِ الرَّجَّالَةِ وَأُلُوفِ الْفُرْسَانِ وَفِيَلَتِهِ الثَّمَانِينَ.
5
فَدَخَلَ الْيَهُودِيَّةَ وَبَلَغَ إِلَى بَيْتَ صُورَ، وَهِيَ مَوْضِعٌ مَنِيعٌ عَلَى نَحْوِ خَمْسِ غَلَوَاتٍ مِنْ أُورُشَلِيمَ وَضَايَقَهَا.
6
فَلَمَّا عَلِمَ أَصْحَابُ الْمَكَّابِيِّ أَنَّهُ يُحَاصِرُ الْحُصُونَ، ابْتَهَلُوا إِلَى الرَّبِّ مَعَ الْجُمُوعِ بِالنَّحِيبِ وَالدُّمُوعِ، أَنْ يُرْسِلَ مَلاَكَهُ الصَّالِحَ لِخَلاَصِ إِسْرَائِيلَ.
7
ثُمَّ أَخَذَ الْمَكَّابِيُّ سِلاَحَهُ أَوَّلاً، وَحَرَّضَ الآخَرِينَ عَلَى الاِقْتِحَامِ مَعَهُ لِنَجْدَةِ إِخْوَتِهِمْ،
8
فَانْدَفَعُوا مُتَحَمِّسِينَ بِقَلْبٍ وَاحِدٍ، وَفِيمَا هُمْ بَعْدُ عِنْدَ أُورُشَلِيمَ تَرَاءَى فَارِسٌ عَلَيْهِ لِبَاسٌ أَبْيَضُ يَتَقَدَّمُهُمْ، وَهُوَ يَخْطِرُ بِسِلاَحٍ مِنْ ذَهَبٍ،
9
فَطَفِقُوا بِأَجْمَعِهِم يُبَارِكُونَ اللهَ الرَّحِيمَ، وَتَشَجَّعُوا فِي قُلُوبِهِمْ، حَتَّى كَانُوا مُسْتَعِدِّينَ أَنْ يَبْطُشُوا بِأَضْرَى الْوُحُوشِ فَضْلاً عَنِ النَّاسِ، وَيَخْتَرِقُوا الأَسْوَارَ الْحَدِيدِيَّةَ.
10
وَأَخَذُوا يَتَقَدَّمُونَ بِانْتِظَامٍ، وَقَدْ أَتَتْهُمُ السَّمَاءُ نُصْرَةً وَالرَّبُّ رَحْمَةً،
11
وَحَمَلُوا عَلَى الأَعْدَاءِ حَمْلَةَ الأُسُودِ، وَصَرَعُوا مِنْهُمْ أَحَدَ عَشَرَ أَلْفاً وَمِنَ الْفُرْسَانِ أَلْفاً وَسِتَّ مِئَةٍ،
12
وَأَلْجَأُوا سَائِرَهُمْ إِلَى الْفِرَارِ، وَكَانَ أَكْثَرُ الَّذِينَ نَجَوْا بِأَنْفُسِهِمْ جَرْحَى عُرَاةً، وَانْهَزَمَ لِيسِيَّاسُ أَقْبَحَ هَزِيمَةٍ.
13
وَإِذْ كَانَ الرَّجُلُ صَاحِبَ دَهَاءٍ؛ أَخَذَ يُفَكِّرُ فِيمَا أَصَابَهُ مِنَ الْخُسْرَانِ، وَفَطِنَ أَنَّ الْعِبْرَانِيِّينَ قَوْمٌ لاَ يُقْهَرُونَ، لأَنَّ اللهَ الْقَدِيرَ مُنَاصِرٌ لَهُمْ فَرَاسَلَهُمْ،
14
وَوَعَدَ بِأَنَّهُ يُسَلِّمُ بِكُلِّ مَا هُوَ حَقٌّ، وَيَسْتَمِيلُ الْمَلِكَ إِلَى مُوَالاَتِهِمْ.
15
فَرَضِيَ الْمَكَّابِيُّ بِكُلِّ مَا سَأَلَ لِيسِيَّاسُ ابْتِغَاءً لِمَا هُوَ أَنْفَعُ، وَكُلُّ مَا طَلَبَ الْمَكَّابِيُّ مِنْ لِيسِيَّاسَ بِالْكِتَابَةِ أَنْ يُقْضَى لِلْيَهُودِ قَضَاهُ الْمَلِكُ.
16
وَهذَا نَصُّ الرَّسَائِلِ الَّتِي كَتَبَ بِهَا لِيسِيَّاسُ إِلَى الْيَهُودِ: «مِنْ لِيسِيَّاسَ إِلَى شَعْبِ الْيَهُودِ، سَلاَمٌ.
17
قَدْ سَلَّمَ إِلَيْنَا يُوحَنَّا وَأَبْشَالُومُ الْمُوَجَّهَانِ مِنْ قِبَلِكُمْ كِتَابَ جَوَابِكُمْ، وَسَأَلاَ قَضَاءَ فَحْوَاهُ.
18
فَشَرَحْتُ لِلْمَلِكِ مَا يَنْبَغِي إِنْهَاؤُهُ إِلَيْهِ؛ فَأَمْضَى مِنْهُ مَا تَحْتَمِلُهُ الْحَالُ،
19
وَإِنْ بَقِيتُمْ عَلَى الإِخْلاَصِ فِيمَا بَيْنَنَا مِنَ الأُمُورِ؛ فَإِنِّي أَتَوَخَّى أَنْ أَكُونَ لَكُمْ فِيمَا يَأْتِي سَبَباً لِلْخَيْرِ.
20
وَأَمَّا تَفْصِيلُ الأُمُورِ؛ فَقَدْ أَوْصَيْنَاهُمَا مَعَ مَنْ نَحْنُ مُرْسِلُونَ مِنْ قِبَلِنَا أَنْ يُفَاوِضُوكُمْ فِيهِ،
21
وَالسَّلاَمُ. فِي السَّنَةِ الْمِئَةِ وَالثَّامِنَةِ وَالأَرْبَعِينَ فِي الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ دِيُوسَ كُورِنْثِيَ»
22
وَهذِهِ صُورَةُ رِسَالَةِ الْمَلِكِ: «مِنَ الْمَلِكِ أَنْطِيُوخُسَ إِلَى أَخِينَا لِيسِيَّاسَ، سَلاَمٌ.
23
إِنَّا مُنْذُ انْتَقَلَ وَالِدُنَا إِلَى الآلِهَةِ، لَمْ يَزَلْ هَمُّنَا أَنْ يَكُونَ أَهْلُ مَمْلَكَتِنَا بِغَيْرِ بَلْبَالٍ، مُنْقَطِعِينَ إِلَى شُؤُونِهِمْ.
24
وَإِذْ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّ الْيَهُودَ غَيْرُ رَاضِينَ بِمَا أَمَرَهُمْ وَالِدُنَا مِنَ التَّحَوُّلِ إِلَى سُنَنِ الْيُونَانِ، لكِنَّهُمْ مُتَمَسِّكُونَ بِمَذْهَبِهِمْ وَلِذلِكَ يَسْأَلُونَ أَنْ تُبَاحَ لَهُمْ
25
وَنَحْنُ نُرِيدُ لِهذَا الشَّعْبِ أَنْ يَكُونَ كَغَيْرِهِ خَالِياً عَنِ الْبَلْبَالِ، فَإِنَّا نَحْكُمُ بِأَنْ يُرَدَّ لَهُمُ الْهَيْكَلُ وَأَنْ يُسَاسُوا بِمُقْتَضَى عَادَاتِ آبَائِهِمْ.
26
فَإِذَا أَرْسَلْتَ إِلَيْهِمْ وَعَاقَدْتَهُمْ لِيَطْمَئِنُّوا، إِذَا عَلِمُوا رَأَيْنَا فِيهِمْ، وَيُقْبِلُوا عَلَى مَصَالِحِهِمْ بِارْتِيَاحٍ، فَنِعِمًّا تَفْعَلُ».
27
وَهذِهِ رِسَالَةُ الْمَلِكِ إِلَى الأُمَّةِ: «مِنَ الْمَلِكِ أَنْطِيُوخُسَ إِلَى مَشْيَخَةِ الْيَهُودِ وَسَائِرِ الْيَهُودِ، سَلاَمٌ.
28
إِنْ كُنْتُمْ فِي خَيْرٍ؛ فَهذَا مَا نُحِبُّ، وَنَحْنُ أَيْضاً فِي عَافِيَةٍ.
29
قَدْ أَطْلَعَنَا مَنَلاَوُسُ أَنَّكُمْ تَوَدُّونَ أَنْ تَنْزِلُوا فَتُقِيمُوا مَعَ قَوْمِكُمْ.
30
فَالَّذِينَ يَرْتَحِلُونَ إِلَى الْيَوْمِ الثَّلاَثِينَ مِنْ شَهْرِ كَسَنْتِكُسَ يَكُونُونَ فِي أَمَانٍ.
31
وَقَدْ أَبَحْنَا لِلْيَهُودِ أَطْعِمَتَهُمْ وَشَرَائِعَهُمْ كَمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ، وَكُلُّ مَنْ هَفَا مِنْهُمْ فِيمَا سَلَفَ فَلاَ إِعْنَاتَ عَلَيْهِ.
32
وَأَنَا مُرْسِلٌ إِلَيْكُمْ مَنَلاَوُسَ لِيُشَافِهَكُمْ،
33
وَالسَّلاَمُ. فِي السَّنَةِ الْمِئَةِ وَالثَّامِنَةِ وَالأَرْبَعِينَ فِي الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ كَسَنْتِكُسَ».
34
وَأَرْسَلَ الرُّومَانِيُّونَ إِلَيْهِمْ رِسَالَةً هذِهِ صُورَتُهَا: «مِنْ كُوِنْتُسَ مَمِّيُوسَ وَتِيطُسَ مَنْلِيُوسَ رَسُولَيِ الرُّومَانِيِّينَ إِلَى شَعْبِ الْيَهُودِ، سَلاَمٌ.
35
مَا رَخَّصَ لَكُمْ فِيهِ لِيسِيَّاسُ نَسِيبُ الْمَلِكِ، نَحْنُ مُوَافِقَانِ عَلَيْهِ،
36
وَمَا اسْتَحْسَنَ أَنْ يُرْفَعَ إِلَى الْمَلِكِ، تَشَاوَرُوا فِيهِ، وَبَادِرُوا بِإِرْسَالِ وَاحِدٍ لِنَقْضِيَ مَا يُوَافِقُكُمْ؛ فَإِنَّا مُتَوَجِّهَانِ إِلَى إِنْطَاكِيَةَ،
37
فَعَجِّلُوا فِي إِرْسَالِ مَنْ تُرْسِلُونَ، لِنَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِمَّا تَبْتَغُونَ،
38
وَالسَّلاَمُ. فِي السَّنَةِ الْمِئَةِ وَالثَّامِنَةِ وَالأَرْبَعِينَ فِي الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ كَسَنْتِكُسَ».
الاصحاح الثاني عشر
1
وَبَعْدَ إِبْرَامِ هذِهِ الْمَوَاثِيقِ، انْصَرَفَ لِيسِيَّاسُ إِلَى الْمَلِكِ، وَأَقْبَلَ الْيَهُودُ عَلَى حَرْثِ أَرَاضِيهِمْ.
2
إِلاَّ أَنَّ الْقُوَّادَ الَّذِينَ فِي الْبِلاَدِ، وَهُمْ تِيمُوتَاوُسُ وَأَبُلُّونِيُوسُ بْنُ جِنَّايُوسَ وَإِيرُونِيمُسُ وَدِيمُفُونُ وَكَذلِكَ نِكَانُورُ حَاكِمُ قُبْرُسَ لَمْ يَدَعُوا لَهُمْ رَاحَةً وَلاَ سَكِينَةً.
3
وَأَتَى أَهْلُ يَافَا اغْتِيَالاً فَظِيعاً، وَذلِكَ أَنَّهُمْ دَعَوُا الْيَهُودَ الْمُسَاكِنِينَ لَهُمْ أَن يَرْكَبُوا هُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ قَوَارِبَ كَانُوا أَعَدُّوهَا لَهُمْ، كَأَنْ لاَ عَدَاوَةَ بَيْنَهُمْ.
4
وَإِذْ كَانَ ذلِكَ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كُلِّهِمْ، رَضِيَ بِهِ الْيَهُودُ وَهُمْ وَاثِقُونَ مِنْهُمْ بِالإِخْلاَصِ، وَغَيْرُ مُتَّهِمِينَ لَهُمْ بِسُوءٍ؛ فَلَمَّا أَمْعَنُوا فِي الْبَحْرِ أَغْرَقُوهُمْ، وَكَانَ عَدَدُهُمْ يَبْلُغُ الْمِئَتَيْنِ.
5
فَلَمَّا بَلَغَ يَهُوذَا مَا وَقَعَ عَلَى بَنِي أُمَّتِهِ مِنَ الْغَدْرِ الْوَحْشِيِّ، نَادَى فِيمَنْ مَعَهُ مِنَ الرِّجَالِ، وَدَعَا اللهَ الْدَّيَّانَ الْعَادِلَ،
6
وَسَارَ عَلَى الَّذِينَ أَهْلَكُوا إِخْوَتَهُ، وَأَضْرَمَ النَّارَ فِي الْمَرْفَإِ لَيْلاً، وَأَحْرَقَ الْقَوَارِبَ وَقَتَلَ الَّذِينَ فَرُّوا إِلَى هُنَاكَ.
7
وَلَمَّا كَانَتِ الْمَدِينَةُ مُغْلَقَةً، انْصَرَفَ فِي نِيَّةِ الرُّجُوعِ وَمَحْوِ دَوْلَةِ الْيَافِيِّينَ مِنْ أَصْلِهَا.
8
لكِنْ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ أَهْلَ يَمْنِيَّا نَاوُونَ أَنْ يَصْنَعُوا بِمُسَاكِنِيهِمْ مِنَ الْيَهُودِ مِثْلَ ذلِكَ؛
9
نَزَلَ عَلَى أَهْلِ يَمْنِيَّا لَيْلاً، وَأَحْرَقَ الْمَرْفَأَ مَعَ الأُسْطُولِ، حَتَّى رُؤِيَ ضَوْءُ النَّارِ مِنْ أُورُشَلِيمَ عَلَى بُعْدِ مِئَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ غَلْوَةً.
10
ثُمَّ سَارُوا مِنْ هُنَاكَ تِسْعَ غَلَوَاتٍ زَاحِفِينَ عَلَى تِيمُوتَاوُسَ، فَتَصَدَّى لَهُمْ قَوْمٌ مِنَ الْعَرَبِ يَبْلُغُونَ خَمْسَةَ آلاَفٍ وَمَعَهُمْ خَمْسُ مِئَةِ فَارِسٍ.
11
فَاقْتَتَلُوا قِتَالاً شَدِيداً، وَكَانَ الْفَوْزُ لأَصْحَابِ يَهُوذَا بِنُصْرَةِ اللهِ، فَانْكَسَرَ عَرَبُ البَادِيَةِ، وسَأَلُوا يَهُوذَا أَنْ يُعَاقِدَهُمْ عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا إِلَيْهِمْ مَوَاشِيَ وَيُمِدُّوهُمْ بِمَنَافِعَ أُخْرَى.
12
وَلَمْ يَشُكَّ يَهُوذَا أَنَّهُ يَحْصُلُ مِنْهُمْ عَلَى جَدْوَى طَائِلَةٍ؛ فَرَضِيَ بِمُصَالَحَتِهِمْ فَعَاقَدَهُمْ فَانْصَرَفُوا إِلَى أَخْبِيَتِهِمْ.
13
ثُمَّ أَغَارَ عَلَى مَدِينَةٍ حَصِينَةٍ مُمَنَّعَةٍ بِالْجُسُورِ وَالأَسْوَارِ، يَسْكُنُهَا لَفِيفٌ مِنَ الأُمَمِ اسْمُهَا كَسْفِيسُ.
14
وَإِذْ كَانَ الَّذِينَ فِيهَا وَاثِقِينَ بِمَنَاعَةِ الأَسْوَارِ وَوَفْرَةِ الْمِيرَةِ، أَخَذُوا الأَمْرَ بِالتَّهَاوُنِ، وَطَفِقُوا يَشْتِمُونَ أَصْحَابَ يَهُوذَا، وَيُجَدِّفُونَ وَيَنْطِقُونَ بِمَا لاَ يَحِلُّ.
15
فَدَعَا أَصْحَابُ يَهُوذَا رَبَّ الْعَالَمِينَ الْعَظِيمَ، الَّذِي أَسْقَطَ أَرِيحَا عَلَى عَهْدِ يَشُوعَ بِغَيْرِ كِبَاشٍ وَلاَ مَجَانِيقَ، ثُمَّ وَثَبُوا عَلَى السُّورِ كَالأُسُودِ،
16
وَفَتَحُوا الْمَدِينَةِ بِمَشِيئَةِ اللهِ، وَقَتَلُوا مِنَ الْخَلْقِ مَا لاَ يُحْصَى، حَتَّى إِنَّ الْبُحَيْرَةَ الَّتِي هُنَاكَ وَعَرْضُهَا غَلْوَتَانِ، امْتَلأَتْ وَطَفَحَتْ بِالدِّمَاءِ.
17
ثُمَّ سَارُوا مِنْ هُنَاكَ مَسِيرَةَ سَبْعِ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ غَلْوَةً، حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الْكَرَكِ، إِلَى الْيَهُودِ الَّذِينَ يُعْرَفُونَ بِالطُّوبِيِّينَ،
18
فَلَمْ يَظْفَرُوا بِتِيمُوتَاوُسَ فِي تِلْكَ الْمَوَاضِعِ، لأَنَّهُ كَانَ قَدِ انْصَرَفَ عَنْهَا دُونَ أَنْ يَصْنَعَ شَيْئاً، لكِنَّهُ تَرَكَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مَحْرَساً مَنِيعاً.
19
فَخَرَجَ دُوسِيتَاوُسُ وَسُوسِيبَاتِيرُ مِنْ قُوَّادِ الْمَكَّابِيِّ، وَأَهْلَكَا مِنَ الْجُنْدِ الَّذِي تَرَكَهُ تِيمُوتَاوُسُ فِي الْحِصْنِ مَا يُنِيفُ عَلَى عَشَرَةِ آلاَفٍ.
20
وَقَسَمَ الْمَكَّابِيُّ جَيْشَهُ فِرَقاً، وَأَقَامَهُمَا عَلَى الْفِرَقِ، وَحَمَلَ عَلَى تِيمُوتَاوُسَ، وَكَانَ مَعَهُ مِئَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ رَاجِلٍ وَأَلْفَانِ وَخَمْسُ مِئَةِ فَارِسٍ.
21
فَلَمَّا بَلَغَ تِيمُوتَاوُسَ مَقْدَمُ يَهُوذَا، وَجَّهَ النِّسَاءَ وَالأَوْلاَدَ وَسَائِرَ الثَّقَلِ إِلَى مَكَانٍ يُسَمَّى قَرْنَيْمَ، وَكَانَ مَوْضِعاً مَنِيعاً يَصْعُبُ فَتْحُهُ وَالإِقْدَامُ عَلَيْهِ، لأَنَّهُ مُحَاطٌ بِالْمَضَايِقِ.
22
وَلَمَّا بَدَتْ أَوَّلُ فِرْقَةٍ مِنْ جَيْشِ يَهُوذَا، دَاخَلَ الأَعْدَاءَ الرُّعْبُ وَالرِّعْدَةُ، إِذْ تَرَاءَى لَهُمْ مَنْ يَرَى كُلَّ شَيْءٍ؛ فَبَادَرُوا الْمَفَرَّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ يُؤْذِي بَعْضاً، وَأَصَابَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً بِحَدِّ السُّيُوفِ.
23
وَشَدَّ يَهُوذَا فِي آثَارِهِمْ، يُثْخِنُ فِي أُولئِكَ الْكَفَرَةِ، حَتَّى أَهْلَكَ مِنْهُمْ ثَلاَثِينَ أَلْفَ رَجُلٍ.
24
وَوَقَعَ تِيمُوتَاوُسُ فِي أَيْدِي أَصْحَابِ دُوسِيتَاوُسَ وَسُوسِيبَاتِيرُ؛ فَطَفِقَ يَتَضَرَّعُ إِلَيْهِمْ بِكُلِّ وَسِيلَةٍ أَنْ يُطْلِقُوهُ حَيًّا، بِحُجَّةِ أَنَّ عِنْدَهُ كَثِيرِينَ مِنْ آبَائِهِمْ وَإِخْوَتِهِمْ إِذَا هَلَكَ يُخْذَلُونَ،
25
وَأَكَّدَ لَهُمُ الْعَهْدَ بِضَمَانَاتٍ كَثِيرَةٍ أَنَّهُ يُطْلِقُهُمْ سَالِمِينَ؛ فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ لأَجْلِ خَلاَصِ إِخْوَتِهِمْ
26
ثُمَّ أَغَارَ يَهُوذَا عَلَى قَرْنَيْمَ وَهَيْكَلِ أَتَرْجَتِيسَ، وَقَتَلَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ نَفْسٍ.
27
وَبَعْدَ انْكِسَارِ أُولئِكَ وَهَلَكَتِهِمْ، زَحَفَ يَهُوذَا عَلَى عَفْرُونَ إِحْدَى الْمُدُنِ الْحَصِينَةِ، وَكَانَ يَسْكُنُهَا لِيسِيَّاسُ وَأُمَمٌ شَتَّى، وَكَانَ عَلَى أَسْوَارِهَا شُبَّانٌ مِنْ ذَوِي الْبَأْسِ يُقَاتِلُونَ بِشِدَّةٍ وَمَعَهُمْ كَثِيرٌ مِنَ الْمَجَانِيقِ وَالسِّهَامِ.
28
فَدَعَا أَصْحَابُ يَهُوذَا الْقَدِيرَ، الَّذِي يَحْطِمُ بَأْسَ الْعَدُوِّ بِشِدَّةٍ، فَأَخَذُوا الْمَدِينَةَ وَصَرَعُوا مِنَ الَّذِينَ فِي دَاخِلِهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَلْفاً.
29
ثُمَّ ارْتَحَلُوا مِنْ هُنَاكَ، وَهَجَمُوا عَلَى مَدِينَةِ بَيْتَ شَانَ، وَهِيَ عَلَى سِتِّ مِئَةِ غَلْوَةٍ مِنْ أُورُشَلِيمَ.
30
إِلاَّ أَنَّ الْيَهُودَ الْمُقِيمِينَ هُنَاكَ شَهِدُوا بِأَنَّ أَهْلَ بَيْتَ شَانَ مُصَافُونَ لَهُمْ، وَأَنَّهُمْ عَامَلُوهُمْ بِالإِحْسَانِ فِي أَزْمِنَةِ الضِّيقِ،
31
فَشَكَرُوهُمْ عَلَى صَنِيعِهِمْ، وَأَوْصَوْهُمْ أَنْ لاَ يَزَالُوا مَعَهُمْ عَلَى الْمُصَافَاةِ، ثُمَّ جَاءُوا أُورُشَلِيمَ لِقُرْبِ عِيدِ الأَسَابِيعِ.
32
وَبَعْدَ الْعِيدِ الْمَعْرُوفِ بَعِيد الْخَمْسِينَ، أَغَارُوا عَلَى جُرْجِيَّاسَ قَائِدِ أَرْضِ أَدُومَ،
33
فَبَرَزَ إِلَيْهِمْ فِي ثَلاَثَةِ آلاَفِ رَاجِلٍ وَأَرْبَعِ مِئَةِ فَارِسٍ.
34
وَاقْتَتَلَ الْفَرِيقَانِ؛ فَسَقَطَ مِنَ الْيَهُودِ نَفَرٌ قَلِيلٌ.
35
وَكَانَ فِيهِمْ فَارِسٌ ذُو بَأْسٍ يُقَالُ لَهُ دُوسِيتَاوُسُ مِنْ رِجَالِ بَكِينُورَ؛ فَأَدْرَكَ جُرْجِيَّاسَ وَقَبَضَ عَلَى ثَوْبِهِ وَاجْتَذَبَهُ بِقُوَّةٍ، يُرِيدُ أَنْ يَأْسِرَ ذلِكَ الْمُنَافِقَ حَيًّا. فَعَدَا عَلَيْهِ فَارِسٌ مِنَ التَّرَاكِيِّينَ وَقَطَعَ كَتِفَهُ، وَفَرَّ جُرْجِيَّاسُ إِلَى مَرِيشَةَ.
36
وَتَمَادَى الْقِتَالُ عَلَى أَصْحَابِ أَسْدَرِينَ حَتَّى كَلُّوا، فَدَعَا يَهُوذَا الرَّبَّ لِيَأْخُذَ بِنُصْرَتِهِمْ وَيُقَاتِلَ فِي مُقَدِّمَتِهِمْ،
37
وَجَعَلَ يَهْتِفُ بِالأَنَاشِيدِ بِلِسَانِ آبَائِهِ، ثُمَّ صَرَخَ وَحَمَلَ عَلَى أَصْحَابِ جُرْجِيَّاسَ بَغْتَةً وَكَسَرَهُمْ.
38
ثُمَّ جَمَعَ يَهُوذَا جَيْشَهُ وَسَارَ بِهِ إِلَى مَدِينَةِ عَدُلاَّمَ. وَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ السَّابِعُ تَطَهَّرُوا بِحَسَبِ الْعَادَةِ وَقَضَوُا السَّبْتَ هُنَاكَ.
39
وَفِي الْغَدِ جَاءَ يَهُوذَا وَمَنْ مَعَهُ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ السُّنَةُ؛ لِيَحْمِلُوا جُثَثَ الْقَتْلَى وَيَدْفِنُوهُمْ مَعَ ذَوِي قَرَابَتِهِمْ فِي مَقَابِرِ آبَائِهِمْ.
40
فَوَجَدُوا تَحْتَ ثِيَابِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَتْلَى أَنْوَاطاً مِنْ أَصْنَامِ يَمْنِيَّا مِمَّا تُحَرِّمُهُ الشَّرِيعَةُ عَلَى الْيَهُودِ، فَتَبَيَّنَ لِلْجَمِيعِ أَنَّ ذلِكَ كَانَ سَبَبَ قَتْلِهِمْ.
41
فَسَبَّحُوا كُلُّهُمُ الرَّبَّ الْدَّيَّانَ الْعَادِلَ الَّذِي يَكْشِفُ الْخَفَايَا،
42
ثُمَّ انْثَنَوْا يُصَلُّونَ وَيَبْتَهِلُونَ أَنْ تُمْحَى تِلْكَ الْخَطِيئَةُ الْمُجْتَرَمَةُ كُلَّ الْمَحْوِ. وَكَانَ يَهُوذَا النَّبِيلُ يَعِظُ الْقَوْمَ أَنْ يُنَزِّهُوا أَنْفُسَهُمْ عَنِ الْخَطِيئَةِ، إِذْ رَأَوْا بِعُيُونِهِمْ مَا أَصَابَ الَّذِينَ سَقَطُوا لأَجْلِ الْخَطِيئَةِ.
43
ثُمَّ جَمَعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ تَقْدِمَةً، فَبَلَغَ الْمَجْمُوعُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ مِنَ الْفِضَّةِ، فَأَرْسَلَهَا إِلَى أُورُشَلِيمَ لِيُقَدَّمَ بِهَا ذَبِيحَةٌ عَنِ الْخَطِيئَةِ. وَكَانَ ذلِكَ مِنْ أَحْسَنِ الصَّنِيعِ وَأَتْقَاهُ لاِعْتِقَادِهِ قِيَامَةَ الْمَوْتَى،
44
لأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَرَجِّياً قِيَامَةَ الَّذِينَ سَقَطُوا؛ لَكَانَتْ صَلاَتُهُ مِنْ أَجْلِ الْمَوْتَى بَاطِلاً وَعَبَثاً.
45
وَلاِعْتِبَارِهِ أَنَّ الَّذِينَ رَقَدُوا بِالتَّقْوَى قَدِ ادُّخِرَ لَهُمْ ثَوَابٌ جَمِيلٌ،
46
وَهُوَ رَأْيٌ مُقَدَّسٌ تُقَوِيٌّ. وَلِهذَا قَدَّمَ الْكَفَّارَةَ عَنِ الْمَوْتَى لِيُحَلُّوا مِنَ الْخَطِيئَةِ.
الاصحاح الثالث عشر
1
فِي السَّنَةِ الْمِئَةِ وَالتَّاسِعَةِ وَالأَرْبَعِينَ، بَلَغَ أَصْحَابَ يَهُوذَا أَنَّ أَنْطِيُوخُسَ أَوْبَاطُورَ قَادِمٌ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ بِجَيْشٍ كَثِيفٍ،
2
وَمَعَهُ لِيسِيَّاسُ الْوَكِيلُ وَقَيِّمُ الْمَصَالِحِ، وَمَعَهُمَا جَيْشٌ مِنَ الْيُونَانِ مُؤَلَّفٌ مِنْ مِئَةٍ وَعَشَرَةِ آلاَفٍ رَاجِلٍ وَخَمْسَةِ آلاَفٍ وَثَلاَثِ مِئَةِ فَارِسٍ وَاثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ فِيلاً وَثَلاَثِ مِئَةِ عَجَلَةٍ ذَاتَ مَنَاجِلَ.
3
فَانْضَمَّ إِلَيْهِمْ مَنَلاَوُسُ، وَجَعَلَ يُحَرِّضُ أَنْطِيُوخُسَ بِكُلِّ نَوْعٍ مِنَ الْمُؤَالَسَةِ، غَيْرَ مُبَالٍ بِخَلاَصِ الْوَطَنِ، بَلْ كَانَ هَمُّهُ أَنْ يُرَدَّ إِلَى الرِّئَاسَةِ.
4
وَلكِنَّ مَلِكَ الْمُلُوكِ هَيَّجَ سُخْطَ أَنْطِيُوخُسَ عَلَى ذلِكَ الْكَافِرِ؛ فَإِنَّ لِيسِيَّاسَ أَشْرَبَهُ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ هُوَ السَّبَبَ فِي تِلْكَ النَّوَازِلِ بِأَسْرِهَا؛ فَأَمَرَ بِأَنْ يُذْهَبَ بِهِ إِلَى بِيرِيَةَ لِيُقْتَلَ عَلَى عَادَةِ الْبِلاَدِ.
5
وَهُنَاكَ بُرْجٌ عُلُوُّهُ خَمْسُونَ ذِرَاعاً مَمْلُوءٌ رَمَاداً، وَفِيهِ آلَةٌ مُسْتَدِيرَةٌ تَهْوِي بِرَاكِبِهَا مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهَا إِلَى الرَّمَادِ.
6
فَفِي ذلِكَ الْمَوْضِعِ أُهْلِكَ ذلِكَ الْمُخْتَلِسُ لِلْهَيْكَلِ، الَّذِي كَانَ سَبَباً لِشُرُورٍ شَتَّى مَدْفُوعاً إِلَيْهِ بِأَيْدِي الْجَمِيعِ.
7
وَبِهذِهِ الْمَنِيَّةِ هَلَكَ مَنَلاَوُسُ الْمُنَافِقُ، وَلَمْ يَحْصُلْ عَلَى تُرْبَةٍ يُوَارَى فِيهَا.
8
وَكَانَ ذلِكَ بِكُلِّ عَدْلٍ؛ فَإِنَّهُ إِذْ كَانَ قَدِ اجْتَرَمَ جَرَائِمَ كَثِيرَةً عَلَى الْمَذْبَحِ الَّذِي نَارُهُ وَرَمَادُهُ مُطَهَّرَانِ، ذَاقَ مَنِيَّتَهُ فِي الرَّمَادِ.
9
وَأَمَّا الْمَلِكُ فَمَا زَالَ مُتَقَدِّماً بِعُتُوِّهِ وَقَسَاوَتِهِ، مُتَوَعِّداً الْيَهُودَ بِأَمَرَّ مِنَ الْبَلاَيَا الَّتِي أَنْزَلَهَا بِهِمْ أَبُوهُ.
10
فَلَمَّا عَلِمَ يَهُوذَا بِذلِكَ أَمَرَ الشَّعْبَ بِالاِبْتِهَالِ إِلَى الرَّبِّ نَهَاراً وَلَيْلاً، أَنْ يَنْصُرَهُمْ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ مِنْ قَبْلُ،
11
إِذْ قَدْ أَشْرَفُوا عَلَى اضْمِحْلاَلِ الشَّرِيعَةِ وَالْوَطَنِ وَالْهَيْكَلِ الْمُقَدَّسِ، وَأَنْ لاَ يَدَعَ الأُمَمَ الْمُجَدِّفَةَ تُذِلُّ شَعْبَهُ الَّذِي لَمْ يُفَرَّجْ عَنْهُ إِلاَّ مِنْ أَمَدٍ
12
فَفَعَلُوا كُلُّهُمْ وَتَضَرَّعُوا إِلَى الرَّبِّ الرَّحِيمِ بِالْبُكَاءِ وَالصَّوْمِ وَالسُّجُودِ مُدَّةَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ بِلاَ انْقِطَاعٍ. ثُمَّ حَرَّضَهُمْ يَهُوذَا وَأَمَرَهُمْ بِالاِجْتِمَاعِ،
13
وَخَلاَ بِالشُّيُوخِ وَأَبْرَمَ مَعَهُمْ مَشُورَةً، أَنْ يَخْرُجُوا وَيَقْضُوا الأَمْرَ بِتَأْيِيدِ الرَّبِّ، قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ جَيْشُ الْمَلِكِ الْيَهُودِيَّةَ وَيَسْتَحْوِذَ عَلَى الْمَدِينَةِ.
14
فَفَوَّضَ الأَمْرَ إِلَى خَالِقِ الْكَائِنَاتِ، وَحَضَّ أَصْحَابَهُ أَنْ يُقَاتِلُوا بِبَسَالَةٍ، وَيَبْذُلُوا أَنْفُسَهُمْ دُونَ الشَّرِيعَةِ وَالْهَيْكَلِ وَالْمَدِينَةِ وَالْوَطَنِ وَالدَّوْلَةِ وَنَصَبَ مَحَلَّتَهُ عِنْدَ مُودَيْنَ،
15
وَجَعَلَ لَهُمْ كَلِمَةَ السِّرِّ النَّصْرُ بِاللهِ ثُمَّ اخْتَارَ قَوْماً مِنْ نُخَبِ الشُّبَّانِ، وَهَجَمَ بِهِمْ لَيْلاً عَلَى مُخَيَّمِ الْمَلِكِ فِي الْمَحَلَّةِ، وَقَتَلَ أَرْبَعَةَ آلاَفِ رَجُلٍ، وَأَهْلَكَ أَوَّلَ الْفِيَلَةِ مَعَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَانُوا فِي
16
وَمَلأُوا الْمَحَلَّةَ رُعْباً وَاضْطِرَاباً، وَانْقَلَبُوا فَائِزِينَ بِوِقَايَةِ الرَّبِّ الَّتِي كَانَتْ تَكْتَنِفُهُ.
17
وَتَمَّتْ لَهُ هذِهِ النُّصْرَةُ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ.
18
فَلَمَّا ذَاقَ الْمَلِكُ مَا عِنْدَ الْيَهُودِ مِنَ الْبَطْشِ؛ عَمَدَ إِلَى أَخْذِ الْمَعَاقِلِ بِالْحِيلَةِ،
19
فَحَاصَرَ بَيْتَ صُورَ وَهِيَ مَحْرَسٌ مَنِيعٌ لِلْيَهُودِ، فَانْكَسَرَ وَارْتَدَّ مَنْكُوساً خَاسِراً.
20
وَكَانَ يَهُوذَا يُمِدُّ الَّذِينَ فِيهَا بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ.
21
وَإِنَّ رَجُلاً مِنْ جَيْشِ الْيَهُودِ اسْمُهُ رُودُكُسُ كَاشَفَ الْعَدُوَ بِأَسْرَارِهِمْ؛ فَطَلَبُوهُ وَقَبَضُوا عَلَيْهِ وَسَجَنُوهُ.
22
فَعَادَ الْمَلِكُ وَخَاطَبَ أَهْلَ بَيْتَ صُورَ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ الصُّلْحَ؛ فَعَاقَدُوهُ وَانْصَرَفَ.
23
وَبَعْدَ أَنْ قَاتَلَ يَهُوذَا وَانْكَسَرَ، بَلَغَهُ أَنَّ فِيلُبُّسَ الَّذِي كَانَ قَدْ تُرِكَ فِي إِنْطَاكِيَةَ لِتَدْبِيرِ الأُمُورِ قَدْ تَمَرَّدَ عَلَيْهِ؛ فَوَقَعَ فِي حَيْرَةٍ، وَتَوَسَّلَ إِلَى الْيَهُودِ وَدَانَ لَهُمْ، وَحَالَفَهُمْ عَلَى إِعْطَاءِ حُقُوقِهِمْ كُلِّهَا، وَسَالَمَهُمْ وَقَدَّمَ ذَبِيحَةً وَأَكْرَمَ الْهَيْكَلَ وَأَحْسَنَ إِلَى الْمَوْضِعِ،
24
وَصَافَى الْمَكَّابِيَّ وَنَصَبَهُ قَائِداً وَحَاكِماً عَلَى الْبِلاَدِ مِنْ بَطُلْمَايِسَ إِلَى حُدُودِ الْجَرَّانِيِّينَ.
25
ثُمَّ جَاءَ إِلَى بَطُلْمَايِسَ، وَكَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ ذلِكَ الْعَهْدُ، وَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ فَسْخَ عُهُودِهِمْ.
26
فَانْطَلَقَ لِيسِيَّاسَ إِلَى الدِّيوَانِ، وَأَوْرَدَ مَا اسْتَطَاعَ مِنَ الْحُجَجِ؛ فَأَقْنَعَهُمْ وَسَكَّنَهُمْ وَمَيَّلَهُمْ إِلَى الرِّفْقِ. ثُمَّ عَادَ إِلَى إِنْطَاكِيَةَ، وَهكَذَا انْقَضَى مَقْدَمُ الْمَلِكِ وَرُجُوعُهُ.
الاصحاح الرابع عشر
1
وَبَعْدَ مُدَّةِ ثَلاَثِ سِنِينَ بَلَغَ أَصْحَابَ يَهُوذَا أَنَّ دِيمِتْرِيُوسَ بْنَ سَلَوْقُسَ قَدْ رَكِبَ الْبَحْرَ مِنْ مِينَاءِ طَرَابُلُسَ بِجَيْشٍ كَثِيفٍ وَأُسْطُولٍ،
2
وَاسْتَوْلَى عَلَى الْبِلاَدِ بَعْدَ مَا قَتَلَ أَنْطِيُوخُسَ وَلِيسِيَّاسَ وَكِيلَهُ.
3
وَإِنَّ أَلْكِيمُسَ الَّذِي كَانَ قَدْ قُلِّدَ الْكَهَنُوتَ الأَعْظَمَ، ثُمَّ انْقَادَ إِلَى النَّجَاسَةِ أَيَّامِ الاِخْتِلاَطِ، أَيْقَنَ أَنْ لاَ خَلاَصَ لَهُ الْبَتَّةَ وَلاَ سَبِيلَ إِلَى ارْتِقَاءِ الْمَذْبَحِ الْمُقَدَّسِ،
4
فَأَتَى دِيمِتْرِيُوسَ الْمَلِكَ فِي السَّنَةِ الْمِئَةِ وَالْحَادِيَةِ وَالْخَمْسِينَ، وَأَهْدَى إِلَيْهِ إِكْلِيلاً مِنْ ذَهَبٍ وَسَعَفَةً وَأَغْصَاناً مِنْ زَيْتُونٍ مِمَّا يَخْتَصُّ بِالْهَيْكَلِ، وَبَقِيَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ سَاكِتاً.
5
ثُمَّ أَصَابَ فُرْصَةً تُوَافِقُ رُعُونَةَ مَقَاصِدِهِ؛ فَإِنَّ دِيمِتْرِيُوسَ دَعَاهُ إِلَى دِيوَانِهِ وَسَأَلَهُ عَنْ أَحْوَالِ الْيَهُودِ وَمَا فِي نِيَّاتِهِمْ.
6
فَقَالَ: «إِنَّ الْحَسِيدِيِّينَ مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ عَلَيْهِمْ يَهُوذَا الْمَكَّابِيُّ لاَ يَزَالُونَ فِي الْحُرُوبِ وَالْفِتَنِ، وَلاَ يَدَعُونَ لِلْمَمْلَكَةِ رَاحَةً.
7
وَهَأَنَذَا قَدْ سُلِبْتُ كَرَامَةَ آبَائِي، أَعْنِي الْكَهَنُوتَ الأَعْظَمَ، فَقَدِمْتُ إِلَى هُنَا،
8
أَوَّلاً: لأُوَفِّيَ خِدْمَتِي فِيمَا يَأُولُ إِلَى مَصْلَحَةِ الْمَلِكِ، وَثَانِياً: لِلسَّعْيِ فِي مَصْلَحَةِ قَوْمِي، لأَنَّ سَفَهَ أُولئِكَ النَّاسِ قَدْ أَنْزَلَ بِأُمَّتِنَا الْبَلاَءَ الشَّدِيدَ.
9
فَإِذْ قَدِ اطَّلَعْتَ، أَيُّهَا الْمَلِكُ، عَلَى تَفْصِيلِ ذلِكَ؛ فَالْتَفِتْ إِلَى بِلاَدِنَا وَأُمَّتِنَا الْمَبْغِيِّ عَلَيْهَا، بِمَا فِيكَ مِنَ الرِّفْقِ وَالإِحْسَانِ إِلَى الْجَمِيعِ،
10
فَإِنَّهُ مَا دَامَ يَهُوذَا بَاقِياً فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ تَكُونَ الأَحْوَالُ فِي دَعَةٍ».
11
وَلَمَّا أَتَمَّ مَقَالَهُ، جَعَلَ سَائِرُ أَصْدِقَاءِ دِيمِتْرِيُوسَ، وَهُمْ أَعْدَاءٌ لِيَهُوذَا يُوغِرُونَهُ عَلَيْهِ.
12
فَاسْتَحْضَرَ مِنْ سَاعَتِهِ نِكَانُورَ مُدَبِّرَ الْفِيَلَةِ، وَأَقَامَهُ قَائِداً عَلَى الْيَهُودِيَّةِ وَأَرْسَلَهُ،
13
وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْتُلَ يَهُوذَا وَيُبَدِّدَ أَصْحَابَهُ، وَيُقِيمَ أَلْكِيمُسَ كَاهِناً أَعْظَمَ لِلْهَيْكَلِ الشَّهِيرِ.
14
فَأَخَذَ الأُمَمُ الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ يَفِرُّونَ عَنْ يَهُوذَا، وَيَنْضَمُّونَ أَفْوَاجاً إِلَى نِكَانُورَ، وَهُمْ يَعُدُّونَ نَكَبَاتِ الْيَهُودِ وَرَزَايَاهُمْ حَظًّا لَهُمْ.
15
وَلَمَّا بَلَغَ الْيَهُودَ قُدُومُ نِكَانُورَ وَانْضِمَامُ الأُمَمِ إِلَيْهِ، حَثَوُا التُّرَابَ عَلَى رُؤُوسِهِمْ، وَابْتَهَلُوا إِلَى الَّذِي أَقَامَ شَعْبَهُ لِيَبْقَى مَدَى الدَّهْرِ مُدَافِعاً عَنْ مِيرَاثِهِ بِآيَاتٍ بَيِّنَةٍ،
16
ثُمَّ أَمَرَهُمُ الْقَائِدُ؛ فَبَادَرُوا الْمَسِيرَ مِنْ هُنَاكَ وَالْتَقَوْهُمْ عِنْدَ قَرْيَةِ دَسَّاوَ.
17
وَكَانَ سِمْعَانُ أَخُو يَهُوذَا قَدْ نَازَلَ نِكَانُورَ؛ فَجَاءَتْهُ نَجْدَةٌ عَلَى حِينِ بَغْتَةٍ؛ فَأَدْرَكَهُ بَعْضُ الْفَشَلِ.
18
وَلكِنْ لَمَّا سَمِعَ نِكَانُورُ بِمَا أَبْدَاهُ أَصْحَابُ يَهُوذَا مِنَ الْبَأْسِ وَالْبَسَالَةِ فِي مُدَافَعَاتِهِمْ عَنِ الْوَطَنِ، أَشْفَقَ مِنْ أَنْ يَفْصِلَ الأَمْرَ بِالسِّلاَحِ،
19
فَأَرْسَلَ بُوسِيدُونِيُوسَ وَتَاوُدُوتُسَ وَمَتَّثْيَا لِعَرْضِ الصُّلْحِ وَإِمْضَائِهِ.
20
فَبَحَثُوا فِي الأَمْرِ طَوِيلاً وَعَرَضَ الْقَائِدُ ذلِكَ عَلَى الْجُمْهُورِ؛ فَأَجْمَعُوا كُلُّهُمْ عَلَى رَأْيٍ وَاحِدٍ وَقَبِلُوا الْعَهْدَ،
21
وَعَيَّنُوا يَوْماً يُوَاجِهُونَهُمْ فِيهِ سِرًّا. فَأَقْبَلَ نِكَانُورُ وَجِيءَ بِالْكَرَاسِيِّ مِنَ الْجَانِبَيْنِ،
22
وَأَقَامَ يَهُوذَا رِجَالاً مُتَسَلِّحِينَ مُتَأَهِّبِينَ فِي الْمَوَاضِعِ الْمُوَافِقَةِ، مَخَافَةً أَنْ يَدْهَمَهُمُ الأَعْدَاءُ بِشَرٍّ، ثُمَّ تَفَاوَضُوا وَعَقَدُوا الاِتِّفَاقَ.
23
وَأَقَامَ نِكَانُورُ بِأُورُشَلِيمَ لاَ يَأْتِي مُنْكَراً، وَأَطْلَقَ الْجُيُوشَ الَّتِي اجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ أَفْوَاجاً.
24
وَكَانَ كَثِيرَ التَّرَدُّدِ إِلَى يَهُوذَا، وَصَبَا إِلَيْهِ بِقَلْبِهِ،
25
وَحَثَّهُ عَلَى الزَّوَاجِ وَالاِسْتِيلاَدِ؛ فَتَزَوَّجَ وَلَبِثَ فِي رَاحَةٍ وَطِيبِ عَيْشٍ.
26
وَلَمَّا رَأَى أَلْكِيمُسُ مَا هُمَا فِيهِ مِنَ التَّصَافِي وَالتَّعَاهُدِ، عَادَ فَأَتَى إِلَى دِيمِتْرِيُوسَ وَقَالَ: «إِنَّ نِكَانُورَ يَرَى فِي الأُمُورِ رَأْيَ الْفَسَادِ، وَإِنَّهُ قَدْ عَيَّنَ فِي مَوْضِعِهِ يَهُوذَا الْكَامِنَ لِلْمَمْلَكَةِ كَاهِناً أَعْظَمَ».
27
فَاسْتَشَاطَ الْمَلِكُ غَضَباً وَوَغِرَ صَدْرُهُ بِسِعَايَةِ ذلِكَ الْفَاجِرِ؛ فَكَتَبَ إِلَى نِكَانُورَ يَقُولُ: «إِنَّهُ سَاخِطٌ مِنْ ذلِكَ الْعَهْدِ، وَيَأْمُرُهُ بِأَنْ يُبَادِرَ إِلَى إِرْسَالِ الْمَكَّابِيِّ مُقَيَّداً إِلَى إِنْطَاكِيَةَ».
28
فَلَمَّا وَقَفَ نِكَانُورُ عَلَى ذلِكَ؛ أَدْرَكَتْهُ الْحَيْرَةُ، وَصَعُبَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْقُضَ عَهْدَهُ، وَلَمْ يَرَ مِنَ الرَّجُلِ ظُلْماً،
29
وَلكِنْ إِذْ لَمْ يَجِدْ سَبِيلاً إِلَى مُقَاوَمَةِ الْمَلِكِ؛ تَرَبَّصَ فُرْصَةً لِيُمْضِيَ الأَمْرَ بِالْمَكِيدَةِ.
30
وَرَأَى الْمَكَّابِيُّ أَنَّ نِكَانُورَ قَدْ تَغَيَّرَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَعُدْ يَتَلَقَّاهُ بِبَشَاشَتِهِ الْمَأْلُوفَةِ؛ فَفَطِنَ أَنَّ هذَا التَّغَيُّرَ لَيْسَ عَنْ خَيْرٍ، فَجَمَعَ عَدَداً مِنْ أَصْحَابِهِ وَتَغَيَّبَ عَنْ نِكَانُورَ.
31
فَلَمَّا رَأَى نِكَانُورُ أَنَّ الرَّجُلَ قَدْ سَبَقَهُ بِحَزْمِهِ وَدَهَائِهِ انْطَلَقَ إِلَى الْهَيْكَلِ الْعَظِيمِ الْمُقَدَّسِ، وَكَانَ الْكَهَنَةُ يُقَدِّمُونَ الذَّبَائِحَ عَلَى عَادَتِهِمْ؛ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُسَلِّمُوا إِلَيْهِ الرَّجُلَ.
32
فَأَقْسَمُوا وَقَالُوا: «إِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ أَيْنَ الَّذِي يَطْلُبُهُ»؛ فَمَدَّ يَمِينَهُ عَلَى الْهَيْكَلِ،
33
وَأَقْسَمَ قَائِلاً: «لَئِنْ لَمْ تُسَلِّمُوا إِلَيَّ يَهُوذَا مُوثَقاً، لأَهْدِمَنَّ بَيْتَ اللهِ هذَا إِلَى الأَرْضِ، وَلأَقْلَعَنَّ الْمَذْبَحَ وَأُشَيِّدَنَّ هُنَا هَيْكَلاً شَهِيراً لِدِيُونِيسِيُوسَ».
34
قَالَ هذَا وَانْصَرَفَ؛ فَرَفَعَ الْكَهَنَةُ أيْدِيَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ، وَدَعَوْا مَنْ هُوَ نَصِيرُ أُمَّتِنَا عَلَى الدَّوَامِ قَائِلِينَ:
35
«يَا مَنْ هُوَ رَبُّ الْجَمِيعِ، الْغَنِيُّ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، لَقَدْ حَسُنَ لَدَيْكَ أَنْ يَكُونَ هَيْكَلُ سُكْنَاكَ فِيمَا بَيْنَنَا،
36
فَالآنَ، أَيُّهَا الرَّبُّ، يَا قُدُّوسَ كُلِّ قَدَاسَةٍ، صُنْ هذَا الْبَيْتَ الَّذِي قَدْ طُهِّرَ عَنْ قَلِيلٍ، وَاحْفَظْهُ طَاهِراً إِلَى الأَبَدِ».
37
وَكَانَ فِي أُورُشَلِيمَ شَيْخٌ اسْمُهُ رَازِيسُ، وَهُوَ رَجُلٌ مُحِبٌّ لِوَطَنِهِ مَحْمُودُ السُّمْعَةِ، يُسَمَّى بِأَبِي الْيَهُودِ لِمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنَ الْغَيْرَةِ عَلَيْهِمْ، فَوُشِيَ بِهِ إِلَى نِكَانُورَ.
38
وَكَانَ فِيمَا سَلَفَ مِنْ أَيَّامِ الاِخْتِلاَطِ مُخْلِصَ التَّمَسُّكِ بِدِينِ الْيَهُودِ، وَلَمْ يَزَلْ يَبْذُلُ جِسْمَهُ وَنَفْسَهُ فِي سَبِيلِ الدِّينِ.
39
وَأَرَادَ نِكَانُورُ أَنْ يُبْدِيَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنَ الْحَنَقِ عَلَى الْيَهُودِ؛ فَأَرْسَلَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِ مِئَةِ جُنْدِيٍّ لِيَقْبِضُوا عَلَيْهِ،
40
لاِعْتِقَادِهِ أَنَّهُ إِنْ أَمْسَكَهُ فَقَدْ أَنْزَلَ بِهِمْ مُصِيبَةً عَظِيمَةً.
41
فَلَمَّا رَأَى الْجُنُودَ قَدْ أَوْشَكُوا أَنْ يَسْتَوْلُوا عَلَى الْبُرْجِ وَيَفْتَحُوا بَابَ الدَّارِ، وَقَدْ أَطْلَقُوا النَّارَ لإِحْرَاقِ الأَبْوَابِ، وَأَصْبَحَ مُحَاطاً مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَجَأَ نَفْسَهُ بِالسَّيْفِ،
42
وَاخْتَارَ أَنْ يَمُوتَ بِكَرَامَةٍ، وَلاَ يَصِيرَ فِي أَيْدِي الْمُجْرِمِينَ، وَيُشْتَمَ بِمَا لاَ يَلِيقُ بِأَصْلِهِ الْكَرِيمِ،
43
وَلكِنَّهُ لِعَجَلَتِهِ أَخْطَأَ الْمَقْتَلَ، وَإِذْ كَانَتِ الْجُنُودُ قَدْ هَجَمَتْ إِلَى دَاخِلِ الأَبْوَابِ، رَقِيَ إِلَى السُّورِ بِقَلْبٍ جَلِيدٍ، وَأَلْقَى بِنَفْسِهِ مِنْ فَوْقِ الْجُنُودِ،
44
فَانْفَرَجُوا لِحِينِهِمْ؛ فَسَقَطَ فِي وَسَطِ الْفُرْجَةِ.
45
وَإِذْ كَانَ بِهِ رَمَقٌ، وَقَدِ اشْتَعَلَتْ فِيهِ الْحَمِيَّةُ، قَامَ وَدَمُهُ، يَتَفَجَّرُ كَالْيَنْبُوعِ وَجِرَاحُهُ بَالِغَةٌ وَاخْتَرَقَ الْجُنُودَ عَدْوًا،
46
وَاسْتَوَى قَائِماً عَلَى صَخْرَةٍ عَالِيَةٍ، وَقَدْ نَزَفَ دَمُهُ، ثُمَّ أَخْرَجَ أَمْعَاءَهُ وَحَمْلَهَا بِيَدَيْهِ وَطَرَحَهَا عَلَى الْجُنْدِ، وَدَعَا رَبَّ الْحَيَاةِ وَالرُّوحِ أَنْ يَرُدَّهُمَا عَلَيْهِ ثُمَّ فَاضَتْ نَفْسُهُ.
الاصحاح الخامس عشر
1
وَبَلَغَ نِكَانُورَ أَنَّ أَصْحَابَ يَهُوذَا فِي نَوَاحِي السَّامِرَةِ؛ فَعَزَمَ عَلَى مُفَاجَأَتِهِ يَوْمَ السَّبْتِ دُونَ تَعْرُّضٍ لِخَطَرِ الْحَرْبِ.
2
فَقَالَ لَهُ الْيَهُودُ الَّذِينَ شَايَعُوهُ اضْطِرَاراً: «لاَ تَأْخُذِ الْقَوْمَ بِهذِهِ الْقَسْوَةِ وَالْخُشُونَةِ، بَلِ ارْعَ حُرْمَةَ يَوْمٍ قَدْ أَكْرَمَهُ وَقَدَّسَهُ الرَّقِيبُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ».
3
فَسَأَلَ ذلِكَ الْفَاجِرُ: «وَهَلْ فِي السَّمَاءِ قَدِيرٌ أَمَرَ بِحِفْظِ يَوْمِ السَّبْتِ؟»
4
فَقَالُوا: «إِنَّ فِي السَّمَاءِ الرَّبَّ الْحَيَّ الْقَدِيرَ، وَهُوَ الَّذِي أَوْصَى بِحِفْظِ الْيَوْمِ السَّابِعِ».
5
فَقَالَ الرَّجُلُ: «وَأَنَا أَيْضاً قَدِيرٌ فِي الأَرْضِ؛ فَآمُرُ بِأَخْذِ السِّلاَحِ وَإِمْضَاءِ أَوَامِرِ الْمَلِكِ». وَلكِنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ قَضَاءِ مَأْرَبِهِ الْخَبِيثِ.
6
وَكَانَ نِكَانُورُ بِمَا عِنْدَهُ مِنَ الزَّهْوِ وَالصَّلَفِ؛ مُضْمِراً أَن يَنْصِبَ تَذْكَاراً يُشِيرُ بِهِ إِلَى جَمِيعِ غَلَبَاتِهِ عَلَى أَصْحَابِ يَهُوذَا.
7
وَأَمَّا الْمَكَّابِيُّ فَلَمْ يَزَلْ يَثِقُ كُلَّ الثِّقَةِ بِأَنَّ الرَّبَّ سَيُؤْتِيهِ النَّصْرَ،
8
فَحَرَّضَ أَصْحَابَهُ أَنْ لاَ يَجْزَعُوا مِنْ غَارَةِ الأُمَمِ، بَلْ يَذْكُرُوا النَّجَدَاتِ الَّتِي طَالَ مَا أُمِدُّوا بِهَا مِنَ السَّمَاءِ، وَيَنْتَظِرُوا الظَّفَرَ وَالنُّصْرَةَ الَّتِي سَيُؤْتَوْنَهَا مِنْ عِنْدِ الْقَدِيرِ.
9
ثُمَّ كَلَّمَهُمْ عَنِ الشَّرِيعَةِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَذَكَرَ لَهُمُ الْوَقَائِعَ الَّتِي بَاشَرُوهَا حَتَّى أَذْكَى حَمَاسَتَهُمْ.
10
وَبَعْدَمَا ثَبَّتَ عَزَائِمَهُمْ، شَرَحَ لَهُمْ كَيْفَ نَقَضَتِ الأُمَمُ عُهُودَهَا وَحَنِثَتْ بأَيمْانِهَا،
11
وَسَلَّحَ كُلاًّ مِنْهُمْ بِتَعْزِيَةِ كَلاَمِهِ الصَّالِحِ أَكْثَرَ مِمَّا سَلَّحَهُمْ بِالتُّرُوسِ وَالرِّمَاحِ، ثُمَّ قَصَّ عَلَيْهِمْ رُؤْيَا يَقِينِيَّةً تَجَلَّتْ لَهُ فِي الْحُلْمِ، فَشَرَحَ بِهَا صُدُورَهُمْ أَجْمَعِينَ.
12
وَهذِهِ هِيَ الرُّؤْيَا قَالَ: «رَأَيْتُ أُونِيَّا الْكَاهِنَ الأَعْظَمَ رَجُلَ الْخَيْرِ وَالصَّلاَحِ الْمَهِيبَ الْمَنْظَرِ الْحَلِيمَ الأَخْلاَقِ، صَاحِبَ الأَقْوَالِ الرَّائِعَةِ الْمُوَاظِبَ مُنْذُ صَبَائِهِ عَلَى جَمِيعِ ضُرُوبِ الْفَضَائِلِ، بَاسِطاً يَدَيْهِ وَمُصَلِّياً لأَجْلِ جَمَاعَةِ الْيَهُودِ بِأَسْرِهَا.
13
ثُمَّ تَرَاءَى لِي رَجُلٌ كَرِيمُ الشَّيْبَةِ أَغَرُّ الْبَهَاءِ عَلَيْهِ جَلاَلَةٌ عَجِيبَةٌ سَامِيَةٌ.
14
فَأَجَابَ أُونِيَّا وَقَالَ: «هذَا مُحِبُّ الإِخْوَةِ الْمُكْثِرُ مِنَ الصَّلَوَاتِ لأَجْلِ الشَّعْبِ وَالْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ إِرْمِيَا نَبِيُّ اللهِ».
15
ثُمَّ إِنَّ إِرْمِيَا مَدَّ يَمِينَهُ، وَنَاوَلَ يَهُوذَا سَيْفاً مِنْ ذَهَبٍ، وَقَالَ:
16
«خُذْ هذَا السَّيْفَ الْمُقَدَّسَ هِبَةً مِنْ عِنْدِ اللهِ بِهِ تَحْطِمُ الأَعْدَاءَ».
17
فَطَابَتْ قُلُوبُهُمْ بِأَقْوَالِ يَهُوذَا الصَّالِحَةِ الَّتِي حَرَّكَتْ بِقُوَّتِهَا حَمَاسَتَهُمْ، وَأَثَارَتْ نُفُوسَ الشُّبَّانِ، وَعَقَدُوا عَزْمَهُمْ عَلَى أَنْ لاَ يُعَسْكِرُوا بَلْ يَهْجُمُوا بِشَجَاعَةٍ وَيُحَارِبُوا بِكُلِّ بَسَالَةٍ، حَتَّى يَفْصِلُوا الأَمْرَ إِذْ كَانَتِ الْمَدِينَةُ وَالأَقْدَاسُ وَالْهَيْكَلُ فِي خَطَرٍ.
18
وَكَانَ اضْطِرَابُهُمْ عَلَى النِّسَاءِ وَالأَوْلاَدِ وَالإِخْوَةِ وَذَوِي الْقَرَابَاتِ أَيْسَرَ وَقْعاً مِنْ خَوْفِهِمْ عَلَى الْهَيْكَلِ الْمُقَدَّسِ، الَّذِي كَانَ هُوَ الْخَوْفَ الأَعْظَمَ وَالأَوَّلَ.
19
وَكَانَ الْبَاقُونَ فِي الْمَدِينَةِ فِي اضْطِرَابٍ شَدِيدٍ مِنْ قِبَلِ الْقِتَالِ الَّذِي كَانُوا يَتَوَقَّعُونَهُ فِي الْفَضَاءِ.
20
وَبَيْنَا كَانَ الْجَمِيعُ يَنْتَظِرُونَ مَا يَأُولُ إِلَيْهِ الأَمْرُ، وَقَدِ ازْدَلَفَ الْعَدُوُّ وَاصْطَفَّ الْجَيْشُ وَأُقِيمَتِ الْفِيَلَةُ فِي مَوَاضِعِهَا وَتَرَتَّبَتِ الْفُرْسَانُ عَلَى الْجَنَاحَيْنِ،
21
تَفَرَّسَ الْمَكَّابِيُّ فِي كَثْرَةِ الْجُيُوشِ وَتَوَفُّرِ الأَسْلِحَةِ الْمُخْتَلِفَةِ وَضَرَاوَةِ الْفِيَلَةِ؛ فَرَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ وَدَعَا الرَّبَّ الرَّقِيبَ صَانِعَ الْمُعْجِزَاتِ، لِعِلْمِهِ أَنْ لَيْسَ الظَّفَرُ بِالسِّلاَحِ وَلكِنَّهُ بِقَضَائِهِ يُؤْتِي الظَّفَرَ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ.
22
وَصَلَّى قَائِلاً: «إِنَّكَ، يَا رَبُّ، قَدْ أَرْسَلْتَ مَلاَكَكَ فِي عَهْدِ حِزْقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا فَقَتَلَ مِنْ جُنْدِ سَنْحَارِيبَ مِئَةً وَخَمْسَةً وَثَمَانِينَ أَلْفاً.
23
وَالآنَ، يَا مَلِكَ السَّمَوَاتِ، أَرْسِلْ مَلاَكاً صَالِحاً أَمَامَنَا يُوقِعُ الرُّعْبَ وَالرِّعْدَةَ وَبِعَظَمَةِ ذِرَاعِكَ،
24
لِيَتَرَوَّعِ الَّذِينَ وَافَوْا عَلَى شَعْبِكَ الْمُقَدَّسِ مُجَدِّفِينَ». وَكَانَ يَهُوذَا يُصَلِّي هكَذَا،
25
وَأَصْحَابُ نِكَانُور يَتَقَدَّمُونَ بِالأَبْوَاقِ وَالأَغَانِيِّ،
26
فَوَاقَعَهُمْ أَصْحَابُ يَهُوذَا بِالدُّعَاءِ وَالصَّلَوَاتِ.
27
وَفِيمَا هُمْ يُقَاتِلُونَ بِالأَيْدِي؛ كَانُوا يُصَلُّونَ إِلَى اللهِ فِي قُلُوبِهِمْ؛ فَصَرَعُوا خَمْسَةً وَثَلاَثِينَ أَلْفاً، وَهُمْ فِي غَايَةِ التَّهَلُّلِ بِمَحْضَرِ اللهِ وَنُصْرَتِهِ.
28
وَلَمَّا فَرَغُوا مِنَ الْجِهَادِ وَرَجَعُوا مُبْتَهِجِينَ، وَجَدُوا نِكَانُورَ بِسِلاَحِهِ وَقَدْ خَرَّ قَتِيلاً.
29
حِينَئِذٍ ارْتَفَعَ الْهُتَافُ وَالزَّجَلُ، وَسَبَّحُوا الْمَلِكَ الْعَظِيمَ بِلِسَانِ آبَائِهِمْ
30
ثُمَّ إِنَّ يَهُوذَا الَّذِي لَمْ يَزَلْ فِي مُقَدِّمَةِ أَهْلِ وَطَنِهِ، بَاذِلاً دُونَهُمْ جَسَدَهُ وَنَفْسَهُ، وَرَاعِياً لِبَنِي أُمَّتِهِ الْمَوَدَّةَ الَّتِي آثَرَهُمْ بِهَا مُنْذُ حَدَاثَتِهِ، أَمَرَ بِقِطَعِ رَأْسِ نِكَانُورَ وَيَدِهِ مَعَ كَتِفِهِ وَحَمْلِهِمَا إِلَى أُورُشَلِيمَ.
31
وَلَمَّا بَلَغَ إِلَى هُنَاكَ دَعَا بَنِي أُمَّتِهِ وَالْكَهَنَةَ، وَقَامَ أَمَامَ الْمَذْبَحِ وَاسْتَحْضَرَ الَّذِينَ فِي الْقَلْعَةِ،
32
وَأَرَاهُمْ رَأْسَ نِكَانُورَ الْفَاحِشِ وَيَدَ ذلِكَ الْفَاجِرِ الَّتِي مَدَّهَا مُتَجَبِّراً عَلَى بَيْتِ الْقَدِيرِ الْمُقَدَّسِ.
33
ثُمَّ قَطَعَ لِسَانَ نِكَانُورَ الْمُنَافِقِ، وَأَمَرَ بِأَنْ يُقَطَّعَ قِطَعاً وَيُطْرَحَ إِلَى الطُّيُورِ وَتُعَلَّقَ يَدُ ذلِكَ الأَحْمَقِ تُجَاهَ الْهَيْكَلِ.
34
وَكَانَ الْجَمِيعُ يُبَارِكُونَ إِلَى السَّمَاءِ الرَّبَّ الْحَاضِرَ لِنُصْرَتِهِمْ، قَائِلِينَ: «تَبَارَكَ الَّذِي حَفِظَ مَوْضِعَهُ مِنْ كُلِّ دَنَسٍ».
35
وَرَبَطَ رَأْسَ نِكَانُور عَلَى الْقَلْعَةِ، لِيَكُونَ دَلِيلاً بَيِّناً جَلِيًّا عَلَى نُصْرَةِ اللهِ.
36
ثُمَّ رَسَمَ الْجَمِيعُ بِتَوْقِيعٍ عَامٍّ أَنْ لاَ يُتْرَكَ ذلِكَ الْيَوْمُ بِدُونِ احْتِفَالٍ،
37
بَلْ يَكُونَ عِيداً، وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الثَّانِي عَشَرَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ آذَارُ بِلِسَانِ أَرَامَ قَبْلَ يَوْمِ مَرْدَخَايَ بِيَوْمٍ وَاحِدٍ.
38
هذَا مَا تَمَّ مِنْ أَمْرِ نِكَانُورَ، وَمُنْذُ تِلْكَ الأَيَّامِ عَادَتِ الْمَدِينَةُ فِي حَوْزَةِ الْعِبْرَانِيِّينَ، وَههُنَا أَنَا أَيْضاً أَجْعَلُ خِتَامَ الْكَلاَمِ
39
فَإِنْ كُنْتُ قَدْ أَحْسَنْتُ التَّأْلِيفَ وَأَصَبْتُ الْغَرَضَ فَذلِكَ مَا كُنْتُ أَتَمَنَّى، وَإِنْ كَانَ قَدْ لَحِقَنِي الْوَهَنُ وَالتَّقْصِيرُ فَإِنِّي قَدْ بَذَلْتُ وُسْعِي.
40
ثُمَّ كَمَا أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ وَحْدَهَا أَوْ شُرْبَ الْمَاءِ وَحْدَهُ مُضِرٌّ؛ وَإِنَّمَا تَطِيبُ الْخَمْرُ مَمْزُوجَةً بِالْمَاءِ، وَتُعْقِبُ لَذَّةً وَطَرَباً، كَذلِكَ تَنْمِيقُ الْكَلاَمِ عَلَى هذَا الأُسْلُوبِ يُطْرِبُ مَسَامِعَ مُطَالِعِي التَّأْلِيفِ. اِنْتَهَى.